إخفاق التجربة الديمقراطية في العراق
المؤلف:
د. يونس عباس الياسري
المصدر:
موقف المرجعية الدينية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للمدة (9 ــ 16 حزيران 2014)
الجزء والصفحة:
ص 86 ــ 89
2025-08-23
280
يمكن القول إنَّ التجربة الديمقراطية التي قادتها الكتل والأحزاب التي تنتمي معظمها إلى التيار الاسلامي كان محكوماً عليها بالفشل وسط رفض أقليمي وعالمي لهذه التجربة والتي عرفت بتجربة الاسلام السياسي في العراق ، فالولايات المتحدة تراجعت في خططها لتتضمن انتخابات ديمقراطية وكان من الواضح أن معظم الناس لاسيما بعد تدخل المرجعية سوف تختار الأقرب إلى فكر المرجعية الدينية والذي يمكن أن تتبناه المرجعية ولو بالظاهر ، ذلك أن معظم من يحق له التصويت في انتخابات 2005 لم يكن يعرف شيئاً عن السياسيين الذين قادوا المعارضة في الخارج ، ودخولهم بعد سقوط نظام صدام حسين بمعية وحماية الاحتلال الأمريكي وضعهم في موضع الشك ، لذلك رغب الناس ولاسيما في الوسط بشدة في مباركة المرجعية لقائمة معينة وحدث ذلك بالفعل في أول انتخابات ، وانتخب أبناء الطائفة الشيعية ممثليهم من التحالف الوطني في المقابل حصل اصطفاف لأبناء الطائفة السنية لاختيار مرشحيهم الإسلاميين.
كان أمام المرجعية الدينية خياران، الأولُ والذي أخذت به هو الاعتماد على معارضي الخارج في تشكيل الائتلاف العراقي الوطني المُوحَّد وقد ضمَّ أبرز الأحزاب الشيعية في العراق إضافة إلى شخصيات سنية وممثلين للأكراد والتركمان واليزيدين ، وذكر حسين الشهرستاني عضو اللجنة السداسية التي شكلتها المرجعية لتنسيق الائتلاف إِنَّ هدف اللجنة المُساعدة على تشكيل لائحة وطنية مُوحَّدةٍ واستغرق عمل اللجنة شهرين(1) ، وأهم الأسباب في هذا الاختيار ما يميزهم من تاريخ نضالي طويل في مواجهة السلطة البعثية يشهد بذلك الجميع، ولخبرتهم السياسية علماً إنَّ جلَّهم من غير مقلدي المراجع الأربعة قادة الحوزة العلمية في زمن التغيير، ونظر الناس للمرشحين كرمز للخلاص من النظام البعثي الصدامي، وإمكانية تحقيقهم الطموح المنشود في حكومة همها الوطن والمواطن ، ولكنّ الأمور ذهبت بالاتجاه الآخر وغرّتهم الدنيا ومن يقف وراءهم حتى أغلقتِ المرجعيةُ الدينيةُ البابَ بوجههم جميعاً، ومقتهم معظم الناس إلى الدرجة التي بات فيها ينشد التغيير بأي وسيلة.
المشكلة في هؤلاء أصحاب التاريخ النضالي لم تكن لديهم قاعدة في البلاد فنظام البعث كان مهيمناً ولذلك كان عليهم إقامة قاعدة لهم وهذه القاعدة اعتمدت بشكل كبير على تأييد المرجعية ولقاءاتهم فيها، ولكن مع مرور الزمن استغلت المناصب الحكومية في كسب تأييد الناس وأصبح الذي يتبوأ منصب رئاسة الوزراء والوزارات السيادية تكثر أتباعه لاسيما والناس متعطشة للوظائف التي تمثل المكسب الرئيسي للعيش في العراق في غياب مٌتعمد للقطاع الخاص ، وكانت هذه الطريقة السهلة لكسب الأتباع لحزب معين وهي التي يعتمد عليها في كسب الأصوات في الانتخابات ، وكثرت ظاهرة التعينات الوهمية قبل إجراء أي انتخابات في الوقت نفسه أصبحت هذه القضية مثيرةً للمشاكل ، من جهة أخرى فكل مسؤول ينظر في طلبات أتباعه فقط ويعطل كل ما من شأنه انْ ينفع الطرف الآخر الذي يمكن أن ينافسه في الانتخابات
القادمة وباتتْ خدمةُ الناس وإقامة المشاريع رهناً بأهواء المسؤولين من الأحزاب السياسية.
بدأتِ الأحزاب الدينية في مهمة توسيع قاعدتها بأتباع أساليب مختلفة ، معظمها لا تعتمد على إقامة قاعدة واعية ونظام مؤسساتي ، وأخذت تتنافس فيما بينها وبطرق مبتذلة على كسب الناس ولاسيما بإتباع الأسلوب الطائفي الديني المرتكز على التنظير لا التطبيق ، وبمرور الزمن ومن دون رقابة فعالة بدأت تدخل في مشاريع عديدة وتمنحها لجهات ساندة ومؤيدة ، حتى بدأت أخطر مرحلة فساد مالي في تاريخ العراق الحديث والمواطن لا يستوعب قصص الفساد الاداري والمالي وكأَّنها مِن نسج الخيال(2)، وسقط أصحاب التاريخ النضالي في المحظور وغرتهم الدنيا واموالها وتحقق لأمريكا ما تريد ، فالذين راهن عليهم السيد السيستاني ، يمنعهم اليوم من الوصول إلى مكتبه ومع ذلك لم يراجعوا مواقفهم، فالنظام الديمقراطي الذي يمكن أنْ يتحولَ إلى فوضى عارمة وبؤرة من بؤر الفساد وتراشُق الاتهامات في مسؤولية الفشل حدثت في العراق ، والولايات المتحدة الراعي الأول للنظام الديمقراطي لم تساعد في إقامة نظام مؤسساتي رغبة منها في إفشال الإسلامين ، ونظام المحاصصة الذي بنيت عليه عملية التغير في العراق ، كان أساساً مهماً لبناء نظام فاسد إدارياً ومالياً ، ووصلت الأمور إلى طريق مسدود، في الوقت نفسه تعرض العراقُ لدخول الكثير من المتطرفين بحجة الجهاد ضد المحتل وكل من قبل وجوده ، وحدثت حرب طائفية دمرت النسيج الاجتماعي راح ضحيتها آلاف العراقيين من دون ذنب ، ولم تحدد مسؤولية الدمار ذلك أن معظم خيوطه بأيدي المخابرات الاجنبية التي تتحرك وفق مخططات خارجية ، وذهب البلد باتجاه المجهول ، وآخر حلقاته كانت هجوم التنظيمات المتطرفة الذي أسقط الموصل في غضون ثلاث أيام وتابع سيره الحثيث باتجاه العاصمة بغداد والمدن المقدسة كما صرح قادة التنظيم وفق مخططهم ، وكان يمكن أن تسقط البلاد على حين غفلة لأنه ليس هناك منتسب في القوات الأمنية والعسكرية مستعداً فضلاً عن المواطنين أن يضحي بنفسه في سبيل حكومة تتصارع على المناصب والمكاسب.
............................................................
(1) مجلة النجف الاشرف، العدد التاسع، 2004، ص6.
(2) في تصريح صحفي لرئيس المؤتمر العراقي الجلبي سنة 2010 ذكر أن الفساد الإداري والمالي في العراق بعد السقوط ولغاية سنة 2010 لم يشهد له تاريخ العراق مثيل.
الاكثر قراءة في قيام الجهورية العراقية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة