الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
من لسان الدين إلى أبي الحجاج
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة: مج6، ص:354-360
2024-12-10
138
من لسان الدين إلى أبي الحجاج
ومن نثر لسان الدين رحمه الله تعالى ما كتبه عن السلطان أبي الحجاج
يوسف بن نصر إلى سيد العالمين صلى الله عليه وسلّم إثر نظم ، ونص الكل هو:
إذا فاتني ظل الحمى ونعيمه فحسب فؤادي أن يهب نسيمه
ويقنعني أني به متكتف فزمزمه دمعي، وجسمي حطيمه
يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا فيقعده فوق الغضا ويقيمه
ولم أر شيئاً كالنسيم إذا سرى شفى سقم القلب المشوق سقيمه
نعلل بالتذكار نفساً مشوقة ندير عليها كأسه ونديمه
354
وما شفني بالغور قد مرنح ولا شاقي من وحش وجرة ريمه
ولا سهرت عيني لبرق ثنية من الثغر يبدو موهنا فأشيمه
براني شوق للنبي محمد يسوم فؤادي برحه ما يسومه
ألا يا رسول الله ناداك ضارع على النأي محفوظ الوداد سليمه
مشوق إذا ما الليل مد رواقه هم به تحت الظلام همومه
إذا ما حديث عنك جاءت به الصبا شجاه من الشوق الحثيث قديمه
أيجهر بالنجوى وأنت سميعها ويشرح ما يخفي وانت عليمه
وتعوزه السقيا وأنت غياثه وتتلفه الشكوى وأنت رحيمه
بنورك نور الله قد أشرق الهدى فأقماره وضاحة ونجومه
لك أنهل فضل الله بالأرض ساكبا فأنواؤه ملتفة وغيومه
من فوق أطباق السماء بك اقتدى خليل الذي أوطاكها وكليمه
لك الخلق الأرضي الذي جل ذكره ومجدك في الذكر العظيم عظيمه
يجل مدى علياك عن مدح مادح فموسر در القول فيك عديمه
ولي يا رسول الله فيك وارثة ومجدك لا ينسى الذمام كريمه
وعندي الى أنصار دينك نسبة هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه
وكان بودي أن أزور مبوأ لك افتخرت أطلاله ورسومه
وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ويعزوه من بعد ذاك مرومه
وعذوري في تسويف عزمي ظاهر إذا ضاق عذر العزم عمن يلومه
عد تني بأقصى الغرب عن تربك العدا جلا لقة الثغر الغريب ورومه
أجاهد منهم في سبيلك أمة هي البحر يعي أمرها من يرومه
فلو لا اعتناء منك يا ملجأ الورى لريع حماه واستبيح حريمه
فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته فمجدك موفور النوال عميمه
355
وأنت لنا الغيث الذي نستدره وأنت لنا الظل الذي نستديمه
ولما نأت داري وأعوز مطمعي وأقلقني شوق يشب جحيمه
بعثت بها جهد المقل معولا على مجدك الأعلى الذي جل خيمه
وكلت بها همي وصدق قريحي فساعدني هاء الروي وميمه
فلا تسألني ياخير من وطىء الثرى فمثلك لا ينسى لديه خديمه
عليك صلاة الله ما ذر شارق وما راق من وجه الصباح وسيمه
إلى رسول الحق إلى كافة الخلق ، وغمام الرحمة الصادق البرق ، الحائز في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق ، خاتم الأنبياء ، وإمام ملائكة السماء ، ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطين والماء ، شفيع أرباب الذنوب ، وطبيب أدواء القلوب ، والوسيلة إلى علام الغيوب ، نبي الهدى الذي طهر قلبه، وغفر ذنبه، وختم به الرسالة ربه ، وجرى في النفوس مجرى الأنفاس حبه
الشفيع المشفع يوم العرض، المحمود في ملء السماء والأرض، صاحب اللواء المنشور يوم النشور، والمؤتمن على سير الكتاب المسطور، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور، المؤيد بكفاية الله وعصمته، الموفور حظه من عنايته و نعمته، الظل الخفاق على أمته، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقاً، أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقاً، فائدة الكون ومعناه، وسر الوجود الذي يبهر الوجود سناه، وصفي حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه، البشير الذي سبقت له البشرى، ورأى من آيات ربه الكبرى . ونزل فيه سبحان الذي أسرى ﴾ (الإسراء: (1) من الأنوار من عنصر نوره مستمدة، والآثار تخلق وآثاره مستجدة، من طوي بساط الوحي لفقده، وسد باب الرسالة والنبوة من بعده، وأوتي جوامع الكلم فوقفت البلغاء حسرى دون حده، الذي انتقل في الغُرَر الكريمة نوره، وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره ، وطفقت الملائكة تجيئه وفودها وتزوره، وأخبرت الكتب
356
المنزلة على الأنبياء بأسمائه وصفاته ، وأخذ عهد الإيمان به على من اتصلت أيام حياته ، المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر ، والسند المعتمد عليه في أهوال المحشر ، ذو المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحس ، وأقر بها الجن والإنس ، من جماد يتكلم ، وجذع لفراقه يتألم ، وقمر له ينشق ، وحجر يشهد أن ما جاء به هو الحق ، وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس ، وماء من بين أصابعه يتبجس ، وغمام باستسقائه يصوب ، وطوي بصق في أجاجها فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب ، المخصوص بمناقب الكمال وكمال المناقب ، المسمى بالحاشر العاقب ، ذو المجد البعيد المرامي والمراقب ، أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب ، ونجحت لديه قربة البعيد المقترب ، سید الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الذي فاز بطاعته المحسنون ، واستنقذ بشفاعته المذنبون ، وسعد باتباعه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، صلى الله عليه وسلّم ما لمعَ بَرق ، وهَمَع ودق ، وطلعت شمس ، ، ونسخ
اليوم أمس:
من عتيق شفاعته ، وعبد طاعته ، المعتصم بسببه ، المؤمن بالله ثم به ، المستشفي بذكره كلما تألم ، المفتتح بالصلاة عده كلما تكلم ، الذي إن ذكر تمثل طلوعه بين أصحابه وآله ، وإن هب النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله ، الأذان تذكر صوت بلاله ، وإن ذكر القرآن استشعر تردد جبريل سمع بين معاهده وخلاله ، لاثم تربه ، ومؤمل قربه ، ورهين طاعته وحبه ، المتوسل به إلى رضى الله ربه ، يوسف بن إسماعيل بن نصر :
وإكتبه إليك يا رسول الله والدمع ماح ، وخيل الوجد ذات جيماح، عن شوق يزداد كلما نقص الصبر ، وانكسار لا يتاح له إلا بدنُو مزارك الجبر ، وكيف لا يعيي مشوقك الأمر ، وتوطأ على كبده الحمر ، وقد مطلت الأيام بالقدوم على تربك المقدسة اللحد ،
ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد، وانصرفت الرفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت ، والركائب إليك
357
ما رحلت، والعزائم قالت وما فعلت، والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح، وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح، فيا لها من معاهد فاز من حياها ، ومشاهد ما أعطر رباها ، بلاد نيطت بها عليك التمائم ' ، وأشرقت بنورك منها النجود والتهائم ، ونزل في حجراتها عليك الملك ، وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك ، مدارس الآيات والسور ، ومطالع المعجزات السافرة الغرر ، حيث قضيت الفروض وحتمت ، وافتتحت سورة الرحمن وختمت ، وابتدئت الملة الحنيفية وتممت ، ونُسخت الآيات وأحكمت :
أما والذي بعثك بالحق هادياً، وأطلعك للخلق نوراً ،بادياً، لا يطفئ غلي إلا شربك ، ولا يسكن لوعتي إلا قربك ، فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك ، وأصبح بعد أداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك ، وعفر الخد في معاهدك ومعاهد أسرتك ، وتردد ما بين داري بعثتك وهجرتك ، وإني لما عاقتني عن زيارتك العوائق ، وإن كان شغلي عنك بك ، وعدتني الأعداء فيك عن وصل سبي بسببك ، وأصبحت بين بحر تتلاطم أمواجه ، وعدو تتكاثف أفواجه ، ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه - في طائفة من المؤمنين
،بك وطنوا على الصبر نفوسهم ، وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم، واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوسهم ، يطيرون من هيعة إلى أخرى ، ويلتفتون والمخاوف عن يمنى ويسرى ، ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعاً كجموع قيصر وكسرى ، لا يبلغون من عدوّ هو الذر عند انتشاره ، عشر معشاره ، قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا ، لأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا ، فيا له من سرب مروع ، وصريخ إلا منك ممنوع ، ودعاء إلى الله وإليك مرفوع ، وصبية حمر
358
الحواصل، تخفق فوق أوكارها أجنحة المناصل، والصليب قد تمطى فمد ذراعيه ، ورفعت الأطماع بضبعيه ، وقد حجبت بالقتام السماء ، وتلاطمت أمواج الحديد ، والبأس الشديد ، فالتقى الماء ، ولم يبق إلا الدماء ، وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون ، وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تكاد تشاهده العيون ، إلى أن نلقاك غداً إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر ، وأرغمنا الكفر ، وأعملنا في سبيل الله تعالى وسبيلك البيض والسمر - استنبت 1 رقعتي هذه لتطير إليك من شوقي بجناح خافق ، وتسعد من نيتي التي تصحبها برفيق موافق ، فتؤدي عن عبدك وتبلغ ، وتعفر الخد في تربك وتمرغ ، وتطيب بيريا معاهدك الطاهرة وبيوتك، وتقف وقوف الخضوع والخشوع تجاه تابوتك ، وتقول بلسان التملق ، عند التشبث بأسبابك والتعلق ، منكسرة الطرف ، حذراً بتهرجها من عدم الصرف : يا غياث الأمة ، وغمام الرحمة ، ارحم غربتي و انقطاعي ، وتغمد بطولك قصر باعي ، وقو على هيبتك خور طباعي ، فكم جزت من لج متهول، وجبت من حزون وسهول ، وقابل" بالقبول نيابتي ،
وعجل بالرضى إجابتي ، ومعلوم من كمال تلك الشيم ، وسجايا تيك الديم .
أن لا يخيب قصد من حط بفنائها ، ولا يظمأ وارد أكب على إنائها
اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة ، وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة ، وملكت أمته ما رُوي له من زوايا البسيطة المعمورة ، وجعلتني من أمته المجبولة على حبه المفطورة ، وشوقتني إلى معاهده المبرورة ، ومشاهده المزورة ، ووكلت لساني بالصلاة عليه ، وقلبي بالحنين إليه ، ورغبتني بالتماس ما لديه ، فلا تقطع منه أسبابي ، ولا تحرمني من حبه ثوابي ، وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي . هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره وشط مزاره ، ولم يجعل بيده
359
اختياره. فإن لم تكن ! للقبول أهلاً فأنت للإغضاء والسماح أهل ، وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل ، وإن كان الحب يتوارث كما أخبرت ، والعروق تدس حسبما إليه أشرت ، فلي بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزية ، ووسيلة أثيرة حفية، فإن لم يكن لي عمل ترتضيه فلي نية ، فلا تنسني ومن" بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك ، على أيدي خيار أمتك ، فإنما نحن بها وديعة تحت بعض أقفالك ، نعوذ بوجه ربك من إغفالك ، ونستنشق من ريح عنايتك نفحة ، وترتقب من محياً قبولك لمحة ، ندافع بها عدواً طغى وبغى ، وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى ، فمواقف التمحيص قد أعيت من كتب وورّخ ، والبحر قد أصمت من استصرخ ، والطاغية في العدوان مستبصر ، والعدو محلق والولي مقصر ، وبجاهك ندفع ما لا نطيق ، وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيق ، فلا تفردنا ولا تهملنا ، وناد ربك فينا وربنا ولا تحملنا ﴾ (البقرة : 286 ) ، وطوائف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم ، وربك يقول لك وقوله الحق وما كان الله ليعد بهم وأنت فيهم ) ( الأنفال : 33) والصلاة والسلام عليك يا خير من طاف وسعى ، وأجاب داعياً إذا دعا ، وصلى الله على جميع أحزابك وآلك ، صلاة تليق بجلالك ، وتحق لكمالك ، وعلى ضجيعيك وصديقيك ، وحبيبيك ورفيقيك ، خليفتك في أمتك ، وفاروقك المستخلف بعده على جلتك ، وصهرك ذي النورين المخصوص ببرك ونحلتك ، وابن عمك سيفك المسلول على حلتك ، بدر سمائك ووالد أهلتك ، والسلام الكريم عليك وعليهم كثيراً أثيراً ورحمة الله تعالى وبركاته ، وكتب بحضرة جزيرة الأندلس غرناطة ، صانها
الله تعالى ووقاها ، ودفع عنها ببركتك كيد عداها »