التغطية الإعلامية لأهم الصحف العالمية لسقوط مدينة الموصل
المؤلف:
د. يونس عباس الياسري
المصدر:
موقف المرجعية الدينية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للمدة (9 ــ 16 حزيران 2014)
الجزء والصفحة:
ص 27 ــ 32
2025-08-15
448
كتب جون كول تقريراً في 11حزيران 2014 تحت عنوان: (1)"سقوط الموصل وفشل الرهان على الوعود التاريخية "، قدم فيه اتهامات لأطراف مهمة وراء سقوط الموصل في أيدي تنظيم الدولة، فالموصل وكما هو معروف ثاني أكبر المدن العراقية، وتعداد سكانها حوالي مليونين، نزح معظم سكانها بعد هجوم تنظيم الدولة وهذا التنظيم التابع للقاعدة والفصائل التابعة له سيطر قبل مدة على الفلوجة والرمادي وهي أقلُّ مساحةٍ من الموصل وأقلُّ أهميةً (2).
يمكن توجيه الاتهام إلى جورج بوش الرئيس الأمريكي الأسبق، فإدارته ادعت من أهم اسباب احتلال العراق العلاقة بين تنظيم القاعدة وبغداد وفي حقيقة الأمر لم يكن ذلك موجوداً أو على قدر من الأهمية، وعن طريق الإصرار على غزو العراق واحتلاله وتدميره نشطت القاعدة في العراق وبدأ يتعاظم نفوذها شيئاً فشيئاً (3).
لم يقدم بوش وحكومته بديلاً عن النظام الذي كان قائماً بعد تدميره ، وأمعنوا في تدمير الاقتصاد والبنية التحتية ، دون اللجوء إلى بناء اقتصاد جديد او نظام تجاري ناجح، وعلى الصعيد السياسي شجعوا نظام انتخابي نتج عنه الانقسام الديني والقومي ، وساعدوا على القيام باستفزازات أدت إلى حرب أهلية للمدة(2006-2007) راح ضحيتها الآلاف، ومن يدعي أنَّ خطأ أمريكا كان بعدم ترك قوات عسكرية في العراق يعرف جيداً تصويت البرلمان العراقي ضد بقاء القوات الأمريكية ، وليس هناك أي امكانية ببقاء تلك القوات لأنها شكلت هاجساً مخيفاً للعراقيين لاسيما بعد النتائج السلبية التي رافقت الاحتلال، وهل يمكن الآن لإدارة أوباما اعادة احتلال المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة ؟(4).
وجهت أصابع الاتهام أيضاً إلى الرئيس الاسبق صدام حسين الذي حكم للمدة (1979-2003) معتمداً بشكل كبير على مدينة الموصل في حكمه، وعزز النفس الطائفي لتقوية حزب البعث بالاعتماد على الطائفة السنية في المناطق الشمالية وأهمل بشكل كبير الجنوب الشيعي واضطهد رجاله، واليوم أختل ميزان القوى لصالح المدن الشيعية كبغداد والنجف والبصرة لتقوم بدور مهم في بناء الدولة (5).
وجه السبب في سقوط الموصل إلى الموقف غير المسؤول للأصوليين السنة في الكويت والسعودية ودول الخليج الأخرى التي وضعت ثرواتها في خدمة الفصائل المتطرفة ، فارتفاع اسعار النفط لأكثر من مئة دولار للبرميل دفعت بالمليارات لأغنياء الخليج ، والكثير منها كانت في حوزة رجال يناصرون اسامة بن لادن وهم على استعداد لدفعها ودعم سيطرة التنظيم على مدن مهمة كالموصل وحلب ، ولم تحاول وزارة الخزانة الأمريكية وقف الأموال المُهَربة لأنَّ واشنطن بحكم الواقع مُتحالِفة معَ أصحاب المليارات الخليجيين المناهضين للحكم في سوريا والعراق والداعمين لقيام دولة سلفية في سوريا ودولة سلفية في شمال وغرب العراق(6).
سقوط الموصل يمكن أنْ يُوجَّهَ الاتهام فيه إلى الجيش العراقي الجديد، المسلح والمدرب جيداً والذي أُنفقت عليه أموالٍ طائلةٍ، وقد أنهار بعد سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة، وحصوله على مختلف الاسلحة الثقيلة التي تركتها القوات العسكرية خلفها (7).
كذلك يوجه الاتهام إلى رئيس الوزراء نوري المالكي وإلى النخبة السياسية الشيعية التي حكمت العراق منذ سنة 2005، والتي لم تهتم بالمصالحة مع العرب السنة، والقضية لا تقتصر على مجرد البعد الطائفي ، والأحزاب الشيعية التي ربحت الانتخابات مثلت اليمين الديني للشيعة ، وسابقاً قبل أن تتعاون المخابرات الأمريكية مع حزب البعث لتدمير اليسار الشيوعي العراقي ، كان العديد من الشيعة علمانيين ومنهم من انتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي (8)، وعَملت الأحزاب الشيعية على تحقيق حلم الدولة الشيعية ، وتحقيق الرؤية الأصولية للقانون الاسلامي، ومثل المالكي مشكلة للسنة بعد عدم قدرته لدمجهم في حكومته الأمر الذي يعني جنوحهم نحو الأصولية السنية ، وعجزه للتواصل مع السنة العرب أدَّى بالبرلمان العراقي لرفض خطة بايدن تقسيم البلاد (9).
عدت صحيفة الاندبندنت (10) في عددها الصادر يوم الاربعاء أن سقوط ثاني أكبر مدن العراق بيد تنظيم الدولة سيغير وجه السياسة في منطقة الشرق الأوسط وعنونت تقريرها: هل يتدخل الغرب في العراق مرة أخرى بعد أن عمت الفوضى، وسيطر الإسلاميونَ المتطرفونَ على الموصل، فسقوطها بيد المُتشدِّدين الإسلاميين ضربة موجعة للحكومة العراقية التي انهارت قواتها في مواجهة المسلحين، فالنجاح الذي حققه تنظيم الدولة يمكن أنْ يُغيرَ وجه السياسة في الشرق الأوسط (11).
تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تطورات الأزمة في العراق وعدم قدرة الجيش العراقي حماية البلد , وطالبت أوباما بدعم الحكومة العراقية واستعادة الموصل وايقاف زحف المسلحين باتجاه العاصمة بغداد , والضغط على الحكومة العراقية لإجراء اصلاحات جذرية تعالج مشاكل وهواجس السنة ، وفي تغطيتها للأحداث ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إنَّ مُتمردِينَ تابعين لتنظيم القاعدة سيطروا على مدن رئيسة كالموصل وواصلوا الزحف نحو بغداد وسط مقاومة ضعيفة من جانب القوات الأمنية , والانتصارات التي حققها تنظيم الدولة التابع لتنظيم القاعدة تثير المخاوف المتمثلة بخسارة التقدم الذي حدث في البلاد على مدار عقد من الزمان وأنَّ هدف التنظيم إقامة الخلافة الإسلامية على أرض يقطنها السنة وتمتد عبر الحدود السورية العراقية (12).
وفي السياق نفسه نشرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية (13) مقالاً للكاتب توم روغان، ذكر فيه: تنظيم الدولة يُمزَّقُ العراق في الوقت الراهن ومسلحيه يزحفون نحو بغداد (14)، فيما أشارت صحيفة الغارديان تهديد سقوط الموصل بانزلاق العراق إلى مستنقع حرب أهلية جديدة، وعدته ضربة مدمرة للعراق ينذر بزعزعة استقرار المنطقة برمتها، وحمل الحكم الطائفي في بغداد والرؤية غير الواقعية لرئيس الوزراء المسؤولية عن هذه الضربة المدمرة (15).
ذكرت صحيفة الغارديان على صفحتها الأولى مقالاً تحت عنوان : مسؤولون عراقيون ذكروا سيطرت مقاتلين على مدينة تكريت (16 (مسقط رأس الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين واقترابهم أكثر من العاصمة بغداد بعد ترك الجنود مواقعهم وانسحابهم أمام المتمردين , وجاء الخبر بعد يوم واحد من استيلاء تنظيم الدولة على مدينة الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية وليوجهوا ضربة قوية (للحكومة الشيعية ) في البلاد(17) , وقد نزح من المدينة حوالي 500000 مواطناً ونقلت الصحيفة عن لقاءات تلفزيونية مع مواطنين سيطرت مُقاتلينَ على مواقع مهمة في مؤسسات الدولة في تكريت , فيما ذكر مسؤولانِ فضلا عدم ذكر اسميهما سقوط تكريت بيد تنظيم الدولة وهي تبعد 80 ميلاً عن العاصمة بغداد ، ونقلت عن مواطنين في الموصل تجول عناصر تنظيم الدولة في الشوارع لِبعثْ الطمأنينة بين الناس ومطالبة المواطنين بالعودة لأعمالهم ، ونقلت عن شاهد عيان قيام الجوامع بمناشدة الناس العودة إلى أعمالهم لاسيما الذين يعملون في الخدمات العامة(18).
نشرت وكالة الأنباء البريطانية تقريراً الأربعاء 11 حزيران 2014 تحت عنوان: معركة الموصل الاختيار الأصعب أمام العراق بقلم ميشيل نايتس(19) ، أورد فيه قيام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ومنذ يوم 6 حزيران بالسيطرة على نصف المدن الغربية في الموصل ثاني أكبر مدن العراق والمركز الاقتصادي والسياسي الرئيسي في الاقليم الشمالي بعد تقدم مئات من عناصر تنظيم الدولة من الصحراء المحاذية لسوريا بعد انهيار القوات العراقية ، وسقوط الموصل لا يماثل سقوط الفلوجة من حيث الأهمية وعلى الحكومة العراقية ادراك ذلك , فهي مدينة ذات غالبية سنية يبلغ تعدادها حوالي 2مليون وكانت تضم سبعة آلاف ضابط عسكري في عهد صدام حسين وأكثر من 100ألف مقاتلٍ من مختلف الصنوف والرتب أقصي الكثير منهم بعد سقوط النظام (20). وذكر أن عدد أفراد تنظيم الدولة حوالي 31 ألف مقاتل بحسب تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية[i].
وختم في القول: السيطرة على الموصل أهم إنجاز لتنظيم الدولة لتحكمه بأكثر من مليوني شخص وتهديده المنطقة برمتها والمتوقع حشد الحكومة العراقية قواتها العسكرية، وعلى جميع الطوائف دعم القوات العراقية لإعادة الامور إلى نصابها (21).
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية(22) وفي مقالها يوم الخميس 12 حزيران 2014 , ذكرت : سقوط مدينة الموصل العراقية في أيدي مسلحي تنظيم داعش يُعدُّ تجسيداً لمأساة دولةٍ مُنْهارةٍ , وسقوطها ليس فصلاً مأساوياً آخر في الملحمة العراقية بل تجسيداً لمأساة دولةٍ مُنهارةٍ تضعف قبضة حكومتها المركزية تدريجياً على أجزاء كبيرة من أراضيها بعد أكثر من عشر سنوات على سقوط نظام حزب البعث , وذكرت أن الحكومة العراقية تبدو عاجزة أكثر من ذي قبل أمام تقدم تنظيم الدولة نحو الجنوب , وظهرت القوات العراقية التي أنفقتِ الولايات المتحدة مليارات الدولارات على تدريبها وتزويدها بالمعدات غير متكافئة أمام قوة من المهاجمين صغيرة العدد ولكنها أكثر حماساً ، وختمت الصحيفة على الرغم من معارضة معظم الأحزاب السياسية عودة نوري المالكي لرئاسة الوزراء لأنها عدته جزء من المشكلة العراقية ، فقد حصلت كتلته على 92 من اصل 328 مقعداً في البرلمان متقدماً على كل الكتل , وأنه في خضم ذلك الصراع على السلطة في بغداد والذي يتزامن مع تقدم جريء للمسلحين سينتهي الأمر بجميع الأطراف السياسية إلى الفشل (23) .
كتبت النيويورك تايمز في 12 حزيران مقالاً تحت عنوان: ماذا يعني سقوط الموصل للعراق؟ بدأتْ الناس تغادرُ المدينة بأعدادٍ كبيرةٍ ونقلتْ عن ماندي ألكسندر الموظفة في منظمة الهجرة العالمية تقديرها عدد الفارين يقدر حوالي 500ألفاً، والفوضى تعم معظم البلاد، وأشارت إلى تقديم رئيس الوزراء نوري المالكي طلباً للبرلمان لإعلان حالة الطوارئ، ومطالبة الولايات المتحدة باستخدام سلاح الجو لتوجيه ضربات ضد المسلحين وختم بالقول إنَّ تنظيم الدولة الإسلامية هو الآن من اقوى الفصائل الجهادية في العالم ولديهم الطموح بإقامة دولة الخلافة في سوريا والعراق (24).
يمكن القول بإجماع الصحف العالمية على إنَّ القوات العراقية في حالة انهيار تامٍ ومعنوياتها في أدنى مستوياتها والموقف المتدهور يساعدُ التقدُّمَ سريعاً إلى بغداد والسيطرة عليها في حال بقي الوضع عما هو عليه لاسيما بعد إعلان التنظيم إن معركته الحاسمة في بغداد، وما حدث سوف يغير وجه المنطقة برمتها.
.............................................................
(1) جون كول: استاذ جامعي امريكي مختص بالشرق الاوسط وتدريسي في جامعة ميشيغان الامريكية يكتب في موقع خاص يدا التعليق المستنير وألف عدة كتب عن الشرق الاوسط.
(2) نص التقرير في اللغة الانكليزية في ملحق رقم (4)
(3) The fall of Mosul and the False Promise of Modern History, June By Juan Cole, https://www.juancole.com/2014/06/promises-modern-history.html
(4) Ibid
(5) Ibid
(6) Ibid
(7) Ibid
(8) Ibid
(9) Ibid
(10) صحيفة الاندبندنت: صحيفة بريطانية تأسست في سنة 1986مالكها الكسندر ليدييف ، تصدر عن دار الاندبندنت للطباعة المحدودة للمزيد ينظر: ...https://www.independent.co.uk
(11) www.bbc.com/arabic/inthepress/2014/.../140610_press_wednesday.
(12) صحيفة ديلي تلغراف: من اهم الصحف البريطانية اسست سنة 1855 من آرثر بي سيليج للمزيد ينظر : صحيفة ديلي تلغراف ...https://www.telegraph.co.uk
(13) قناة الجزيرة الفضائية ،12حزيران 2014 www.aljazeera.net/news/.../صحيفة-سقوط-الموصل-يهدد-استقرار-ال.
(14) المصدر نفسه.
(15) نص التقرير في ملحق رقم (5)
(16) Isis militants seize central Iraqi city of Tikrit | World news | The Guardian
https://www.theguardian.com/world/2014/.../isis-militants-seize-control-iraqi-city-tikrit.
(17) Ibid
(18) Httb://www.bbc.com/news/world-middle-east-27788972
(19) Httb://www.bbc.com/news/world-middle-east-27788972.
(20) Rosa Prince (ed.)، “CIA says number of Islamic State Fighters in Iraq and Syria has Swelled to Between 20,000 and 31,500”،
The Telegraph (12 September 2014), accessed 5 February 2015.
(21) Ibid
(22) صحيفة فايننشال تايمز البريطانية : ظهرت الفايننشال تايمز في 18 شباط من عام 1888، أي قبل عام من صحيفة وول ستريت جورنال، لمواجهة فايننشال نيوز المختصة في الأخبار المالية والتي ظهرت في عام 1884 من قبل مجموعة الاخوة بري. في عام 1945 اندمجت الجريدتين تحت اسم فايننشال تايمز. S. Pearson Published Limited للمزيد ينظر: صحيفة فايننشال تايمز البريطانية Financial Timeshttps://www.ft.com
(23) صحيفة فايننشال تايمز البريطانية ،12، حزيران،2014.
(24) http:/new York times/12-2014-Thursday-June
الاكثر قراءة في قيام الجهورية العراقية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة