النبي شعيب وهدايته لقومه
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 2، ص369-373.
2025-11-03
170
النبي شعيب وهدايته لقومه
قال تعالى : { وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 85 ) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( 86 ) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ( 87 ) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف : 85 - 93].
قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله تعالى : {وَإِلى مَدْيَنَ} أي أهل مدين أو هو اسم القبيلة. قيل إن مدين ابن إبراهيم الخليل ، فنسب القبيلة إليه. قال عطاء : هو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم ، وكان خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه وهم أصحاب الأيكة. وقال قتادة : أرسل شعيب مرتين إلى أهل مدين مرة ، وإلى أصحاب الأيكة مرة {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ} أي أدوا حقوق الناس على التمام في المعاملات.
{ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ } أي لا تنقصوهم حقوقهم.
{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها} أي لا تعملوا في الأرض بالمعاصي واستحلال المحرمات ، بعد أن أصلحها اللّه بالأمر والنهي وبعثة الأنبياء.
وَلا تَقْعُدُوا فإنهم كانوا يقعدون على طرق من قصد شعيبا للإيمان به ، فيخوفونه بالقتل ، أو إنهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه.
{وَتَبْغُونَها عِوَجاً} بأن تقولوا هو باطل.{ فَكَثَّرَكُمْ} أي كثر عددكم.
قال ابن عباس : وذلك أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط ، فولدت ، حتى كثر أولادها « 1 ».
- وجاء رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام ، فقال : أنت عليّ بن الحسين ؟ قال : « نعم » ، قال : أبوك الذي قتل المؤمنين ؟ فبكى عليّ بن الحسين ، ثمّ مسح عينيه ، فقال : « ويلك ، كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين ؟ » قال : قوله : « إخواننا قد بغوا علينا ، فقاتلناهم على بغيهم ». فقال :
« ويلك أما تقرأ القرآن ؟ » ، قال : بلى. قال : « فقد قال اللّه : وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [هود : 61] فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم ؟ » قال له الرجل : بل في عشيرتهم. قال : « فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم ، وليسوا إخوانهم في دينهم ». قال : فرّجت عنّي فرّج اللّه عنك « 2 ».
- وقال عليّ بن الحسين عليه السّلام : أول من عمل المكيال والميزان شعيب النبي عليه السّلام عمله بيده ، فكانوا يكيلون ويوفون ، ثم إنهم بعد أن طففوا في المكيال والميزان وبخسوا في الميزان فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فعذبوا بها فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ « 3 ».
وقال الطبرسي في قوله تعالى :{ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} أي الزلزلة. وقيل :
أرسل اللّه عليهم حرا شديدا فأخذ اللّه بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء وأنضجهم الحر ، فبعث سحابة فيها ريح طيبة ، فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فنادوا عليكم بها فخرجوا إلى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة ، ألهبها اللّه عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد وصاروا رمادا ، وهو عذاب يوم الظلة.
وقيل : بعث اللّه عليهم صيحة واحدة فماتوا بها ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. وقيل : إنه كان لشعيب قومان ، قوم أهلكوا بالرجفة وقوم هم أصحاب الظلة « 4 ».
وقال وهب : بعث اللّه شعيبا إلى أهل مدين ، ولم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب ، وكان عليهم ملك جبار ولا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم باللّه وتكذيبهم لنبيه ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، وكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين ، ووعظهم شعيب ، فأرسل إليه الملك ، ما تقول في ما صنعنا ، أراض أنت أم ساخط ؟ فقال شعيب : أوحى اللّه تعالى إليّ : أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت ، يقال له ملك فاجر فكذبه الملك وأخرجه وقومه من المدينة.
قال اللّه تعالى حكاية عنهم : {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا} فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا : {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} فأذوه بالنفي من بلادهم ، فسلط اللّه عليهم الحر والغيم ، حتى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيام وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة « 5 » لهم ، وهو قوله تعالى : {أَصْحابُ الْأَيْكَةِ } فرفع اللّه لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلها ، فأرسل اللّه عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم ينج أحد منهم ، وذلك قوله تعالى : {فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} فلما أصاب قومه ما أصابهم ، لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة ، فلم يزالوا بها حتى ماتوا « 6 ».
والرواية الصحيحة : إن شعيبا عليه السّلام صار منها إلى مدين ، فأقام بها ، وبها لقيه موسى بن عمران ( صلوات اللّه عليهم ) « 7 ». وقال علي عليه السّلام : إن شعيب النبي عليه السّلام دعا قومه إلى اللّه حتى كبر سنه ودق عظمه ، ثم غاب عنهم ما شاء اللّه ، ثم عاد إليهم شابا ، فدعاهم إلى اللّه عزّ وجلّ. فقالوا : ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا « 8 ».
____________
( 1 ) مجمع البيان : المجلد الثاني ، ص 668 - 669.
( 2 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 20 ، ح 53.
( 3 ) قصص الأنبياء للراوندي : ص 142 ، ح 153.
( 4 ) مجمع البيان : المجلد الثاني ، ص 693.
( 5 ) الغيضة : مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر.
( 6 ) قصص الأنبياء للراوندي : ص 146 - 147 ، ح 159.
( 7 ) قصص الأنبياء للراوندي : ص 146 - 147 ، ح 159.
( 8 ) قصص الأنبياء للراوندي : ص 145 ، ح 156.
الاكثر قراءة في قصة النبي شعيب وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة