علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الرواية بالمعنى وشروطها
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 582 ــ 592
2025-08-02
60
[[الرواية بالمعنى وشروطها]]
الخامس: إذا أراد رواية ما سمعه على معناه، فإن لم يكن عارفا بالألفاظ ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها، فلا خلاف في أنّه لا تجوز له رواية ما سمعه بمعناه، وعليه أن يروي ما سمعه باللفظ (1).
[[الاختلاف في الرواية بالمعنى]]
وأمّا إذا كان عالما بذلك كلّه؛ فهذا ممّا اختلف فيه السلف وأصحاب الفقه والأصول، فلم يجوّز بعض المحدّثين والفقهاء والأصوليّين (2).
ومنعه بعضهم (3) في حديث رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - دون غيره.
[[الصحيح من ذلك]]
والأصحّ جواز ذلك في الجميع، وهو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، وكثيرا نقلوا معنى واحدا في أثر واحد بألفاظ مختلفة، فعلم أنّ اعتمادهم على المعنى (4).
[[ما لا يجوز فيه الرواية بالمعنى]]
ثم هذا الخلاف في غير ما وقع [في] (5) بطون الكتب، وتصنيف مصنّف، فليس لأحد أن يغيّر لفظا من كتاب مصنّف، ويكتب بدله فيه لفظًا آخر بمعناه؛ لأنّه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير التصنيف (6).
قلت: ينبغي ألّا يجوز تغيير ما في تصنيف مصنّف باللفظ أيضا، ويقول: قال البخاري في "الصحيح" كذا ويذكر لفظا غير ما فيه لكن بمعناه (7)، والله أعلم.
[[أمور ينبغي مراعاتها لمن روى بالمعنى]]
ومن روى الحديث بالمعنى ينبغي أن يتبعه بقوله: أو كما قال، أو نحو هذا، وما أشبه ذلك. روي ذلك عن ابن مسعود (8)، وأبي الدرداء (9)، وأنس (10)، وغيرهم من الصحابة (11).
وكذا إذا اشتبه على القارئ لفظة فيحسن أن يقول بعد قراءتها على الشك: أو كما قال؛ لأنّ قوله: كما قال؛ يتضمّن إجازة من الراوي وإذنًا في رواية صوابها عنه إذا بان(12).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نفى غير واحد الخلاف في هذا، انظر: "مقدمة ابن الصلاح" (394 – ط: بنت الشاطئ)، "الإرشاد" (1/ 465)، "المنهل الروي" (96) - وقال: "بالإجماع"- وكذا قال الجعبري في "رسوم التحديث" (128) وانظر: "الرسالة" (307 - 310)، "المحدث الفاصل" (530)، "الكفاية" (264)، "تدريب الراوي" (2/ 98) "الباعث الحثيث" (141)، "الإحكام" (2/ 115) للآمدي، "المستصفى" (1/ 168)، "روضة الناظر" (70)، "الرواية بالمعنى في الحديث النبوي وأثرها في الفقه الإسلامي" (42 - 43)، "مناهج المحدّثين في رواية الحديث بالمعنى" (7 - 8).
(2) قالت طائفة من السلف وأهل التحرّي في الحديث: لا تجوز الرواية على المعنى، بل يجب تأدية اللفظ بحينه من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا حذف، ولم يفرّق أصحاب هذا القول بين العالم بمعنى الكلام وموضوعه وما ينوب منه مناب بعض وما لا ينوب، وبين غير العالم بذلك. وذهب بعض القائلين بهذا القول إلى التشديد، فلم يجيزوا تقديم كلمة على كلمة، ولا حرف على آخر، ولا إبدال حرف بآخر، ولا زيادة حرف ولا حذفه، فضلا عن أكثر، ولا تخفيف ثقيل ولا تثقيل خفيف، ولا رفع منصوب ولا نصب مجرور أو مرفوع ولو لم يتغيّر المعنى في ذلك كلّه، بل اقتصر بعضهم على اللفظ، ولو خالف اللغة الفصيحة، وكذا لو كان لحنا، كما بيّن تفصيل هذا كلّه الخطيب في "الكفاية" (265 - 287).
وأسنده عن جمع منهم: أبو هريرة، وابن عمر، وأبو أمامة الباهلي، وأبو معمر الهذلي، وابن سيرين، وعبد الله بن طاووس، وعبد الملك بن عمير، ووهيب بن خالد، وعبد الوارث بن سعيد، ويزيد بن زريع، وإسماعيل بن عليّة، وهو محكي عن جمع غير المذكورين، مثل: عمر بن الخطاب، وزيد بن أرقم، ومالك بن أنس، وابن شهاب، ويحيى بن سعيد، وابن جريج، وإبراهيم بن ميسرة، والقاسم بن محمد، ورجاء بن حيوة، وعبد الوارث، وثعلب؛ وكان يقول: "ما من لفظ من الألفاظ المتواطئة والمترادفة في كلام العرب إلّا بينها وبين صاحبتها فرق، وإن لطفت ودقّت، كقولك: بلى، ونعم، وأقبل وتعال" حكاه عنه صاحب "المسودة" (281).
والمنع بإطلاق هو مذهب أبي بكر الرازي من الحنفية، وبه قال بعض المحدّثين وطائفة من الفقهاء والأصوليّين من الشافعيّة وغيرهم، وهو مذهب الظاهريّة.
وإليه جنح القاضي عياض في "الإلماع" (180) فإنّه قال على إثر نقله المنع عن مالك: "وما قاله الصواب، فإنّ نظر الناس مختلف، وأفهامهم متباينة {وفوق كلّ ذي علم عليم}، كما قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -: "وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، فإذا أدّى اللفظ أمن الغلط واجتهد كلّ من بلغ إليه فيه، وبقي على حاله لمن يأتي بعد، وهو أنزه للراوي، وأخلص للمحدّث. ولا يحتجّ باختلاف الصحابة في نقل الحديث الواحد بألفاظ مختلفة، فإنّهم شاهدوا قرائن تلك الألفاظ، وأسباب تلك الأحاديث، وفهموا معانيها حقيقة، فعبّروا عنها بما اتّفق لهم من العبارات، إذ كانت محافظتهم على معانيها التي شاهدوها والألفاظ ترجمة عنها. وأمّا من بعدهم فالمحافظة أولا على الألفاظ المبلغة إليهم التي منها تستخرج المعاني، فما لم تضبط الألفاظ وتتحرّى وتسومح في العبارات والتحدّث على المعنى انحل النظم، واتّسع الخرق". وقال أيضا (ص 186): "ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن من يظن الحفظ كما وقع لكثير من الرواة قديما وحديثا". وذهب ابن حبان في "المجروحين" (1/ 78) إلى ترك الاحتجاج برواية الثقة غير الفقيه إذا حدث من حفظه، بناء على هذا الأصل، وهو مذهب شاذ، انظر رده في "شرح علل الترمذي" لابن رجب (1/ 431 و2/ 837).
وانظر في المنع والمانعين وحججهم: "المحدث الفاصل" (534، 535، 538، 540، 543)، "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 143)، "طبقات ابن سعد" (7/ 162)، "العلم"، لأبي خيثمة (ص 193) "شرح العلل" (1/ 150 - ط العتر أو 1/ 434 - ط المنار)، "المعلم" للمازري (1/ 280 - 281 - ط دار الغرب)، "البحر المحيط" (6/ 274)، "فتح المغيث" (2/ 214)، "المنهل الروي" (99)، "رسوم التحديث" (128)، "الرواية بالمعنى في الحديث النبوي" (44 - 47)، "مناهج المحدثين في رواية الحديث بالمعنى" (53 - 59).
(3) نقل عن مالك، انظر: "جامع بيان العلم" (2/ 81)، "شرح علل الترمذي" (1/ 434 – ط: المنار)، "تدريب الراوي" (2/ 101)، "فتح الباري" (11/ 112)، "نشر البنود" (2/ 57). وقال القاضي عياض في "الإلماع" (179): "حمل أئمتنا هذا من مالك على الاستحباب".
ومنعه بعضهم لغير الصحابي، حكاه الماوردي، ومنهم من زاد التابعي، وبه جزم ابن العربي المالكي فيما نقله القرطبي في "تفسيره" (1/ 414) عنه وحفيد القاضي أبي بكر في كتابه "أدب الرواية"، ومنهم من جوزه لمن لم يحفظ اللفظ، لأن في كلام النبوة من الفصاحة ما لا يوجد في غيره، وإن لم يحفظ جاز له، اختاره الماوردي في "الحاوي" (1/ 19) وتبناه طاهر الجزائري في "توجيه النظر" (308) ومحمد أبو شهبة في "الدفاع عن السنة" (55)، وذهب ابن حزم في "الإحكام" (1/ 205 - 206) إلى جوازه في حق من سئل عن حكم فأفتى بمعنى الحديث، أو ناظر، فاحتج، وأما عند قصد التبليغ ابتداء، فلا يحل له تبديل لفظه، وتبناه طاهر الجزائري. وانظر "نكت الزركشي" (3/ 610 - 611).
(4) ينبغي التفريق بين ما روي عن النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - على أنّه من أفعاله، وما يروى عنه - صلى الله عليه [وآله] وسلم - على أنّه من أقواله، وفي رواية أصحابه عنه. فالأحاديث الفعليّة، ومثلها التقريريّة، والوصفيّة لا تدخل في مبحث رواية الحديث بالمعنى في عصر الصحابة، وفيما يرويه الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - إذ لم يصدر عن رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - أقوال وألفاظ يجب عليهم روايتها باللفظ، وإنّما صدرت أفعال رأوها فعبّروا عن مشاهداتهم بألفاظ من عندهم؛ فلا يقال بأنّهم رووا الأحاديث الفعليّة بالمعنى، وإنّما هذا يصدق على من سمع الصحابة يحدّثون بأفعال النبيّ - صلى الله عليه [وآله] وسلم - فلم يحفظ ألفاظ الصحابة وإنّما عبّر بألفاظ تؤدّي المعنى نفسه.
ثم إنّ هؤلاء الصحابة هم من الجيل والقرن الذي بلغ الغاية في الفصاحة، والبيان، والقدرة على وصف أدقّ الأشياء غموضا وخفاء بأبلغ وأوجز الألفاظ، ولهذا تحدّاهم الله (عزّ وجلّ) بالقرآن العظيم، فهم إذن مأمونون على رواية ما صدر عنه - صلى الله عليه [وآله] وسلم - من أفعال وتقريرات بألفاظ مطابقة مؤدّية للمعاني التي أرادوا التعبير عنها، وروايتها بحسب مشاهداتهم للأحداث.
وبهذا تضيق دائرة رواية الحديث بالمعنى فيما رواه الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - لتقتصر فقط على أحاديثه القوليّة، ثم هذه أيضًا قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - تكريره وإعادته للفظ ثلاثًا حتّى يحفظ أصحابه، مع ما أوتوا من جوامع الكلم، وربّما أعاد الكلام في مواطن عديدة، أو سنوات متفرّقة بألفاظ متقاربة والمعنى واحد، فيروي كلّ صحابي اللفظ الذي سمعه، فليس اختلاف ألفاظهم في الحديث القولي دليلا على روايتهم له بالمعنى، وإنّما هكذا سمعه كل واحد منهم بحسب تعدّد المجالس، ولعلّ منها حديث "من كذب عليَّ" وحديث "نضَّرَ الله" لكثرة من رواهما من الصحابة، فلا يبعد أن يكون سماعهم في مجالس متعدّدة أو سنوات متفرّقة. ثم إذا أضيف ما علم من تحرّي الصحابة في حفظ كلامه - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، حتّى توقّف كثير منهم عن الرواية خوف نقص كلمة أو زيادتها، مع قدرتهم على استبدالها وروايتها بالمعنى وحرصهم على روايته بلفظه، وكان منهم من كان يكتب كل ما يتلفّظ به النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - كعبد الله بن عمرو، ومنهم من دعا له رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - بالحفظ كأبي هريرة، مع ما علم عنهم من نقد وتصحيح لما كان قد يقع في رواية بعضهم من الخطأ والغلط؛ فإنّه بذلك تضيق دائرة رواية الحديث بالمعنى إلى أقصى درجة في أحاديثه القوليّة أيضًا في رواية الصحابة. وهكذا نجد أنّ رواية الصحابة تكاد تخلو من الرواية بالمعنى، أمّا الأحاديث الفعليّة والتقريريّة والوصفيّة؛ فلأنّها لا تدخل في الموضوع أصلا؛ لأنّهم هم الذين تلفّظوا وعبّروا عن مشاهدتهم لأحوال وأفعال الرسول - صلى الله عليه [وآله] وسلم - ابتداء. وأمّا القوليّة؛ فلما سبق بيانه من حال النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - في تلفّظه، وإعادته لكلامه، وإيجازه وتأنيه، ومن حال أصحابه في حرصهم على حفظه وورعهم عند أدائه، وروايته. بل لقد كان التدوين الرسمي العام بأمر عمر بن عبد العزيز في زمن التابعين. ثم إذا علمنا أنّ طبقة أتباع التابعين قد دوّنوا السنّة في بطون الكتب، كمالك في "الموطأ" وسفيان الثوري في "جامعه"، وحمّاد بن سلمة في مصنّفاته، وعبد الملك بن جريج، وابن أبي عروبة، وغيرهم من الأئمّة الحفّاظ من أهل هذه الطبقة، فإنّه لا يتبقّى عندنا فيها رواية الحديث سوى طبقة التابعين، فهذه الطبقة هي التي وقع فيها رواية الحديث بالمعنى بصورة أوضح، ومع ذلك فإنّ أهل هذه الطبقة كان منهم من كتب ودوّن الحديث في صحف كما فعل همّام بن منبه، فإنّ "صحيفته" كان يكتبها من لفظ أبي هريرة وهو من خاصّة تلاميذه. وكان الزهريّ له صحف كتب فيها الحديث، ومنهم من كتب من صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وكان عمرو بن شعيب يحدّث بهذه الصحيفة، وغيرهم كثير من أصحاب الصحف عن آبائهم أو شيوخهم. كما أنّ من أهل هذه الطبقة الحفّاظ الأثبات، الذين اشتهروا بالحفظ والإتقان والتثبّت، حتّى إنّ أحدهم ربّما سُئِلَ عن الحديث بعد سنوات فيجيء به كما حدّث به أوّل مرّة، لا يخرم منه حرفا، وعلى مثل هؤلاء دارت الرواية في هذا العصر، ومنهم من لا يرى الرواية بالمعنى ويشدّد في ذلك. هذا وليس كلّ من كان يرى الرواية بالمعنى كان يحدّث على المعنى في كل حديث يرويه، بل إنّ عامّتهم من الحفّاظ الأثبات الذين بين ضابط لكتابه، أو ضابط لحفظه، وإنّما رأوا أنّ الرواية بالمعنى جائزة بحسب الأدلة التي بين أيديهم، ولا يعني ذلك - أبدًا - أنّهم لم يكونوا يحدّثون باللفظ. والأصل في كلّ حديث مروي بإسناد صحيح أنّه مروي باللفظ حتّى يثبت خلافه، فإن كان بإسناد فلا سبيل إلى الحكم عليه بأنّه مروي بالمعنى إذ لا دليل على ذلك. فإن كان مرويًّا بأسانيد مختلفة من جمع الصحابة والمعنى واحد فيحمل على أنّ كلّ صحابي روى ما سمعه إذ لا مانع من ذلك. ولا يدخل فيما سبق أوهام الرواة، وأغلاطهم، التي تعرف بعرض رواياتهم على روايات الحفاظ الأثبات؛ لأنّ هذا باب آخر غير باب الرواية بالمعنى.
والحاصل أنّ الرواية بالمعنى كما يظهر من أدلّة الجمهور جائزة لقوّة دلالتها نقلا ونظرا. ولكن لا بُدَّ لنا من التنبيه إلى أنّ مَن أباح رواية الحديث على المعنى قيّدها بشروط عديدة ولم يطلق هذا لكلّ إنسان، ومن تلك الشروط:
+ أن يكون الراوي ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدّث به.
+ أن يكون الراوي عالما بلغات العرب ووجوه خطابها.
+ بصيرا بالمعاني والفقه.
+ عالما بما يحيل المعنى وما لا يحيله.
+ ألّا يكون الحديث: ممّا تُعُبِّد بلفظه، كالشهادة والتشهّد والأذان والإقامة والدعاء وغير ذلك. أو جوامع كلمه - صلى الله عليه [وآله] وسلم - التي افتخر بإنعام الله تعالى عليه بها. أو ممّا ما يستدلّ بلفظه على حكم لغوي.
+ أن يكون ذلك في خبر ظاهر.
+ ألّا يكون ذلك في الخبر؛ لأنّه ربّما نقله الراوي بلفظ لا يؤدّي مراد رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -.
+ أن يقول الراوي عقب روايته الحديث (أو كما قال) أو (نحوه) أو (شبهه).
+ أن يضطر الراوي اضطرارًا إلى روايته بالمعنى: كأن يند لفظ الرسول - صلى الله عليه [وآله] وسلم - عن الذاكرة، ويغيب عنه في حال روايته له. أو ألّا يكون ضابطا للحديث؛ لأنّ الضبط الدقيق مطلب عزيز لا يتقنه إلا القليل والضرورة تقدّر بقدرها.
+ ألّا تكون روايته للحديث على سبيل الرواية والتبليغ خاصّة، بخلاف الإفتاء والمناظرة.
+ أن يبيّن الراوي بأنّ هذا هو معنى قول النبي - صلى الله عليه [وآله] وسلم - لا لفظه.
واعلم أنّ هذا الخلاف لا يجري في ثلاثة أنواع:
• النوع الأول: ما تُعُبِّد بلفظه كالتشهّد والقنوت ونحوهما، صرّح به الزركشي.
• النوع الثاني: ما هو من جوامع كلمة - صلى الله عليه [وآله] وسلم - التي افتخر بإنعام الله عليه بها.
• النوع الثالث: ما يستدلّ بلفظه على حكم لغويّ، إلّا أن يكون الذي أبدل اللفظ بلفظ آخر عربيا يستدل بكلامه على أحكام العربية، ذكره جمهور النحاة.
من كتاب "مناهج المحدثين في رواية الحديث بالمعنى" (ص 72 - 76).
(5) زيادة يقتضيها السياق.
(6) انظر: "التبصرة والتذكرة" (2/ 170)، "فتح المغيث" (2/ 218)، "توضيح الأفكار" (2/ 372).
(7) اعترض عليه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (245) وأقره الزركشي في "النكت" (3/ 611 - 612)، وأيّد العراقي كلام ابن الصلاح الذي نقل المصنّف معناه هنا وخلاصة كلام ابن دقيق العيد جواز تغيير ما في التصانيف السابقة إذا نقلت إلى تخاريجنا، إذ ليس فيه تغيير للتصنيف المتقدّم، وهذا أوسع من روايات الحديث بالمعنى، ولذا فكلامه مردود، جريًا على عادة أهل التصنيف، فينبغي ألّا تغيّر الألفاظ بعد عزوها إلى كتبها المصنّفة، سواء رويناها جملة، أو نقلنا منها بعض الأجزاء أو العبارات. والصواب: أنَّنا إذا نسخناه فلا يجوز تغييره، وكذا إذا عزونا نقلاً إلى صاحبه، أمّا إذا أضفناه إلى تخاريجنا واستفدنا منه في تصانيفنا، فلنا أن نتصرّف فيه، ونشير إلى ذلك، ومن البركة عزو الكلام لأصحابه، وإن لم نفعل، فلم نغيّر تصنيف من مضى، وفرق بين النقل بتصرّف، والنقل منها من غيره، وثمّة فرق بين النقل مع عزوه، ودونه، وبين القلّة والكثرة فيه ومنه، ومن عيوب الكتب اليوم وقلة بركتها السطو على عبارات وأقاويل السابقين دون أيما إشارة. لا سيما مع وجود أطر التأليف الحديثة، ووجود اصطلاحات وعلامات التنصيص، والتعارف على طرق للعزو، ويتأكّد التقيّد بذلك مع وجود قوانين لأولياء الأمور في حفظ حقوق التأليف ومنع التعدّي عليها، ويزيد ذلك تأكيدا: أنّ المحقّقين والمؤلّفين لهم حقوق مادّيّة ومعنويّة في مقابل ذلك، ولا ينازع في ضرورة ذلك إلا صاحب هوى أو مبتلى، والله الواقي والعاصم. انظر: "التبصرة والتذكرة" (2/ 170)، "فتح المغيث" (2/ 218)، كتابي "البيان والإيضاح" (101 - 102).
(8) أخرج الدارمي (1/ 83) والطيالسي (326) وابن ماجه (23) والفسوي (2/ 547 - 548) والشاشي (667، 961) وأبو زرعة الرازي في "تاريخ دمشق" (رقم 1464) - ومن طريقه ابن عساكر (33/ 161) - وابن سعد (3/ 156، 157) وأحمد (1/ 387، 423، 452، 453) - ومن طريقة ابن عساكر (33/ 159 - 160) - والبزّار (9345) والطبراني (8613، 8622، 8623، 8624، 8625، 8626، 8627) وابن عدي في مقدمة "الكامل" (43) والرامهرمزي (549) والحاكم (1/ 110 - 111) و (3/ 314) والخطيب في "الجامع" (رقم 1021، 1113) وفي "الكفاية" (2/ 9 - 10 – ط: دار الهدى) وابن عبد البر في "الجامع" (رقم 462) عن ابن مسعود بألفاظ، منها: عن عمرو بن ميمون قال: "ما أخطأني ابن مسعود عشيّة خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط قال: قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، فلمّا كان ذات عشيّة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، قال: فنكس. قال: فنظرت إليه، فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيها من ذلك"، لفظ ابن ماجه، وهو صحيح عنه.
(9) أخرج الدارمي (1/ 83) وابن سعد (7/ 392) وأبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (1473، 1474) وأبو خيثمة في "العلم" (105) والخطيب في "الجامع" (1114، 1115) وفي "الكفاية" (2/ 13 - 14 – ط: دار الهدى) وابن عبد البر في "الجامع" (رقم 459، 460) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (47/ 144) والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (550) عن أبي الدرداء أنّه كان إذا حدّث الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، ثمّ فرغ منه، قال: "اللهمّ لا هكذا، فكشكله". وإسناده صحيح.
(10) أخرج ابن ماجه (24) والدارمي (1/ 84) وابن سعد (7/ 21) والرامهرمزي (750) والخطيب في "الكفاية" (2/ 15 – ط: دار الهدى) وفي "الجامع" (1116، 1117) وابن عبد البر في "الجامع" (461) وابن عساكر (9/ 366 - 367) عن محمد بن سيرين وغيره: كان أنس بن مالك إذا حدّث حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - ففرغ منه، قال: "أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ".
(11) هذا القول مروي عن علي [عليه السلام]، وابن عباس، وواثلة بن الأسقع، وأبي هريرة، انظر "المحدث الفاصل" (533 - 537)، "شرح العلل" للترمذي (1/ 145 - 149)، "الرواية بالمعنى في الحديث النبوي" (54 - 55). ولمغلطاي في "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 1/ 40) هنا كلمة في ذكر مستندهم في الجواز، وتعقّبه البلقيني في "محاسن الاصطلاح" (396) دون أن يسمّيه.
(12) ولا يشترط إفرادها بإجازة. انظر: "التبصرة والتذكرة" (2/ 170)، "الإرشاد" (1/ 467)، "فتح المغيث" (2/ 220).
والأجمع للمصلحة والأنفى للمفسدة في هذه الحالة عدم تغيير الخطأ، والتنبيه عليه باصطلاحات أهل الصنعة، مع التنصيص على الصواب الذي يظهر في الحاشية، وهناك طريقة متبعة في التصحيح، ورموز اصطلح عليها النسّاخ، بيّنها كثير من العلماء، وسبق أن أومأ المصنّف إليها، وانظر – لزامًا - "المعيد في أدب المفيد والمستفيد" (136) وكتابي "البيان والإيضاح" (140 - 141). ثم وجدت عند مغلطاي في "إصلاحه" (ق 40/ أ- 40/ ب) ما نصّه: "ذكر شيخنا أبو الفتح القشيري أنّه كم من جزء قرئ بعده فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبيّن صوابها إلّا بعد الفراغ فأصلحت، وربّما كان الأمر على خلاف ما وقعت القراءة عليه وكان كذبا إن قال: قرأت؛ لأنّه لم يقرأه على ذلك الوجه، وإذا وقع في الرواية خلل في اللفظ، فالذي اصطلح عليه ألّا يغيّر - حسمًا للمادة - إذ غيّر قوم الصواب بالخطأ ظنًّا منهم أنّه الصواب فإذا بقي على حاله ضُبِّب عليه وكتب الصواب في الحاشية".
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
