علاقة السلطان محمود مع الخلافة العباسية
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 228 ــ 230
2025-09-26
320
بدأت الخلافة العباسية منذ أوائل القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، تستعيد شيئاً من قوتها، وتملأ الفراغ الذي تركه السلاجقة بسبب نزاعاتهم الداخلية، وتنتهز الفرص للحد من سلطانهم، وأن ما دفع الخلافة إلى هذا التصرف هو ما من المفاسد المستشرية في البلاد الإسلامية، وقد بين الخليفة المسترشد للسلطان محمود ما أصاب البلاد من الضعف والوهن بسبب حركات التمرد وبخاصة حركة دبيس بن صدقة صاحب الحلة وما أحدثه عسكره من تخريب وفساد، كما أخذ عليه ما انتشر من الغلاء في العراق بشكل خاص(1)، ثم انتهى الأمر بينهما إلى الحرب.
الواقع أن عام (519هـ / 1125م)، يُعدُّ البداية الفعلية للنزاع بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية، عندما أغرى دبيس بن صدقة طغرل بن محمد أن يطلب السلطنة من الخليفة العباسي المسترشد فاستجاب له طغرل، وسارا معاً على رأس جيش كبير إلى بغداد لتحقيق أهدافهما المتباينة حيث أن دبيساً كان يهدف إلى الانتقام من الخليفة لما بينهما من عداء، في حين كان هدف طغرل انتزاع منصب من أخيه محمود (2)، ولما علم الخليفة بنوايا هذين الحليفين استعد لصدهما (3).
وكان الخليفة قد أقدم على بناء سور حول بغداد في عام (518هـ / 1123م) عقب الهجمات المتكررة التي تعرّضت لها المدينة من جانب أمراء الأطراف، وبخاصة دبيس بن صدقة، وعندما اقترب جيش طغرل ودبيس، خرج الخليفة على رأس جيشه لصدهما، لكن حدث أن مرض طغرل فجأة واضطر إلى الانسحاب من دون أن يشتبك مع جيش الخليفة ولجأ إلى عمه سنجر (4).
كان لموقف الخليفة من حركة طغرل وحليفه دبيس بن صدقة أثر بالغ في نفس السلطان محمود فكتب إليه يشكره ويُعبر عن طاعته للخلافة، كما تم الاتفاق بينهما على التصدي لطغرل والسلطان سنجر إذا حاولا التدخل على أن تكون السلطنة لمحمود وحده (5)، ولما بلغت أنباء ذلك الاتفاق إلى مسامع السلطان سنجر، كتب إلى ابن أخيه السلطان محمود يُشككه في نوايا الخليفة، وبطلب منه:
- عدم الانصياع له لأنه يهدف إلى الإيقاع بينهما ليتخلص منهما.
- حرضه على التوجه إلى بغداد والاستيلاء على تجهيزات الخليفة.
- القبض على دبيس بن صدقة الذي نجح في ضم أمراء الولايات إلى صفوف الخليفة (6).
استجاب السلطان محمود لطلبات عمه وعزم على السير إلى بغداد متجاهلاً ما سبق أن اتفق عليه مع الخليفة، ولما سمع هذا بما تم بين السلطانين طلب من السلطان محمود عدم القدوم إلى بغداد لقلة الميرة فيها، غير أن السلطان تجاهل طلبه، عند ذلك أخذ الخليفة يستعد لقتاله (7).
وزحف السلطان محمود على رأس جيشه إلى بغداد في (ذي الحجة 520هـ/ كانون الأول 1126م) وعبر الخليفة في الوقت نفسه مع جيشه إلى الجانب الغربي من المدينة، فأرسل إليه السلطان محمود يدعوه إلى الصلح فرفض. وفي (محرم 521 هـ / كانون الثاني 1127م) حاصر الجيش السلجوقي المدينة، ونهبت بعض عساکره دار الخلافة، فاستاء العامة من ذلك، وانضموا إلى جيش الخليفة الذي بلغ تعداده ثلاثين ألف مقاتل واتخذ الخليفة الاحتياطات الضرورية لحماية عاصمته من تسلل جيش السلطان محمود إليها، فأمر بحفر خندق حولها للدفاع عنها. وتعذر على الجيش السلطاني دخول المدينة ما أدى إلى حدوث قتال بين الجيشين كاد الخليفة أن يحسمه لصالحه لولا أن غدر به أمير إربل، أبو الهيجاء الكردي الذي انضم إلى جيش السلطان، ويبدو أنه أدرك أن كفة السلطان ستكون الراجحة بعد الإمدادات العسكرية التي جاءته مع عماد الدين زنكي حاكم البصرة ما جعل الخليفة يميل إلى الصلح، ومع ذلك لم يتمكن السلطان محمود من دخول بغداد إلا بعد عقد الصلح، ويُعد هذا نصراً معنوياً للخلافة العباسية، ثم عاد السلطان إلى عاصمته همذان (8).
وفي عام (523 هـ / 1129م) قدم السلطان محمود إلى بغداد ومعه دبيس بن صدقة ليصلح مع الخليفة، ثم عاد إلى همذان، ولكن دبيس هذا عاد إلى افتعال المشكلات والقلاقل وإحداث الفوضى في البلاد مستغلاً وفاة زوجة السلطان محمود ومرضه، فهاجم العراق ودخل الحلة وسار إلى البصرة، فأخذ منها أموالاً كثيرة، واستولى على ما للخليفة والسلطان من الدخل (9).
......................................................
(1) المصدر نفسه ص 705
(2) الزهراني، محمد مسفر: نظام الوزارة في الدولة العباسية ص 50.
(3) ابن الأثير: جـ 8 ص 698.
(4) ابن الأثير: ج 8 ص 698، 699
(5) ابن الجوزي: جـ 9 ص 252
(6) المصدر نفسه ص 253 - 255 الحسيني: ص 97، 98
(7) ابن الأثير : ج 8 ص 705.
(8) ابن الأثير: جـ 8 ص 706 - 708. الزهراني: ص 51.
(9) المصدر نفسه: جـ 9 ص 15، 16
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة