النص على الامام الثاني عشر وغيبته
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 144 - 150
2025-12-13
54
انّ مسألة الغيبة للإمام الثاني عشر ـ أرواحنا فداه مما نصّ عليه النبيّ ـ صلى الله عليه وآله ـ والأئمة الأطهار ـ عليهم السلام ـ قبل ولادته وغيبته وإليك بعض هذه الأخبار.
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : «المهديّ من ولدي يكون له غيبة وحيرة تضل فيهما الامم ، يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما» (1).
وقال ـ صلى الله عليه وآله ـ أيضا : «طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه ، ويتولّى أولياءه ، ويعادي أعداءه ذاك من رفقائي وذوي مودّتي ، وأكرم أمّتي يوم القيامة» (2).
وقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «للقائم منّا غيبة أمدها طويل ، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته ، يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه لم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة» (3).
وقال الإمام الحسن بن عليّ ـ عليهما السلام ـ : «إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أنّ الله على كل شيء قدير» (4).
وقال الإمام الحسين بن عليّ ـ عليهما السلام ـ : «قائم هذه الامة هو التاسع من ولدي ، وهو صاحب الغيبة وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حي» (5).
روى المفضل عن الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه قال : «إنّ لصاحب هذا الأمر لغيبتين ، أحدهما أطول من الاخرى» الحديث.
قال الشيخ الطوسي بعد نقل هذا الحديث : «ويدلّ أيضا على إمامة ابن الحسن ـ عليه السلام ـ وصحّة غيبته ما ظهر واشتهر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه ـ عليهم السلام ـ قبل هذه الأوقات بزمان طويل من أنّ لصاحب هذا الأمر غيبة وصفة غيبته ، وما يجري فيها من الاختلاف ، ويحدث فيها من الحوادث ، وأنّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الاخرى ، وأنّ الاولى تعرف فيها أخباره ، والثانية لا تعرف فيها أخباره ، فوافق ذلك على ما تضمنته الأخبار ، ولو لا صحّتها وصحّة إمامته ، لما وافق ذلك ، لأنّ ذلك لا يكون إلّا بإعلام الله على لسان نبيه» (6).
وقال أمين الإسلام الطبرسيّ ـ قدس سره ـ : «ومن جملة ثقات المحدّثين والمصنّفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد ، وقد صنّف كتاب المشيخة الذي هو في اصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله ، قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة تذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة ، فوافق الخبر الخبر وحصل كلّ ما تضمنه الخبر بلا اختلاف» (7). فأخبار الغيبة متواترة ومسطورة في الكتب قبل ولادته ـ عليه السلام ـ قال المحقّق اللاهيجي ـ قدس سره ـ : إنّ وجوب غيبة الإمام الثاني عشر متواتر عن النبيّ ، وكلّ واحد من الأئمة عليهم الصلوات والسّلام (8).
قال المحقّق القميّ ـ قدس سره ـ : «إنّ كثيرا من جوامع الشيعة الفت قبل ولادة جنابه ـ عليه السلام ـ فهذه الأخبار مضافا إلى كونها متواترة ومفيدة لليقين ، تكون مقرونة بالإعجاز ؛ لاشتمالها على الأخبار بتولّده ووقوع ما أخبروا به» (9).
ثم إنّ الغيبة الصغرى وقعت من سنة 260 الهجرية إلى سنة 329 ، وهي تقرب من سبعين سنة ، والغيبة الكبرى وقعت من سنة 329 ودامت إلى يومنا هذا سنة 1409 الهجرية ، وتدوم إلى يوم الظهور عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، وجعلنا من أعوانه وأنصاره بلطفه وكرمه ، ولعلّ الغيبة الصغرى وقعت على ما لها من نوع ارتباط خاصّ بين نوّابه الخاصّة وبين المؤمنين به تمهيدا لوقوع الغيبة الكبرى التي لا صلة بينه وبين المؤمنين ولو بعنوان النيابة الخاصّة ، وإنّما كانت وظيفة المؤمنين فيها هو الرجوع إلى النّواب العامّة.
قال الشهيد السيد محمّد باقر الصدر ـ قدس سره ـ : «وقد لوحظ أنّ هذه الغيبة إذا جاءت مفاجأة حقّقت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الامة الإسلامية ؛ لأنّ هذه القواعد كانت معتادة على الاتصال بالإمام في كل عصر والتفاعل معه ، والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوعة ، فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة ، وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحيّة والفكريّة سبّبت هذه الغيبة المفاجأة ، الإحساس بفراغ دفعيّ هائل قد يعصف بالكيان كلّه ، ويشتّت شمله ، فكان لا بدّ من تمهيد لهذه الغيبة لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج ، وتكيّف نفسها شيئا فشيئا على أساسها ، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغرى ، التي اختفى فيها الإمام المهديّ عن المسرح العام ، غير أنّه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوّابه ، والثقات من أصحابه ، الذين يشكّلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطّه الإمامي» (10).
ثم إنّ النوّاب الخاصة في الغيبة الصغرى أربعة ، وهم : أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (بفتح العين وسكون الميم) وأبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري وأبو القاسم حسين بن روح النوبختي وأبو الحسن علي بن محمّد السمري ، وهم الأجلاء الكرام والوجوه العظام.
قال الشيخ الطوسي ـ قدس سره ـ : «فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة ، فأوّلهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمّد العسكري ، وأبو محمّد الحسن بن علي بن محمّد ابنه ـ عليه السلام ـ وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وكان أسديا الى أن نقل في حقّه عن الإمام عليّ بن محمّد الهادي ـ صلوات الله عليه ـ أنّه قال : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعنّي يقوله ، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤديه ، وإلى أن نقل في حقّه وابنه عن أبي محمّد الحسن ـ عليه السلام ـ واشهدوا على أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأنّ ابنه محمدا وكيل ابني مهديكم ـ إلى أن قال ـ : وكانت توقيعات صاحب الأمر ـ عليه السلام ـ تخرج على يديّ عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان إلى شيعته وخواصّ أبيه أبي محمّد بالأمر والنهي والأجوبة عمّا تسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن ـ عليه السلام ـ فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله ، وغسّله ابنه أبو جعفر ، وتولى القيام به ، وحصل الأمر كلّه مردودا إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ؛ لما تقدم له من النصّ عليه بالأمانة ، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن وبعد موته في حياة أبيه عثمان ـ رحمه الله إلى أن قال ـ : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري ـ قدّس الله روحه ـ في التعزية بأبيه ـ رضي الله عنه ـ وجاء في التوقيع المذكور : أجزل الله لك الثواب ، وأحسن لك العزاء ، رزئت ورزئنا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدا مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره ويترحم عليه ، وأقول الحمد لله ، فإنّ الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عزوجل فيك وعندك ، أعانك الله وقوّاك وعضدك ووفّقك وكان لك وليا وحافظا وراعيا.
ثم قال الشيخ ـ قدس سره : والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمّات طول حياته بالخطّ الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ، ولا يرجع إلى أحد سواه ، وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ومعجزات الإمام (التي) ظهرت على يده وامور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة ، وهي مشهورة عند الشيعة وقدّمنا طرفا منها ، فلا نطوّل بإعادتها ، إلى أن روي أنّه لمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري الوفاة ، كان جعفر بن أحمد بن متيل جالسا عند رأسه وأبو القاسم بن روح جالسا عند رجليه ، فالتفت إلى جعفر بن أحمد بن متيل وقال : امرت أن اوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، فقام جعفر بن أحمد بن متيل من عند رأسه ، وأخذ بيد أبي القاسم وأجلسه في مكانه وتحوّل بنفسه إلى عند رجليه.
إلى أن قال : لمّا اشتدت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ـ إلى أن قال ـ : فدخلوا على أبي جعفر ـ رضي الله عنه ـ فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ، القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل له ، والثقة الأمين ، فارجعوا إليه في اموركم ، وعوّلوا عليه في مهمّاتكم فبذلك امرت ، وقد بلّغت.
إلى أن قال الشيخ : وكان أبو القاسم ـ رحمه الله ـ من أعقل الناس عند المخالف والموافق ـ إلى أن قال ـ : وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السمري ـ رضي الله عنه ـ فقام بما كان إلى أبي القاسم فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده ، وسألته عن الموكّل بعده ، ولمن يقوم مقامه؟ فلم يظهر شيئا من ذلك وذكر أنّه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن الى أن قال : فأخرج إلى الناس توقيعا قبل وفاته نسخته :
بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد ، فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم قال الشيخ : قال راوي الخبر : فنسخنا هذا التوقيع ، وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيّك من بعدك؟ فقال : لله أمر هو بالغه وقضى ، فهذا آخر كلام. سمع منه رضي الله عنه وأرضاه» (11).
فالمستفاد من ملاحظة الكلمات المذكورة هو ظهور تسالم الشيعة على نيابتهم الخاصّة ، ووجه ذلك : ما عرفت من ظهور الكرامات والمعجزات على أيديهم بحيث بكشف عن صلتهم مع الإمام الثاني عشر أرواحنا فداه.
هذا مضافا إلى ما ورد في وثاقتهم وجلالتهم ، وكيف كان فقد تمهّدت جامعة الشيعة بعد مضيّ زمان النوّاب الأربعة أن تصطبر لطيلة الغيبة الكبرى لإمامها الثاني عشر ـ أرواحنا فداه ـ حتّى يظهر بإذن الله تعالى.
_____________
(1) اثبات الهداة: ج 6 ص 390.
(2) بحار الانوار: ج 51 ص 72.
(3) بحار الانوار : ج 51 ص 109.
(4) بحار الانوار : ج 51 ص 132.
(5) بحار الانوار : ج 51 ص 132.
(6) اثبات الهداة : ج 7 ص 3 ـ 4.
(7) اعلام الورى : ص 416.
(8) سرمايه ايمان : ص 146.
(9) اصول دين : ص 63.
(10) بحث حول المهدي : ص 68.
(11) راجع البحار : ج 51 ص 344 ـ 361.
الاكثر قراءة في الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة