السلطان مسعود وعلاقته مع الخلافة العباسية
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 240 ــ 243
2025-09-27
341
كانت علاقة السلطان مسعود مع الخلافة العباسية سيئة إجمالاً، ففي عام ( 528 هـ / 1134م) حصلت نفرة بينه وبين الخليفة المسترشد بسبب اكتشاف وزیر الخليفة خطاباً أرسله طغرل إلى بعض الأمراء الموالين للخليفة في بغداد يعدهم بالإقطاع إن وقفوا إلى جانبه فقبض الخليفة على أحدهم ويُدعى أغلبك ونهب ماله، فخشي باقي الأمراء على أنفسهم فهربوا إلى السلطان مسعود واحتموا به، فأرسل الخليفة إليه يطلب منه إعادتهم فلم يفعل فكان رد الفعل المباشر من الخليفة أن قطع الخطبة له في بغداد وأمره بالرحيل عنها فخرج في (شهر ذي الحجة/ أيلول)(1).
وما حدث في غضون ذلك من زحف طغرل على رأس جيشه إلى العراق، أجبر الخليفة على مصالحة السلطان مسعود ليقفا سوياً في وجه عدوهما المشترك (2).
وعندما استقرت السلطنة لمسعود، فارقه بعض الأمراء، وعلى رأسهم يرنقش بسبب الصراع بينهم على النفوذ وقد خشوا من غدره بهم، والتحقوا بخدمة الخليفة، وراحوا يُحرِّضونه على محاربته فانصاع لرأيهم وتجهز للحرب، وساروا معه لقتاله. ويبدو أن الخليفة خشي مغبة الحرب، فتريث في زحفه وعسكر بالشفيعي، لكن الأمراء حثوه على سرعة الخروج وهؤنوا عليه أمر السلطان مسعود، فسار في (شعبان 529هـ / أيار 1135م) على رأس جيش بلغ تعداده سبعة آلاف مقاتل ودخل إيران (3).
كان السلطان مسعود آنذاك في همذان فلما علم بزحف الخليفة خرج منها على رأس ألف وخمسمائة فارس ، واستقطب أمراء الأطراف فانضموا إليه فأضحى عدد أفراد جيشه خمسة عشر ألفاً، وتسلَّل إليه جماعة كثيرة من عسكر الخليفة حتى بقي معه خمسة آلاف، ومع ذلك تابع زحفه حتى وصل إلى دايمرج في طريق همذان من حلوان، معتقداً أنه إذا برز للقتال فسيكون الناس إلى جانبه ضد السلاجقة، لكن الأمور لم تجر على نحو طيب وفق ما خطط له فعندما التقت قواته بقوات السلطان مسعود في دايمرج في (10 رمضان / 24 حزيران) تعرّض للهزيمة ووقع أسيراً في يد خصمه(4).
وأرسل السلطان مسعود بعد انتهاء المعركة بك آبه إلى بغداد، فاستولى على أملاك الخليفة وعندما تواترت أنباء أسر الخليفة إلى مسامع البغداديين ثارت العامة وقاتلت شحنة بغداد السلجوقي (5). شكل أسر الخليفة حدثاً مهماً دفع السلطان سنجر إلى إرسال كتاب إلى السلطان مسعود بأمره بأن يعتذر له ويُقدم له فروض الولاء والطاعة، ويسأله العفو، ففعل ذلك وأفرج عنه في ( 15 ذي القعدة/ 27 آب) إلا أنه اشترط عليه أن يعوضه بالمال ويتعهد بعدم محاربته وأن لا يخرج من داره، وتدل هذه الظاهرة على استمرار نفوذ السلطان سنجر ،وقوته، لكن الخليفة الذي نُصبت له خيمة منفردة عن عسكر السلطان مسعود تعرض لهجوم الحشيشية وقتل نتيجة ذلك، في (17 ذي القعدة/ 29 آب) على باب مراغة (6)، وتدل قرائن الحادثة على تورط سلجوقي (7).
أخذت البيعة، بعد وفاة الخليفة المسترشد لابنه أبي جعفر المنصور الملقب بالراشد بالله (529 - 530 هـ / 1135 - 1136م) في (27 ذي القعدة/ أيلول)(8) بموافقة السلطان مسعود، وقد طلب منه بعد توليه الخلافة أن يدفع المبلغ الذي سبق أن تعهد والده المسترشد بدفعه عند إجراء الصلح معه، وهو مبلغ أربعمائة ألف دينار، فامتنع عن أداء ذلك بحجة أنه لا يملك شيئاً وأن المال جميعه الذي كان المسترشد قد ،نهب واستشار كبار رجال دولته في موقفه هذا من السلطان، فأشاروا عليه بمحاربته عندئذٍ ردَّ عليه قائلاً: ليس بيننا إلا السيف ومنع ذكر اسمه في الخطبة، وأخذ العساكر استعداداً للقتال وقوي موقفه بما انضم إليه من حكام يجمع الولايات مثل: عماد الدين زنكي صاحب الموصل ويرنقش صاحب قزوين والبقش الكبير صاحب أصفهان بالإضافة إلى داود بن السلطان محمود الذي أقام الخطبة باسمه، فتأكدت الوحشة بينه وبين السلطان ووصلت إلى نقطة اللاعودة، ولم يبق إلا السيف حكماً بينهما(9).
وخرج الخليفة إلى ظاهر بغداد ومشى الجيش بين يديه، وقد بلغ تعداده ثلاثين جندي، ما شجعه على المضي في الحرب للأخذ بثأر والده. وعندما علم السلطان مسعود بعزم الخليفة سار بجيشه إلى بغداد لقتاله، ولما وصل إليها حاصرها من الجانب الشرقي، وراح الخليفة يُشجع حلفاءه ويقوي من عزائمهم، ووصلت إلى السلطان في غضون ذلك إمدادات عسكرية من واسط فدبَّت الفوضى في عاصمة الخلافة، وأخذت تؤثر سلباً على موقف الخليفة فقد هاجمت جماعة العيارين الدور والمحلات، فأسقط في يد الخليفة، ونتج عن ذلك أن انسحب داود وعاد إلى بلاده أذربيجان وتفرّق باقي الأمراء بعد أن دبَّ الخلاف بينهم، فتحرج موقف الخليفة فعبر إلى الجانب الغربي وسار مع عماد زنكي إلى الموصل. واتفق دخول السلطان مسعود إلى بغداد بعد رحيله في (5 ذي القعدة 530هـ / 15 آب 1136م)، فاستحوذ على دار الخلافة وما فيها، واستخلص نساء الخليفة وحظاياه، واستولى على الحلي والمصاغ والثياب الخاصة بالزينة وغير ذلك، ثم جمع العلماء والفقهاء والقضاة والأعيان وحملهم على أن يشيعوا بظلم الراشد ونهبه الأموال، وسفكه الدماء، وشربه الخمر، فأفتوا بأنه يحق للسلطان خلعه واستبداله بغيره، فخلعه وولى مكانه الأمير أبا عبد الله بن المستظهر، ولقبه المقتفي لأمر الله (530 هـ ـ 555هـ/ 1136 - 1160م) (10).
لم يقم الخليفة المخلوع مدة طويلة في الموصل بل سار إلى أصفهان، فوثب عليه هناك جماعة من الحشيشية وقتلوه على باب أصفهان في رمضان 532هـ/ أيار 1139م) (11).
أساء السلطان مسعود منذ البداية معاملة الخليفة المقتفي فاستولى على جميع ما كان في دار الخلافة من أموال وأثاث وخيل وبغال وحظر على الخليفة شراء مماليك أتراك، ولهذا كان جميع غلمانه إما من الأرمن أو من الروم (12).
وتعرض الخليفة بعد رحيل السلطان مسعود عن بغداد لمضايقات نائبه مسعود البلالي الذي اتصف بسخف العقل والرأي ضعيف الدين بعيداً عن فعل الخير، بالإضافة إلى تصرفات أتباعه السيئة والمخالفة للدين وكان الخليفة يكتب إلى السلطان شاكياً من نائبه ولكن من دون جدوى (13).
وعلى هذا الشكل كانت العلاقة بين الخليفة المقتفي وبين السلاجقة، غير أن الخليفة لم يتعجل بإعلان الثورة على الحكم السلجوقي المستبد، واستفاد من تجارب سلفيه المسترشد والراشد، فركن إلى الهدوء انتظاراً للوقت المناسب والظروف الملائمة مدركاً في الوقت نفسه أن الشجاعة وحدها لا تكفي لعلاج الموقف (14).
وفي عام (541هـ / 1146م) تجدَّد النزاع بين الأمراء السلاجقة، وعاد الانقسام بين صفوفهم، فانتهز الخليفة هذه الفرصة وأسس جيشاً نظامياً خاصاً بالخلافة واستعرضه في عام (543هـ / 1148م) أي بعد مرور سنتين على تأسيسه.
وتعرضت بغداد في ذلك العام لدخول جماعة من الأمراء السلاجقة الذين نفروا من السلطان مسعود بفعل تفضيله الامير خاص بك عليهم، فخشوا على أنفسهم وفارقوه، فساروا إلى بغداد، ووصلوا إليها في (ربيع الآخر آب) ومعهم السلطان بن محمود، فخشيهم الناس. وعمد الخليفة إلى تحصين مدينته، فأمر بحفر الخنادق (وشرع في عمارة سور المدينة وألزم الأماثل (15)، والتناء (16)، والتجار وأعيان الرعايا القيام بما ينفق على العمارات من أموالهم على سبيل الفرض والمعونة) (17).
والواقع أن العام المذكور شكل بداية انتعاش الخلافة العباسية نتيجة وعي الخليفة المقتفي وعجز السلطان مسعود من إخضاع أمراء الولايات الذين ثاروا عليه، وقد شغل أكثر أيام حكمه، ما أتاح للخليفة الفرصة لإصلاح أوضاع الدولة.
..........................................................................
(1) ابن الأثير: جـ 9 ص 57.
(2) ابن العمراني: ص 218.
(3) ابن الأثير: جـ 9 ص 62.
(4) ابن الأثير: جـ 9 ص 63.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه. ويذكر الحسيني أن حادثة القتل حصلت في 14 ذي الحجة. أخبار الدولة
السلجوقية ص 107.
(7) البنداري: ص 300 السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: تاريخ الخلفاء ص331.
(8) ابن الأثير: جـ 9 ص 65. الحسيني: ص 108.
(9) ابن الأثير: جـ 9 ص 65. الحسيني: ص 108.
(10) المصدران: نفساهما ص 75 - 77 ص108.
(11) ابن الأثير : المصدر نفسه: ص 95.
(12) الحسيني: ص 129.
(13) الحسيني: ص 129.
(14) الزهراني: ص 59.
(15) الأماثل أهل الفضل
(16) الثناء كبار المزارعين
(17) ابن القلانسي ص 496. ابن الجوزي: جـ 10 ص 137، 138 ابن الأثير: جـ 9 ص 161، 162.
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة