الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
شيء من نظم ابن زمرك
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص: 171-239
2025-09-21
196
شيء من نظم ابن زمرك
فمن ذلك قوله في ذكر غرناطة العلية، وتهنئة سلطانه الغني بالله ببعض المواسم العيدية، ووصف كرائم جياده، وآثار ملكه وجهاده:
يا من يحن إلى نجد وناديها ... غرناطة قد ثوت نجد بواديها
قف بالسبيكة وانظر ما بساحتها ... عقيلة والكثيب الفرد جاليها (1)
تقلدت بوشاح النهر وابتسمت ... أزهارها وهي حلي في تراقيها
وأعين النرجس المطلول يانعة ... ترقرق الطل دمعا في مآقيها
وافتر ثغر أقاح من أزاهرها ... مقبلا خد ورد من نواحيها
كأنما الزهر في حافاتها سحرا ... دراهم والنسيم اللدن يجبيها
وانظر إلى الدوح والأنهار تكنفها ... مثل الندامى سواقيها سواقيها
كم حولها من بدور تجتني زهرا ... فتحسب الزهر قد قبلن أيديها
حصباؤها لؤلؤ قد شف جوهرها ... والنهر قد سال ذوبا من لآليها
نهر المجرة والزهر المطيف به ... زهر النجوم إذا ما شئت تشبيها
يزيد حسنا على نهر المجرة قد ... أغناه در حباب عن دراريها
يدعى المنجم راثيه وناظره ... مسميات أبانتها أساميها
إن الحجاز مغانيه بأندلس ... ألفاظها طابقت منها معانيها
فتلك نجد سقاها كل منسجم ... من الغمام يحييها فيحييها
وبارق وعذيب كل مبتسم ... من الثغور يجليها مجليها
وإن أردت ترى وادي العقيق فرد ... دموع عشاقها حمرا جواريها
وللسبيكة تاج فوق مفرقها ... تود در الدراري لو تحليها
فإن حمراءها والله يكلؤها ... ياقوتة فوق ذاك التاج يعليها
إن البدور لتيجان مكللة ... جواهر الشهب في أبهى مجاليها
لكنها حسدت تاج السبيكة إذ ... رأت أزاهره زهرا يجليها
بروجها لبروج الأفق مخجلة ... فشهبها في جمال لا تضاهيها
تلك القصور التي راقت مظاهرها ... تهوي النجوم قصورا عن معاليها
لله لله عينا من رأى سحرا ... تلك المنارة قد رقت حواشيها
والصبح في الشرق قد لاحت بشائره ... والشهب تستن سبقا في مجاريها
تهوي إلى الغرب لما غالها سحر ... وغمض الفجر من أجفان واشيها وساجع العود في كف النديم إذا ما استوقفت ساجعات الطير يغريها (2)
يبدي أفانين سحر في ترنمه ... يصبي العقول بها حسنا ويسبيها
يجسه ناعم الأطراف تحسبها ... لآلئا وهي نور في تلاليها
مقاتل بلحاظ قوس حاجبها ... ترمي القلوب بها عمدا فتصميها
فباكر الروض والأغصان ماثلة ... يثني النفوس لها شوقا تثنيها
لم يرقص الدوح بالأكمام من طرب ... حتى شدا من قيان الطير شاديها
وأسمعتها فنون السحر مبدعة ... ورق الحمام وغناها مغنيها
غرناطة آنس الرحمن ساكنها ... باحت بسر معانيها أغانيها
أعدى نسيمهم لطفا نفوسهم ... فرقة الطبع طبع منه يعديها
فخلد الله أيام السرور بها ... صفرا عشياتها بيضا لياليها
وروض المحل منها كل منبجس ... إذا اشتكت بغليل الجدب يرويها
يحكي الخليفة كفا كلما وكفت ... بالجود فوق موات الأرض يحييها
تغنى العفاة وقد أمت مكارمه ... عن السؤال وبالإحسان يغنيها
لها بنان فلا غيث يساجلها ... جودا ولا سحبه يوما تدانيها
فإن تصب سحبه بالماء حين همت ... بعسجد ولجين صاب هاميها
يا أيها الغيث أنت الغوث في زمن ... ملوكه تلفت لولا تلافيها
إن الرعايا جزاك الله صالحة ... ملكت شرقا وغربا من يراعيها
إن الخلائق في الأقطار أجمعها ... سوائم أنت في التحقيق راعيها
فكل مصلحة للخلق تحكمها ... وكل صالحة في الدين تنويها
إذا تيممت أرضا وهي مجدبة ... فرحمة الله بالسقيا تحييها
يا رحمة بثت الرحمى بأندلس ... لولاك زلزلت الدنيا بمن فيها
في فضل جودك قد عاشت مشيختها ... في ظل أمنك قد نامت ذراريها
في طول عمرك يرجو الله آملها ... بنصر ملكك يدعو الله داعيها
عوائد الله قد عودت أفضلها ... لتبلغ الخلق ما شاءت أمانيها
سل السعود وخل البيض مغمدة ... واضرب بها فرية التثليث تفريها
لله أيامك الغر التي اطردت ... فيها السعود بما ترضى ويرضيها
لله دولتك الغراء إن لها ... لكافلا من إله العرش يكفيها
هيهات أن تبلغ الأعداء مأربة ... في جريها وجنود الله تحميها
هذي سيوفك في الأجفان نائمة ... والمشركون سيوف الله تفنيها
سريرة لك في الإخلاص قد عرفت ... حسنى عواقبها حتى أعاديها
لم يحجب الصبح شهب الأفق عن بصر (3) ... إلا وهديك للأبصار يبديها
يا ابن الملوك وأبناء الملوك إذا ... تدعو الملوك إلى طوع تلبيها
أبناء نصر ملوك عز نصرهم ... وأوسعوا الخلق تنويها وترفيها
هم المصابيح نور الله موقدها ... تضيء للدين والدنيا مشاكيها
هم النجوم وأفق الهدي مطلعها ... فوزا لمهديها عزا لهاديها
هم البدور، كمال ما يفارقها ... هم الشموس، ظلام لا يواريها
قضت قواضبها أن لا انقضاء لها ... وأمضت الحكم في الأعدا مواضيها
وخلدت في صفاح الهند سيرتها ... وأسندت عن عواليها معاليها
وأورثتك جهادا أنت ناصره ... والأجر منك يرضيها ويحظيها
كم موقف ترهب الأعداء موقعه ... والخيل تردي ووقع السمر يرديها
ثارت عجاجته واليوم محتجب ... والنقع يؤثر غيما من دياجيها
وللأسنة شهب كلما غربت ... في الدارعين تجلت من عواليها
وللسيوف بروق كلما لمعت ... تزجي الدماء وريح النصر يزجيها
أطلعت وجها تريك الشمس غرته ... تبارك الله ما شمس تساميها
من أين للشمس نطق كله حكم ... يفيدها كل حين منك مبديها
لك الجياد إذا تجري سوابقها ... فللرياح جياد ما تجاريها
إذا انبرت يوم سبق في أعنتها ... ترى البروق طلاحا لا تباريها
من أشهب قد بدا صبحا تراع له ... شهب السماء فإن الصبح يخفيها
إلا التي في لجام منه قيدها ... فإنه سامها عزا وتنويها
أو أشقر مر عن (4) شقر البروق وقد ... أبقى لها شفقا في الجو تنبيها
أو أحمر جمره في الحرب متقد ... يعلو لها شرر من بأس مذكيها
لون العقيق وقد سال العقيق دما ... بعطفه من كماة كر يدميها
أو أدهم ملء (5) صدر الليل تنعله ... أهلة فوق وجه الأرض يبديها
إن حارت الشهب ليلا في مقلدة ... فصبح غرته بالنور يهديها
أو أصفر بالعشيات ارتدى مرحا ... وعرفه بتمادي الليل ينبيها (6)
مموه بنضار تاه من عجب ... فليس يعدم تنويها ولا تيها
ورب نهر حسام رق رائقه ... متى ترده نفوس الكفر يرديها
تجري الرؤوس حبابا فوق صفحته ... وما جرى غير أن البأس يجريها
وذابل من دم الكفار مشربه ... يجني الفتوح وكف النصر تجنيها
وكم هلال لقوس كلما نبضت ... ترى النجوم رجوما في مراميها
أئمة الكفر ما يممت ساحتها ... إلا وقد زلزلت قسرا صياصيها
يا دولة النصر هل من مبلغ دولا ... مضين أنك تحييها وتنسيها
أو مبلغ سالف الأنصار مألكة ... والله بالخلد في الفردوس يجزيها
أن الخلافة أعلى الله مظهرها ... أبقت لنا شرفا والله يبقيها
يا ابن الذين لهم في كل مكرمة ... مفاخر ولسان الدهر يمليها
أنصار خير الورى، مختار هجرته ... جيران روضته، أكرم بأهليها
سمتهم الملة السمحاء تكرمة ... أنصارها، وبهم عزت أواليها
ففي حنين وفي بدر وفي أحد ... تلفي مفاخرهم مشهورة فيها
ولتسأل السير المرفوع مسندها ... فعن مواقفهم تروى مغازيها
مآثر خلد الرحمن أثرتها ... ينصها من كتاب الله قاريها
ماذا يجيد بليغ أو ينمقه ... من الكلام ووحي الله تاليها
له الجهاد به تسري الرياح إلى ... ممالك الأرض من شتى أقاصيها
تحدى الركاب إلى البيت العتيق به ... فمكة عمرت منه نواديها
بشائر تسمع الدنيا وساكنها ... إذا دعا باسمك الأعلى مناديها
كفى خلافتك الغراء منقبة ... أن الإله يوالي من يواليها
وقد أفاد بنيه الدهر تجربة ... أن السعود تعادي من يعاديها
إذا رميت سهام العزم صائبة ... فما رميت، بل التوفيق راميها
شكرا لمن عظمت منا مواهبه ... وإن تعد فليس العد يحصيها
عما قريب ترى الأعياد مقبلة ... من الفتوح ووفد النصر حاديها
وتبلغ الغاية القصوى بشائرها ... فقد أظلت بما ترضى مباديها
فاهنأ بما شئت من صنع تسر به ... وانو الأماني فالأقدار تدنيها
مولاي خذها كما شاءت بلاغتها ... ولو تباع لكان الحسن يشريها
أرسلتها حيثما الأرواح مرسلة ... نوادرا تنشر البشرى أماليها
جاءت تهنيك عيد الفطر معجبة ... بحسنها ولسان الصدق يطريها
البشر في وجهها، واليمن في يدها ... والسحر في لفظها، والدر في فيها
لو رصع البدر منها تاج مفرقه ... لم يرض در الدراري أن تحليها
فإن تكن بنت فكري وهو أوجدها ... نعماك في حجره كانت تربيها
في روض جودك قد طوقتني مننا ... طوق الحمام فما سجعي موفيها
ولو أعرت لسان الدهر يشكرها ... لكان يقصر عن شكر يوفيها
بقيت للدين والدنيا إمام هدى ... مبلغ النفس ما ترجو أمانيها
والسعد يجري لغايات تؤملها ... ما دامت الشهب تجري في مجاريها وقال رحمه الله تعالى شاكرا لنعم وصلته من المذكور في عاشوراء:
مولاي يا ابن السابقين إلى العلا ... والرافعين لواءها المنشورا
إن لوحظوا في المعلولات فإنهم ... طلعوا بآفاق العلاء بدورا
أو فوخروا في المكرمات فإنهم ... نظموا بأسلاك الفخار شذورا
أبناء أنصار النبي وصحبه ... في الذكر أصبح فخرهم مذكورا
والمؤثرين، وربنا أثنى بها ... في الحشر خلد وصفهم مسطورا (7)
فاضت علينا من نداك غمائم ... وتفجرت من راحتيك بحورا
من كف شفاف الضياء تخاله ... لصفاء جوهره تجسد نورا
نعم منوعة تعدد وفرها ... أعجزت عنها شكري الموفورا
في موسم للدين قد جددته ... وأقمت فينا عيده المشهورا
أضعاف ما أهديتنا من منة ... تهدي إليك ثوابها عاشورا
وعلى الطريق بشائر محمودة ... ألقاك جذلانا بها مسرورا وقال يصف زهر القرنفل الصعب الاجتناء بجبل الفتح، وقد وقع له السلطان الغني بالله المذكور بذلك، فارتجل قطعا منها:
أتوني بنوار يروق نضارة ... كخد الذي أهوى وطيب تنفسه
وجاءوا به من شاهق متمنع ... تمنع ذاك الظبي في ظل مكنسه
رعى الله مني عاشقا متقنعا ... بزهر حكى في الحسن خد مؤنسه
وإن هب خفاق النسيم بنفحة ... حكت عرفه طيبا قضى بتأنسه ومنها:
رعى الله زهرا ينتمي لقرنفل ... حكى عرف من أهوى وإشراق خده
ومنبته في شاهق متمنع ... كما امتنع المحبوب في تيه صده
أميل إذا الأغصان مالت بروضة ... أعانق منها القضب شوقا لقده
وأهفو لخفاق النسيم إذا سرى ... وأهوى أريج الطيب من عرف نده ومنها:
يقر بعيني أن أرى الزهر يانعا ... وقد نازع المحبوب في الحسن وصفه
وما أبصرت عيني كزهر قرنف ... حكى خد من يسبي الفؤاد وعرفه
تمنع في أعلى الهضاب لمجتن ... تمنعه مني إذا رمت إلفه
وفي جبل الفتح اجتنوه تفاؤلا ... بفتح لباب الوصل يمنح عطفه
وما ضر ذاك الغصن وهو مرنح ... إذا ما ثنى نحو المتيم عطفه
قال ابن الأحمر في الكتاب المذكور فيما مر: ومن القصائد التي يود الصبح سناها، والنسيم اللدن رقة معناها، يهنىء مولانا الجد رضي الله تعالى عنه عند وصول خالصة مقامه، وكبير خدامه، القائد خالد رحمه الله تعالى من تلمسان بالهدية، وتجديد المقاصد الودية، ووافق استئناف (8) راحة من الذات العلية، ومن بعض فروع دوحتها (9) الزكية:
أدرها ثلاثا من لحاظك واحبس ... فقد غال منها السكر أبناء مجلس
إذا ما نهاني الشيب عن أكؤس الطلا ... تدير علي الخمر منها بأكؤس
عذيري من لحظ ضعيف وقد غدا ... يحكم منا في جسوم وأنفس
وروض شاب ماس غصن قوامه ... وفتح فيه اللحظ أزهار نرجس
وما زال ورد الخد وهو مضعف ... يعير أقاح الثغر طيب تنفس
وكم جال طرف الطرف في روض حسنه ... يقيده فيه العذار بسندس
أما وليالي الوصل في روضة الصبا ... ومألف أحبابي وعهد تأنسي
لئن نسيت تلك العهود أحبتي ... فقلبي عهد العامرية ما نسي
وحاشا لنفسي بعدما افتر فودها ... من الشيب عن صبح به متنفس
وألبسها ثوب الوقار خليفة ... به لبس الإسلام أشرف ملبس
وجدد للفتح المبين مواسما ... أقام بها الإيمان أفراح معرس
وأورثه العلياء كل خليفة ... نماه إلى الأنصار كل مقدس
فيا زاجر الأظعان وهي ضوامر ... بغير الفلا والوحش لم تتأنس
إذا جئت من دار الغني بربه ... مناخ العلا والعز فاعقل وعرس
فإن شئت من بحر السماحة فاغترف ... وإن شئت من نور الهداية فاقبس
أمولاي إن السعد منك لآية (10) ... أنارت بها الأكوان جذوة مقبس
إذا شئت أن ترمي القصي من المنى ... تدور لك الأفلاك مرفوعة القسي
فترمي بسهم من سعودك صائب ... سديد لأغراض الأماني مقرطس
أهنيك بالإبلال ممن شفاؤه ... شفاؤك فاشكر من تلافى وقدس
ودعني أرد يمناك فهي غمامة ... تبخل صوب العارض المتبجس
أقبل منها راحة إثر راحة ... أتتك بها الركبان من بيت مقدس
ومن نسب الفتح المبين ولادة ... إليه بغير الفخر لم يتأسس
فيا أيها المولى الذي بكماله ... خلائف هذا العصر في الفخر تأتسي
لآمنت موسى من عوادي سميه ... ولولاك لم يبرح بخيفة موجس
بعثت بميمون النقيبة في اسمه ... خلود لعز ثابت متأسس
فجاءك بالمال العريض هدية ... بها الدين أثواب المسرة يكتسي
وشفعها بالصافنات كأنها ... وقد راق مرآها جآذر مكنس
تنص من الإشراف جيد غزالة ... وترنو من الإيجاس عن لحظ أشوس
لك الخير موسى مثل موسى، كلاهما ... بغير شعار الود لم يتلبس
فلا زلت في ظل النعيم وكل من ... يعاديك لا ينفك يشقى بأبؤس
عليك سلام مثل حمدك عاطر ... تنفس وجه الصبح عنه بمعطس وقال في مولد عام سبعة وستين وسبعمائة وألم في أخرياتها بوصف المشور الأسنى، الرفيع المبنى:
زار الخيال بأيمن الزوراء ... فجلا سناه غياهب الظلماء
وسرى مع النسمات يسحب ذيله ... فأتت تنم بعنبر وكباء
هذا وما شيء ألذ من المنى ... إلا زيارته مع الإغفاء
بتنا خيالين التحفنا بالضنى ... والسقم ما نخشى من الرقباء
حتى أفاق الصبح من غمراته ... وتجاذبت أيدي النسيم ردائي
يا سائلي عن سر من أحببته ... السر عندي ميت الأحياء
تالله لا أشكو الصبابة والهوى ... لسوى الأحبة أو أموت بدائي
يا دين قلبي لست أبرح عانيا ... أرضي بسقمي في الهوى وعنائي
أبكي وما غير النجيع مدامع ... أذكي، ولا ضرم سوى أحشائي
أهفو إذا تهفو البروق، وأنثني ... لسرى النواسم من ربى تيماء
بالله يا نفس الحمى رفقا بمن ... أغريته بتنفس الصعداء
عجبا له يندى على كبدي وقد ... أذكى بقلبي جمرة البرحاء
يا ساكني البطحاء أي إبانة ... لي عندكم يا ساكني البطحاء
أترى النوى يوما تخيب قداحها ... ويفوز قدحي منكم بلقاء
في حيكم قمر فؤادي أفقه ... تفديه نفسي من قريب نائي
لم تنسني الأيام يوم وداعه ... والركب قد أوفى على الزوراء
أبكي ويبسم والمحاسن تجتلي ... فعلقت بين تبسم وبكاء
يا نظرة جاذبته (11) أيدي النوى ... حتى استهلت أدمعي بدماء
من لي بثانية تنادي بالأسى ... " قدك اتئد أسرفت في الغلواء " (12)
ولرب ليل بالوصال قطعته ... أجلو دجاه بأوجه الندماء
أنسيت فيه القلب عادة حلمه ... وحثثت فيه أكؤس السراء
وجريت في طلق التصابي جامحا ... لا أنثني لمقادة النصحاء
أطوي شبابي للمشيب مراحلا ... برواحل الإصباح والإمساء
يا ليت شعري هل أرى أطوي إلى ... قبر الرسول صحائف البيداء
فتطيب في تلك الربوع مدائحي ... ويطول في ذاك المقام ثوائي
حيث النبوة نورها متألق ... كالشمس تزهي في سنا وسناء
حيث الرسالة في ثنية قدسها ... رفعت لهدي الخلق خير لواء
حيث الضريح ضريح أكرم مرسل ... فخر الوجود وشافع الشفعاء
المصطفى والمرتضى والمجتبى ... والمنتقى من عنصر العلياء
خير البرية مجتباها ذخرها ... ظل الإله الوارف الأفياء
تاج الرسالة ختمها وقوامها ... وعمادها السامي على النظراء
لولاه للأفلاك ما لاحت بها ... شهب تنير دياجي الظلماء
ذو المعجزات الغر والآي الألى ... أكبرن عن عد وعن إحصاء
وكفاك رد الشمس بعد مغيبها ... وكفاك ما قد جاء في الإسراء
والبدر شق له وكم من آية ... كأنامل جاءت (13) بنبع الماء
وبليلة الميلاد كم من رحمة ... نشر الإله بها ومن نعماء
قد بشر الرسل الكرام ببعثه ... وتقدم الكهان بالأنباء
أكرم بها بشرى على قدم سرت ... في الكون كالأرواح في الأعضاء
أمسى بها الإسلام يشرق نوره ... والكفر أصبح فاحم الأرجاء
هو آية الله التي أنوارها ... تجلو ظلام الشك أي جلاء
والشمس لا تخفى مزية فضلها ... إلا على ذي المقلة العمياء
يا مصطفى والكون لم تعلق به ... من بعد أيدي الخلق والإنشاء
يا مظهر الحق الجلي ومطلع ال ... نور السني الساطع الأضواء
يا ملجأ الخلق المشفع فيهم ... يا رحمة الأموات والأحياء
يا آسي المرضى ومنتجع الرضى ... ومواسي الأيتام والضعفاء
أشكو إليك وأنت خير مؤمل ... داء الذنوب وفي يديك دوائي
إني مددت يدي إليك تضرعا ... حاشا وكلا أن يخيب رجائي
إن كنت لم أخلص إليك فإنما ... خلصت إليك محبتي وندائي
وبسعد مولاي الإمام محمد ... تعد الأماني أن يتاح لقائي
ظل الإله على البلاد وأهلها ... فخر الملوك السادة الخلفاء
غوث العباد وليث مشتجر القنا ... يوم الطعان وفارج الغماء
كالدهر في سطواته وسماحه ... تجري صباه بزعزع ورخاء
رقت شجاياه وراقت مجتلى ... كالنهر وسط الروضة الغناء (14)
كالزهر في إبراقه، والبدر في ... إشراقه، والزهر في لألاء
يا ابن الألى إجمالهم وجمالهم ... فلق الصباح وواكف الأنواء
أنصار دين الله حزب رسوله ... والسابقون بحلبة العلياء
يا ابن الخلائف من بني نصر ومن ... حاطوا ذمار الملة السمحاء
من كل من تقف الملوك ببابه ... يستمطرون سحائب النعماء
قوم إذا قادوا الجيوش إلى الوغى ... فالرعب رائدهم إلى الأعداء
والعز مجلوب بكل كتيبة ... والنصر معقود بكل لواء
يا وارثا عنها مناقبها التي ... تسمو مراقيها على الجوزاء
يا فخر أندلس وعصمة أهلها ... يجزيك عنها الله خير جزاء
كم خضت طوع صلاحها من مهمه ... لا تهتدي فيه القطا للماء
تهدي بها حادي السرى بعزائم ... تهدي نجوم الأفق فضل ضياء
فارفع لواء الفخر غير مدافع ... واسحب ذيول العزة القعساء
واهنأ بمبناك السعيد فإنه ... كهف ليوم مشورة وعطاء
لله منه هالة قد أصبحت ... حرم العفاة ومصرع الأعداء
تنتابها طير الرجاء فتجتني ... ثمر المنى من دوحة الآلاء
لله منه قبة مرفوعة ... دون السماء تفوت لحظ الرائي
راقت بدائع وشيها فكأنها ... وشي الربيع بمسقط الأنداء
عظمت ميلاد النبي محمد ... وشفعته بالليلة الغراء
أحييت ليلك ساهرا فأفدتنا ... قوت القلوب بذلك الإحياء (15)
يا أيها الملك الهمام المجتبى ... فاتت علاك مدارك العقلاء
من لي بأن أحصي مناقبك التي ... ضاقت بهن مذاهب الفصحاء
وإليك مني (16) روضة مطلولة ... أرجت أزاهرها بطيب ثناء
فافسح لها أكناف صفحك إنها ... بكر أتت تمشي على استحياء قال ابن الأحمر: ومن إعذاريات ابن زمرك المحكمة نسقا ورصفا، المتناهية في كل فن حسن تحلية غريبة ووصفا - حسبما اقتضته ملاحظة النسبة الرفيعة مولانا رحمة الله تعالى عليه واحتفاله المناسب لعز ملكه من تعميم الخلق بالجفلى في دعواهم، واستدعاء أشراف الأمم من أهل المغرب وسواهم، تفننا في مكارم متعددة أيامها عن أصالة المجد معربة، وإغراء لهمم الملك بما لتتميم الأنس من أوضاع مغرية، ومباهاة بعرض الجيوش والكتائب للعدو الكافر، وتكاثرا من مماليك دولته بالعدد الوافر، مما ألجم اللسن الذكي عيا، وغادر الإعذار الذنوني منسيا، كافأ الله سبحانه أبوته المولوية عنا وعن آبائنا، وتلقى بالقبول الكفيل بتجديد الرضوان ما يصل له من خالص دعائنا، إنه منعم جواد - قوله في الصنيع المختص من ذلك بمولانا الوالد قدس الله تعالى روحه، وذلك سنة أربع وستين وسبعمائة:
معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا ... القصيدة، وقد تقدمت بتمامها فراجعها.
ثم قال: ومن ذلك ما أنشد في الصنيع الثاني المخصوص بعمينا السيدين الأميرين سعد ونصر، رحمة الله تعالى عليهما، وأجاد في وصف الجند والجرد والطلبة وغرائب الأوضاع:
أللمحة من بارق متبسم ... أرسلته دمعا تضرج بالدم
وللمحة تهفو ببانات اللوى ... يهفو فؤادك عن جوانح مغرم
هي عادة عذرية من يوم أن ... خلق الهوى تعتاد كل متيم
قد كنت أعذل ذا الهوى من قبل أن ... أدري الهوى، واليوم أعذل لومي
كم زفرة بين الجوانح ما ارتقت ... حذر الرقيب ومدمع لم يسجم
إن كان واشي الدمع قد كتم الهوى ... هيهات واشي السقم لما يكتم
ولقد أجد هواي رسم دارس ... قد كاد يخفي عن خفي توهم
وذكرت عهدا في حماه قد انقضى ... فأطلت فيه ترددي وتلومي
ولربما أشجى فؤادي عنده ... ورقاء تنفث شجوها بترنم
لا أجدب الله الطلول فطالما ... أشجى الفصيح بها بكاء الأعجم
يا زاجر الأظعان يحفزها السرى ... قف بي عليها وقفة المتلوم
لترى دموع العاشقين برسمها ... حمرا كحاشية الرداء المعلم
دمن عهدت بها الشبيبة والهوى ... سقيا لها ولعهدها المتقدم
وكتيبة للشوق قد جهزتها ... أغزو بها السلوان غزو مصمم
ورفعت فيها القلب بندا خافقا ... وأريت للعشاق فضل تهممي
فأنا الذي شاب الحماسة بالهوى ... لكن من أهواه ضايق مقدمي
فطعنت من قد القوام بأسمر ... ورميت من غنج اللحاظ بأسهم
يا قاتل الله الجفون فإنها ... مهما رمت لم تخط شاكلة الرمي
ظلمت قتيل الحب ثم تبينت ... للسقم فيها فترة المتظلم
يا ظبية سنحت بأكناف الحمى ... سقي الحمى صوب الغمام المسجم
ما ضر إذ أرسلت نظرة فاتك ... أن لو عطفت بنظرة المترحم
فرأيت جسما قد أصيب فؤاده ... من مقلتيك وأنت لم تتأثمي
ولقد خشيت بأن يقاد بجرحه ... فوهبت لحظك ما أحلك من دمي
كم خضت دونك من غمار مفازة ... لا تهتدي فيها الليوث لمجثم
والنجم يسري من دجاه بأدهم ... رحب المقلد بالثريا ملجم
والبدر في صفح السماء كأنه ... مرآة هند وسط لج ترتمي
والزهر زهر والسماء حديقة ... فتقت كمائم جنحها عن أنجم
والليل مربد الجوانح قد بدا ... فيه الصباح كغرة في أدهم
فكأنما فلق الصباح وقد بدا ... مرأى ابن نصر لاح للمتوسم
ملك أفاض على البسيطة عدله ... فالشاة لا تخشى اعتداء الضيغم
هو منتهى آمال كل موفق ... هو مورد الصادي وكنز المعدم
لاحت مناقبه كواكب أسعد ... فرأت ملامح نوره عين العمي
ولقد تراءى بأسه وسماحه ... فأتى الجلال من الجمال بتوأم
مثل الغمام وقد تضاحك برقه ... فأفاد بين تجهم وتبسم
أنسى سماحة حاتم، وكذاك في ... يوم اللقاء ربيعة بن مكدم
سير تسير النيرات بهديها ... وتعير عرف الروض طيب تنسم
فالبدر دونك في علا وإنارة ... والبحر دونك في ندى وتكرم
ولك القباب الحمر ترفع للندى ... فترى العمائم تحتها كالأنجم
يذكى الكباء بها كأن دخانه ... قطع السحاب بجوها المتغيم
ولك العوالي السمر تشرع للعدى ... فتخر صرعى لليدين وللفم
ولك الأيادي البيض قد طوقتها ... صيد الملوك ذوي التلاد الأقدم
شيم يقر الحاسون بفضلها ... والصبح ليس ضياؤه بمكتم
ورث السماحة عن أبيه وجده ... فالأكرم ابن الأكرم ابن الأكرم
نقلوا المعالي كابرا عن كابر ... كالرمح مطرد الكعوب مقوم
وتسنموا رتب العلاء بحقها ... ما بين جد في الخلافة وابنم
يا آل نصر أنتم سرج الهدى ... في كل خطب قد تجهم مظلم
الفاتحون لكل صعب مقفل ... والفارجون لكل خطب مبهم
والباسمون إذا الكماة عوابس ... والمقدمون على السواد الأعظم
أبناء أنصار النبي وحزبه ... وذوي السوابق والجوار الأعصم
سل عنهم أحدا وبدرا تلقهم ... أهل الغناء بها وأهل المغنم
وبفتح مكة كم لهم في يومه ... بلواء خير الخلق من متقدم
أقسمت بالحرم الأمين ومكة ... والركن والبيت العتيق وزمزم
لولا مآثرهم وفضل علاهم ... ما كان يعزى الفضل للمتقدم
ماذا عسى أثني وقد أثنت على ... عليائهم آي الكتاب المحكم
يا وارثا عنها مآثرها التي ... قد شيدت للفخر أشرف معلم
يا فخر أندلس لقد مدت إلى ... علياك كف اللائذ المستعصم
أما سعودك في الوغى فتكفلت ... بسلامة الإسلام فاخلد واسلم
وافيت هذا الثغر وهو على شفا ... فشفيت معضل دائه المستحكم
ورعيته بسياسة دارت على ... مختطه دور السوار بمعصم
كم ليلة قد بت فيها ساهرا ... تهدي الأمان إلى العيون النوم
يا مظهر الألطاف وهي خفية ... ومهب ريح النصر للمتنسم
لله دولتك التي آثارها ... سير الركاب لمنجد أو متهم
ما بعد يومك في المواسم بعدما ... أتبعت عيد الفطر أكرم موسم
وافتك أشراف البلاد ليومه ... من كل ندب للعلا متسنم
صرفوا إليك ركابهم وتيمموا ... من بابك المنتاب خير ميمم
وتبوأوا منه بدار كرامة ... فالكل بين مقرب ومنعم
ودت نجوم الأفق لو مثلت به ... لتفوز فيه برتبة المستخدم
والروض مختال بحلية سندس ... من كل موشي الرقوم منمنم
ورياحه نسمت بنشر لطيمة ... وأقاحه بسمت بثغر ملثم (17)
وأريتنا فيه عجائب جمة ... لم تجر في خلد ولم تتوهم
أرسلت سرعان الجياد (18) كأنها ... أسراب طير في التنوفة (19) حوم
من كل منحفز بخطفة بارق ... قد كاد يسبق لمحة المتوهم
طرف يشك الطرف في استثباته ... فكأنه ظن بصدر مرجم
ومسافر في الجو تحسب أنه ... يرقى إلى أوج السماء بسلم
رام استراق السمع وهو ممنع ... فأصيب من قضب العصي بأسهم
رجمته من شهب النصال حواصب (20) ... لولا تعرضه لها لم يرجم
ومدارة الأفلاك أعجز كنهها ... إبداع كل مهندس ومهندم
يمشي الرجال بجوفها وجميعهم ... عن مستوى قدميه لم يتقدم
ومنوع الحركات قد ركب الهوا ... يمشي على خط به متوهم
فإذا هوى من جوه ثم استوى ... أبصرت طيرا حول (21) صورة آدم
يمشي على فنن الرشاء كأنه ... فيه مساور ذابل أو أرقم
وإليك من صون العقول عقيلة ... وقفت ببابك وقفة المسترحم
ترجو قبولك وهو أكبر منحة ... فاسمح به خلدت من متكرم
طاردت فيها وصف كل غريبة ... فنظمت شارده الذي لم ينظم
ودعوت أرباب البيان أريهم ... " كم غادر الشعراء من متردم " (22)
ما ذاك إلا بعض أنعمك التي ... قد علمتنا كيف شكر المنعم ثم قال: وأنشد من ذلك في الصنيع المخصوص بعمنا الأمير أبي عبد الله - رحمة الله تعالى عليه - وأطنب في وصف دار الملك وغير ذلك من ضخامة آثار مولانا رضي الله تعالى عنه:
سل الأفق بالزهر الكواكب حاليا ... فإني قد أودعته شرح حاليا
وحملت معتل النسيم أمانة ... قطعت بها عمر الزمان أمانيا
فيا من رأى الأرواح وهي ضعيفة ... أحملها ما يستخف الرواسيا
وساوس كم جدت وجد بي الهوى ... فعد به القلب المقلب هازيا
ومن يطع الألحاظ في شرعة الهوى ... فلا بد أن يعصي نصيحا ولاحيا
عدلت بقلبي عن ولاية حكمه ... غداة ارتضى من جائر اللحظ واليا
وما الحب إلا نظرة تبعث الهوى ... وتعقب ما يعيي الطبيب المداويا
فيا عجبا للعين تمشي طليقة ... ويصبح من جرائها القلب عانيا
ألا في سبيل الله نفس نفيسة ... يرخص منها الحب ما كان غاليا
ويا رب عهد للشباب قضيته ... وأحسنت من دين الوصال التقاضيا
خلوت بمن أهواه من غير رقبة ... ولكن عفافي لم أكن عنه خاليا
ويوم بمستن الظباء شهدته ... أجد وصالا باليا فيه باليا
ولم أصح من خمر اللحاظ وقد غدا ... به الجو وضاح الأسرة صاحيا
وجرد من غمد الغمامة صارما ... من البرق مصقول الصفيح يمانيا
تبسم فاستبكى جفوني غمرة (23) ... ملأت بدر الدمع منها ردائيا
وأذكرني ثغرا ظمئت لورده ... ولا والهوى العذري ما كنت ناسيا
وراح خفوق القلب مثلي كأنما ... ببرق الحمى من لوعة الحب ما بيا
وليلة بات البدر فيها مضاجعي ... وباتت عيون الشهب نحوي روانيا
كرعت بها بين العذيب وبارق ... بمورد ثغر بات بالدر حاليا
رشفت به شهد الرضاب سلافة ... وقبلت في ماء النعيم الأقاحيا
فيا برد ذاك الثغر رويت غلتي ... ويا حر أنفاسي أذبت فؤاديا
وروضة حسن للشباب نضيرة ... هصرت بغصن البان فيها المجانيا
وبت أسقي (24) وردة الخد أدمعي ... فأصبح فيها نرجس اللحظ ذاويا
ومالت بقلبي مائلات قدودها ... فما للقدود المائلات وما ليا
جزى الله ذاك العهد عودا فطالما ... أعاد على ربعي الظباء الجوازيا
وقل لليال في الشباب نعمتها ... وقضيتها أنسا: سقيت لياليا
ويا واديا رفت علي ظلاله ... ونحن ندير الوصل قدست (25) واديا
رمتني عيون السرب فيه وإنما ... رمين بقلبي في الغرام المراميا
فلولا اعتصامي بالأمير محمد ... لما كنت من فتك اللواحظ ناجيا
فقل للذي يبني على الحسن شعره ... عليه مع الإحسان لا زلت بانيا
فكم من شكاة في الهوى قد رفأتها ... ورفعتها بالمدح إذ جاء تاليا
وكم ليلة في مدحه قد سهرتها ... أباهي بدر النظم فيه الدراريا
ولاح عمود الصبح مثل انتسابه ... رفعت عليه للمديح المبانيا
إمام أفاد المكرمات زمانه ... وشاد له فوق النجوم المعاليا
وجاوز قدر البدر نورا ورفعة ... ولم يرض إلا بالكمال مواليا
هو الشمس بثت في البسيطة نفعها ... وأنوارها أهدت (26) قريبا وقاصيا
هو البحر بالإحسان يزخر موجه ... ولكنه عذب لمن جاء عافيا
هو الغيث مهما (27) يمسك الغيث سحبه ... يرو بسحب الجود من كان صاديا
شمائل لو أن الرياض بحسنها ... لما صار فيها زهرها الغض ذاويا
فيا ابن الملوك الصيد من آل خزرج ... وذا نسب كالصبح عز مساميا
ألست الذي ترجو العفاة نواله ... فتخجل جدواه السحاب الغواديا
ألست الذي تخشى البغاة صياله ... فتوجل (28) علياه الصعاب العواديا
وهديك مهما ضلت الشهب قصدها ... تولته في جنح الدجنة هاديا
وعزمك أمضى من حسامك في الوغى ... وإن كان مصقول الغرارين ماضيا
فكم قادح في الدين يكفر ربه ... قدحت له زند الحفيظة واريا
وما راعه إلا حسام وعزمة ... يضيئان في ليل الخطوب الدواجيا
فلولاك يا شمس الخلافة لم يبن ... سبيل جهاد كان من قبل خافيا
ولولاك لم ترفع سماء عجاجة ... تلوح بها بيض النصول دراريا
ولولاك لم تنهل غصون من القنا ... وكانت إلى ورد الدماء صواديا
فأثمر فيها النصل نصرا مؤزرا ... وأجنى قطاف الفتح غضا ودانيا
ومهما غدا سفاح سيفك عاريا ... يغادر وجه الأرض بالدم كاسيا
قضى الله من فوق السموات أنه ... على من أبى الإسلام في الأرض قاضيا
فكم معقل للكفر صبحت أهله ... بجيش أعاد الصبح أظلم داجيا
رقيت إليه والسيوف مشيحة ... وقد بلغت فيه النفوس التراقيا
ففتحت مرقاه الممنع عنوة ... وبات به التوحيد يعلو مناديا
وناقوسه بالقسر أمسى معطلا ... ومنبره بالذكر أصبح حاليا
عجائب لم تخطر ببال وإنما ... ظفرنا بها عن همة هي ما هيا
فمنك استفاد الدهر كل عجيبة ... يباهي بها الأملاك أخرى لياليا
وعنك يروي الناس كل غريبة ... تخط على صفح الزمان الأماليا
ولله مبناك الجميل فإنه ... يفوق على حكم السعود المبانيا
فكم فيه للأبصار من متنزه ... تجد به نفس الحليم الأمانيا
وتهوى النجوم الزهر لو ثبتت به ... ولم تك في أفق السماء جواريا
ولو مثلت في سابقيه (29) لسابقت ... إلى خدمة ترضيك منها الجواريا
به البهو قد حاز البهاء وقد غدا ... به القصر آفاق السماء مباهيا
وكم حلة جللته بحليها ... من الوشي تنسي السابري اليمانيا
وكم من قسي في ذراه ترفعت ... على عمد بالنور باتت حواليا
فتحسبها الأفلاك دارت قسيها ... تظل عمود الصبح إذ بات (30) باديا
سواري قد جاءت بكل غريبة ... فطارت بها الأمثال تجري سواريا
به المرمر المجلو قد شف نوره ... فيجلو من الظلماء ما كان داجيا
إذا ما أضاءت بالشعاع تخالها ... على عظم الأجرام منها لآليا
به البحر دفاع العباب تخاله ... إذا ما انبرى وفد النسيم مباريا
إذا ما جلت أيدي الصبا متن صفحه ... أرتنا دروعا أكسبتنا الأياديا
وراقصة في البحر طوع عنانها ... تراجع ألحان القيان الأغانيا (31)
إذا ما علت في الجو ثم تحدرت ... تحلي بمرفض الجمان النواحيا
بذوب لجين سال بين جواهر ... غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا
تشابه جار للعيون بجامد ... فلم أدر أيا منهما كان جاريا
فإن شئت تشبيها له عن حقيقة ... تصيب بها المرمى وبوركت راميا
فقل أرقصت منها البحيرة متنها (32) ... كما يرقص المولود من كان لاهيا
أرتنا طباع الجود وهي وليدة ... ولم ترض في الإحسان إلا تغاليا
سقت ثغر زهر الروض عذب برودها ... وقامت لكي تهدي إلى الدهر (33) ساقيا
كأن قد رأت نهر المجرة ناضبا ... فرامت بأن تجري إليه السواقيا
وقامت بنات الدوح فيه مواثلا ... فرادى ويتلو بعضهن مثانيا
رواضع في حجر الغرام ترعرعت ... وشبت فشبت حبها في فؤاديا
بها كل ملتف الغدائر مسبل ... تجيل به أيدي النسيم مداريا
وأشرف جيد الغصن فيها معطلا ... فقلدت النوار منه التراقيا
إذا ما تحلت در زهر غروسه ... يبيت لها النمام بالطيب واشيا
مصارفه النقدين فيها بمثلها ... أجاز بها النقدين منها كما هيا (34)
فإن ملأت كف النسيم بمثلها (35) ... دراهم نور ظل عنها مكافيا
فيملأ حجر الروض حول غصونها ... دنانير شمس تترك الروض حاليا
تغرد في أفنانها الطير كلما ... تجس به أيدي القيان الملاهيا
تراجعها سجعا فتحسب أنها ... بأصواتها تملي عليها الأغانيا
فلم ندر روضا منه أنعم نضرة ... وأعطر أرجاء، وأحلى مجانيا
ولم نر قصرا منه أعلى مظاهرا ... وأرفع آفاقا، وأفسح ناديا
معاني من نفس الكمال انتقيتها ... وزينت منها بالجمال المغانيا
وفاتحت مبناه بعيد شرعته ... تبث به في الخافقين التهانيا
ولما دعوت الناس نحو صنيعه ... أجابوا لهم من جانب الغور داعيا
وأموه من أقصى البلاد تقربا ... وما زال منك السعد يدني الأقاصيا
وأذكرت يوم العرض جودا ومنعة ... بموقف عرض كنت فيه المجازيا
جزيت به كلا على حال سعيه ... فما غرست بمناه أصبح جانيا
وأطلعت من جزل الوقود هوادجا ... تذكر يوم النفر من كان ساهيا
وحين غدا يذكى ببابك للقرى ... فلا غرو أن أجريت فيه المذاكيا
وطامحة في الجو غير مطالة ... يرد مداها الطرف أحسر عانيا
تمد لها الجوزاء كف مسارع (36) ... ويدنو لها بدر السماء مناجيا
ولا عجب أن فاتت الشهب بالعلا ... وأن جاوزت منها المدى المتناهيا
فبين يدي مثواك قامت لخدمة ... ومن خدم الأعلى استفاد المعاليا
وشاهد ذا أني ببابك واقف ... وقد حسدت زهر النجوم مكانيا
وقد أرضعت ثدي الغمائم قبلها ... بحجر رياض كن فيه نواشيا
فلما أبينت عن قرارة أصلها ... أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا
وعدت لقاء السحب عيدا وموسما ... لذاك اغتدت بالزمر تلهي الغواديا
فأضحكت البرق الطروب خلالها ... وباتت لأكواس الدراري معاطيا
رأت نفسها طالت فظنت بأنها ... تفوت على رغم اللحاق المراميا
فخفت إليها الذابلات (37) كأنها ... طيور إلى وكر أطلن تهاويا
حكت شبها (38) للنحل والنحل حوله ... عصي إلى مثواه تهوي عواليا
فمن مثبت منها الرمية مدرك ... ومن طائش في الجو حلق وانيا
وحصن منيع في ذراها قد ارتقى ... فأبعد في الجو الفضاء المراقيا
كأن بروق الجو غارت وقد أرت ... بروج قصور شدتهن سواميا
فأنشأت برجا صاعدا متنزلا ... يكون رسولا بينهن مداريا
تطور حالات أتى في ضروبها ... بأنواع حلي تستفز الغوانيا
فحجل برجليها وشاح بخصرها ... وتاج إلى ما حل منها الأعاليا
وما هو إلا طير سعد بذروة ... غدا زاجرا من أشهب الصبح بازيا
أمولاي يا فخر الملوك ومن به ... سيبلغ دين الله ما كان راجيا
بنوك على حكم السعادة خمسة ... وذا عدد للعين مازال واقيا
تبيت لهم كف الثريا معيذة ... ويصبح معتل النواسم راقيا (39)
أسام عليها للسعادة ميسم ... ترى العز فيها مستكنا وباديا
جعلت أبا الحجاج فاتح طرسهم ... وقد عرفت منك الفتوح التواليا
وحسبك سعد ثم نصر يليهم ... محمد الأرضى، فلا زلت راضيا
أقمت به من فطرة الدين سنة ... وجددت من رسم الهداية عافيا
وجاءوا به ملء العيون وسامة ... يقبل وجه الأرض أزهر باهيا
فيا عاذرا (40) ما كان أجرأ مثله ... فمثلك لا يدمي الأسود الضواريا
وجاءتك من مصر التحايا كرائما ... فما فتقت أيدي التجار الغواليا
ووافتك من أرض الحجاز تميمة ... تتمم صنع الله لا زال باديا
وناداك بالتمويل (41) سلطان طيبة ... فيا طيب ما أهدى إليك مناديا
وقام وقد وافى ضريح محمد ... لسلطانك الأعلى هنالك داعيا
سريرتك الرحمى جزاك بسعيها ... إله يوفي بالجزاء (42) المساعيا
فوالله لولا سنة نبوية ... عهدناه مهديا إليها وهاديا
وعذر من الإعذار قرر حكمه ... من الشرع أخبار رفعن عواليا
لراعت بها للحرب (43) أهوال موقف ... تشيب بمبيض النصول العواليا
لك الحمد فيه من صنيع تعده ... فثالثه في الفخر عزز ثانيا
تشد له الجوزاء عقد نطاقها ... لتخدم فيه كي تنال المعاليا
وهنيت بالأمداح فيه وقد غدا ... وجودك فيه بالإجادة وافيا
ودونك من بحر البيان جواهرا ... كرمن فما يشرين إلا غواليا
وطاردت فيها وصف كل غريبة ... فأعجزت من يأتي ومن كان ماضيا
فيا وارث الأنصار لا عن كلالة ... تراث جلال يستخف الرواسيا
بأمداحه جاء الكتاب مفصلا ... يرتله في الذكر من كان تاليا
لقد عرف الإسلام مما أفدته ... مكارم أنصارية وأياديا
عليك سلام الله فاسلم مخلدا ... تجدد أعيادا وتبلي أعاديا ثم قال: ومن ذلك في الصنيع المختص بالأمراء الجلة: أخينا المعز لدولتنا أبي الحسن، وأخينا أبي العباس، وابن عمنا أبي عبد الله، وصل الله تعالى سعودهم. ولقد أبدع في تشييده وتأسيسه، وبسط يد الحسن من براعته وتخميسه (44)، وذلك إلى (45) عودة مولانا رحمة الله تعالى عليه من سبتة لما عادت إلى ملكه:
أرقت لبرق مثل جفني ساهرا ... ينظم من قطر الغمام جواهرا
فيبسم (46) ثغر الروض عنه أزاهرا ... وصبح حكى وجه الخليفة باهرا تجسم من نور الهدى وتجسدا ...
شفاني معتل النسيم إذا انبرى ... وأسند عن دمعي الحديث الذي جرى
وقد فتق الأرجاء مسكا وعنبرا ... كأن الغني بالله في الروض قد سرى فهبت به الأرواح عاطرة الردا ...
عذيري من قلب إلى الحسن قد صبا ... تهيجه الذكرى ويصبو إلى الصبا
ويجري جياد اللهو في ملعب الصبا ... ولولا ابن نصر ما أفاق وأعتبا رأى وجهه صبح الهداية فاهتدى ...
إليك أمير المسلمين شكاية ... جنى الحسن فيها للقلوب جناية
وأعظم فيها بالعيون نكاية ... وأطلع في ليل من الشعر آية محيا جميلا بالصباح قد ارتدى ...
بهديك تهدى اليرات وتهتدي ... وأنواؤها جدوى يمينك تجتدي
وعدلك للأملاك أوضح مرشد ... بآثاره في مشكل الأمر تقتدي فما بال سلطان الجمال قد اعتدى ...
تحكم منا في نفوس ضعيفة ... وسل سيوفا من جفون نحيفة
ألم يدر أنا في ظلال خليفة ... ودولة أمن لا تراع منيفة بها قد رسا دين الهوى وتمهدا...
خذوا بدم المشتاق لحظا أراقه ... وبرقا بأعلام الثنية شاقه
وإن كلفوه فوق ما قد أطاقه ... يبث حديثا ما ألذ مساقه خليفتنا المولى الإمام محمدا ...
تقلد حكم العدل دينا ومذهبا ... وجور الليالي قد أزاح وأذهبا
فيا عجبا للشوق أذكى وألهبا ... وسل صباحا صارم البرق مذهبا وقد بات في جفن الغمامة مغمدا ...
يذكرني ثغرا لأسماء أشنبا ... إذا ابتسمت تجلو من الليل غيهبا
كعزم أمير المسلمين إذا احتبى ... وأجرى به طرفا من الصبح أشهبا وأصدر في ذات الإله وأوردا ...
فسبحان من أجرى الرياح بنصره ... وعطر أنفاس الرياض بشكره
فبرد الصبا يطوى على طيب نشره ... ومهما تجلى وجهه وسط قصره ترى هالة بدر السماء بها بدا ...
إمام أفاد المعلوات زمانه ... فما لحقت زهر النجوم مكانه
ومد على شرق وغرب أمانه ... ولا عيب فيه غير أن بنانه تغرق مستجديه في أبحر الندى ...
هو البحر مد العارض المتهللا ... هو البدر لكن لا يزال مكملا
هو الدهر لا يخشى الخطوب ولا ولا ... هو العلم الخفاق في هضبة العلا هو الصارم المشهور في نصرة الهدى ...
أما والذي أعطى الوجود وجوده ... وأوسع من فوق البسيطة جوده
لقد أصحب النصر العزيز بنوده ... ومد بأملاك السماء جنوده وأنجز للإسلام بالنصر موعدا ...
أمولاي قد أنجحت رأيا وراية ... ولم تبق في سبق المكارم غاية
فتهدي سجايا كابن رشد نهاية ... وإن كان هذا السعد منك بداية سيبقى على مر الزمان مخلدا ...
سعودك تغني عن قراع الكتائب ... وجودك يزري بالغمام السواكب
وإن زاحمتها شهبها بالمناكب ... ووجهك بدر المنتدى والمواكب وقد فسحت في الفخر أبناؤك المدى ...
بنوك كأمثال الأنامل عدة ... أعدت لما يخشى من الدهر عدة
وزيد بهم برد الخلافة جدة ... أطال لهم في ظل ملكك مدة إله يطيل العمر منك مؤبدا...
بدور بأوصاف الكمال استقلت ... غمام بفياض النوال استهلت
سيوف على الأعداء بالنصر سلت ... نجوم بآفاق العلاء تجلت ولاحت كما شاءت سعودك أسعدا ...
وإن أبا الحجاج سيفك منتضى ... وبدر بآفاق الجمال تعرضا
بنورك يا شمس الخلافة قد أضا ... وراقت على أعطافه حلل الرضى فحل محلا من علاك (47) ممهدا ...
مليك له تعنو الملوك جلالة ... يجرر أذيال الفخار مطالة
وترفق أسد الغاب منه بسالة ... وترضاه أنصار الرسول سلالة فأبناؤه طابوا فروعا ومحتدا ...
أزاهر في روض الخلافة أينعت ... زواهر في أفق العلاء تطلعت
جواهر أغيت في الجمال وأبدعت ... وعن قيمة الأعلاق قدرا ترفعت يسر بها الإسلام غيبا ومشهدا ...
بعهد ولي العهد كرم عهده ... وأنجز في تخليد ملكك وعده
تنظم منهم تحت شملك عقده ... وأورثهم فخرا أبوه وجده فأعلى عليا حين أحمد أحمدا...
تحوط بهم ملكا عزيزا وملة ... وتلحظ عين السعد منهم أهلة
ستبدو على أفق العلا مستقلة ... وسحبا بفياض العلا مستهلة تفجر بحرا للسماحة مزبدا ...
ونجلك نصر يقتفي نجل رسمه ... أمير يزين العقل راجح حلمه
أتاك بنجل يستضاء بنجمه ... لحب رسول الله سماه باسمه وباسمك في هذي الموافقة اقتدى ...
أقمت بإعذار الإمارة سنة ... وطوقت من حلي بفخرك منة
وأسكنتها في ظل برك جنة ... وألحفتها برد امتنانك جنة وعمرت منها بالتلاوة مسجدا ...
فلله عينا من رآهم تطلعوا ... غصونا بروض الجود منك ترعرعوا
وفي دوحة العلياء منك تفرعوا ... ملوك بجلباب الحياء تقنعوا أضاء بهم من أفق قصرك منتدى ...
وقد أشعروا الصبر الجميل نفوسهم ... وأضفوا به (48) فوق الحلي لبوسهم
قد زينوا بالبشر فيه شموسهم ... وعاطوا كؤوس الأنس فيه جليسهم وأبدوا على هول المقام تجلدا ...
شمائل فيهم من أبيهم وجدهم ... تفصل آي الفخر فيها بحمدهم
وتنسبها الأنصار قدما لسعدهم ... تضيء بها نورا مصابيح سعدهم ولم لا ومن صحب الرسول توقدا ...
فوالله لولا سنة قد أقمتها ... وسيرة هدي للنبي علمتها
وأحكام عدل للجنود رسمتها ... لجالت بها الأبطال تقصد سمتها وتترك أوصال الوشيج مقصدا ...
ويا عاذرا أبدي لنا الشرع عذره ... طرقت حمى قد عظم الله قدره
وأجريت طيبا يحسد الطيب نشره ... لقد جئت ما تستعظم الصيد أمره وتفديه إن يقبل خليفتها فدا ...
رعى الله منها دعوة مستجابة ... أفادت نفوس المخلصين إنابة
ولم تلف من دون القبول حجابة ... وعاذرها لم يبد عذرا مهابة فأوجب عن نقص كمالا تزيدا ...
فنقص كمال (49) المال وفر نصابه ... وما السيف إلا بعد مشق ذبابه
وما الزهر إلا بعد شق إهابه ... بقطع يراع الخط حسن كتابه وبالقص يزداد الذبال توقدا ...
ولما قضوا عن سنة الشرع واجبا ... ولم نلق من دون الخلافة حاجبا
أفضنا نهني منك جذلان واهبا ... أفاض علينا أنعما ومواهبا تعود بذل الجود فيما تعودا ...
هنيئا هنيئا قد بلغت مؤملا ... وأطلعت نورا يبهر المتأملا
وأحرزت أجر المنعمين مكملا ... تبارك من أعطى جزيلا وأجملا وبلغ فيك الدين والملك مقصدا ...
ألا في سبيل العز والفخر موسم ... يظل به ثغر المسرة يبسم
وعرف الرضى من جوه يتنسم ... وأرزاق أرباب السعادة تقسم ففي وصفه ذهن الذكي تبلدا ...
وجللت في هذا الصنيع مصانعا ... تمنى بدور التم منها مطالعا
وأبديت فيها للجمال بدائعا ... وأجريت للإحسان فيها مشارعا يود بها نهر المجرة موردا ...
وأجريت فيها الخيل وهي سوابق ... وإن طلبت في الروع فهي لواحق
نجوم وآفاق الطراد مشارق ... يفوت التماح الطرف منها بوارق إذا ما تجاري الشهب تستبق المدى ...
وتطلع في ليل القتام كواكبا ... وقد وردت نهر النهار مشاربا
تقود إلى الأعداء منها كواكبا ... فترسم من فوق التراب محاربا تحور رؤوس الروم فيهن سجدا ...
سوابح بالنصر العزيز سوانح ... وهن لأبواب الفتوح فواتح
تقود إليك النصر والله مانح ... فما زلت باب الخير والله فاتح وما تم شيء (50) قد عدا بعد ما بدا ...
رياح لها مثنى البروق أعنة ... ظباء فإن جن الظلام فجنة
تقيها من البدر المتمم جنة ... وتشرع من زهر النجوم أسنة فتقذف شهب الرجم في أثغر العدا ...
فأشهب من نسل الوجيه إذا انتمى ... جرى فشأى شهب الكواكب في السما
وخلف منها في المقلد أنجما ... تردى جمالا بالصباح وربما يقول له الإصباح: نفسي لك الفدا ...
وأحمر قد أذكى به البأس جمرة ... وقد سلب الياقوت والورد حمرة
أدار به ساق من الحرب خمرة ... وأبدى حبابا فوقها الحسن غرة يزين بها خدا أسيلا موردا ...
وأشقر مهما شعشع الركض برقه ... أعار جواد البرق في الأفق سبقه
بدا شفقا قد جلل الحسن أفقه ... ألم تر أن الله أبدع خلقه فسال على أعطافه الحسن عسجدا ...
وأصفر قد ود الأصيل جماله ... وقد قد من برد العشي جلاله
إذا أسرجوا جنح الظلام ذباله ... فغرته شمس (51) تضيء مجاله وفي ذيله ذيل الظلام قد ارتدى ...
وأدهم في مسح الدجى متجرد ... يجيش بها بحر من الليل مزبد
وغرته نجم به تتوقد ... له البدر سرج والنجوم مقلد وفي فلق الصبح المبين تقيدا ...
وأبيض (52) كالقرطاس لاح صباحه ... على الحسن مغداه وفيه مراحه
وللظبيات الآنسات مراحه ... تراه كنشوان أمالته راحه وتحسبه وسط الجمال معربدا...
وذاهبة في الجو ملء عنانها ... وقد لفعتها السحب برد عنانها
يفوت ارتداد الطرف لمح عيانها ... وختمت الجوزاء سبط بنانها وصاغت لها حلي النجوم مقيدا ...
أراها عمود الصبح علو المصاعد ... وأوهمها قرب المدى المتباعد
ففاتته سبقا في مجال الرواعد ... وأتحفت الكف الخضيب بساعد فطوقت الزهر النجوم بها يدا ...
وقد قذفتها للعصي حواصب ... قد انتشرت في الجو منها ذوائب
تزاور منها في الفضاء حبائب ... فبينهما من قبل ذاك مناسب لأنهما في الروض قببل تولتدا ...
بنات لأم قد حبين لروحها ... دعاها الهوى من بعد كتم لبوحها
فأقلامها تهوي لخط بلوحها ... فبالأمس كانت بعض أغصان دوحها فعادت إليها اليوم من بعد عودا ...
ويا رب حصن في ذراها قد اعتلى ... أنارت بروج الأفق في مظهر العلا
بروج قصور شدتها متطولا ... فأنشأت برجا صاعدا متنزلا يكون رسولا بينها مترددا ...
وهل هي إلا هالة حول بدرها ... يصوغ لها حليا يليق بنحرها
تطور أنواعا تشيد بفخرها ... فحجل برجليها وشاح بخصرها وتاج بأعلى رأسها قد تنضدا (53) ...
أراد استراق السمع وهو ممنع ... فقام بأذيال الدجى يتلفع
وأصغى لأخبار السما يتسمع ... فأتبعه منها ذوابل شرع لتقذفه بالرعب مثنى وموحدا...
وما هو إلا قائم مد كفه ... ليسأل من رب السموات لطفه
لمولى تولاه وأحكم رصفه ... وكلف أرباب البلاغة وصفه وأكرم منه القانت المتهجدا ...
ملاقي ركب من وفود النواسم ... مقبل ثغر للبروق البواسم
مختم كف بالنجوم العواتم ... مبلغ قصد من حضور المواسم تجدده مهما صنيع تجددا...
ومضطرب في الجو أثبت قامة ... تقدم يمشي في الهواء كرامة
تطلع في غصن الرشاء كمامة ... وتحسبه تحت الغمام غمامة يسيل على أعطافها عرق الندى ...
هوى واستوى في حالة وتقلبا ... كخاطف برق قد تألق خلبا
وتحسبه قد دار في الأفق كوكبا ... ومهما مشى واستوقف العقل معجبا تقلب فيه العين لحظا مرددا ...
لقد رام يرقى للسماء بسلم ... فيمشي على خط به متوهم
أجل في الذي يبديه فكر توسم ... ترى طائرا قد حل صورة آدمي وجنا بمهواة الفضاء تمردا ...
ومنتسب للخال سموه ملجما ... له حكمات حكمها فاه ألجما
تخالف جنسا والداه إذا انتمى ... كما جنسه أيضا تخالف عنهما عجبت له إذ لم يلد وتولدا ...
ثلاثتها في الذكر جاءت مبينة ... من اللاء سماها لنا الله زينة
وأنزل فيها آية مستبينة ... وأودع فيها للجهول سكينة وآلاءه فيها على الخلق بددا ...
كسوه من الوشي اليماني هودجا ... يمد على ما فوقه الظل سجسجا
وكم صورة تجلى به تبهر الحجى ... وجزل وقود ناره تصدع الدجى وقلب حسود غاظ مذكيه موقدا ...
وما هي إلا مظهر لجهاده ... أرتنا بها الأفراح فضل اجتهاده
ملاعبها هزت قدود صعاده ... وأذكرت الأبطال يوم طراده فما ارتبت فيه اليوم صدقته غدا ...
ألا جدد الرحمن صنعا حضرته ... ودوح الأماني في ذراه هصرته
بقصر طويل الوصف فيه اختصرته ... يقيد طرف الطرف مهما نظرته " ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا " (54) ...
دعوت له الأشراف من كل بلدة ... فجاءوا بآمال لهم مستجدة
وخصوا بألطاف لديه معدة ... أياد بفياض الندى مستمدة فكلهم من فضله قد تزودا ...
وجاءتك من آل النبي عصابة ... لها في مرامي المكرمات إصابة
أحبتك حبا ليس فيه استرابة ... ولبت دواعي الفوز منها إجابة وناداهم التخصيص فابتدروا الندا ...
أجازوا إليك البحر والبحر يزخر ... لبحر سماح مده ليس يجزر
فرواهم من عذب جودك كوثر ... وواليت من نعماك ما ليس يحصر وعظمتهم ترجو النبي محمدا ...
عليه صلاة الله ثم سلامه ... به طاب من هذا النظام اختتامه
وجاء بحمد الله حلوا كلامه ... يعز على أهل البيان رمامه وتمسي له زهر الكواكب حسدا ...
أبث به حادي الركاب مشرقا ... حديث جهاد للنفوس مشوقا
رميت به من بالعراق مفوقا ... وأرسلت منه بالبديع مطوقا حماما على دوح الثناء مغردا ...
ركضت به خيل البيان إلى مدى ... فأحرزت خصل السبق في حلبة الهدى (55)
ونظمت من نظم الدراري مقلدا ... وطوقت جيد الفخر عقدا منضدا وقمت به بين السماطين منشدا ...
نسقت من الإحسان فيه فرائدا ... وأرسلت في روض المحاسن رائدا
وقلدت عطف الملك منه قلائدا ... تعودت فيه للقبول عوائدا فلا زلت للفعل الجميل (56) معودا ...
ولا زلت للصنع الجميل مجددا ... ولا زلت للفخر العظيم مخلدا
وعمرت عمرا لا يزال مجددا ... وعمرت بالأبناء أوحد أوحدا وقرت بهم عيناك ما سائق حدا ... وقال في عيد:
بشرى كما وضح الزمان وأجمل ... يغشى سناها كل من يتهلل
أبدى لها وجه النهار طلاقة ... وافتر من ثغر الأقاح مقبل
ومنابر الإسلام يا ملك الورى (57) ... بحلاك أو بحليها تتكلل
تجلو لنا الأكوان منك محاسنا ... تروى على مر الزمان وتنقل
فالشمس تأخذ من جبينك نورها ... والبشر منك بوجهها يتهلل
والروض ينفح من ثنائك طيبه ... والورق فيه بالممادح تهدل
والبرق سيف من سيوفك منتضى ... والسحب تهمي من يديك وتهمل
يا أيها الملك الذي أوصافه ... در على جيد الزمان يفصل
" الله أعطاك التي لا فوقها " (58) ... وحباك بالفضل الذي لا يجهل
وجه كما حسر الصباح نقابه ... لضيائه تعشو البدور الكمل
تلقاه في يوم السماحة والوغى ... والبشر في جنباته يتهلل
كف أبت أن لا تكف عن الندى ... أبدا فإن ضن الحيا تسترسل
وشمائل كالروض باكره الحيا ... وسرت برياه الصبا والشمأل
خلق ابن نصر في الجمال كخلقه ... ما بعدها من غاية تستكمل
نور على نور بأبهى منظر ... في حسنه لمؤمل ما يأمل
فاق الملوك بسيفه وبسيبه (59) ... فبعدله وبفضله يتمثل
وإذا تطاول للعميد عميدهم ... فله عليه تطاول وتطول
يا آية الله التي أنوارها ... يهدى بها قصد الرشاد الضلل
قل للذي التبست معالم رشده ... هيهات قد وضح الطريق الأمثل
قد ناصح الإسلام خير خليفة ... وحمى عزيز الملك أغلب مشبل (60)
فلقد ظهرت من الكمال بمستوى ... ما بعده لذوي الخلافة مأمل
وعناية الله اشتملت رداءها ... وعلقت منها عروة لا تفصل
فالجود إلا من يديك مقتر ... والغيث إلا من نداك مبخل
والعمر إلا تحت ظلك ضائع ... والعيش إلا في جنابك ممحل
حيث الجهاد قد اعتلت راياته ... حيث المغانم للعفاة تنفل
حيث القباب الحمر ترفع للقرى ... قد عام (61) في أرجائهن المندل
يا حجة الله التي برهانها ... عز المحق به وذل المبطل
قل للذي ناواك يرقب (62) يومه ... فوراءه ملك يقول ويفعل
والله جل جلاله إن أمهلت ... أحكامه مستدرجا لا تهمل
يا ناصر الإسلام وهو فريسة ... أسد الفلا (63) من حولها تتسلل
يا فخر أندلس وعصمة أهلها ... لك فيهم النعمى التي لا تجهل
لا يهمل الله الذين رعيتهم ... فلأنت أكفى والعناية أكفل
لا يبعد النصر العزيز فإنه ... آوى إليك وأنت نعم الموئل
لولا نداك لها لما نفع الندى ... ولجف من ورد الصنائع منهل
لولاك كان الدين يغمط حقه ... ولكان دين النصر فيه يمطل
لكن جنيت الفتح من شجر القنا ... وجنى الفتوح لمن عداك مؤمل (64)
ولقبل ما استفتحت كل ممنع ... من دونه باب المطامع مقفل
ومتى نزلت بمعقل متأشب ... فالعصم من شعفاته تستنزل
وإذا غزوت فإن سعدك ضامن ... أن لا تخيب وأن قصدك يكمل
فمن السعود أمام جيشك موكب ... ومن الملائك دون جندك جحفل
وكتيبة أردفتها بكتيبة ... والخيل تمرح في الحديد وترفل
من كل منحفز كلمعة بارق ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل
أوفى بهاد كالظليم وخلفه ... كفل كما ماج الكثيب الأهيل
حي إذا ملك الكمي عنانة ... يهوي كما يهوي بجو أجدل
حملت أسود كريهة يوم الوغى ... ما غابها إلا الوشيج الذبل
لبسوا الدروع غدائرا مصقولة ... والسمر قضب فوقها تتهدل
من كل معتدل القوام مثقف ... لكنه دون الضريبة يعسل
أذكيت فيه شعلة من نصله ... يهدى بها إن ضل عنه المقتل
ولرب لماع الصقال مشهر ... ماض، ولكن فعله مستقبل
رقق مضاربه وراق فرنده ... فالحسن فيه مجمل ومفصل
فإذا الحروب تسعرت أجزالها ... ينساب في يمناك منها جدول
وإذا دجا ليل القتام رأيته ... وكأنه فيه ذبال مشعل
فاعجب لها من جذوة لا تنطفي ... في أبحر زخرت وهن الأنمل
هي سنة أحييتها وفريضة ... أديتها قرباتها تتقبل
فإذا الملوك تفاخرت بجدودها (65) ... فلأنت أحفى بالجهاد وأحفل
يا ابن الإمام ابن الإما ... م ابن الإمام وقدرها لا يجهل
يا ابن الذين جمالهم ونوالهم ... شمس الضحى والعارض المتهلل
آباؤك الأنصار تلك شعارهم ... فلحيهم آوى النبي المرسل
فهم الألى نصروا الهدى بعزائم ... مصقولة وبصائر لا تخذل
ماذا يحبر شاعر في مدحهم ... وبفضلهم أثنى الكتاب المنزل
مولاي لا أحصي مآثرك التي ... بحديثها تنضى (66) المطي الذلل
وإذا الحقائق ليس يدرك كنهها ... سيان فيها مكثر ومقلل
فإليك من شوال غرة وجهه ... أهداكها يوم أغر محجل
عذراء راق العيد رونق حسنها ... فغدا بنظم حليها يتجمل
رضعت لبان العلم في حجر النهى ... فوفت لها منه ضروع حفل
سلك البيان بها سبيل إجادة ... لولا صفاتك كان عنها يعدل
جاءت تهني العيد أيمن قادم ... وافى بشهر صيامه يتوسل
وطوى الشهور مراحلا معدودة ... كيما يرى بفناء جودك ينزل
وأتى وقد شف النحول هلاله ... ولشوقه للقاء وجهك ينحل
عقدت بمرقبه العيون مسرة ... فمكبر لطلوعه ومهلل
فاسلم لألف مثله في غبطة ... ظل المنى من فوقه يتهدل
فإذا بقيت لنا فكل سعادة ... في الدين والدنيا بها تتكفل وقال ابن الأحمر: ومن جياد أناشيده المتميزة بالسبقية، وبارقات تهانيه في المواسم العقيقية، قوله يهنئه - رضوان الله تعالى عليه - بطلوع مولانا الوالد قدس الله تعالى روحه (67) :
طلع الهلال وأفقه متهلل ... فمكبر لطلوعه ومهلل
أوفى على وجه الصباح بغرة ... فغدا الصباح بنوره (68) يتجمل
شمس الخلافة قد أمدت نوره ... وبسعدها يرجو التمام ويكمل
لله منه هلال سعد طالع ... لضيائه تعشو البدور الكمل
وألحت يا شمس الهداية كوكبا ... يعشي سناه كل من يتأمل
والتاج تاج البدر في أفق العلا ... ما زال بالزهر النجوم يكلل
ولئن حوى كل الجمال فإنه ... بالشهب أبهى ما يكون وأجمل
أطلعت يا بدر السماح هلاله ... والملك أفق والخلافة منزل
يبدو بهالات السروج وإنه ... من نور وجهك في العلا يستكمل
قلدت عطف الملك منه صارما ... بغنائه ومضائه يتمثل
حليته بحلى الكمال وجوهر ال ... خلق النفيس وكل خلق يجمل
يغزو أمامك والسعود أمامه ... وملائك السبع العلا تتنزل
من مبلغ الأنصار منه بشارة ... غر البشائر بعدها تسترسل
أحيا جهادهم وجدد فخرهم ... بعد المئين فملكهم يتأثل
فبه إلى الأجر الجزيل توصلوا ... وبهم إلى رب السما يتوسل
من مبلغ الأذواء من بمن وهم ... قد توجوا وتملكوا وتقيلوا
أن الخلافة في بنيهم أطلعت ... قمرا به سعد الخليفة يكمل
من مبلغ قحطان آساد الشرى ... ما غابها إلا الوشيج الذبل
أن الخلافة وهو شبل ليوثهم ... قد حاط منها الدين ليث مشبل
يهني بني الأنصار أن إمامهم (69) ... قد بلغته سعوده ما يأمل
يهني البنود فإنها ستظله ... وجناح جبريل الأمين يظلل
يهني الجياد الصافنات فإنها ... بفتوحه تحت الفوارس تهدل
يهني المذاكي والعوالي والظبى ... فبها إلى نيل المنى يتوصل (70)
يهني المعالي والمفاخر أنه ... في مرتقى أوج العلا يتوقل
سبقت مقدمة الفتوح قدومه ... وأتاك وهو الوادع المتمهل
وبدت نجوم السعد قبل طلوعه ... تجلو المطامع قبله وتؤثل (71)
وروت أحاديث الفتوح غرائبا ... والنصر يملي والبشائر تنقل
ألقت إليك به السعود زمامها ... فالسعد يمضي ما تقول ويفعل
فالفتح بين معجل ومؤجل ... ينسيك ماضيه الذي يستقبل
أوليس في شأن (72) المشير دلالة ... أن المقاصد من طلابك تكمل
ناداهم داعي الضلال فأقبلوا ... ودعاهم داعي المنون فجدلوا
عصوا الرسول إباية وتحكمت ... فيهم سيوفك بعدها فاستمثلوا
كانوا جبالا قد علت هضباتها ... نسفتهم ريح الجلاد (73) فزلزلوا
كانوا بحارا من حديد زاخر ... أذكتهم نار الوغى فتسيلوا (74)
ركبت أرجلها الأداهم كلما ... يتحركون إلى قيام تصهل
كان الحديد لباسهم وشعارهم ... واليوم لم تلبسه إلا الأرجل
الله أعطاك التي لا فوقها ... فتحا به دين الهدى يتأثل
جددت للأنصار حلي جهادها ... فالدين والدنيا به تتجمل
من يتحف البيت العتيق وزمزما ... والوفد وفد الله فيه ينزل
متسابقين إلى مثابة رحمة ... من كل ما حدب إليه تنسل
هيما كأفواج القطا قد ساقها ... ظمأ شديد والمطاف المنهل
من كل مرفوع الأكف شراعة ... والقلب يخفق والمدامع تهمل
حتى إذا روت الحديث مسلسلا ... بيض الصوارم والرماح العسل
من فتحك الأسنى عن الجيش الذي ... بثباته أهل الوغى تتمثل
أهدتهم السراء نصرة دينهم ... واستبشروا بحديثها وتهللوا
وتناقلوا عنك الحديث مسرة ... بسماعه واهتز ذاك المحفل
ودعوا بنصرك وهو أعظم مفخرا ... إن الحجيج بنصر ملكك يحفل
فاهنأ بملكك واعتمد شكرا به ... لطف الإله وصنعه تتخول
شرفت منه باسم والدك الرضى ... يحيا به منه الكريم المفضل
أبديت من حسن الصنيع عجائبا ... تروى على مر الزمان وتنقل
خفقت به أعلامك الحمر التي ... بخفوقها النصر العزيز موكل
هدرت طبول العز تحت ظلالها ... عنوان فتح إثرها يستعجل
ودعوت أشراف البلاد وكلهم ... يثني الجميل وصنع جودك أجمل
وردوا ورود الهيم أجهدها الظما ... فصفا لهم من ورد كفك منهل
وأثرت فيه للطراد فوارسا ... مثل الشموس وجوههم تتهلل
من كل وضاح الجبين كأنه ... نجم وجنح النقع ليل مسبل
يرد الطراد على أغر محجل ... في سرجه بطل أغر محجل
قد عودوا قنص الكماة كأنما ... عقبانها ينقض منها أجدل
يستتبعون هوادجا موشية ... من كل بدع فوق ما يتخيل (75)
قد صورت منها غرائب جمة ... تنسي عقول الناظرين وتذهل
وتضمنت جزل الوقود حمولها ... والنصر في التحقيق ما هي تحمل
والعاديات إذا تلت فرسانها ... آي القتال صفوفها تترتل
لله خيلك؛ إنها لسوابح ... بحر القتام وموجه متهيل
من كل برق بالثريا ملجم ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل
أوفى بهاد كالظليم وخلفه ... كفل كما ماج الكثيب الأهيل
هن البوارق غير أن جيادها ... عن سبق خيلك يا مؤيد تنكل
من أشهب كالصبح يعلو سرجه ... صبح به نجم الضلالة يأفل
أو أدهم كالليل قلد شهبه ... خاض الصباح فأثبتته الأرجل
أو أشقر سال النضار بعطفه ... وكساه صبغة بهجة لا تنصل
أو أحمر كالجمر أضمر بأسه ... بالركض في يوم الحفيظة يشعل
كالخمر أترع كأسها لندامها ... وبها حبابة غرة تتسيل
أو أصفر لبس العشي ملاءة ... وبذيله لليل ذيل مسبل
أجملت في هذا الصنيع عوائدا ... الجود فيها مجمل ومفصل
أنشأت فيها من نداك غمائما ... بالفضل تنشأ والسماحة تهمل
فجرت من كفيك عشرة أبحر ... تزجي سحاب الجود وهي الأنمل
من قاس كفك بالغمام فإنه ... جهل القياس ومثلها لا يجهل
تسخو الغمام ووجهها متجهم ... والوجه منه مع الندى يتهلل
والسحب تسمح بالمياه وجوده ... ذهب به أهل الغنى تتمول
من قاس بالشمس المنيرة وجهه ... ألفيته في حكمه لا يعدل (76)
من أين للشمس المنيرة منطق ... ببيانه در الكلام يفصل
من أين للشمس المنيرة راحة ... تسخو إذا بخل الزمان الممحل
من قاس بالبدر المنير كماله ... فالبدر ينقص والخليفة يكمل
من أين للبدر المنير شمائل ... تسري برياها الصبا والشمأل
من أين للبدر المنير مناقب ... بجهادها تنضى المطي الذلل
يا من إذا نفحت نواسم حمده ... فالمسك يعبق طيبه والمندل
يا من إذا لمحت محاسن وجهه ... تعشو العيون ويبهر المتأمل
يا من إذا تليت مفاخر قومه ... آي الكتاب بذكرها تتنزل
كفل الخلافة منك يا ملك العلا ... والله جل جلاله لك أكفل
مأمونها وأمينها ورشيدها ... منصورها مهديها المتوكل
حسب الخلافة أن تكون وليها ... ومجيرها من كل من يتحيل
حسب الزمان بأن تكون إمامه ... فله بذلك عزة لا تهمل
حسب الملوك بأن تكون عميدها ... ترجو الندى من راحتيك وتأمل
حسب المعالي أن تكون إمامها ... فعليك أطناب المفاخر تسدل
يا حجة الله التي برهانها ... عز المحق به وذل المبطل
أنت الإمام ابن الإمام ابن الإما ... م ابن الإمام، وفخرها لا يعدل
علمت حتى لم تدع من جاهل ... أعطيت حتى لم تدع من يسأل
وعناية الله اشتملت رداءها ... وعلقت منها عروة لا تفصل ومنها (77):
أخذت قلوب الكافرين مهابة ... فعقولهم من خوفها لا تعقل
حسبوا البروق صوارما مسلولة ... أرواحهم من بأسها تتسلل
وترى النجوم مناصلا مرهوبة ... فيفر منها الخائف المتنصل
يا ابن الألى إجمالهم وجمالهم ... شمس الضحى والعارض المتهلل
مولاي لا أحصي مآثرك التي ... بجهادها يتوصل المتوسل
أصبحت في ظل امتداحك ساجعا ... ظل (78) المنى من فوقه يتهدل
طوقته طوق الحمائم أنعما ... فغدا بشكرك في المحافل يهدل
فإليك من صون العقول عقيلة ... أهداكها صنع أغر محجل
عذراء راق الصنع رونق حسنها ... فغدا بنظم حليها يتكلل
خيرتها بين المنى فوجدتها ... أقصى مناها أنها تتقبل
لا زلت شمسا في سماء خلافة ... وهلالك الأسمى يتم ويكمل قال: ومن رقيق منازعه في بعض نزه مولانا رضوان الله عليه بالقصر السلطاني من شنيل قوله:
نفسي الفداء لشادن مهما خطر ... فالقلب من سهم الجفون على خطر
فضح الغزالة والأقاحة والقنا ... مهما تثنى أو تبسم أو نظر
عجبا لليل ذوائب من شعره ... والوجه يسفر عن (79) صباح قد سفر
عجبا لعقد الثغر منه منظما ... والعقد من دمعي عليه قد انتثر
ما رمت أن أجني الأقاح بثغره ... إلا وقد سل السيوف من الحور
لم أنسه ليل ارتقاب هلاله ... والقلب من شك الظهور على غرر
بتنا نراقبه بأول ليلة ... فإذا به قد لاح في نصف الشهر
طالعته في روضة كخلاله ... والطيب من هذي وتلك قد اشتهر
وكلاهما يبدي محاسن جمة ... ملء التنسم (80) والمسامع والبصر
والكأس تطلع شمسها في خده ... فتكاد تعشي بالأشعة والنظر
نورية كجبينه، وكلاهما ... يجلو ظلام الليل بالوجه الأغر
هي نسخة (81) للشيخ فيها نسبة ... ما إن يزالا يرعشان من الكبر
أفرغت في جسم الزجاجة روحها ... فرأيت روح الأنس منها قد بهر
لا تسق غير الروض فضلة كأسها ... فالغصن في ذيل الأزاهر قد عثر
ما هب خفاق النسيم مع السحر ... إلا وقد شاق النفوس وقد سحر
ناجى القلوب الخافقات كمثله (82) ... ووشى بما تخفي الكمام من الزهر
وروى عن الضحاك عن زهر الربى ... ما أسند الزهري عنه عن مطر
وتحملت عنه حديث صحيحه ... رسل النسيم وصدق الخبر الخبر
يا قصر شنيل وربعك آهل ... والروض منك على الجمال قد اقتصر
لله بحرك والصبا قد سردت ... منه دروعا تحت أعلام الشجر
والآس حف عذاره من حوله ... عن كل من يهوى العذار قد اعتذر (83)
قبل بثغر الزهر كف خليفة ... يغنيك صوب الجود منه عن المطر
وافرش خدود الورد تحت نعاله ... واجعل بها لون المضاعف عن خفر
وانظم غناء الطير فيه مدائحا ... وانثر من الزهر الدراهم والدرر
المنتقى من جوهر الشرف الذي ... في مدحه قد أنزلت آي السور
والمجتبى من عنصر النور الذي ... في مطلع الهدي المقدس قد ظهر
ذو سطوة مهما كفى، ذو رحمة ... مهما عفا، ذو عفة مهما قدر
كم سائل للدهر أقسم قائلا: ... والله ما أيامه إلا غرر
مولاي سعدك كالمهند في الوغى ... لم يبق من رسم الضلال ولم يذر
مولاي وجهك والصباح تشابها ... وكلاهما في الخافقين قد اشتهر
إن الملوك كواكب أخفيتها ... وطلعت وحدك (84) في مظاهرها قمر
في كل يوم من زمانك موسم ... في طيه للخلق أعياد كبر
فاستقبل الأيام يندى روضها ... ويرف والنصر العزيز له ثمر
قد ذهبت منها العشايا ضعف ما ... قد فضضت منها المحاسن في السحر
يا ابن الذين إذا تعد خلالهم ... نفد الحساب وأعجزت منها القدر
إن أوردوا هيم السيوف غدائرا ... مصقولة فلطالما حمدوا الصدر
سائل ببدر عنهم بدر الهدى ... فبهم على حزب الضلال قد انتصر
واسأل مواقفهم بكل مشهر ... واقر المغازي في الصحيح وفي السير
تجد الثناء ببأسهم وبجودهم ... في مصحف الوحي المنزل مستطر
فبمثل هديك فلتنر شمس الضحى ... وبمثل قومك فليفاخر من فخر
ماذا أقول وكل وصف معجز ... والقول فيك مع الإطالة مختصر
تلك المناقب كالثواقب في العلا ... من رامها بالحصر أدركه الحصر
إن غاب عبدك عن حماك فإنه ... بالقلب في تلك المشاهد قد حضر
فاذكره إن الذكر منك سعادة ... وبها على كل الأنام قد افتخر
ورضاك عنه غاية ما بعدها ... إلا رضى الله الذي ابتدع البشر
فاشكر صنيع الله فيك فإنه ... سبحانه ضمن المزيد لمن شكر
وعليك من روح الإله تحية ... تهفو إليك مع الأصائل والبكر ثم قال: ومن أغراضه الوقتية - استرسالا مع الطبع البديهي في الشكر عن ضروب من التحف التي يقتضيها التحفي السلطاني بأولياء خدمته - نبذ متعددة فيما يظهر فيها، فمنها قوله:
يا خير من ملك الملوك بجوده ... وبفضله قد أشبه الأملاكا
والله ما عرف الزمان وأهله ... أمنا ويمنا دائما لولاكا
وافيت أهلي بالرياض عشية ... في روض جاهك تحت ظل ذراكا (85)
فوجدته قد طله صوب الندى ... بسحائب تنهل من يمناكا
وسفائن مشحونة ألقى بها ... بحر السماح يجيش من نعماكا
رطب من الطلع النضيد كأنها ... قد نظمت من حسنها أسلاكا
من كل ما كان النبي يحبها ... وأحبها الأنصار من أولاكا
وبدائع التحف التي قد أطلعت ... مثل البدور أنارت الأحلاكا
نطف من النور المبين تجسمت ... حتى حسبنا أنهن هداكا
يحلو على الأفواه طيب مذاقها ... لولا التجسد خلتهن ثناكا (86)
طافت بها النشأ الصغار كأنها ... سرب القطا لما وردن نداكا
نجواهم مهما سمعت كلامهم ... ونداؤهم: مولاي، أو مولاكا
بلغت في الأبناء عبدك سؤله ... لا زلت تبلغ في بنيك مناكا
يتدارسون من الدعاء صحائفا ... كيما يطيل الله في بقياكا
فبقيت شمسا في سماء خلافة ... وهم البدور أمدهن سناكا ومنها وقد أهداه نعمة الله أطباقا من حب الملوك (87) :
كتب الإله على العباد محبة ... لك كان فرض كتابها موقوتا
وأنا الذي شرفته من بينهم ... حتى جعلت له المحبة قوتا
ما زلت تتحفه بكل ذخيرة ... حتى لقد أتحفته الياقوتا
وإلى الملوك قد اعتزى من عزه ... فغدا له ياقوتها ممقوتا ومنها في مثل ذلك:
يا خير من ملك الملوك ... أهديتني حب الملوك
فكأنما ياقوتها ... نظمت لنا نظم السلوك
إن الملوك إذا لجوا ... فغياثهم أن أملوك
وكذا العفاة إذا شكوا ... فغناهم أن يسألوك
فالله يقبل من دعا ... لعلاك من أهل السلوك
لا زلت تطلع غرة ... كالشمس في وقت الدلوك
ومنها، وقد أهداه صيدا مما صاده أولاده:
يا خير من روث السماح عن الألى ... نصروا الألى وتبوأوا إيمانا
في كل يوم منك تحفة منعم ... والى الجيمل وأجزل الإحسانا
قد أذكرت دار النعيم عبيده ... وتضمنت من فضله رضوانا
تهدي موالي (88) الذين تفرعوا ... عن دوح فخرك في العلا أغصانا
لجلالك الأعلى قنيصا أتعبوا ... في صيده الأرواح والأبدانا
فتخصني منه بأوفر قسمة ... فسحت لعبدك في الرضى ميدانا
لله من مولى كريم بالذي ... تهدي الموالي يتحف العبدانا
تدعو بني إلى الغني بربه ... يا ربنا أغن الذي أغنانا
وعليك من قدس الإله تحية ... تهديك منه الروح والريحانا ومنها، وقد أهداه أصنافا من الفواكه:
يا من له الوجه الجميل إذا بدا ... فاقت محاسنه البدور كمالا
والمنتقى من جوهر الفخر الذي ... فاق الخلائف عزة وجمالا (89)
ما أبصرت عيناي مثل هدية ... أبدت لنا صنع الإله تعالى
فيها من التفاح كل عجيبة ... تذكي برياها صبا وشمالا
تهدي لنا نهد الحبيب وخده ... وتري من الورد الجني مثالا
وبها من الأترج شمس أطلعت ... من كل شطر للعيون هلالا
ويحفها ورق يروق كانة ... ورق النضار وقد أجاد نبالا
لون (90) العشية ذهبت صفحاتها ... رقت وراقت بهجة وجمالا
وبها من النقل الشهي مذكر ... عهدا تولى ليته يتوالى
لله منها خضرة من حضرة ... تغني العفاة وتحسب الآمالا
أذكرتني العهد القديم ومعهدا ... كانت شموس الراح فيه تلالا
فأردت تجديد العهود وإنما ... كتب المشيب على عذاري لا لا
فأدرت من ذكراك كأس مدامة ... وشربت من حبي لها جريالا
فبقيت شمسا في سماء خلافة ... لا يستطيع لها الزمان زوالا ومنها يوم عاشوراء:
يا أيها المولى الذي بركاته ... رفعت لواء للندى منشورا
لك راحة تزجي الغمام بأنمل ... فجرت منها بالنوال بحورا
واليوم موسم قربة وعبادة ... وغدا، ظفرت بأجره، عاشورا
راعيت فيه سنة نبوية ... تروي الثقات حديثه المشهورا
لا زلت عامك كله في غبطة ... لقيت منها نضرة وسرورا ومنها في بعض قطعة:
واليت ما أوليت يا بحر الندى ... ووحق جودك ما رأيت كهذه
فإذا يهز لها اللسان حسامه ... فصفات فخرك قد قضت بنفاذه
علمت فرسان الكلام نظامها ... كتعلم التلميذ من أستاذه
والبحر تمتار السحائب ماءه ... فتجوده من غيثها برذاذه ومنها، وقد أهداه باكورا:
يا وارث الأنصار وهي مزية ... بفخارها أثنى الكتاب المنزل
أهديتني الباكور وهي بشارة ... ببواكر الفتح الذي يستقبل
وولادة لهلال تم طالع ... وجه الزمان بوجهه يتهلل
هو أول الأنوار في أفق الهدى (91) ... وترى الأهلة بعده تسترسل
مولاي صدق الفال قد جربته ... من لفظ عبدك، والعواقب أجمل ومنها في جفنة:
طعامك من دار النعيم بعثته ... فشرفته من حيث أدري ولا أدري
بهضبة نعمى قد سمونا لأوجها (92) ... فصدنا بأعلاها الشهي من الطير
وقوراء قد درنا بهالة بدرها ... كما دارت الزهر النجوم على البدر
وقد حملت فوق الرؤوس لأنها ... هدية مولى حل في مفرق الفخر
فما شئت من طعم زكي مهنإ ... وما شئت من عرف ذكي ومن نشر
فلو أنها قد قدمت لخليفة ... لأعظمها قدرا وبالغ في الشكر
وكم لك من نعمى علي عميمة ... يقل لأدناها الجميل من الذكر
فلا زلت يا مولى الملوك مبلغا ... أماني ترجوها إلى سالف الدهر ومنها شكرا عن كتاب:
مولاي يوم الجمعة ... سعوده مجتمعه
فانعم صباحا واغتنم ... أوقاته المجتمعه
وابشر بصنع عاجل ... أعلامه مرتفعه
وانتظر الفتح الذي ... يأتيك بالنصر معه
وبيضه وسمره ... إلى العداة مشرعه
واللطف مرجو فرد ... بفضل ربي مشرعه
فاتحتني شرفتني ... برقعة مرفعه
بل روضة ممطورة ... أزهارها منوعه
حديقة قد جدتها ... بصوب جود مترعه
وراية منشورة ... وآية مستبدعه (93)
كم حكم لطيفة ... في طيها مستودعه
عقيلة صورتها ... من الجمال مبدعه
سقيتني من فضلها ... بفضل كاس مترعه
فدم وأملاك الورى ... على علاك مجمعه
ومنها شكرا على خلعة:
يا بدر تم في سماء خلافة ... حفت نجوم السعد هالة قصره
ألبست عبدك من ثيابك ملبسا ... قد قصرت عنه مدارك شكره
ورضاك عنه خير ما ألبسته ... فلقد أشاد بجاهه وببره
ألبستني، أركبتني، شرفتني ... أهديتني ما لا أقوم بحصره
نظري لوجهك وهو أجمل نير ... يزري على شمس الزمان وبدره
أعلى وأعظم منة لا سيما ... وأنا المنعم في الحضور ببشره
لا زلت مولى للملوك مؤملا ... وحلاك (94) للإسلام مفخر دهره ومنها، وقد خلع - رضوان الله تعالى عليه - على رسول من أرساله:
أبحر سماح مد عشرة أبحر ... تفيض غمام الجود وهي الأنامل
بكفك غيث للبلاد وأهلها ... يروض محل الأرض، والعام ما حل
لك الخير إن أصبحت بحر سماحة ... يعم نداه فالمواهب ساحل
خلعت على هذا الرسول ملابسا ... بها تتسنى في علاك المآمل
وبلغته آماله كيف شاءها ... فبلغت يا مولاي ما أنت آمل ومنها وقد مرض بعض أبنائه رحمة الله تعالى على الجميع، قوله سائلا عن حاله:
أسائل بدر التم كيف هلاله ... وأدعو له الرحمن جل جلاله
وأسأله تعجيل راحته التي ... وسيلتنا فيها النبي وآله
ستبلغ فيه ما تؤمل من منى ... ويرضيك يا بدر الكمال كماله وفي مثله:
أقول لبدر التم كيف هلالكا ... نعمت صباحا بالسعود (95) وآلكا
وبلغت في النجل الكريم (96) سعادة ... تقر بها عينا وينعم بالكا
وخصصت بالبشرى من الله ربنا ... كما عم أقطار البلاد نوالكا ومن التورية باسم قائد ولاه على جماعة من الجند:
يا أيها المولى الذي أيامه ... تهمي بسحب الجود من آلائه
أبشر لجيشك بالسعادة كلما ... يغزو ونصر الله تحت لوائه
وأنشده في ملبس اتخذه:
أمولاي يا ابن السابقين إلى العلا ... ومن نصروا الدين الحنيفي أولا
غنيت بنور الله عن كل زينة ... وألبست من رضوانه أشرف الحلى
وقارك زاد الملك عزا وهيبة ... وسوغه من رحمة الله منهلا
ويا شمس هدي في سماء خلافة ... وأبناؤه الزهر المنيرة تجتلى
تبارك من أبداك في كل مظهر ... جميلا جليلا مستعاذا مؤملا
فيخجل منك الشمس شمس هداية ... ويحسد منك البدر بدرا مكملا
إذا أنت ألبست الزمان وآله ... ملابس عز ليس يدركها البلى
وطوقت أجياد الملوك أياديا ... وتوجتهم بالفخر تاجا مكللا
فما شئت فالبس فالمشاهد قائل: ... تبارك ما أبهى وأسنى وأجملا
ألا كل من صلى وضحى ومن دعا ... ومد يديه ضارعا متوسلا
وجودك شرط في حصول قبوله ... وجودك أثرى كفه فتنفلا (97) وقال برسم ما يرسم على ثوب في بعض هدايا مولانا رحمه الله تعالى للسلطان أبي العباس:
أهدي أبا العباس ... ملك الندى والباس
ثوب السماء لأنه ... بدر بدا للناس
فلق الصباح بوجهه ... عوذته بالناس
يكسو إماما لم يزل ... بحلى المحامد كاسي
فيا له من مرتد ... ثوب التقى لباس
أذياله من حمده ... مسكية الأنفاس
وبطرزه مدح زرى ... بالمدح في القرطاس
إن كنت في لون السما ... ء بنسبة وقياس
فلأنت يا بدر العلا ... شرفتني بلباس
أنا منشد " ما في وقو ... فك ساعة من باس " (98)
لترى رياضا (99) أطلعت ... زهرا على أجناس
أوراقها توريقها ... بقضيبها المياس
ومن المديح مدامتي ... ومن المحابر كاسي
فالله يمتع لابسي ... بالبشر والإيناس وقال في مثل ذلك:
إن الإمام محمدا ... أهدى الخليفة أحمدا
للباسه ثوبا، وقد ... لبس المحامد وارتدى
وعمامة الشفق (100) التي ... من فوقها شمس الهدى
يا حسنها إذ أرسلت ... من كفه غيث الندى
وكأن وشي رقومها ... بالبرق طرز عسجدا
وبطرزه لون السما ... ء ووجهه قمر بدا
لله منه نير ... حل المنازل أسعدا
مستنصر، أعلى له ... فوق المنازل
أسعدا ثم قال وأنشده وهو على جواد أدهم:
تجلى لنا المولى الإمام محمد ... على أدهم قد راق حسن أديمه
فأبصرت صبحا فوق ليل وقد حكى ... مقلد ذاك الطرف بعض نجومه وكتب له مع هدية زهر:
أمولاي تقبيلي ليمناك شاقني ... ولا ينكر الظمآن شوقا إلى البحر
ولما رأيت الدهر ماطلني بها ... وشوقني من حيث أدري ولا أدري
بعثت لك الزهر الجني لعله ... يقبلها عني ثغور من الزهر وكتب إليه أيضا متشوقا:
كتبت ودمعي بلل الركب قطره ... وأجرى به بين الخيام السواقيا
حنينا لمولى أتلف المال جوده ... ولكنه قد خلد الفخر باقيا
وما عشت بعد البين إلا لأنني ... أرجي بفضل الله منه التلاقيا وأنشده أيضا وهو بحال تألم:
كأني بلطف الله قد عم خلقه ... وعافى إمام المسلمين وقد شفى
وقاضي القضاء الحتم سجل ختمه (101) ... وخط على رسم الشفاء له " اكتفى " وله في مثل ذلك:
لك الخير يا مولاي أبشر بعصمة ... عقدت مع الأيام في حفظها صلحا
وعافية في صحة مستجدة ... تجدد للدين السعادة والنجحا
ووجه التهاني مشرق متهلل ... وجو الأماني بعدما غام قد أضحى
وقد ظهرت للبرء منك علامة ... علامتك العليا (102) تقول لنا " صحا " وفي مثل ذلك:
يا إماما قد تخذنا ... هـ من الدهر ملاذا
خط يمناك ينادي ... صح هذا صح هذا وقال مهنئا بالشفاء:
الحمد لله بلغنا المنى ... لما رأيناك، وزال العنا
وفزت بالأجر وكبت العدا ... وفزت بالعز ويطب الثنا
فالحمد لله على ما به ... من علينا من ظهور السنا وقال أيضا في نحوه:
نعم قرت العينان وانشرح الصدر ... وقد لاح من وجه الإمام لنا البدر
سرينا بليل التيه يكذب فجره ... فلما تجلى فجره صدق الفجر
أغر المحيا بالحياء مقنع ... زهاه الكلام الحر والنسب الحر
إمام الهدى قد خصه بخلافة ... إله له في خلقه النهي والأمر وقال في مثله، وقد ركب رحمه الله تعالى لمعاهد حضرته:
هنيئا هنيئا لا نفاد لعده ... وبشرى لدين الله إنجاز وعده
فقد لاح بدر التم في أفق العلا ... وحل كما يرضى منازل سعده
وطاف أمير (103) المسلمين محمد ... بحضرته العليا مبلغ قصده
ولاحت بها الأنوار من بشر وجهه ... وفاح بها النوار من نشر حمده
وأبصرت الأبصار شمس هداية ... وأشرقت الأرجاء من زهر رفده
ولوحت الأعلام فيها بنصره ... كما لوح الصبح المبين (104) ببنده
ستهدي له الأيام كل مسرة ... ويحيي به الرحمن آثار جده
فسل حسام السعد واضرب به العدا (105) ... وخل حسام الهند في كنز (106) غمده
فسيفك سيف الله مهما سللته ... يقيم حدود الله قائم حده
وقال، وقد عاد رحمه الله تعالى من بعض متوجهاته الجهادية لجبل الشوار:
على الطائر الميمون والطالع السعد ... قدمت مع الصنع الجميل على وعد
وقد عدت من جبل الشوار لتجتلي ... عقائل للفتح المبين بلا عد وقال مما رسم في طيقان (107) الأبواب بالمباني السعيدة التي ابتناها رحمه الله تعالى:
أنا تاج كهلال ... أنا كرسي جمال
ينجلي الإبريق فيه ... كعروس ذي اختيال
جود مولانا ابن نصر ... قد حباني بالكمال وفي مثله:
من رأى التاج الرفيعا ... قد حوى الشكر البديعا
تحسد الأفلاك منه ... قوسه السهل المنيعا
دمت ربعا للتهاني ... أنظم الشمل الجميعا وفيه:
للغني بالله قصر ... للتهاني يصطفيه
فيه محراب صلاة ... يقف الإبريق فيه
تاليا سورة حسن (108) ... والمعالي تقتفيه وفيه:
أي قوس ذي جمال (109) ... سهمه سهم السعادة
ملك الإبريق فيه ... عود الإحسان عاده
ذو صلاة من صلاة ... كلها دأبا معاده
وقال في المعنى مما كتب به لعمنا الأمير سعد رحمة الله تعالى عليه:
انظر لأفق جمال ... به الأباريق تصعد
حسن بديع حباه ... به الأمير (110) الممجد
فخر الإمارة سعد ... به الخليفة يسعد
وكيف لا وأبوه ... فخر الملوك محمد
عليه حلي رضاه ... في كل يوم يجدد وقال فيه أيضا:
رفعت قوس سمائي ... يزهى بتاج الهلال
قد قلدته نقوشي ... در الدراري العوالي
ترى الأباريق فيه ... تهديل عذب الزلال
قد زان قصري سعد ... بسعده المتوالي
فدام يعمر ربعي ... في كلء مولى الموالي وفي الغرض:
ما ترى في الرياض أشباهي ... يسحر العقل حسني الزاهي
زان روضي أميره سعد ... وهو نجل الغني بالله
دام منه بمرتقى عز ... آمر بالسعود أو ناهي وقال في غرض الشكر عن مغطى (111) صنهاجي أهداه إياه:
لمن قبة حمراء مد نضارها ... تطابق منها أرضها وسماؤها
وما أرضها إلا خزائن رحمة ... وما قد سما من فوق ذاك غطاؤها
وقد شبه الرحمن خلقتنا به ... وحسبك فخرا بان منه اعتلاؤها
ومعروشة الأرجاء مفروشة بها ... صنوف من النعماء منها وطاؤها
ترى الطير في أجوافها قد تصففت ... على نعم عند الإله كفاؤها
ونسبتها صنهاجة غير أنها ... تقصر عما قد حوى خلفاؤها
حبتني بها دون العبيد خلافة ... على الله في يوم الجزاء جزاؤها وفي مثله:
ما للعوالم جمعت في قبة ... قد شادها كرم الإمام محمد
في صفح صرح بالزجاج مموه ... وبجود مولاي الإمام ممهد
ما إن رأيت ولا سمعت كطائر (112) ... عن ثوب موشي الرياش مجرد
إن لم تكن تلك الطيور تغردت ... فلشكر هذا العبد سجع مغرد
صفت عليها للفواكه كل ما ... قد عاهدته بدوحها المتعود
لو أبصرت صنهاجة أوضاعه ... دانت له أملاكها بتعبد
عودتني الصنع الجميل تفضلا ... لا زلت خير معوذ ومعود
وبسورة الأنعام كم من آية ... فيها لقار بالنوال مجود وقال تذييلا لبيتي ابن المعتز (113):
سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب
" فأمسيت في ليلين للشعر (114) والدجى ... وشمسين من خمر وخد (115) حبيب "
إلى أن بدا الصبح المبين كأنه ... محيا ابن نصر لم يشن بغروب
شمائله مهما أديرت كؤوسها ... قلائد أسماع وأنس قلوب وقال مذيلا على بيت ابن وكيع (116):
هي في أوجه الندامى عقيق ... وهي مثل النضار في الأقداح
كابن نصر تراه في الحرب ليثا ... وهو بدر الندى وغيث السماح
ذكره قد ثنى قدود الندامى ... وأعاد الحياة في الأرواح (117) وقال مما يرسم للغني بالله:
للغني بالله ملك ... برده بالعز مذهب
دام في رفعة شان ... ما جلا الإصباح غيهب
وقال أيضا:
يا ابن نصر لك ملك ... ليس تعدوه الفتوح
دمت روحا للمعالي ... ما سرى في الجسم روح ومن مقطوعاته:
وابن نصر له محيا كصبح ... إن تجلى جلا لنا (118) كل كرب
ذو حسام كأنه لمع برق ... في بنان كأنها غيث سحب ومن أخرى:
وكأن النجوم في غسق اللي ... ل جمان يلوح في آبنوس
وكأن الصباح في الأفق يجلى ... بحلي النجوم مثل العروس
وكأن الرياض تهدي ثناء ... للغني بالله فوق الطروس وقال من قصيدة أولها:
أضياء هدي أم ضياء نهار ... وشذا المحامد أم شذا الأزهار
قسما بهديك في الضياء، وإنه ... شمس تمد الشهب بالأنوار (119) ومنها:
كم من لطائف للهدى أوضحتها ... خفيت لطائفها (120) على الأفكار
كم من جرائم قد غفرت عظيمها ... مستنزلا من رحمة الغفار
علمت ملوك الأرض أنك فخرها ... فتسابقت لرضاك في مضمار ومنها يصف الجيش:
سالت به تحت العجاج سفينة ... لقحت بريح العز (121) من أنصار
أرست بجودي الجود في يوم الندى ... وجرت بيوم الحرب في تيار ومنها:
ألقى بأيدي الريح فضل عنانه ... فيكاد يسبق لمحة الأبصار ومنها:
فهي العراب متى انبرت يوم الوغى (122) ... قد أعربت عن لطف صنع الباري
ومنها:
إن خاض في ليل العجاج (123) رأيته ... يجلو دجنته بوجه نهار ومنها:
كم فيهم من قار ضيف طارق ... وضحت شواهد فضله للقار ومنها:
يا أيها الملك الذي أيامه ... غرر تلوح بأوجه الأعصار
قد زارك العيد السعيد مبشرا ... فاسمح لألف منهم بمزار
لما ازدهته عواطف ألطفتها ... عطف الإله عليك عطف سوار
فأتى يؤمم منك هديا صالحا ... كي يستمد النور بعد سرار
وأتاك يسحب ذيل سحب أغدقت ... تغري جفون المزن باستعبار
جادت بجاري الدمع من قطر الندى ... فرعى الربيع لها حقوق الجار
فأعاد وجه الأرض طلقا مشرقا ... متضاحكا بمباسم النوار
لما دعاك إلى القيام بسنة ... حكمت داعي الجود والإيثار
فأفضت فينا من نداك مواهبا ... حسنت مواقعها على التركار
فاهنأ بعيد عاد يشتمل الرضى ... جذلان يرفل في حلى استبشار ومنها:
لا عذر لي إن كنت فيه مقصرا ... سدت صفاتك أوجه الأعذار
فإذا نظمت من المناقب درها ... شرفتني منها بنظم دراري
فلذاك أنظمها قلائد لؤلؤ ... لألاؤها قد شف بالأنوار
وأنشد على لحده المقدس رحمه الله تعالى (124):
ضريح أمير المسلمين محمد ... يخصك ربي بالسلام المردد
وحيتك (125) من روح الإله تحية ... مع الملإ الأعلى تروح وتغتدي
وشقت جيوب الزهر فيك كمائم ... يرف بها الريحان عن خضل ندي
وصابت من الرحمى عليك غمائم ... تروي ثرى هذا الضريح المنجد
وزارتك من حور الجنان أوانس ... نواعم في كل النعيم المخلد
وجاءتك بالبشرى ملائكة الرضى ... كما جاء في الذكر الحكيم الممجد
وصافح منك الروض أطيب تربة ... وعاهد منك المزن أكرم معهد
رضى الله والصفح الجميل وعفوه ... يوالي على ذاك الصفيح المنضد
ويا صدفا قد فاز من جوهر العلا ... بكل (126) نفيس بالنفاسة مفرد
أعندك أن العلم والحلم والحجى ... وزهر الحلى قد أدرجت طي ملحد
وهل أنت إلا هالة القمر الذي ... بنور هداه الشهب تهدي وتهتدي
ويا عجبا من ذلك الترب كيف لا ... يفيض ببحر للسماحة مزبد
لقد ضاقت الأكوان وهي رحيبة ... بما حزت من فخر عظيم وسودد
قدمت على الرحمن أكرم مقدم ... وزودت من رحماه خير مزود
أقام بك المولى الإمام محمد ... مؤمل فوز بالشفيع محمد
فجاء كما ترضى وترضى به العلا ... وأنجز للآمال أكرم موعد
ومد ظلال العدل في كل وجهة ... وكف أكف البغي من كل معتد
وقام بمفروض الجهاد عن الورى ... وعود دين الله خير معود
قضى بعدما قضى الخلافة حقها ... وعامل وجه الله في كل مقصد
وفتح بالسيف الممالك عنوة ... ومدت له أملاكها كف مجتد
وكسر تمثال الصليب وأخرست ... نواقيس كانت للضلال بمرصد
وطهر محرابا وجدد منبرا ... وأعلن ذكر الله في كل مسجد
ودانت له الأملاك شرقا ومغربا ... وكلهم ألقى له الملك باليد
وطبق معمور البسيطة ذكره ... وسارت به الركبان في كل فدفد
وسافر عن دار الفناء ليجتلي ... بما قدم اليوم السعادة في غد
وقام بأمر الله حق قيامه ... بعزمة لا وان ولا متردد
لئن سار للرحمن خير مودع ... وحل من الفردوس أشرف مقعد
فقد خلف المولى الخليفة يوسفا ... يعيد له غر المساعي ويبتدي
سبيلك في سبل المكارم يقتفي ... وهديك يا خير الأئمة يقتدي
محمد جلى الخطب من بعد يوسف ... ويوسف جل الخطب بعد محمد
ولو وجد الناس الفداء مسوغا ... فداك ببذل النفس كل موحد
ستبكيك أرض كنت غيث بلادها ... وتبكيك حتى الشهب في كل مشهد
وتبكي عليك السحب ملء جفونها ... بدمع يروي غلة المجدب الصدي
وتلبس فيك النيرات ظلامها ... حدادا ويذكي النجم جفن مسهد
وما هي إلا أعين قد تسهدت ... فكحلها نجم الظلام بإثمد
فلا زلت في ظل النعيم مخلدا ... ونجلك يحيا بالبقاء المخلد
وأوردك الرحمن حوض نبيه ... وأصدر من خلفت عن خير مورد
عليك سلام مثل حمدك عاطر ... يفض ختام المسك عن تربك الندي
وصلى على المختار من آل هاشم ... صلاة بها نرجو الشفاعة في غد وقال يستعطف الوالد السلطان أبا الحجاج (127):
بما قد حزت من كرم الخلال ... بما أدركت من رتب الجلال
بما خولت من دين ودنيا ... بما قد حزت من شرف الجمال (128)
بما أوليت من صنع جميل ... يطابق لفظه معنى الكمال
تغمدني (129) بفضلك، واغتفرها ... ذنوبا في الفعال وفي المقال وقال أيضا (130):
أتعطش أولادي وأنت غمامة ... تعم جميع الخلق بالنفع والسقيا
وتظلم أوقاتي ووجهك نير ... تفيض به الأنوار للدين والدنيا
وجدك قد سماك ربك باسمه ... وأورثك الرحمن رتبته العليا
وقد كان أعطاني الذي أنا سائل ... وسوغني من غير شرط ولا ثنيا
وشعري في غر المصانع خالد ... يحييه عني في الممات وفي المحيا
وما زلت أهدي المدح مسكا مفتقا ... فتحمله الأرواح عاطرة الريا
وقد أكثر العبد التشكي وإنه ... وحقك يا فخر الملوك قد استحيا
وما الجود إلا ميت، غير أنه ... إذا نفخت يمناك في روحه يحيا
فمن شاء أن يدعو لدين محمد ... فيدعو لمولانا الخليفة بالبقيا وقال أيضا فيه وقد نزل بالولجة من مرج الحضرة:
منزل اليمن والرضى والسعود ... أنجزت فيه صادقات الوعود
كل يوم نزاهة إن تقضت ... أنشدتها السعود: بالله عودي
جمع المستعين وصف كمال ... بين بأس عم الملوك وجود
فاهن في غبطة وعزة ملك ... أنت والله فخر هذا الوجود وقال أيضا مشيرا لتوليته العلامة:
لك غرة ود الصباح جمالها ... ومحاسن تهوى البدور كمالها
وشمائل تحكي الرياض خلالها ... وأنامل ترجو (131) الأنام خلالها
للمستعين خلافة نصرية ... عرفت ملوك العالمين جلالها (132)
وأنا الذي قد نال منك معاليا ... تهدي النجوم الزاهرات منالها
تهديه ما قد نلته من بعضها ... فالفخر كل الفخر فيمن نالها
في كل يوم منك منة منعم ... لو طاولت سمك السما (133) ما طالها
بلغت آمال العبيد فبلغت ... فيك العبيد من البقا آمالها وقال أيضا وكتبها إليه مع خمسة أقلام:
أيا مالكا لم يبد للعين حسنه ... سوى ملك قد حل من عالم القدس
لك الخير خذها كالأنامل خمسة ... تعوذ مرآك المكمل بالخمس
فمن أبصرت عيناك مرآه فليقل ... أعوذ برب الناس أو آية الكرسي ثم قال ابن الحمر: وقال يخاطب مولانا الوالد رحمة الله تعالى عليه وقد مر معه بفحص رية، والثلج قد عم أنديته، وبسط أرديته، في وجهة توجهها مولانا الجد تغمده الله تعالى إلى مالقة:
يا من به رتب الإمارة (134) تعتلي ... ومعالم الفخر المشيدة تبتني
ازجر بهذا الثلج فألا إنه ... ثلج اليقين بنصر مولانا الغني
بسط البياض كرامة لقدومه ... وافتر ثغرا عن مسرة معتني
فالأرض جوهرة تلوح لمجتل ... والدوح مزهرة تفوح لمجتني
سبحان من أعطى الوجود وجوده ... ليدل منه على الجواد المحسن
وبدائع الأكوان في إتقانها ... أثر يشير إلى البديع المتقن ثم قال: ومن أوليات نظمه يخاطب شيخه الوزير أبا عبد الله ابن الخطيب مادحا قوله:
أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... إلى آخره، وقد تقدمت.
ثم قال: وقال يراجع الكاتب أبا زكريا ابن أبي دلامة (135) :
على الطائر الميمون والطالع السعد ... أتتني مع الصنع الجميل على وعد
وأحييت يا يحيى بها نفس مغرم ... يجيل جياد الدمع في ملعب السهد
نسيت وما أنسى وفائي وخلتي ... وأقفر ربع القلب إلا من الوجد
وما الطل في ثغر من الزهر باسم ... بأزكى وأصفى من ثنائي ومن ودي
فأصدقتها من بحر فكري جواهرا ... تنظم من در الدراري في عقد
وكنت أطيل القول إلا ضرورة ... دعتني إلى الإيجاز في سورة الحمد وأنشد السلطان أبا العباس المرسي في غراب (136) من إنشائه:
أإنسان عين الدهر جفنك قد غدا ... يحفك منه طائر اليمن والسعد
إذا ما هفا فوق الرؤوس شراعه ... أراك جناحا مد للجزر والمد
وأنشد فيه أيضا:
لك الخير شأن الجفن يحرس عينه ... وهذا بعين الله يحرس دائما
تبيت له خمس الثريا معيذة ... تقلده زهر النجوم تمائما
فيا جفن لا تنفك في الحفظ دائما ... وإن كنت في لج من البحر عائما انتهى ما لخصته من كلام ابن الأحمر في حق ابن زمرك، وذلك جملة من نظمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حين عدد لسان الدين البساتين والمتنزهات في غرناطة قال: " ومدرج نجد السبيكة وجنة العريف " وتقع السبيكة إلى الجنوب الشرقي من الحمراء.
(2) هذه رواية ق والأزهار؛ وفي التجارية: ما استوقف الطير يدنيها ويقريها.
(3) الأزهار: لم تحتجب شهب الآفاق عن بصر.
(4) هكذا في ق؛ وفي التجارية: مرعب، ولا معنى له؛ ق: تنسيها.
(5) الأزهار: مثل.
(6) ق: ينميها.
(7) يشير غلى الاية الكريمة في الأنصار " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ".
(8) ق: استباق.
(9) ق: دوحتنا.
(10) الأزهار: أمولاي وإلى السعد منك ولاية.
(11) الأزهار: جادت بها.
(12) صدر بيت لأبي تمام؛ وتمامه: " كم تعذلون وأنتم سجرائي " ورواية الديوان: أربيت في الغلواء.
(13) الأزهار: جادت.
(14) الأزهار: الفيحاء.
(15) ورى هنا بكتابي " قوت القلوب " و " إحياء علوم الدين ".
(16) ق: منها؛ يعني القصيدة.
(17) في أصول أزهار الرياض وفي التجارية: مسلم؛ وصححه محققو الأزهار: " ملثم " وأثبتنا ما في ق، لكونه أقرب إلى الصواب.
(18) سرعان الخيل: أوئلها.
(19) التنوفة: المفازة.
(20) ق: قواضب، ولها وجه، لأنه يتحدث عن الجواد، فالقواضب السيوف، وهي ترجمة أي تتعرض له.
(21) الأزهار: حل.
(22) غير قول عنترة المفتتح ب " هل "؛ وعجز البيت: " أم هل عرفت الدار بعد توهم " وهو مطلع معلقته.
(23) الأزهار: عبرة.
(24) الأزهار: وقد بت أسقي.
(25) الأزهار: فديت.
(26) الأزهار: أبدت.
(27) ق: يهمي، والتصحيح عن الأزهار.
(28) الأزهار: فتنزل، وكلتا اللفظتين غير موضحتين للمعنى
المقصود، وسقط البيت من ق.
(29) الأزهار: ساحتيه.
(30) الأزهار: لاح.
(31) الأزهار: الغوانيا؛ ق: المعانيا.
(32) الأزهار: نبتها.
(33) الأزهار: الزهر.
(34) الأزهار: أجاز بها قاضي الجمال التقاضيا.
(35) الأزهار: مع الضحى.
(36) الأزهار: مصافح.
(37) ق: الزائلات.
(38) ق: شبحا.
(39) سقط البيت من ق.
(40) يريد الذي يقوم بالختان.
(41) ق والأزهار: بالتهويل؛ والتمويل: قوله " يا مولاي ".
(42) الأزهار: في الجزاء.
(43) ق: للجزو.
(44) الأزهار: من براعة تخميسه.
(45) الأزهار: وذلك عام.
(46) الأزهار: فأضحك.
(47) الأزهار: رضاك.
(48) الأزهار: وقد أفرغوا.
(49) الأزهار: زكاة.
(50) ق: حق.
(51) ق: نجم.
(52) ق: وأشهب.
(53) شبيه بقوله في القصيدة السابقة:
فحجل برجليها وشاح بخصرها ... وتاج إلى ما حل منها الأعاليا
(54) عجز بيت للمتنبي، وصدره
" وقيدت نفسي في ذراك محبة " ...
(55) ق: المدى.
(56) الأزهار: للفضل الجزيل.
(57) هذه رواية الأزهار؛ وفي ق: بالملك العلي.
(58) من رجز وتمامه:
وقد أراد المشركون عوقها ... عنك ويأبى الله إلا سوقها
(59) ق: بسبقه وبسيفه.
(60) ق: مشمل.
(61) الأزهار: قام.
(62) ق: يرفع.
(63) الأزهار: العدا. ق: العلى.
(64) الأزهار: معلل.
(65) الأزهار: بحدودها.
(66) الأزهار: تمضي.
(67) لتشابه القصيدتين تشابه كثير من الأبيات.
(68) الأزهار: بنورها.
(69) الأزهار: مليكهم.
(70) ق: يتوسل.
(71) الأزهار: لا تأفل.
(72) ق: ثاني.
(73) ق: فنفتهم ... الضلال.
(74) ق: فتبسلوا.
(75) ق: يتحمل.
(76) سقط البيت من ق.
(77) قال في أزهار الرياض (2: 121) بعد هذا البيت: اتصل بهذا البيت جملة من القصيدة المترجمة في العيديات التي أولها " بشرى كما وضح الصباح وأجمل " وحذفناها من هذه اقتصارا للتكرار.
(78) الأزهار: طل.
(79) الأزهار: والوجه منه عن.
(80) الأزهار: المشامم.
(81) كذا في ق؛ وفي الأزهار: شيمة، وكلتا اللفظتين قاصرة الدلالة.
(82) ق: لمثله، والمعنى: أن القلوب خافقات كمثل خفق النسيم المذكور في البيت السابق.
(83) ق: اقتدر.
(84) الأزهار: وجهك.
(85) الأزهار: رضاكا.
(86) الأزهار: سناكا.
(87) ما يعرف في مصر باسم " حب العزيز ".
(88) الأزهار: مواليك.
(89) الأزهار: وجلالا.
(90) ق: لولا.
(91) ق: الندى.
(92) ق: لأجلها.
(93) سقط البيت والذي يليه من ق.
(94) الأزهار: وعلاك.
(95) الأزهار: بالسرور.
(96) الأزهار: السعيد.
(97) الأزهار: متنفلا.
(98) صدر بيت لأبي تمام، وعجزه " تقضي ذمام الأربع الأدراس ".
(99) ق: رياشا.
(100) الأزهار: التقوى.
(101) الأزهار: حكمه.
(102) الأزهار: العظمى.
(103) الأزهار: إمام.
(104) الأزهار: المنير.
(105) الأزهار: واضرب بحده.
(106) الأزهار: في كن.
(107) ق: طبقات.
(108) الأزهار: حبي.
(109) الأزهار: كمال.
(110) ق: الأمين.
(111) يستدل من القطعة أن المغطى نوع من الصناديق.
(112) الأزهار: بطائر.
(113) انظر أشعار أولاد الخلفاء: 179.
(114) الصولي: فبت لذا الليلين بالشعر.
(115) الصولي: وفجرين من راح ووجه.
(116) لم يرد في ديوانه المجموع.
(117) الأزهار: الأشباح؛ وهي بمعنى الأجسام.
(118) الأزهار: جلا دجى.
(119) بين هذا البيت وسابقه في أزهار الرياض: ومنا بعد كثير.
(120) الأزهار: مداركها.
(121) الأزهار: العزم.
(122) الأزهار: متى أثيرت في الوغى؛ ق: أثيرت يوم.
(123) الأزهار: بحر العجاج.
(124) انظر أزهار الرياض 2: 152.
(125) الأزهار: وحياك.
(126) الأظهار: حاز ... لكل.
(127) أزهار الرياض: 2: 157.
(128) الأزهار: المعالي.
(129) ق: تغمدها.
(130) الأزهار: ومن ذلك أيضا يخاطب أخانا السلطان أبا عبد الله رحمه الله تعالى عليه متوسلا بقديم ذمامه، والخدم المتعددة من نظامه.
(131) ق: ترجى.
(132) الأزهار: جمالها.
(133) الأزهار: سمك العلا.
(134) الأزهار: المعالي.
(135) أزهار الرياض 2: 175.
(136) الغراب: نوع من السفن.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
