أقرأ أيضاً
التاريخ: 2025-03-01
![]()
التاريخ: 10-1-2017
![]()
التاريخ: 2024-05-28
![]()
التاريخ: 2024-08-12
![]() |
لا نزاع في أن حالة البلاد الداخلية وما تفشى فيها من ثورات، وانشقاق بين أفراد الشعب من جهة، وما حدث من انقسام في الجيش من جهة أخرى قد أنهك قواها، وبث فيها روح الفوضى. وكانت هذه الفوضى قد عمت البلاد منذ باكورة عام 569 ق.م حتى عام 576 ق.م، بل يحتمل أنها كانت قد سبقت هذه السنة على أقل تقدير. وفي هذه الفترة العصيبة الحرجة من تاريخ البلاد تدخلت دولة أجنبية في شئون مصر، قاصدة الاستيلاء عليها، وقد كانت مصر وقتئذ في حالة ضعف وانحلال خطيرين.
وآية ذلك أنه في العام السابع والثلاثين من حكم العاهل «نبوخد نصر» ملك بابل هوجمت مصر بجيوش هذا العاهل، وذلك عندما كانت الحرب الداخلية بين «إبريز» و«أمسيس» على أشد ما تكون من عنف وقوة. ومما يؤسف له أن معلوماتنا التاريخية عن هذه الحملة البابلية قليلة جدًّا، إذ ليس في متناولنا عنها إلا قطعة من نقش بالخط المسماري محفوظة الآن بالمُتْحَف البريطاني.
(راجع: Wiedemann, A. Z., 16 (1878) PP. 81–89; E. Schradier, A. Z. 17, (1879) P. 45–47; K. B. III, 2, P. 140-141; Th. G. Pinches, T. S. B. A. 7 (1882) P. 210–217; H. Winckler, Altorientalische Forachungen I, P. 511-12;).
وتوجد كذلك ترجمة لهذه القطعة وضعها الأستاذ هول (راجع: H. R. Hall, Cambridge Ancient History III, P. 304).
وتكملة اسم الملك المصري الذي حاربه «نبوخد نصر» (أما) سو = (أم) سيس، وهذا مؤكد فعلًا من سير الحوادث التاريخية الخاصة بهذا العصر. ومن جهة أخرى نجد النظرية التي أيدها الأستاذ «فنكلر» (Ibid. P. 512–515) في القطع الأخرى من النقش نفسه، وهي أن بتاكوس Pittakos صاحب «متيلين» كان حليفًا للملك «أمسيس»، وعلى ذلك تكون تكملة للقطعة هكذا … كوالي «بتاكو» أو «بتكو». وعلى أية حال فإن هذه مجرد نظريات وحسب. وقصارى القول أنا لا نعلم خلاف هذا المصدر شيئًا قط عن هذه الحروب، كما لا نعلم إلى أي حد زحف «نبوخد نصر» في داخل البلاد المصرية.
وعلى الرغم من قلة الوثائق الخاصة بهذه الحروب، فإنه من المستطاع تصوير الموقف. وذلك أن العاهل «نبوخد نصر» قد انتهز فرصة قيام الفوضى في مصر؛ ليقوم بحملة حربية عظيمة على مصر، وبخاصة أن علاقته بها كانت على أسوأ ما يكون منذ عهد الملك «إبريز». وكان غرضه على ما يظهر أن يستعرض أمام المصريين بشيء من الأبهة والعظمة قوته الحربية الجبارة، محذرًا بذلك مصر ألا تفكر من جديد في القيام بأي تعدٍّ على أملاكه، ومن ثم نفهم أنه لم يكن في عزمه فتح مصر، كما كانت الحال في عام 605 ق.م وذلك في عام 580 ق.م كما سبق شرحه.
والواقع أن «نبوخد نصر» كان موفقًا في سياسته هذه كل التوفيق؛ وذلك لأن «أمسيس» الذي كان يدين إلى حد بعيد بعرشه للثورة التي قامت تناهض سياسة التوسع الفاشلة، وهي السياسة التي كان قد اختطها لنفسه «إبريز» في الشرق والغرب، فإنه عاد ثانية إلى السياسة القديمة التي كان قد انتهجها كل من بسمتيك الأول ونيكاو وبسمتيك الثاني، وهي السياسة التي تنطوي على المهادنة والدفاع عن النفس وحسب. وعلى ذلك لم تقم حرب بين الدولة الكلدية والأسرة الساوية، حتى نهاية كل من الدولتين؛ وكذلك ظلت الحال في سلام مع أخلاف «نبوخد نصر» الضعفاء، وهم أمل-مردوك Amel-Marduk (من 556–539) ونرجال-شاروصور Nergal-Scharusur (560–557ق.م) ولاباشي-مردوك Labaschi-Marduk (556ق.م) ونابوتيد Nabonid (556–539ق.م)؛ وذلك لأن فكرة إعادة فتح فلسطين وسوريا على يد أمسيس لم تكن في دائرة الأمر الممكن.
وتدل شواهد الأحوال على أنه قد قامت علاقات لا بأس به بين مصر وبابل، هذا ونجد أن «أمسيس» كان قد عقد في الغرب معاهدة صداقة مع سيريني (راجع Herod II, 181)، وسنورد هنا قصة هذه المعاهدة على الرغم مما تحتويه من عبارات قد تدل على أنها حديث خرافة بالنسبة لنا:
عقد «أمسيس» معاهدة صداقة وتحالف مع السيرينيين، وعزم على اتخاذ زوجه من هذه البلاد وذلك إما شهوةً في التزوج من امرأة إغريقية، وإما من أجل حب خاص يضمره للسيرينيين، وعلى ذلك تزوج على حسب قول البعض ابنة الملك باتوس Battus ويقول آخرون: ابنة الملك «أرسسيلاوس» Arcesilaus، وإن كان آخرون يقولون: إنها ابنة كريتوبولوس Critobulus، وهو رجل من علية المدنيين. وكان اسمها «لاديس» Ladice. ولم يستطع «أمسيس» إتيانها ولم تكن هذه هي حاله مع نسوة أخر، واستمر على هذه الحال طويلًا، فلما أعيته الحيلة ورأى أنه عاجز قال لهذه المرأة: يا أيتها المرأة لقد استعملت السحر معي، وليس أمامي إلا أن أميتك أشنع ميتة ماتتها امرأة، وعندما وجدت «لاديس» أن أمسيس لم يقتنع بإنكارها، ولم يهدأ نذرت نذرًا «لفينوس»، وهو أنه إذا أمكن «أمسيس» أن يطأ هذه الليلة (لأن ذلك كان هو العلاج الوحيد) أرسلت تمثالًا للإلهة في «سيريسي». وبعد هذا النذر مباشرة أتاها أمسيس، ومن هذا الوقت كان يجد عنده القدرة على أن يطأها، فأصبح مغرمًا بها إغرامًا يفوق الحد. ولكن «لاديس» أوفت بنذرها للإلهة، فأمرت بعمل تمثال أرسلته إلى سيريني، وكان لا يزال محفوظًا في زمني (هردوت)، ويواجه خارج مدينة سيريني، وعندما فتح «قمبيز» مصر علم من هي «لاديس» هذه، فأرسلها في أمان غير مضارة إلى «سيريني».
هذه بطبيعة الحال قصة سمعها هردوت حيكت حول المعاهدة التي عقدها مع بلاد سيريني، ولسنا في حاجة إلى التعليق عليها؛ لأنها تتحدث عن نفسها. والظاهر أن أمسيس نفسه قد تأثر عن طريق زوجه، هذا إذا كانت القصة صحيحة بالنسبة لزواجه من إغريقية، إذ نجد أنه قد أهدى قربانًا في بلاد اليونان (للإلهة)، فنجد أولًا أنه أهدى تمثالًا مذهبًا للإلهة منرفا Minerva في سيريني، كما أهدى صورته ملونة، ثانيًا أهدى لمنرفا في «لندوس» تمثالين من الحجر ودرعًا من الكتان تسترعي النظر، وثالثًا أهدى «جوتو» (1) في ساموس صورتين لنفسه محفورتين في الخشب، وقد أقيمتا في المعبد الكبير وكانتا لا تزالان في زمني خلف الأبواب، والآن عمل هذه القربات في «ساموس» بسبب الصداقة التي كانت بينه وبين بوليكراتس بن أسس Aeaces، ولكن تلك التي كانت في «لندوس» لم تكن بسبب الصداقة، بل كان سببها على ما قيل أن بنات «داناوس» قد أسس المعبد (2) منرفا في لندوس، عندما وصلوا إلى هناك عند فرارهن من أولاد اجبتوس؛ و(3) وهذه كانت القرابين التي قدمها أمسيس. وكان أول من فتح قبرص وجعلها خاضعة لدفع الضرائب.
وعلى أية حال نجد هنا أن أمسيس قد تحول تمامًا عن سياسة «إبريز» الهجومية، وقد قدم مساعدته للوبيين أهل برقا على الإغريق، ولم يتحول أمسيس عن هذا المبدأ، ويلحظ ذلك عندما قامت الثورة في الفيقة في برقا، واستمرت حتى العهد الفارسي.
وقد حدثنا عن ذلك أخو الملك «أرسيسلاوس» الثاني ملك «سيريني» عن هذا المصير، وتأسيس مدينة برقة، وقد كانت هذه الحروب الداخلية في صالح اللوبيين؛ لأنهم أفلحوا في هزيمة جيش «سيريني» في موقعة قتل سبعة آلاف جندي هوبليتي، وقد حدثنا عن ذلك هردوت (Herod. II, 160 ff). وكان «لباتوس» هذا نجل يدعى «أرسسيلاوس»، وهو الذي كان أول عمل له بعد اعتلائه العرش هو الشجار مع إخوته حتى إنهم تركوه وذهبوا إلى أجزاء أخرى من لوبيا، وبعد مشاورة فيما بينهم أسسوا المدينة التي لا تزال تسمى «برقة»، وفي أثناء إقامتها أغروا اللوبيين بالقيام بثورة على السيرينيين، ولكن فيما بعد قاد أرسسيلاوس جيشًا على هؤلاء اللوبيين الذين استقبلوهم وعلى الثائرين أنفسهم، ولكن اللوبيين خوفًا منه فروا إلى اللوبيين الشرقيين، وقد اقتفى أرسسيلاس أثرهم في حربه حتى لحق بهم عند «لوكون» Leucon في لوبيا وعندئذ صمم اللوبيون على مهاجمته. وبعد أن اشتبكوا معه في موقعة هزموا السيرنيين تمامًا، حتى إن سبعة آلاف جندي ممن قد سلحوا بأسلحة ثقيلة من السيرنيين قد سقطوا في الموقعة. وبعد هذه الضربة شنق «لارخوس» Learchus أخاه أرسسيلاوس الذي كان مريضًا وتحت تأثير بعض العقاقير. أما زوج «أرسسيلاوس» التي كانت تدعى أريكسو Eryxo، فإنها قتلت لارخوس بحيلة.
وفي تلك الفترة قهر «أمسيس» مدن قبرص، وجعلها تدفع الجزية لمصر (راجع Herod. II, 182) ، وقد ذكر لنا ديدور هذا الحادث عند قوله: (راجع Diodorus, I, 68 L. 6)، وقد أخضع (أمسيس) مدن قبرص وزين كثيرًا من المعابد بقرابين ذات قيمة عظيمة. ومن المحتمل أن ذلك كان قد حدث فعلًا في عام 560 ق.م، وسبب ذلك على ما يظن أنه لم يكن أمام الأسطول المصري في هذا الموقف ما يقاومه، إذ لم تكن قبرص على اتصال مباشر بدولة عظيمة يمكن بتفوقها أن تدخل مع «أمسيس» في حرب، يضاف إلى ذلك أن مصر كانت في تلك الآونة تنعم في الداخل برخاء وفير وثروة جمة، ففي تلك الفترة لم يكن فيها أقل من عشرين ألف مدينة على حسب ما جاء في «هردوت»، ولا شك في أن ذلك العدد مبالغ فيه (راجع Herod. II, 177). وفي عهد «أمسيس» قيل: إن مصر كانت تتمتع بأعظم رخاء من حيث الفوائد التي كانت تأتي من النهر إلى الأرض، ومن الأرض إلى الناس وقيل: إنها كانت تحتوي في ذلك الوقت على عشرين ألف مدينة معمورة. وكان أمسيس هو الذي سن القوانين للمصريين، وبمقتضاها كان على كل مصري أن يعلن لحاكم إقليمه الطريقة التي عاش بها، وإذا قصر إنسان في إعلان ذلك، ولم يظهر أنه قد عاش عيشة شريفة عوقب بالموت، وقد حمل صولون الأثيني هذا القانون من مصر ونفذه في «أثينا»، وإن الناس لا يزالون يتبعونه بوصفه نظامًا لا غبار عليه (أي: في أثينا).
وقد حدثنا كذلك «ديدور» الصقلي عن تشريعات أمسيس، وذلك عند الحديث عن عظماء المشرعين من ملوك مصر وعددهم ستة (راجع Diod I, 93–95)، وقد جاء ذكر أمسيس بعد ذكر الملك «بوكوريس» الذي تحدثنا عنه فيما سبق فيقول عنه «ديدور» بعد «بوركوريس» يقولون (أي: المصريين): إن ملكهم أمسيس قد وجه عنايته للقوانين وهي التي على هداها وضع القواعد التي تحكم بمقتضاها حكام المقاطعات، وتسير على نهجها كل الإدارة المصرية. وتحدثنا عنه التقاليد أنه كان غاية في الفطنة راقيًا في عواطفه وعادلًا؛ ولهذه الأسباب نصبه المصريون ملكًا على الرغم من أنه لم يكن من دم ملكي. ويقال كذلك إن أهالي «أليس» Elis عندما كانوا مهتمين بأمر الألعاب الأولمبية أرسلوا رسولًا يسألونه: كيف يمكن أن يرشدوا في طريقهم إلى أعظم عدالة واستقامة؟ وقد كان جوابه عن ذلك: يشترط ألا يشترك رجل من أليس Elis (في هذه الألعاب). وعلى الرغم من أن بوليكراتس Polycrates حاكم «ساموس» كان على ود ومصافاة معه، فإنه عندما أخذ يظلم المواطنين والأجانب في «ساموس» قيل: إن «أمسيس» أرسل إليه في بادئ الأمر خطابًا قطع فيه أواصر الصداقة التي بينهما؛ وذلك لأنه لم يرد كما قال أن ينغمس في الحزن بعد زمن وجيز لعلمه تمامًا أن المصيبة كانت وشيكة أن تحل بالحاكم الذي يصر على الظلم بمثل هذه الطريقة. وقد كان موضع الإعجاب، كما قيل عند الإغريق بسبب أخلاقه الفاضلة، وبسبب كلماته للحاكم بوليكراتس التي تحققت بسرعة.
....................................................
1- إلهة لاتينية موحدة بالإلهة هيرا اليونانية، وهي ملكة السماء والظواهر السماوية والزواج وهي زوجة الإله جبتر.
2- «منرفا» إلهة لاتينية موحدة بالإلهة أثينا الإغريقية، أو بالاس وهي ابنة جبتر وتعد إلهة الذكاء والحكمة والفنون.
3- أمير خرافي مصري وهو أخو «داناوس»، وقد تزوج أولاده الخمسون من بنات عمهم داناوس، غير أنهم قتلوا في ليلة عرسهم إلا واحدًا نجا.
|
|
دراسة تكشف "مفاجأة" غير سارة تتعلق ببدائل السكر
|
|
|
|
|
أدوات لا تتركها أبدًا في سيارتك خلال الصيف!
|
|
|
|
|
مجمع العفاف النسوي: مهرجان تيجان العفاف يعزز القيم الأخلاقية والثقافية لدى طالبات الجامعات العراقية
|
|
|