موقف المرجعية الدينية في النجف الاشرف
المؤلف:
د. يونس عباس الياسري
المصدر:
موقف المرجعية الدينية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للمدة (9 ــ 16 حزيران 2014)
الجزء والصفحة:
ص 91 ــ 93
2025-08-23
313
في ظلِّ الظروف العصيبة التي يمر بها العراق من شماله إلى جنوبه والتدهور المذهل والمدوي الذي لحق بهيبة القوات العسكرية والأمنية التي صُرِفتْ عليها الملياراتُ، ونَقلُ عشرات القنوات الفضائية صوراً للمعدات العسكرية وهي تحترق في شوارع المدن وطوابير المدنيين النازحين خوفاً من القادم الجديد الذي اختلف في تحديد هويته على الرغم من راياته السود التي تنذر بالشؤم في كل مكان حل به هو ومن تحالف معه باسم الثورة ، وقد ذكر رئيس تحرير أحد الصحف العراقية إنَّ هذا التحالف غير المقدس ضم تنظيمات البعث السابق وجماعة الضاري والتنظيمات المسلحة العشائرية وخلايا النقشبندية الموالية لعزة الدوري وكلها التحقت برايات داعش رغبةً أو رهبةً وحجتُهم الخِلاصُ من الخنوع الطائفي والتحرُّر من النهج والسياسات التي تستهدف المكون السني(1).
بدى ارتباك الحكومة العراقية واضحاً لاسيما بعد تشفي الصديق قبل العدو وبعد تسارع سقوط المناطق كتسارعُ سقوط الهشيم في الرياح وهي تدعي إنَّ ما حدث بالمؤامرة، وكل حزب أو ائتلاف يتهم الآخر بالوقوف وراءَ المؤامرة ووسط ذهول وخوف وترقب كبير من عامة الشعب لاسيما بعد القتل المروع الذي حدث لجنود من قاعدة سبايكر الجوية (2) وبعد تعظيم قوة المسلحين إلى أبعد حَدٍ وحملات المساندة لهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
وضع التنظيم خطة استراتيجية معقدة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي فقبل عدة أسابيع من سقوط الموصل تم الإعلان عن بَثِ الأخبار باللغة الإنكليزية تحت عنوان أخبار الدولة الإسلامية، ومن أهم نتاجها فيديو مصور لمدة 62 دقيقة أطلق عليه "تشابُك السيوف " مَجَّدَ و وهَّول المناطق التي تم السيطرة عليها في الفلوجة، وهاجم الطائفة الشيعة بوصفهم مساوين لليهود والمسيح، وأكد البغدادي فيه أن النار التي أضرمت في العراق لن تنطفىء (3).
وقد نشطت حسابات على موقع تويتر أدعت تمثيلها لتنظيم الدولة منذ 9حزيران ونقلت مباشرة تطورات العمليات ونشر مقاطع فيديو لما اسماه حملة المليار والتي تناشد المسلمين نشر رسائل وصور على جميع مواقع التواصل ، وفي 12 حزيران قامت المجموعة الأخبارية بأطلاق ثلاثة أفلام عالية الدقة ، الأول تحت عنوان نهاية سايكس بيكو، ويبدو فيه رجال من تنظيم الدولة يرفعون بجرافات الحدود السورية العراقية ، وفي يوم 16 حزيران بث فيديو بعنوان "لامعنى للحياة بدون الجهاد" وفيه مقاتلون مسلمون من بريطانيا وأستراليا يطالبون إخوانهم في الغرب للالتحاق بهم مطالبين الجميع بترك أعمالهم وعوائلهم وتلبية نداء الجهاد في الزمن الذهبي الذي لن يتكررَ(4).
ونشر لجهة الترهيب والتخويف صورا للإعدام عشرات من قوات الأمن والذي عرف فيما بعد بمذبحة سبايكر (5)، وقد حصل التنظيم بعد سيطرته على الموصل على اهتمام كبير في مختلف وسائل الإعلام لدول العالم وعُدَّ ظهوره ولادة دولة جديدة يمكن أن تؤدي إلى أكبر تغيير راديكالي للجغرافية السياسية في الشرق الأوسط منذ معاهدة سايكس بيكو (6).
قدمت مؤسسة واشنطن دراسة في تشرين الأول 2014، ذكرت أنَّ للتنظيم أنصاراً في السعودية ومصر والأردن وأفغانستان ، وفي أوربا فمِن كلِّ سبعة شباب بريطانيين مسلمين هناك واحد يؤيد تنظيم الدولة وأعمارهم ما بين 13ــــــ 18، وفي فرنسا هناك 6% من الفرنسين المُسلمِينَ يؤيدون تنظيم الدولة وفي ألمانيا حوالي 4% يؤيدون تنظيم الدولة(7)، وفي تقرير آخر حدد فيه عدد المقاتلين الأجانب بحوالي 31000مقاتل أجنبي متواجد في سوريا والعراق منهم حوالي 120أسترالي و1200فرنسي وحوالي 8000 من المملكة المتحدة وتوزَّعَ الآخرون وفق جنسيات مختلفة(8).
في ظل هذه الأجواء المشحونة والمخيفة وموقف معظم الدول المخيب للآمال لاسيما الولايات المتحدة والهزيمة التي لحقت بالمؤسسة العسكرية بعد نشر صور المدرعات والدبابات والمدافع والعربات متروكةً في الشوارع فضلاً عن التي استعرض بها المسلحين في شوارع الموصل وصور لملابس المراتب المختلفة متروكة في الشوارع والتأكيد من معظم المحللين العسكرين انهيار القوات العسكرية بشكل تام ، وفي هذه الظروف المعقدة والصعبة كان يمكن للمواطن التنصل عن أيِّ مسؤوليةٍ لاسيما وهو يعيش في ظل أزمة هوية وضياع فكري وديني بعد تَعددُ المرجعيات الفكرية والسياسية الهدامة والتي لاهم لها سوى النيل وأضعاف ومحقِّ الشخصية العراقية الأصيلة ولم يكن باستطاعة أحدٍ إعادة التوازن إلى المشهد السياسي وشحذ الهمم إلا المرجعية الدينية في النجف الاشرف بقيادة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني .
في يوم 10حزيران صدر بياناً مهماً أكد فيه المرجع آية الله السيد علي السيستاني دعمه ومساندته للجيش والقوات المسلحة العراقية في مواجهة الإرهابيين المعتدين.
البيان الأول في 10حزيران
أكَّدَ المَرْجع آية الله السيد علي السيستاني دعمه ومساندته للجيش والقوات المسلحة العراقية، في مواجهة الإرهابيين المعتدين، وخرج البيانَ بعدة نقاط من أهمها:
- طالبَ الحكومة العراقية والقيادات السياسية بتوحيد الكلمة.
- تعزيز كافة الجهود في سبيل الوقوف بوجه الإرهابين، وهذا تحديد دقيق منذ اللحظات الأولى، ذلك أنَّ الأمر اختلط على الكثيرين لاسيما أهلَ الديار وعلمائها فوسَّموا ما يحدث بالثورة أو الانتفاضة لشعب مظلوم، وبعد أن طغت الرايات السود على ما عداها خَفتت تلك الأصوات، وأصبح مفهوم الإرهاب مُرادفاً لتنظيم الدولة الإسلامية.
- أكَّدَ البيانُ على ضرورة حماية المواطنين من شر الإرهاب، والتأكيد على مفهوم المواطنة والابتعاد عن مفهوم الدين والطائفة، لاسيما هناك مناطق مستهدفة تضم مكونات عدة تنتمي إلى البلاد منذ القدم في عيش مشترك مع أبناء الديانة الإسلامية (9).
يمكن القول إن بيان المرجعية جاء مخالفاً لما تناقلته وكالات الأنباء العالمية من معنويات منهارة للقوات المسلحة والأمنية، وأكد على الدعم اللامحدود لتلك القوات وطالبها بالصبر والثبات في مُواجهة المُعتدينَ.
...........................................................
(1) جريدة المدى، العدد 3101، 14حزيران 2014.
(2) للمزيد عن مأساة سبايكر ينظر: ضحايا سبايكر أكثر من 2000 جندي | Irfaasawtakhttps://www.irfaasawtak.com › iraq
(3) Alberto M. Fernandez, Here to stay and growing: Combating Isis propaganda networks, October,2015.
(4) Ibid.
((5)) http://im61.gulfup.com/n9flwp.jpg
(6) Willem Theo Osterveld and Willem Bloem, The Rise and Fall of Isis: From Evitability to Inevitability, The hogue Center for Strategic Studies, P5.
(7) Lana Shamieh, Szenes Zoltan, The Rise of Islamic State in Iraq and Syria, AARMS, VO.14.no.4(2015), p.37.
(8) Origins Ideology and responses by Mainstream Muslim Scholars, National Center of Excellence for Islamic Studies,2016, p.2.
(9) تناقلت البيان معظم وكالات الانباء العالمية وتم نشره في معظم الصحف العراقية الصادرة في يوم 11/6/2014
الاكثر قراءة في قيام الجهورية العراقية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة