أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-2-2019
![]()
التاريخ: 2024-07-06
![]()
التاريخ: 2024-12-24
![]()
التاريخ: 3-3-2021
![]() |
ما ذكرناه آنفاً كان على مستوى الأدلة العقليّة والتاريخية ، وعند رجوعنا للأدلة النّقلية ، يعني ما وصل إلينا من مبدأ الوحي وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) ، سوف تتبيّن لنا المسألة من خلاله بصورةٍ أفضل لأنّه :
1 ـ إنّ الهدف من بعث الأنبياء والرّسل وإنزال الكتب السّماوية ، إنّما هو لأجل تربية وهداية الإنسان، وهذا أقوى دليل على إمكان التربية ، وترشيد الفضائل الأخلاقيّة لدى جميع أفراد البشر ، ويشير إلى هذا المعنى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)([1]).
وأمثالها من الآيات الكريمة التي تبيّن لنا أنّ الهدف من بعثة الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : هو تعليم وتزكية كل اولئك الذي كانوا في ضلالٍ مبينٍ.
2 ـ كلّ الآيات التي توجّه الخطاب الإلهي إلى الإنسان ، مثل : (يا بَنِي آدَمَ) و (يا أَيُّهَا النَّاسُ) و (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) و (يا عِبادِيَ) ، تشمل أوامر ونواهي تتعلق بتهذيب النّفوس ، وإكتساب الفضائل الأخلاقيّة، وهي بدورها خير دليل على إمكانيّة تغيير «الأخلاق الرّذيلة» ، وإصلاح الصّفات القبيحة في واقع الإنسان، وإلّا ففي غير هذه الصّورة تَنتفي عُموميّة هذه الخطابات الإلهيّة ، فتصبح لغواً بدون فائدةٍ.
وقد يقال : إنّ هذهِ الآيات ، غالباً ما تشتمل على الأحكام الشرعيّة ، وهذه الأحكام تتعلق بالجوانب العمليّة والسلوكيّة في حياة الإنسان ، بينما نجد أنّ الأخلاق ناظرةٌ للصفات الباطنيّة؟
ولكن يجب أن لا ننسى ، أنّ العلاقة بين «الأخلاق» و «العمل» ، هي : علاقة اللّازمِ والَملزومِ لِلآخر ، وبمنزلة العلّة والمعلول ، فالأخلاق الحسنة تُعتبر مصدراً للأعمال الحسنة ، والأخلاق الرذيلة مصدراً للأعمال القبيحة ، وكذلك الحال في الأعمال ، فإنّها من خلال التّكرار تتحول بالتّدريج ، إلى ملكاتٍ وصفاتٍ أخلاقيّةٍ في واقع الإنسان الداخلي.
3 ـ القول والاعتقاد بعدم إمكان التّغيير للأخلاق ، مدعاة للقول والإعتقاد بالجَبر ؛ لأنّ مفهومها هو: أنّ صاحب الخُلق السّيء والخُلق الحسن ، ليسا بقادرين على تغيير أخلاقهم ، وبما أنّ الأعمال والسّلوكيات تعتبر إنعكاساً للصفات والملكات الأخلاقيّة ، ولِذا فمثل هؤلاء يتحرّكون في سلوكياتهم من موقع الجَبر ، لكننا نرى أنّهم مكلّفين بفعل الخيرات وترك الخبائث ، وعليه يترتب على هذا القول جميع المفاسد التي تترتب على مقولة الجبر ([2]).
4 ـ الآيات الصّريحة التي ترغّب الإنسان في تهذيب أخلاقه ، وتُحذّره من الرذائل ، هي أيضاً دليلٌ محكمٌ على إمكانيّة تغير الصفات والطّبائع الإنسانية ، مثل قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) ([3]).
فالتّعبير بكلمة دَسّاها ، والتي هي في الأصلِ بمعني : خلطُ الشيّءِ بشيءٍ آخر غير مرغوب فيه من غير جنسه، مثل «دسّ الحنطة بالتراب» ، يبيّن لنا أنّ الطّبيعة الإنسانيّة مجبولةٌ على الصفاء والنّقاوة والتقوى ، والتلويث، والرذائل تعرض عليها من الخارج وتنفذ فيها ، والاثنان قابلان للتّغير والتّبدل.
نقرأ في الآية (34) من سورة فُصّلت : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
تُبيّن لنا هذهِ الآية أنّ العداوات المتأصّلة والمتجذّرة في الإنسان : بالمحبّة والسّلوك السليم ، يمكن أن تتغير وتتبدل إلى صداقةٍ حميمةٍ بالتّحرك في طريق المحبّة والسّلوكيات السليمة ، ولو كانت الأخلاق غير قابلةٍ للتغير ، لما أمكن الأمر بذلك.
ونجد في هذا المجال أحاديث إسلامية ، تؤكّد هذا المعنى أيضاً ، من قبيل الأحاديث التالية :
1 ـ الحديث المعروف الذي يقول : «إنّما بُعثتُ لُاتمم مكارم الاخلاق» ([4]) هو دليل ساطعٌ على إمكانيّة تغيير الصّفات الأخلاقيّة.
2 ـ الأحاديث الكثيرة التي تحث الإنسان على حسن الخُلق ، كالحديث النّبوي الشريف الآتي : «لَو يَعلَمُ العَبدُ ما فِي حُسنِ الخُلقِ لَعَلِمَ أَنّهُ يَحتاجُ أن يكونَ لَهُ خُلقٌ حسنٌ» ([5]).
3 ـ وكذلك الحديث النبوي الشريف الآخر حيث يقول : «الخُلقُ الحسنُ نِصفُ الدِّينِ» ([6]).
4 ـ نقرأ في حديثٍ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «الخُلقُ الَمحمُودُ مِن ثِمارِ العَقلِ وَالخُلقُ المَذمُومُ مِن ثِمارِ الجُهلِ» ([7]).
وبما أنّ كلاً من «العلم» و «الجهلَ» قابلان للتغيير ؛ فتتبعها الأخلاق في ذلك أيضاً.
5 ـ وفي حديثٍ آخر ، جاء عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : «إنّ العَبدَ لَيَبلُغُ بِحُسنِ خُلقِهِ عَظيمَ دَرجاتِ الآخِرَةِ وَشَرفِ المَنازِلِ وَأَنّهُ لَضَعِيفُ العِبادةِ» ([8]).
حيث نجد في هذا الحديث ، مقارنةً بين حُسن الأخلاق والعبادة ، هذا أولاً.
وثانياً : إنّ الدرجات العُلى في الآخرة تتعلق بالأعمال الإختياريّة.
وثالثاً : التّرغيب لكسب الأخلاق الحسنة ، كلّ ذلك يدلّ على أنّ الأخلاق أمرٌ إكتسابي ، وغير خارجة عن عنصر الإرادة في الإنسان.
مثيل هذهِ الرّوايات والمعاني القَيّمة كثيرٌ ، في مضامين أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ، وهي إن دلّت على شيءٍ فإنّها تدلّ على إمكانِيَّة تغيّر الأخلاق ، وإلّا فستكون لغواً وبلا فائدةٍ ([9]).
6 ـ وفي حديث آخر ورد عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، نقرأ فيه أنّه قال لأحد أصحابه وأُسمه جرير بن عبد الله : «إنّك امرُءٌ قَد أحسنَ اللهُ خَلقَكَ فأَحسِنْ خُلْقَك» ([10]).
وخلاصة القول أنّ رواياتنا مليئةٌ بهذا المضمون ، حيث تدلّ جميعها على أنّ الإنسان قادر على تغيير أخلاقه ([11]).
ونختم هذا البحث بحديثٍ عن الإمام علي (عليه السلام) ، يحثّنا فيه على حُسن الخلق ، حيث قال (عليه السلام) : «الكَرَمُ حُسنُ السّجيةِ وَإجتنابِ الدَّنِيّةِ» ([12]).
[1] سورة الجمعة : الآية 2 ، ويوجد نفس المعنى والمضمون في الآية 164 من سورة آل عمران.
[2] انظر : اصول الكافي ، ج 1 ص 155 ، وكشف المراد ، بحث القضاء والقدر وما يترتب على ذلك من مفاسد المذهب الجَبري.
[3] سورة الشّمس ، الآية 9 و 10.
[4] سفينة البحار (مادة خلق).
[5] بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 369.
[6] بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 385.
[7] غرر الحكم ، 1280 ـ 1281.
[8] المحجّة البيضاء ، ج 5 ، ص 93.
[9] أُصول الكافي ، ج 2 في باب حسن الخلق ص 99 ، نقل رحمهالله : 18 رواية حول هذا الموضوع.
[10] سفينة البحار مادة خلق.
[11] راجع أصول الكافي ، ج 2 ؛ وروضة الكافي ؛ ميزان الحكمة ، ج 3 ؛ سفينة النجاة ، ج 1.
[12] غُرر الحِكم.
|
|
للعاملين في الليل.. حيلة صحية تجنبكم خطر هذا النوع من العمل
|
|
|
|
|
"ناسا" تحتفي برائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين
|
|
|
|
|
ملاكات العتبة العباسية المقدسة تُنهي أعمال غسل حرم مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) وفرشه
|
|
|