علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
جمع المفترق أو التلفيق
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 605 ــ 610
2025-08-04
35
[[جمع المفترق أو التلفيق]]
الثامن: إذا كان الحديث عند الراوي عند اثنين وأكثر، وبين روايتهما تفاوت في اللفظ، والمعنى واحد؛ كان له أن يجمع بينهما في الإسناد، ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما خاصّة (1)، ويقول: أخبرنا فلان وفلان، واللفظ لفلان، أو هذا لفظ فلان، وما أشبه ذلك من العبارات.
[[صنيع مسلم في "صحيحه"]]
ولمسلم في "صحيحه" عبارة أخرى حسنة كقوله (2): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش (3) وساق الحديث، فإعادته ثانيا ذكر أبي بكر خاصة إشعارًا بأنّ اللفظ المذكور لأبي بكر.
وأمّا إذا لم يخصّ لفظ أحدهما بالذكر، بل أخذ من لفظ هذا ولفظ ذاك وقال (4): أخبرنا فلان وفلان، وتقاربا في اللفظ، قالا: أخبرنا؛ فهو جائز على تجويز الرواية بالمعنى(5).
[[صنيع أبي داود في "سننه"]]
وأمّا قول أبي داود في "السنن": حدثنا مسدّد وأبو توبة المعنى قالا: حدثنا أبو الأحوص(6)، مع أشباه هذا في كتابه، فيحتمل أن يكون من قبيل الأول، فاللفظ المسدّد، يوافقه أبو توبة في المعنى، ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني، فلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصّة، بل رواه بالمعنى عن كليهما (7)، وهذا الاحتمال يقرب في قوله: حدثنا مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قالا: حدثنا أبان(8).
[[صنيع البخاري في "صحيحه"]]
وأمّا إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى، ولم يبيّن، فقد عيب به البخاري(9) وغيره (10)، ولا بأس به على تجويز الرواية بالمعنى (11).
[[إذا سمع كتابا من جماعة وقابله بأصل بعض دون بعض]]:
وإذا سمع كتابًا مصنّفًا من جماعة (12)، ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض، وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول: اللفظ لفلان كما سبق؛ فهذا يحتمل أن يجوز كالأول؛ لأنّ ما أورده قد سمعه بنّصه ممّن ذكر (13) أنّه بلفظه.
ويحتمل ألّا يجوز؛ لأنّه لا علم له بكيفيّة رواية الآخرين حتّى يخبر عنها، بخلاف ما سبق؛ فإنّه اطّلع على رواية [غير] (14) من نسب إليه اللفظ، وعلى موافقتها من حيث المعنى (15) فأخبر بذلك (16).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الأسلوب يسقيه بعض العلماء (التلفيق) أو (جمع المفترق)، وهو واقع في "الصحيحين"، وله أسباب، من أهمّها: الاختصار، بيان أنّ الحديث فيه متابعة وتثبت، وأن يكون المحدّث سمع الحديث من شيخين، ثم نسي القدر الذي حدثه به كل واحد منهما، لكنّه حفظ مجمل حديثهما. والاختلاط فصنعه – مثلاً - عطاء بن السائب، فكان يلفّق بعد اختلاطه كما تراه في "الضعفاء" (3/ 399) للعقيلي، و"شرح علل الترمذي" (2/ 599، 560). ومن الضوابط التي استنبطها شعبة قوله لابن علية: "إذا حدثك عطاء بن السائب عن رجل واحد فهو ثقة، وإذا جمع فقال: زاذان وميسرة وأبو البختري فاتقه، كان الشيخ تغير"، كذا في "شرح العلل" (2/ 672). ومن الأسباب أيضا: ما يفعله المتروكون لأجل الشهرة، انظر: "التبصرة والتذكرة" (2/ 183)، "فتح المغيث" (2/ 244)، "توضيح الأفكار" (2/ 382)، "جمع المفترق من الحديث النبوي" (29 - 38)، وذكر الأسباب السالفة منه.
(2) في الأصل: "كقولنا" وهو خطأ، والصواب المثبت، والعبارة في "المنهل الروي" (101) و"الإرشاد" (1/ 478) وأصلها لابن الصلاح في "المقدّمة" (405).
(3) صحيح مسلم (673): كتاب المساجد: باب من أحقّ بالإمامة، وفيه بالسند المذكور للأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول - صلى الله عليه [وآله] وسلم -: "يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة: سواء. . .". يحتمل أنّه أراد بإعادته بيان التصريح فيه بالتحديث، وأنّ أبا سعيد عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الأشج لم يصرّح في روايته بالتحديث، انظر "التبصرة والتذكرة" (2/ 184)، "نكت الزركشي" (3/ 626) وعادة مسلم إذا لم يبين صاحب اللفظ أنّ اللفظ المذكور يكون لصاحب المسند الأول، وأمّا عادة البخاري التي عرفت بالاستقراء فإنّه إذا جمع بين الشيوخ، أو أنّه استعمل التحويل، فإنّ اللفظ الذي يسوقه لصاحب المسند الثاني، قاله ابن حجر في "الفتح" (1/ 436 – ط: السلفيّة).
(4) اشتهر بصنيع هذا من الرواة: الزهري وحماد بن سلمة ومحمد بن إسحاق والواقدي، وهو بالجملة كثير في كتب المغازي؛ لأنّ المعتمد فيها على سرد الوقائع والحوادث، ولذا يصنعه عروة بن الزبير.
(5) لأنّ الذي يجمع ما تفرّق من ألفاظ الحديث، ويلفّق ذلك في سياق واحد، لم يؤدِّ الحديث كما سمعه، بل تصرّف في الألفاظ والسياق، حتّى يتمكّن من التعبير عن المعاني المتفرّقة، ولهذا فكثير من الأحاديث التي فيها جمع المفترق لا تخلو من الرواية بالمعنى في بعض السياق أو أكثره، ولذا فلا بد لمن يجمع المفترق أن يكون فيه من القدرات ما يشترط للرواية بالمعنى، وسبق ذكرها مفضلة في التعليق على (ص 588 - 589)، ولذا تكلم جماعة من النقاد والجهابذة في بعض الرواة بسبب عدم ضبطهم للمعنى عند التلفيق، ولذا هنالك صلة وثيقة. بين (التلفيق) و(علم العلل) وعلى الرغم من وجود (التلفيق) في بعض روايات "الصحيحين" إلا أنّ لصاحبيها (ذوق) و(نقد) في ذلك، وهذا مثال يوضح المقصود، قال أبو يعلى الخليلي في "الإرشاد" (1/ 417): "ذاكرت يومًا بعض الحفّاظ، فقلت: البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في الصحيح وهو زاهد ثقة؟ قال: لأنّه يجمع بين جماعة من أصحاب أنس، يقول: حدّثنا قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب، وربّما يخالف في بعض ذلك، فقلت: أليس ابن وهب اتّفقوا عليه وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: حدثنا مالك وعمرو بن الحارث والليث بن سعد والأوزاعي، ولجمع بين جماعة غيرهم؟ فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ له".
ومع هذا، فإنّ أصحاب "الصحيحين" لم يسلما من النقد بسبب التلفيق الواقع في "صحيحيهما"، وسيأتي تنبيه المصنّف عليه، وينظر تعليقنا هناك.
(6) سنن أبي داود: (375) كتاب الطهارة: باب بول الصبي يصيب الثوب، قال: حدثنا مسدد بن مسرهد والربيع بن نافع -المعنى- قالا: نا أبو الأحوص وساق بسنده إلى لبابة بنت الحارث رفعته: "إنّما يغسل من بول الأنثى. . .".
(7) هذا عجيب، إذ يلزم عليه ألّا يكون رواه بلفظ لواحد من شيخيه، وهو بعيد، قاله البلقيني في "محاسن الاصطلاح" (406) وتبعه الزركشي في "نكته" (3/ 626). قلت: يجوز أن يكون المأتي به لفظ ثالث غير لفظيهما، لكنه ملفق منهما، ولذا قال السخاوي في "فتح المغيث" (2/ 248) متعقبا البلقيني والزركشي: "وفيما قالاه نظر، فيجوز أن يكون ملفقا منهما". قلت: وكلام البلقيني والزركشي أقعد، وانظر المثل الآتي.
(8) سنن أبي داود (2659): كتاب الجهاد: باب الخيلاء في الحرب، وساق بالسند المذكور حديث جابر بن عتيك: إن نبي الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - كان يقول: "من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله. . ." وفيه: "فأمّا الخيلاء التي يحب الله" قال أبو داود على إثره: "قال موسى: والفخر". قلت: فالظاهر أن اللفظ الذي ساقه لمسلم بن إبراهيم، وبالتخريج يقوى هذا الاحتمال إذ أخرجه الطبراني في "الكبير" (1772) وعنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1511) من طريق مسلم بن إبراهيم وحده ولفظه باللفظ الذي أورده أبو داود إلا أن عندهما في آخره: "وأمّا الخيلاء التي يبغض الله فاختياله في البغي والفجور"، وعند أبي داود مثله ولكن فيه ما نصه: "فاختياله في البغي. قال موسى: والفخر"، فحذف (الفجور) من لفظ مسلم، وصرح بلفظ موسى شيخه الآخر.
(9) فيما قدّمنا آنفًا عن الخليلي يجاب عمّا ذكره المصنّف أنّه عيب على البخاري، ولكن للبخاري تجوّزات خفيفة انتقدت عليه، يكاد ألّا يكون لها أثر عمليّ، وهذا مثال على ذلك: أخرج البخاري في "صحيحه" (1592): كتاب الحج: باب قول الله تعالى {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} [المائدة: 97] قال:
حدثنا يحيى بن بكير: حدّثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة وحدثني محمد بن مقاتل قال: أخبرني عبد الله هو ابن المبارك، قال: أخبرنا محمد بن أبي حفصة، عن الزهري عن عروة، عن عائشة قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يومًا تستر فيه الكعبة، فلمّا فرض الله رمضان، قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -: "من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه".
فخلط البخاري السندين، ولم يقل عند انتهاء سند ابن أبي حفصة: "قالا" واشترك عقيل وابن أبي حفصة في المعنى، وزاد الثاني: "وكان يوما تستر فيه الكعبة" قال الإسماعيلي: "ليس في حديث عقيل ستر الكعبة، وإنّما هو في حديث ابن أبي حفصة". والإسماعيلي حافظ لا يقول هذا إلا بعد تتبع، ولذا قال ابن حجر في "الفتح" (3/ 455) على إثر كلامه: "وهو كما قال، وعادة البخاري التجوز في مثل هذا".
فالتلفيق إن كان مؤثّرا، فالبخاري يتحاشاه، وما شابه هذا يمشيه ويتجوز عنه، ومع هذا فله في بعض الأحايين مسالك دقيقة في هذا الباب، انظر: "اختصار علوم الحديث" (147)، "فتح المغيث" (2/ 247).
(10) وقع مثل هذا لمسلم على الرغم من دقته المتناهية في بيان ألفاظ الشيوخ وتمييز الروايات، ولكن في أفراد معدودة، وبأسانيد مستقلة لا يسوق ألفاظها، ويحيل فيها على ما سبقها، قارن ما في "صحيح مسلم" (510): كتاب الصلاة: باب قدر ما يستر المصلي، مع ما في "السنن الكبرى" للبيهقي (2/ 274)، وانظر أيضا: "الصناعة الحديثية عند البيهقي" (392).
(11) شريطة أن يقع الإتقان في الجمع، فإذا أخطأ الراوي في الجمع، أو وقعت علة خفية مؤثرة، فهذا مما لا يقبل، كمن لا يميز في الجمع بين لفظ الثقة والمطروح، ويكون للمطروح زيادة. ولذا قبل النقاد صنيع الزهري وشعبة وابن وهب في جمعهم للمفترق، ولم يقبلوا ذلك من أمثال جابر الجعفي وحمّاد بن سلمة وعبد الرحمن بن عبد الله العمري وعطاء بن السائب، وقبلوا وردوا من ابن جريج، ولابن رجب في "شرح العلل" (2/ 672 - ط العتر) كلام بديع في هذا الباب، جدير بالتأمّل، وساق أمثلة عملية مهمة للمتعلم الذي يروم إتقان الصنعة الحديثيّة، وتكون له مشاركة جادة في هذا المضمار، والله الموفق، لا رب سواه.
ولكن بقيت (عقدة) مهمّة في هذا (الجواز)، وهو: هل الجمع بين المفترق خاصّ في عصر الرواية، أم أنّه عام حتّى في عصر التصنيف والتأليف؟ صنيع شيخنا الألباني في كتبه - ولا سيما "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " و"أحكام الجنائز" و"مختصر صحيح البخاري" - يدلّ على جوازه في التصنيف، ولكن إتباع علماء المصطلح هذا المبحث لرواية الحديث بالمعنى يشعر بالمنع، ولكن سبق ذكر الجواز في التعليق على (ص 589 - 590) عن ابن دقيق العيد في فرع هو أشبه بهذا الجمع، فالقلب يميل للجواز من مضطلع شبعان ريان، لكن بضوابط منهجيّة، ترى شيئا منها في "مقدمة مختصر صحيح البخاري" بقلم شيخنا الألباني.
(12) أمّا إذا روى بعضه عن جماعة، ورواه كله عن غيرهم، فانظر كيف يصنع في "محاسن الاصطلاح" (406 - 407)، "نكت الزركشي" (3/ 627 - 628).
(13) كذا في الأصل والعبارة لابن الصلاح في "مقدّمته" (ص 406) بالحرف، وعنده هنا "ذكره".
(14) سقطت من الأصل، والسياق يقتضيها، وأثبتها من "مقدّمة ابن الصلاح" (ص 406) والمصنف نقل عبارته بالحرف.
(15) في الأصل: "اللفظ" والمثبت من مقدّمة ابن الصلاح" (ص 406)، والسياق والسباق يدل عليه.
(16) زاد ابن جماعة في "المنهل الروي" (102): "قلت: ويحتمل تفصيلاً آخر، وهو النظر إلى الطرق، فإن كانت متباينة بأحاديث مستقلة لم يجز، وإن كان تفاوتها في ألفاظ أو لغات أو اختلاف ضبط؛ جاز". قلت: وهذا في حال علمه بالخلاف، وقد علّل المصنّف المنع بعدم العلم بكيفيّة رواية الآخرين. نعم، الأصل في نسخ الكتب عدم الاختلاف، ولو فرض، فهو يسير غالبا، تجبره الإجازة، ويبقى التفصيل الذي ذكره ابن جماعة فرعًا من الفروع المحتملة. وانظر: "التبصرة والتذكرة" (2/ 185)، "فتح المغيث" (2/ 248).
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
