القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
شروط التفريق لغيبة الزوج في الفقه الإسلامي
المؤلف:
فاطمة نظام علي الشلاه
المصدر:
النظام القانوني للتفريق لغيبة الزوج او فقدانه
الجزء والصفحة:
ص 42-52
2025-08-05
27
غيبة الزوج ما هو الا تواريه وبعده عن زوجته من دون أن تنقطع أخباره فمكانه معلوم وبالإمكان مراسلته والاتصال به (1) ، ولم يتخذ فقهاء المذاهب الإسلامية موقفا واحدا بطلب التفريق للغياب فانقسموا على قولين، هما: أولهما: لم يجز أصحاب هذا القول للزوجة طلب التفريق القضائي نتيجة لبعد الزوج سواء أكان غائبا أم محبوسا أم أسيرا. وهم فقهاء الإمامية والحنفيه والشافعية.
ففي ما يتعلق بفقهاء الإمامية في المشهور عندهم عدم الجواز فيرى أغلب فقهائهم أن الزوجية باقية إن غاب الزوج حتى إن انعدم الإنفاق، وبيّن السيد الخوئي أن على زوجة الغائب الصبر والانتظار إن كان زوجها حيا (2)، وكذلك رأي الشيخ الطوسي والشيرازي (3)، وجاء الرأي نفسه في مسالك الإفهام بأن الغائب عن زوجته إن لم ينقطع خبره وكان يأتي كتابه أو يُعرف مكانه فنكاحه على زوجته مستمر، وينفق الحاكم عليها من ماله إن كان له مال يصل إليه وإلا كتب إلى حاكم بلده ليطالبه بحقها، فإن تعذر ذلك أنفق عليها من بيت المال إن لم يكن له من ينفق عليها (4).
وكذلك ما ورد في شرائع الإسلام أن على الزوجة الصبر إن كان زوجها معروف الخبر، وينفق عليها الإمام من بيت المال(5).
جاء في رواية عن سماعة أنه سأل أبي عبد الله (عليه السلام) عن زوجة الغائب فقال: "إن علمت أنه في أرض فهي تنتظر له ابدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه(6). وكذلك الحكم عند السيد السيستاني فبيّن أن على زوجة الغائب معلوم الحياة الصبر والانتظار وليس لها طلب التفريق وإن طالت المدة وانعدم الإنفاق (7).
أما الشيخ الفياض فذهب إلى أن الزوج إن كان غائبا وكان معلوم الحياة وكان هنالك من ينفق على زوجته من مال زوجها أو من ماله الخاص فعليها الصبر، وفي حال لم يتوفر الإنفاق فيقوم الحاكم بالإنفاق عليها أو تطليقها (8).
ومن ثم فإن أغلب فقهاء الإمامية لم يجيزوا التفريق إن كان الزوج غائبا وكان معروف الحال حتى إن انعدم الإنفاق وينفق عليها من بيت المال ؛ وعلى الزوجة الصبر والانتظار ولم يحدد مدة معينة لذلك الصبر. وكذلك فقهاء الحنفيه فالطلاق عندهم لمن أخذ بالساق (9) ، حتى وإن لم يترك لها مالا يكفيها تنفق منه على نفسها. وكذلك الشافعية في القول الجديد لا تتفرق زوجة الغائب حتى يتيقن وفاته أو طلاقه (10) .
فجعلوا الوطء حق للزوج من دون الزوجة وإن له تركه (11)، كما جاء بحاشية البجيرمي: وللزوج اعراض عن زوجاته بأن لا يبيت عندهن ؛ لأن المبيت حقه فله تركه (12)، ورأى أبو حنيفة والشافعي أنه لا حق لها فيه إلا في وطأة واحدة يستقر بها المهر (13).
أما بالنسبة لحق الزوجة بطلب التفريق عن زوجها الغائب لانعدام الإنفاق فليس للزوجة ذلك، إن كان الزوج موسرا حيث لها ان تطلب من الحاكم أن يحكم لها بالنفقة فيبعث لحاكم إلى البلد المقيم فيه الزوج ويلزمه بالإنفاق، وكذلك ليس لها طلب التفريق إن غاب معسرا استصحابا لدوام النكاح، وكذلك إن غاب وجهل حاله في اليسار والإعسار (14).
استندت الآراء السابقة بعدم السماح للزوجة طلب التفريق عن غَيبة زوجها على عدد من الأدلة، وهي:
1. لا تقاس الغيبة على الإيلاء ؛ لأنه يعد طلاقا معجلا، ولا على العنة؛ لأن العنة لا يتوقع زوالها بخلاف الغيبة (15).
2. ما جاء بالحديث الشريف: ( الطلاق لمن أخذ بالساق) (16). وهنا بينوا أن الحديث يراد به أنه لا يجوز لغير الزوج إحداث الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية ولا يتمكن القضاء من إصدار حكم بالفرقة، وهذا الرأي مردود عليه بأن الحديث قاله النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عندما جاءه رجل فقال له إن سيدي زوجني أمَتَهُ ويريد أن يفرقنا (17).
3. " النكاح معلوم بيقين فلا يزول إلا بيقين (18).
4. الغيبة لا توجب الفرقة، والموت في حيز الاحتمال، فلا يزال النكاح بالشك؛ لأن الشك لا يزيل الثابت (19).
5. لم يرد نص من كتاب الله عز وجل أو سنة النبي أو فعل لأحد الصحابة ما يجوز التفريق لغياب الزوج، وهذا الدليل لا ينهض حجة لديهم؛ لأن الأمور المستجدة تكون بحاجة إلى حكم شرعي يناسبها.
ثانيهما: أجاز أصحاب هذا القول التفريق للغيبة وبشروط حسب ما تطرقنا له سابقا وهم الحنابلة والمالكية وبعض من فقهاء الامامية ، فأجاز المذهب الحنبلي طلب التفريق لزوجة الغائب إن تجاوزت غيبته مدة الستة أشهر لعذر مشروع، فللزوجة بحسب هذا الرأي إن غاب زوجها عنها أن تطلب من القضاء إحضاره، فيكتب الحاكم إلى حاكم المكان الذي يقطنه الزوج يطلب فيها قدومه إلى البلد الذي تسكنه الزوجة؛ إن قدم فعلا كان بها، وإن رفض القدوم ولكنه قدم عذرا معتبرا قبله الحاكم لسقوط حقها بالوطء لغيابة بسبب العذر والحاجة، أما في حال رفض القدوم ولم يقدّم عذرا مشروعا لرفض العودة فهنا إن كانت الزوجة مصرة على الفرقة أجاب الحاكم طلبها وفسخ العقد (20)، ودليل ذلك ما رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم بأن عمر بن الخطاب حرس المدينة وسمع امرأة تشكو غياب زوجها؛ لأنه كان يقاتل بصفوف المسلمين، فذهب وسأل ابنته حفصه في المدة التي بإمكان الزوجة الصبر على فراق زوجها فقالت خمسة أشهر أو سته أشهر فحدد للناس مدة سته أشهر في مغازيهم من أجل ان لا يوقع ضررا وحرجا بزوجته نتيجة لغيابه (21).
نلاحظ مما سبق أن ما جاء به فقهاء الحنابلة متناقض ؛ لأنهم بينوا في حال غاب الزوج لمعذرة مشروعة سقط حق الزوجة في الوطء وإن طال غيابه عن ستة الأشهر، وتدل الرواية السابقة على غياب زوج المرأة الشاكية كان غيابا لعذر مشروع وهو القتال بصفوف المسلمين؛ ومن ثم لا يمكن التعويل عليه.
والزوجة تستحق النفقة بتوفر شرطين هما أن تكون كبيرة يمكن وطؤها، وأن تُمكن نفسها لزوجها تمكينا ،تاما، ومن ثم فإن غاب الزوج بعد التمكين لا يسقط النفقة بل تبقى واجبة عليه زمن غيبته؛ وفي حال غاب قبل تمكينها فليس لها عليه نفقة. أما في حال بذلت التمكين وهو غائب لا تستحق النفقة لكونها قد بذلت التسليم في وضع لا يمكن لها التمكين فيه، ولكن لها الرجوع إلى الحاكم وتبذل التسليم ليخبره الحاكم عن طريق حاكم البلد الذي يقطن فيه الزوج؛ فإن عاد إليها أو اصطحبها إليه وجبت النفقة. أما إن امتنع الزوج فتجب عليه النفقة من الوقت الذي كان بإمكانه تسلمها ولم يفعل ذلك (22). وفي حال لم يرسل لزوجته مالا ولم يعثر له على مال، ورفض الوكيل أن يدفع نفقة زوجة موكله إن كان لديه وكيل، فإن لم يعلم الحاكم مكانه أو علم مكانه وكتب إليه من دون جدوى فسخ الحاكم النكاح بطلب من الزوجة(23).
وكذلك أجاز المالكية للزوجة طلب التفريق لغيبة الزوج وتضررها من ذلك الغياب(24)، وبالتالي وحسب هذا المذهب فأن شرط الضرر هو من يبيح للزوجة طلب التفريق, كما ولها حق طلب الفرقة لانعدام الإنفاق، ففي حال تبين إعسار الزوج الغائب فالقاضي يمهله مدة مناسبة إن كان مكانه بعيدا ؛ سواء أكان قد دخل بزوجته أم لم يدخل وسواء دعي للدخول بها أم لم يدع لذلك، أما إن كان مكانه قريبا كثلاثة أيام فهنا يعذره الحاكم بأن ينفق على زوجته فإن لم يفعل فرق الحاكم بينهما بناءً على طلب الزوجة(25).
وجدير بالذكر أن السيد الخوئي نقل عن بعض من فقهاء الإمامية أنهم أجازوا التفريق استثناء من الأصل (عدم الجواز)، فقد ورد في كتاب المبين في توضيح منهاج الصالحين نقلا عن بعض الأكابر أن الزوج إن كان معلوم الحياة ولم تطق زوجته الصبر على بعده جاز للحاكم أن يطلقها (26).
ومن مسوغات اختلاف الفقهاء وانقسامهم بشأن التفريق للغيبة عدة أسباب هي:
1. معارضة استصحاب الحال للقياس (27) ، فاستصحاب الحال (28) يوجب بقاء الزوجية ولا تنتهي إلا إن توفي أحد طرفي العقد أو بالطلاق، وأما ما يراد بالقياس هنا هو تشبيه ما يلحق بالزوجة من ضرر لغيبة زوجها بالإيلاء والعنة ومن ثم تستطيع الزوجة بهذا الضرر أن تطلب التفريق كما لو كان الزوج عنينا أو ألى زوجته.
2. وكذلك يعود سبب الاختلاف بين الفقهاء بهذا النوع من الفرقة إلى حق الوطء فمنهم من عده حقا للزوجين فأجاز الحنابلة التفريق للغيبة، جاء في الشرح الكبير على المقنع والانصاف أن "النكاح شرع لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما، ويكون الوطء حقا لهما جميعا، ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها في العزل (29) ، واخرين عدوا حق الوطء للزوج فقط دون الزوجة كالشافعية الذين ذكروا إمكانية الزوج الإعراض عن زوجاته؛ لأن المبيت حقا خالص للزوج وله أن يتركه(30).
3. وذكر الفقه الشافعي أن ليس لزوجة المفقود الفسخ"؛ لأنه إذا لم يجز الحكم بموته في قسمة ماله لم يجز الحكم بموته في نكاح زوجته (31).
لقد تضمنت كتب المذاهب الفقهية التي أجازت التفريق وكذلك التشريعات الحالات الموجبة للفرقة الزوجية، والتي جعلت منها حلا لرفع الحرج والمشقة؛ فالضرر مدفوع شرعا، وحيث لم تكن المذاهب وكذلك التشريعات التي صدرت متفقة في صياغتها؛ وإن لهذا الاختلاف مسوغاته ودواعيه التي استند إليها كل مذهب وتشريع. لذا كان لزاما علينا أن نتناول الشروط التي بتوفرها يحق للزوجة طلب التفريق لغيبة زوجها ؛ للوقوف عليها وتحليلها، لذا سنوضح تلك الشروط وفق ما جاء به بعض فقهاء المذاهب التي أجازت التفريق للغيبة:
1. مدة الغيبة
إن غاب الزوج مدة من الزمن وتضررت الزوجة من ذلك الغياب جاز لها طلب التفريق واختلفت المذاهب بالمدة، فمن أجاز هذا النوع من التفريق بعض من فقهاء الإمامية كما بين السيد الخوئي عن بعض الاكابر (32) ألم يحدد مدة معينة للغيبة، ولم يتفق فقهاء المالكية على مدة محددة فقد ذكر الفرياني وابن عرفة أن مدة السنتين وثلاث السنوات لا تعد مدة طويلة ولابد من الزيادة على تلك المدة؛ بينما ذكر أبو الحسن أن تكون مدة الغيبة سنة فأكثر، وهذا الرأي هو الراجح عندهم (33) ، هذا في حال توفرت النفقة أما إن لم تكن هنالك نفقة للزوجة فلها طلب التفريق لعدم الإنفاق حالا.
وسبب ترجيح مدة الغيبة بالسنة هي نتيجة القياس على العنين؛ لأن زوجة العنين تصبر لمدة سنة (34)، والقول بقياس زوجة الغائب على زوجة العنين يجانب الصواب؛ لأن الغائب يرجى عودته في حين أن العنين إن استمرت حالته لسنة فلا يرجى شفاءه منها (35). واشترط المذهب الحنبلي أن تكون مدة الغيبة ستة أشهر، ويكتب بعدها إلى الزوج فإن رفض العودة فرّق الحاكم بينهما (36) . وذكر البهوتي والنجدي أن مدة الغيبة يجب أن تكون فوق ستة الأشهر ومن ثم فإن كانت ستة أشهر أو أقل فلا يحق لها طلب التفريق (37). فتلك المدة هي أقصى ما تستطيع المرأة انتظار زوجها فيها.
ومن ثم يمكن القول: إن فقهاء المذهب المالكي والحنبلي وإن اتفقوا على أن تكون مدة الغيبة طويلة الا أنهم اختلفوا في مقدارها.
2. نوع الغيبة
لم يحدد الفقه المالكي نوعا معينا للغيبة الموجبة للتفريق، فالتفريق عندهم للغيبة مطلق سواء كانت بعذر أم لا (38) ، بينما اشترط الفقه الحنبلي أن تكون الغيبة بلا عذر مقبول حتى يتسنى يتسنى للزوجة طلب التفريق، فإذا غاب الزوج من أجل العمل أو لإداء فريضة الحج فلا يعد ذلك مسوغا لطلب التفريق من الزوجة (39) . وذكر ابن قدامة أن حق الزوجة بالوطء يسقط وإن طال سفر الزوج، إن كان السفر لعذر (40).
3. نوع الضرر
يسبب غياب الزوج ضررا ماديا ومعنويا يلحق بالزوجة، ولعل الضرر المعنوي يكون أكثر وضوحا وتأثيرا لما يتركه من معاناة واثر بالنفس. ولما كان( الحكم على الشيء فرع عن تصوره) كان لابد لنا من توضيح ما يقصد بالضرر قبل التصدي لبيان نوع الضرر ومدى تأثيره الشخص على الحكم بالتفريق في المذاهب الإسلامية، ويُعرّف الضرر عموما بأنه: "أذى يصيب في حق أو مصلحة مشروعة له(41).
وعرف أيضا بأنه: "ما يصدر عن الزوج من قول أو فعل أو ترك أو مظهر يضر بالزوجة ويصدر عن قصد وتعمد من الزوج دون وجه حق (42) .
وعُرف أيضا بأنه : " ما يكون منشأه عملا أو قولا إراديا لاحد الزوجين أو كليهما مباشرة أو تسببا سواء كان الضرر ماديا كالضرر المترتب على عدم الإنفاق، أم معنويا كحرمان الزوجة من التمتع الجنسي بسبب غيبة الزوج أو هجره (43) هو وهذا الضرر الإرادي.
وعُرّف أيضا بأنه: "إلحاق مفسدة بالغير مطلقا (44).
وعرفه وهبة الزحيلي بأنه: إيذاء" الزوج لزوجته بالقول أو الفعل كالشتم المقذغ والتقبيح المخل بالكرامة والضرب المبرح والحمل على فعل ما حرم الله والاعراض والهجر من غير سبب يبيحه ونحوه " (45).
وعُرّف أيضا بأنه: "كل ما يلحق الأذى أو الالم ببدن الزوجة أو نفسها أو يعرضها للهلاك (46).
وتدخل في وصف الضرر أسباب عدة، أجاز المُشرع بها للزوجة طلب التعويض إذا تحققت؛ كسفر الزوج من أجل الإضرار بالزوجة وجعله وسيلة لإيذائها، أو في حال كان سفره لأسباب قليلة الأهمية وهذا ما أشار إليه القانون المدني العراقي في معرض تنظيمه لنظرية التعسف في استعمال الحق، فقد نصت المادة (7) من القانون المدني على: "
1. من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان.
2. يصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال التالية:
أ . إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الاضرار بالغير.
ب . إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مطلقا مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج . إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة(47).
وما يهمنا هنا هو الضرر المعنوي الذي يراد به ألم ينتج عن أصابة أو مساس بالشعور ينتج عن إهانة، أو تقييد للحرية ينتج عن حبس دون وجه حق"(48). فمن أجل حماية الزوجة من الوقوع في منزلق المعصية وحتى لا يأثر الغياب عليها ؛ فقد أجيز لها طلب التفريق حيث لابد من اختيار أهون الشرين وإن كان فيه هدم لأركان الأسرة وانحلالها، وحتى في حالة الحبس؛ فالعلة متساوية في الحالات والوقائع فلابد من تساوي الحكم أيضا.
اتفق المذهب المالكي والحنبلي على اشتراط تحقق الضرر بالزوجة نتيجة لغيبة الزوج لكن فقهاء المذهب المالكي بينوا أن الضرر هنا هو خوف الزوجة من الوقوع بالزنا أو الانحراف، حيث تصدق الزوجة بيمينها على خشية الوقوع بالمعصية، جاء في حاشية الدسوقي: "لابد أن تخشى الزوجة الزنا على نفسها ويعلم ذلك منها وتصدق في دعواها حيث طالت مدة الغيبة، وأما مجرد شهوتها للجماع فلا يوجب طلاقها (49)؛ فالزوجة تصدق في خشيتها الوقوع بالزنا إن غاب زوجها سنة فأكثر ؛ لأن هكذا أمر لا علم لأحد به غيرها.
أما إن كان الزوج قد هجرها ولا يعاشرها بالمعروف مانعا حقها الشرعي بلا مسوغ لذلك؛ فهنا يسري عليه حكم الإيلاء حتى إن لم يكن هنالك يمين من الزوج، ويأمره الحاكم إما بالمعاشرة أو طلاقها، فإن رفض فرقها الحاكم إن أصرت الزوجة على طلبها بعد أن تمضي مدة أربعة الأشهر (50).
أما فقهاء المذهب الحنبلي فلم يحددوا نوعا معينا للضرر الموجب للتفريق، وبينوا أن مجرد وقوع أي ضرر على الزوجة لبعد زوجها عنها وكذلك شعورها الوحدة أو عدم الإحساس بالأمان وما شابه يعطيها الحق بطلب التفريق وليس بالضرورة أن يكون ذلك الضرر مرتبطا بخوفها من الفتنة أو الوقوع بالزنا والانحراف ؛ فالزواج شرع لدفع الضرر عن الزوجين(51). نلاحظ مما سبق أن فقهاء المذهب الحنبلي أصابوا بعدم تحديد نوعا معين للضرر، فبعد الزوج له من الأضرار الشيء الكثير سواء كان ضررا ماديا أو معنويا.
4. طلب الزوجة
لا تعد الغيبة بحد ذاتها فسخا لعقد الزواج، فلمعرفة نيتها أو رغبتها في الافتراق لابد من طلب يقدم منها؛ لكونها صاحبة الحق في طلب التفريق فقد اشترط فقهاء المذهب الحنبلي (52) والمالكي (53) أن يكون التفريق لغيبة الزوج بطلب من الزوجة ومن ثم فإن لم ترفع الزوجة أمرها للحاكم ورغبت بالصبر والانتظار فلها ذلك، هذا إن توفرت نفقتها، أما إذ لم يكن هنالك نفقة جاز لها أن تطلب التفريق لعدم الإنفاق حالا.
5. إنذار الزوج
اشترط المالكية (54) والحنابلة (55) على أن يراسل الزوج إن كان معلوم المكان أو كان بالإمكان الوصول إليه وإبلاغه إما بالحضور أو أن ترحل زوجته إليه أو أن يطلقها ويمهل لذلك؛ فإن أبى أن يختار أحد تلك الخيارات فرّق الحاكم بينهما. أما في حال لم يكن معلوم المكان يفرق الحاكم من دون إمهال واستثنى الحنابلة من ذلك الزوج الذي يقدم عذرا مقبولا شرعا، فلا يفرّق الحاكم بتلك الحالة حتى إن أصرت الزوجة على ذلك.
ويرى البعض أن رأي المذهب الحنبلي هو الرأي الذي يتفق مع العقل والمنطق، وعلى الزوجة الصبر إن غاب عنها لعذر ؛ فليس من المعقول أن يسافر الزوج ويبتعد عن بلده للعمل لتوفير أسباب العيش لعائلته، فيفاجأ بزوجته برفع دعوى تفريق أمام القضاء، إلا إن خشيت على نفسها الوقوع بالمعصية وطلبت من زوجها العودة فلم يستجب (56).
يتبين مما تقدم أن دفع الضرر واجب، فلا يجوز للإنسان أن يضر نفسه أو غيره، فالضرر يزال ومن ثم فإن غياب الزوج دون عذر عن زوجته فيه إضرار بها قد لا تستطيع تحمل، لذا ينبغي لحماية حقوق الطرفين ورفعا للحرج والمضرة توجيه إنذار للزوج ومنحه إمهال لاختيار إما عودته لها أو إلحاقها به أو التفريق عنه إن كان غياب الزوج بلا عذر مشروع متجاوزا المدة المحددة.
____________
1- عبد الكريم زيدان، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، ج8، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت، 1993، ص 463.
2- السيد الخوئي، المبين في توضيح منهاج الصالحين، ج 2، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، بيروت، 2015، ص 300.
3- أبو جعفر الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية، ج 5 ، دار الكتاب الإسلامية، بيروت ، ص278 . والسيد عبد الله الموسوي الشيرازي، ذخيرة الصالحين، سعيد أوفست ، مشهد ،المقدسة طه، 1398 هـ، ص 331.
4- الشهيد الثاني زين الدين العاملي مسالك الإفهام، ج 13، مؤسسة المعارف الإسلامية، بلا سنة طبع ، ص 284.
5- الشيخ أبي طالب محمد بن الحسن المطهر الحلي، إيضاح الفوائد، ج 3، مؤسسة إسماعيليان، ط1، 1389هـ، ص 353. المحقق الحلي أبو القاسم نجم الدين شرائع الإسلام، ج 3، طبعة إسماعيليان، 1409، ص 602.
6- الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج 32 ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1981م، ص289. وثقة الإسلام أبو جعفر محمد الكليني الرازي، الكافي، مجلد 11، دار الحديث، ط3، إيران، 1392 هـ، ص 704.
7- والسيد علي السيستاني، منهاج الصالحين المعاملات، ج3، دار المؤرخ العربي، ط 14 ، لبنان، 2008 ، ص179.
8- ينظر الشيخ محمد إسحاق الفياض، منهاج الصالحين المعاملات ، ج 3، مكتب سماحة آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد إسحاق الفياض ، ط 1 ، قم المقدسة، ص 101.
9- محمد بن أحمد السرخسي، مصدر سابق، ص 35 وعبد الرحمن الصابوني، مدى حرية الزوجين في الطلاق في الشريعة الإسلامية، دار الفكر ، 1968م، ط2، ص 793.
10- شمس الدين محمد الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، ج5، دار الكتب العلمية، ط1، 1994 ، ص 97 . وابو عبد الله محمد الشافعي، الام ، ج 5 ، دار الفكر ، ط 2 ، بیروت، 1990م، ص 255.
11- سليمان بن محمد البجيرمي، حاشية البجيرمي على الخطيب، ج3، دار الفكر، 1995 م، ص 519.
12- سليمان بن محمد البجيرمي، حاشية البجيرمي على الخطيب، ج3، دار الفكر، 1995 م ، ص463.
13- ينظر ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج 9، دار المعرفة بيروت، 1379، ص308.
14- شمس الدين محمد الخطيب الشربيني، مصدر سابق، ص177.
15- د. مصطفى إبراهيم الزلمي مدى سلطان الإرادة في الطلاق إحسان للنشر والتوزيع، ط1، 2014 ، ص 439.
16- اخرجه ابن ماجه 2081
17- د. حيدر حسين كاظم الشمري ود عباس سمير حسين وهدى نجيب عباس، حق الزوجة في طلب التفريق من زوجها المحبوس ، مجلة الكوفة، مجلد خاص ببحوث مؤتمر كلية الصفوة الجامعة، العدد 42 ج2، 2018 ، ص 18.
18- أبو بكر عثمان بن محمد الدمياطي الشافعي، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، دار الفكر، 1418هـ، ص 95.
19- بدرالدين العيني الحنفي البداية شرح النهاية، دار الكتب العلمية، ط1 ، بيروت، 1420 هـ، ص 365.
20- منصور بن يونس البهوتي، الروض المربع بشرح زاد المستقنع، ج 3، طبعة ركائز ، ط1 ، ص 89. وعبد الرحمن بن قاسم النجدي، حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع ، ج 6 ، ط 1، 1397 هـ، ص 438 .
21- ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله المغني، ج 8، مكتبة القاهرة، 1968 ، ص 143.
22- موفق الدين بن قدامة، المغني، ج 11، دار عالم الكتب، ط3، السعودية، 1417 هـ، ص 397.
23- موفق الدين بن قدامة المصدر نفسه، ص399.
24- شمس الدين أبو عبد الله الرعيني، مواهب الجليل، ج 5 ، دار عالم الكتب، ص 496. الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي ، ج 3 ، دار الفكر ، بلا مطبعة وسنة طبع ص 431.
25- الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي ، ج 3 ، دار الفكر ، بلا مطبعة وسنة طبع ، ص 519
26- السيد أبو القاسم الخوئي، مباني تكملة المنهاج القضاء والحدود، ج 41 ، مؤسسة الخوئي الإسلامية، مطبعة نينوى، ط4 ، 2009م، ، ص 313.
27- ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج3 دار الحديث القاهرة 1425، ص 75
28- يراد باستصحاب الحال : إبقاء ما كان وكذلك يُعرف بأنه: "إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأول". ينظر : الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، ج3، مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة، ص .9
29- شمس الدين ابن قدامة المقدسي الشرح الكبير على المقنع والإنصاف، ج21، مطبعة هجر، ط1، القاهرة، 1995، ص 405.
30- سليمان بن محمد البجيرمي، حاشية البجيرمي على الخطيب، ج3، دار الفكر، 1995 ، ص 463.
31- أبو إسحاق الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، ج 3، دار الكتب العلمية، دون سنة نشر ، ص 124.
32- السيد الخوئي، المبين في توضيح منهاج الصالحين، ج 2، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، بيروت، 2015، ، ص313.
33- الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي ، ج 3 ، دار الفكر ، بلا مطبعة وسنة طبع، ، ص 431 وأبو عبد الله الحطاب الرعيني، مصدر سابق، ص496.
34- عبد المنعم السقا، أحكام الغائب والمفقود في الفقه الإسلامي، دار النوادر ، ط 1 ، لبنان، 2008، ص 247.
35- هادي محمد عبد الله أحكام المفقود ، احكام المفقود رسالة في كلية القانون والسياسة جامعة بغداد 1987 ، ص 176.
36- عبد الرحمن بن قاسم النجدي، حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع ، ج 6 ، ط 1، 1397 هـ، ، ص 439
37- منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع عن متن ،الإقناع ،ج 12، مصدر سابق، ص89. وعبد الرحمن النجدي، المصدر نفسه، ص 438 .
38- الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة، مصدر سابق، ص 431.
39- عبد الرحمن بن قاسم النجدي، حاشية الروض المربع، ج 6 ، بلا ناشر أو طبعة، ط1، 1397، ص 438.
40- ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله المغني، ج 7، مكتبة القاهرة، 1968 ص 304.
41- د. عبد المجيد الحكيم عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي، ج 1، مكتبة السنهوري، بيروت، 2012، ص 212
42- د. سلام عبد الزهرة الفتلاوي، ود. نبيل مهدي زوين الوجيز في شرح قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 ،وتعديلاته، دار السلام القانونية الجامعة، طه ، 2020م ، ص183.
43- د. مصطفى إبراهيم الزلمي مدى سلطان الإرادة في الطلاق إحسان للنشر والتوزيع، ط1، 2014 ، ص 430.
44- الدين الزركشي، تنشيف المسامع بجمع الجوامع، ج 3، مكتبة قرطبة للبحث العلمي وإحياء التراث، ط1، بدر 1418هـ، ص 35.
45- د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وادلته، ج 9 ، دار الفكر ، ط المنقحة، دمشق، بلا سنة طبع، ص 7060.
46- د. عبد الكريم زيدان، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، ج8، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت، 1993 ، ص 437
47- م 7 من القانون المدني العراقي.
48- د عبد المجيد الحكيم عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي، ج 1، مكتبة السنهوري، بيروت، 2012 ، ص212.
49- حاشية الدسوقي، مصدر سابق، ص 431.
50- د. مصطفى الزلمي، مدى سلطان الإرادة في الطلاق، مصدر سابق، ص 441.
51- زين الدين المنجي بن عثمان التنوخي، الممتع في شرح المقنع، ج 3، مكتبة الاسدي، ط3، 1424هـ، ص 725.
52- شمس الدين ابن قدامة المقدسي الشرح الكبير على المقنع والإنصاف، ج21، مطبعة هجر، ط1، القاهرة، 1995، ، ص 405. وعبد الرحمن بن قاسم النجدي، حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع ، ج 6 ، ط 1، 1397 هـ ، ص 438.
53- الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي ، ج 3 ، دار الفكر ، بلا مطبعة وسنة طبع، ص 431.
54- الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة، المصدر نفسه، ص 431
55- منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، ج 12 وزارة العدل في المملكة العربية السعودية، ط1، 2008، ص 90.
56- د. خالد عبد الفتاح محمد، المطول في شرح قانون الأحوال الشخصية، ج 3، المصدر القومي للاصدارات القانونية، ط2، 2010، ص 429.
الاكثر قراءة في قانون الاحوال الشخصية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
