السلطان محمود والأوضاع الداخلية في عهده
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 243 ــ 246
2025-09-28
359
استمرت الاضطرابات الداخلية في دولة سلاجقة العراق في عهد السلطان مسعود، وشغلت معظم أوقاته. فقد خرج بعض الأمراء على حكمه مثل بوازية صاحب فارس وخوزستان وعباس صاحب الري، وانضم إليهما محمد بن السلطان محمود وسليمان شاه أخو السلطان، وشكل هؤلاء حلفاً في عام (540هـ/ 1146) واتفقوا على خلعه وتنصيب محمد بن السلطان محمود مكانه.
كان السلطان آنذاك مسعود في بغداد، فنهض لمواجهة أعضاء الحلف، فخرج من المدينة في (رمضان / شباط) واصطحب معه عبد الرحمن تغايرك، وهو أمير حاجب وحاكم الدولة إلا أنه كان يميل إلى قوى التحالف، ولما تقارب الجيشان انضم سليمان شاه إلى صفوف أخيه وشرع عبد الرحمن في إجراء مفاوضات مع قوى التحالف الذين اشترطوا لتقرير الصلح ما يلي:
- ينال عبد الرحمن تغايرك بالإضافة إلى ما بيده ولايتي كنجه وأران.
- تعيين أبي الفتح بن دارست وزيراً للسلطان مسعود، علماً بأنه كان وزيراً لبوازية.
- إبعاد بك أرسلان بن بلنكري، المعروف بخاص بك، وهو ملازم السلطان ومربيه، عن الحياة السياسية.
إن قراءة متأنية للبنود المشار إليها تؤكد على ضعف السلطان مسعود أمام أمرائه الذين وضعوه في الحجر وجعلوه ألعوبة في أيديهم ومع ذلك فقد وافق السلطان عليها وتم الصلح في العالم التالي (1).
وحدث في عام (540هـ / 1146م) أن هاجم علي بن دبيس الحلة للاستيلاء عليها، فتصدى له حاكمها محمد بن دبيس، وهو أخوه، وجرى قتال بينهما انتهى بهزيمة محمد ولم يُعر السلطان مسعود أهمية لهذا الحدث في بادىء الأمر ما دفع علياً إلى ضم جمع من غلمانه وغلمان أبيه وأهل بيته وعساكرهم، فكثر جمعه، وقويت شوكته، فندب السلطان أحد أمرائه في بغداد ويُدعى مهلهل لقتاله وردعه إلا أنه انهزم أ أمامه.
وأضحى علي بن دبيس سيد الموقف في الحلة، فتصرف في إقطاعات الأمراء وخشيه شحنة بغداد، فتدخل الخليفة عندئذ للدفاع عن مدينته، فرتب العساكر على السور لحفظه، وكتب إلى علي يطلب منه الكف عن أعماله الاستفزازية، ففعل، وسكنت الفتنة (2).
وفي عام (543 هـ / 1148م) تعرَّض السلطان مسعود لثورة أخرى قام بها عدد من الأمراء أمثال : ايلدكز المسعودي صاحب كنجه واران والبقي كون خر من بلاد الجبال، وتتر الحاجب، وهو من مماليكه، وطرنطاي المحمودي شحنة واسط، والدكز، وقرقوب وابن طغايرك وغيرهم من كبار الأمراء، وكان سبب ذلك ميل السلطان إلى الأمير خاص بك وإبعاده لهم، ففارقوه وساروا نحو العراق، واصطحبوا معهم محمد ابن السلطان محمود، فلما بلغوا حلوان(3) خاف الناس في بغداد وأعمال العراق واتخذ الخليفة المقتفي إجراءات احترازية للدفاع عن عاصمته وتأمين الناس، من ذلك أنه أصلح سور المدينة ورقمه، وأرسل إلى الأمراء يدعوهم إلى العودة، إلا أنهم رفضوا دعوته وتابعوا تقدمهم حتى وصلوا إلى بغداد في (ربيع الآخر/ أيلول) ونزلوا بالجانب الشرقي من المدينة، ولم يتمكن مسعود البلالي، شحنة بغداد من مواجهتهم وفضَّل مغادرتها إلى إقطاعه في تكريت تاركاً المدينة تحت رحمة المحاصرين.
شكل حصار بغداد من جانب الأمراء فرصة لكل طامع لتحقيق ما يرنو إليه، وكان علي بن دبيس صاحب الحلة، يطمع في اعتلاء منصب الشحنة، فسار على رأس قواته إلى المدينة ونزل بالجانب الغربي منها.
لم يكن أمام الخليفة بعد هذا التطور العسكري إلا أن يُجند الأجناد للدفاع عن نفسه وعن عاصمته، ووقع في غضون ذلك قتال بين المحاصرين وعامة أهل بغداد ومن بها من الجند، فتدخل الخليفة لإيقافه، وتمكن من إقناع الأمراء المحاصرين بالانسحاب إلى النهروان (4)، فنهبوها وأفسدوا فيها وعاد مسعود البلالي إلى بغداد بعد انسحابهم (5).
الواقع أن الأوضاع الداخلية في بغداد بخاصة كانت سيئة في ظل حكم السلطان مسعود، فقد عمَّ الغلاء والقحط في البلاد سنين عديدة وأهمل السلطان أمور الري، ففسدت الزراعة، وكان ذلك سبباً دفع العيارين في المدينة إلى أن ينشطوا سنة بعد سنة ويقوموا بأعمال السلب والنهب والاعتداء على الناس حتى كثر شرهم. فقد ثاروا في عام ( 530 هـ / 1135م) وارتكبوا أعمال النهب والقتل (6)، كما ثاروا بعد عامين، ففي (ذي الحجة 532هـ / آب 1138م) عظم أمر العيار بالعراق ابن بكران، فكثر أتباعه وصار يركب جهاراً في جمع من أتباعه المفسدين، فخافه والي بغداد الشريف أبو الكرم، فأمر ابن أخيه أبا القاسم حامي باب الأزج، أن يشتد عليه ويلبس سراويل الفتوة ليأمن شره، وكان يُكثر المقام في السواد ومعه رفيق له يُعرف بابن البزاز، فحاولا أن يضربا السكة باسميهما في الأنبار، فأرسل الشحنة والوزير شرف الدين الزينبي إلى الوالي أبي الكرم يأمرانه بالتخلص منه، وكان ابن بكران يتردد على ابن أخيه، فدبر حيلة وقتله هناك وصلب رفيقه ابن البزاز(7) .
وتفاقم أمر العيارين في عام (538 هـ / 1143م) وازدادت تعدياتهم وقد أمنوا ملاحقة السلطة لهم بفعل تعاون ابن الوزير وابن قاورت، أخي زوجة السلطان معهم، فأمر السلطان بمعاقبتهما، فهرب الأول وقبض الشحنة إيلدكز على الثاني وصلبه (8).
.....................................................
(1) الراوندي ص 340. ابن الأثير جـ 9 ص 137، ويذكر أذربيجان بدل كنجه.
(2) ابن الأثير: المصدر نفسه ص137، 138.
(3) حلوان بلدة في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد الحموي: جـ 2 ص 290.
(4) النهروان كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي، حدها الأعلى متصل ببغداد. المصدر نفسه: ج5 324، 325.
(5) ابن الأثير: جـ 9 ص 161، 162.
(6) المصدر نفسه: ص 80.
(7) ابن الجوزي: جـ 10 ص 72 ابن الأثير: جـ 9 ص 96.
(8) المصدران نفساهما: ص 105، ص 127، 128.
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة