ذيول وفاة السلطان محمود
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 235 ــ 239
2025-09-27
368
نجم عن وفاة السلطان محمود قيام الصراع على السلطة بين الأمراء السلاجقة، ودخلت الدولة السلجوقية في العراق على إثره في حال شديدة من الفوضى والاضطراب، فقد انقسم الأمراء إلى ثلاث فئات لكل فئة أطماعها الخاصة ومؤيدين من قادة الجند.
ترأس الفئة الأولى داود بن السطان محمود، الذي نودي به سلطاناً عقب وفاة والده، وخطب له في بلاد الجبل كلها وأذربيجان وسانده الوزير أبو القاسم وأتابكه آفسنقر الأحمديلي (1).
وتزعم الفئة الثانية كل من مسعود وسلجوقشاه، شقيقا السلطان المتوفى، وقد جمعتهما مصلحة مشتركة هي عزل ابن أخيهما داود إلا أنهما كانا مختلفين، إذ أن جاهداً على أن تكون السلطة له بعد إسقاط خصمه داود، كلاً منهما كان يسعى ويرى في نفسه الأحقية والأهلية في عرش السلطنة.
وكان على رأس الفئة الثالثة طغرل بن السلطان، محمد يسانده عمه السلطان سنجر.
كان مسعود آنذاك كان مسعود في جرجان، فغادرها إلى تبريز واستولى عليها، فلما علم داود، وكان في زنجان خرج لملاقاته وحاصره في تبريز وجرى قتال بينهما انتهى بالصلح في (محرم /526هـ / كانون الأول 1131م) (2)، غير أن كلاً منهما، من واقع رغبته في السلطنة، كان يأمل في أن يحصل على اعتراف الخليفة العباسي المسترشد، لذلك غادر مسعود تبریز متوجهاً إلى بغداد من أجل هذه الغاية، ووصلت في الوقت نفسه رسل داود للغرض نفسه (3).
كان من الطبيعي أن يعمد الخليفة إلى اغتنام الفرصة لتعميق الخلاف بين السلاجقة وضربهم بعضهم ببعض لإضعافهم، فأجابهما أن الحكم في الخطبة إلى السلطان سنجر، من أراد خُطب له وأرسل إلى السلطان يطلب منه أن لا يأذن لأحد في الخطبة التي ينبغي أن تكون له وحده فاستحسن السلطان موقفه (4).
والواقع أن الخليفة، لم يكن يهمه لمن تكون الخطبة من الأمراء السلاجقة، بل الذي يهمه هو التخلص من هذا الحكم الرابض على صدره من خلال توجيه أنظار الأمراء السلاجقة اللاهثين وراء السلطة إلى السلطان سنجر، وإيقاعهم في خضم المنافسة الشديدة على رئاسة البيت السلجوقي، وهذا تفكير سليم، لكن تصرفه هذا هو دعوة للسلاجقة إلى أن يتحدوا تحت زعامة واحدة وهي دعوة غير مقصودة بطبيعة الحال؛ لأن الخليفة كان يقف على عمق النزاعات الداخلية للسلاجقة، وأن دعوته تصب في صالح الخلافة بهدف استرداد هيبتها وقد نجح في بلوغ هدفه، فتشتتت وحدة السلاجقة من خلال قيام النزاعات الدامية بين الأمراء، وتهيأ الجو للخلافة للسيطرة على زمام الأمور(5).
ومهما يكن من أمر، فقد واجه مسعود منافساً آخر هو أخاه سلجوق شاه، وجرت بينهما حروب التمس خلالها مسعود المساعدة من عماد الدين زنكي للاستفادة من قدراته العسكرية، وكان هذا قد استطاع أن يوطد سلطانه في شمالي العراق وبلاد الشام، ووعده بتقليده مدينة إربل الحصينة الواقعة شرق الموصل، وتم الاتفاق بينهما على أن يتوجه عماد الدين زنكي إلى بغداد، ويطلب من الخليفة تحت الضغط العسكري أن يقيم الخطبة لمسعود، ويعترف به سلطاناً على العراق، فوعده بالمساعدة لكن حدث أن سبق سلجوق شاه أخاه مسعوداً إلى بغداد بصحبة أتابكه قراجة الساقي، صاحب فارس و خوزستان، في جيش كبير، وطلب من الخليفة أن يخطب باسمه، فرفض الخليفة الاستجابة لطلبه. وعلم في غضون ذلك بتقدم عماد الدين زنكي على رأس قواته باتجاه بغداد لفرض سلطة مسعود فرأى في ذلك تحدياً لسلطته وكان يجاهد للانعتاق من الطوق السلجوقي وانتزاع استقلالية القرار العباسي، لذلك توجه إلى تكريت (6) لإيقاف تقدمه. والتقت قواتهما عند قصر المعشوق على الجهة المقابلة السامراء، وانتهى اللقاء بهزيمة واضحة لعماد الدين زنكي وأسر عدد كبير من قواته، فانسحب من أرض المعركة إلى تكريت فآواه حاكمها نجم الدين أيوب، وسهل له سبل عودته إلى الموصل (7).
كان السلطان سنجر يراقب تطور الأحداث السياسية والعسكرية في العراق بهدف انتهاز فرصة للتدخل والهيمنة على مقدرات الأمور وإخضاع سلاجقة العراق لإشرافه المباشر، وحتى يُدعم موقفه ويحقق مزيداً من طموحه استقطب كلاً. من عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة وطلب منهما التوجه إلى بغداد والاستيلاء عليها وإقامة الخطبة له ولخليفته طغرل بن السلطان محمد على منابرها وتعهد بإضافة شحنة بغداد إلى عماد الدين زنكي، وبإقطاع الحلة لدبيس بن صدقة، علماً بأن الخطبة كانت قد قطعت باسم السلطان سنجر في العراق بعد وفاة السلطان محمود بسبب محاولة فرض مرشحه طغرل سلطاناً على العراق (8).
أدرك كل من مسعود وسلجوق شاه أن الصراع بينهما سوف يتيح الفرصة لتدخل عمهما السلطان سنجر ويقضي على مصالحهما في العراق، فعقدا صلحاً بينهما وتفاهماً مع الخليفة الذي خشي من مخططات السلطان السلجوقي سنجر، وذلك على الأمرين التاليين:
- توحيد جهودهما لقتال السلطان سنجر.
- يكون العراق لوكيل الخليفة، وتكون السلطنة لمسعود، ويكون سلجوق شاه ولي عهده (9).
وعاد مسعود وسلجوق شاه بعد توقيع الاتفاق إلى بغداد فنزل الأول بدار السلطنة ونزل الثاني في دار الشحنة وكان اجتماعهما في (جمادى الأولى 526هـ/ نيسان 1132م) (10).
وتوجه السلطان سنجر بصحبة طغرل من الري إلى همذان في طريقه إلى بغداد لفرض مرشحه فخرج مسعود وسلجوق شاه ومعهما قراجة الساقي للتصدي له ووقف تقدمه، وتأخر الخليفة في الخروج وعندما وصل الخليفة إلى خانقين (11)، وعلم باقتراب عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة من بغداد، اشتبك معهما في (أواخر رجب منتصف (حزيران) وانتصر عليهما، فتراجع عماد الدين زنكي إلى الموصل، وقام دبيس بن صدقة بمحاولة فاشلة لاستعادة الحلة (12).
وتعرضت قوات مسعود وسلجوق شاه للهزيمة أمام قوات السلطان سنجر بالقرب من مدينة دينور (13)، ونجح السلطان في تثبيت ابن أخيه طغرل سلطاناً على سلاجقة العراق، وخطب له في جميع البلاد (14).
وقبل أن يغادر طغرل خراسان إلى العراق لاستلام منصبه، ثار عليه داود بن السلطان محمود، إلا أنه تمكن من هزيمته وهرب داود إلى بغداد، كما انسحب مسعود بعد هزيمته إلى بغداد أيضاً، وطلب من الخليفة أن يخطب له بالسلطنة فأجابه إلى طلبه، كما خطب لداود من بعده (15).
ثم اتفق الجميع على تجهيز جيش لمحاربة طغرل بقيادة مسعود وداود، على أن يساهم الخليفة في تجهيزه وتقدم هذا الجيش إلى مراغة واستولى مسعود على كامل أذربيجان، واشتبك مع طغرل في معارك عدة تمكن بنتيجتها من الاستيلاء على همذان وأصفهان، وراح يتعقب آثار أخيه طغرل الذي ولى هارباً تاركاً لمسعود احتلال المدن الواحدة تلو الأخرى (16).
ووجد على الساحة السياسية في عام (527هـ / 1133م) ثلاثة سلاطين سلاجقة هم:
- السلطان سنجر، وهو كبير الأسرة السلجوقية وعميدها.
- السلطان طغرل الذي أجلسه عمه السلطان سنجر على عرش السلاجقة في العراق وخطب له على منابرها.
- السلطان مسعود الذي خطب له الخليفة على منابر بغداد.
وتجدد القتال بين مسعود وطغرل في عام (528هـ / 1134م) واستولى طغرل على بلاد الجبال وأجلى جيوش أخيه مسعود عنها، ثم توجه إلى قزوين في طريقه إلى بغداد، ولما هم مسعود لمواجهته تعرّض الانقسام أمرائه، وكان طغرل قد استقطب بعضهم، وبقي مسعود في قلة من جنده فولى هارباً، وأرسل إلى الخليفة يستأذنه في دخول بغداد وكان نائبه في أصفهان البقش السلاحي ومعه سلجوق شاه قد غادرا إلى بغداد بعد سماعهما نبأ الهزيمة في حين أقام طغرل في همذان (17).
وفي (محرم 529هـ / تشرين الأول 1134م) توفي طغرل وهو في طريقه إلى بغداد(18)، فلما علم مسعود بذلك خرج إلى همذان واستولى عليها وتولى الحكم بها، وآلت إليه سلطنة العراق وكردستان وأذربيجان من دون منازع (19).
أدى هذا الحال من النزاعات والحروب الداخلية بين الأمراء السلاجقة إلى تحطيم قوتهم وأبعدتهم عن وحدة الصف وعن الانصراف إلى ما كان يواجه العالم الإسلامي من مشكلات وبخاصة القضية الصليبية التي حمل أمراء الأطراف عبأها.
.............................................................
(1) ابن الأثير: جـ 9 ص 29.
(2) المصدر نفسه : ص 33، 34 الحسيني : ص 103.
(3) ابن الأثير: المصدر نفسه: ص 34.
(4) المصدر نفسه.
(5) أمين حسين تاريخ العراق في العصر السلجوقي ص101، 102.
(6) تكريت بلدة مشهورة بين بغداد والموصل وهي إلى بغداد أقرب بينهما ثلاثون فرسخاً، ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى راكبة على دجلة وهي غربي دجلة الحموي: ج 2 ص 38.
(7) ابن الأثير: جـ 9 ص34- 35.
(8) المصدر نفسه: ص 34 - 36 ابن الجوزي: جـ 10 ص 26.
(9) ابن الجوزي: جـ 10 ص 25 ابن الأثير: جـ 9 ص 35.
(10) ابن الأثير: المصدر نفسه.
(11) خانقين: بلدة من ناحية السواد في طريق همذان من بغداد، بينها وبين قصر شيرين ستة فراسخ لمن يريد الجبال الحموي: جـ 2 ص 340.
(12) ابن الأثير: التاريخ الباهر: ص 45، 46.
(13) دينور: مدينة من أعمال الجبل قرب قرمیسین، بينها وبين همذان نيف وعشرون فرسخاً. الحموي جـ 2 ص 545
(14) ابن الأثير: الكامل في التاريخ جـ 9 ص 36، 37.
(15) المصدر نفسه ص 40.
(16) الراوندي: ص 406.
(17) ابن الجوزي: جـ 10 ص 36. ابن الأثير: جـ 9 ص 57.
(18) الحسيني: ص 105.
(19) ابن الأثير: جـ 9 ص 57، 58
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة