ما سنّ من أعمال لأوقات خاصة
المؤلف:
الشيخ عبد الله المامقاني
المصدر:
مرآة الكمال
الجزء والصفحة:
ج1/ ص314-320
2025-05-24
771
وهو أغسال عديدة :
فمن جملتها ما سنّ للإحرام[1] ، فإنه مستحب مؤكد ، والقول بوجوبه ضعيف .
ومنها : الغسل لزيارة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمّة الأطهار عليهم السّلام ولو من بعيد[2].
ومنها : الغسل لزيارة البيت[3] ، بل لمطلق الطواف ، من غير فرق بين طواف الزيارة والعمرة والنساء والوداع و . . غيرها .
ومنها : الغسل للوقوف بعرفات وللذبح والنحر والحلق دون رمي الجمار[4].
ومنها : غسل المفرّط في صلاة الكسوفين[5] بالترك عمدا عند احتراق القرص كلّه إذ أراد قضاءها ، وقيل بالوجوب ، وهو أحوط ، وان كان الأول أقوى ، وفي استحبابه لأدائها عند احتراق القرص كلّه تأمّل ، والعدم أشبه ، وان كان الاتيان به لاحتمال المطلوبيّة لا بأس به .
ومنها : غسل التوبة[6] سواء كانت عن فسق بارتكاب كبيرة واصرار على صغيرة ، أو كفر أصليّ أو ارتداديّ ، ومحلّه في الظاهر بعد الندم ، وقبل الاستغفار والعزم على عدمه ، ويمكن شرعيّته بعدهما أيضا ، وفي شرعيّته للتوبة من الصغيرة من دون اصرار وجه ، لا يخلو من قوة .
ومنها : غسل صلاة الحاجة الآتية في الصلوات المرغبات[7].
ومنها : غسل صلاة الاستسقاء[8].
ومنها : غسل صلاة الاستخارة[9].
ومنها : الغسل لصلاة الظلامة الآتية في الصلوات المرغبات[10].
ومنها : الغسل لصلاة الخوف من الظالم ، المرويّة في مكارم الأخلاق[11].
ومنها : الغسل بعد قتل الوزغ - الذي هو حيوان ملعون - قد ورد في الاخبار ذمّه والترغيب في قتله ، وان من قتله كان كمن قتل شيطانا[12].
ومنها : الغسل للتوجه إلى السفر خصوصا سفر الحج ، وزيارة سيد الشهداء عليه السّلام[13].
ومنها : الغسل قريب الزوال من [ يوم ] الخامس عشر من رجب ، لعمل أم داود[14].
ومنها : غسل من سعى عمدا إلى [ رؤية ] مصلوب بحق ، قبل مضي ثلاثة أيام على صلبه فرآه ، فإنه مستحب بعد الرؤية عقوبة . وقيل : يجب ، ولم يثبت[15].
والأولى الغسل حتى عند رؤية المصلوب بظلم ، بل وبعد الثلاثة أيضا ، ولا غسل في رؤية المقتول و . . نحوه بغير الصلب ، ولو كان بحق ، بل ولا في المصلوب بعد انزاله من الخشبة ، وذهاب هيئة الصلب ، ومبدأ الثلاثة أيام من الصلب دون الموت ، ولا غسل في الحضور من دون نظر إلى المصلوب ، ولا في النظر من غير سعي ، ولا في السعي من غير نظر ، أو النظر لا عن قصد ، ولو سعى في [ الأيام ] الثلاثة لينظر بعدها ففي ثبوت الغسل تردّد ، ولا فرق بين كون المصلوب حيّا أو ميّتا حين النظر . وهل يعتبر في النظر ان لا يكون لغرض شرعي كالشهادة على عينه ونحوها أم لا ؟ وجهان ، أوّلهما غير بعيد ، وكذا يعتبر كون المصلوب من المسلمين ، فلو كان كافرا ففي ثبوت الغسل بالسعي والنظر إليه في الثلاثة تأمل ، وان كان الغسل لاحتمال المطلوبية حينئذ ، وفي سائر موارد عدم ثبوت الغسل لا بأس به .
ثم إن من الأغسال المسنونة غسل المولود ، كما مرّ في الفصل الأول ، وربّما قيل باستحباب الغسل في موارد أخر : فمنها : غسل من أريق عليه ماء يغلب عليه احتمال النجاسة[16].
ومنها : الغسل عند احتمال الجنابة ، كواجدي المني في الثوب المشترك[17].
ومنها : إعادة الغسل عند زوال العذر الذي رخصّ في الغسل المتضّمن لنقص لعذر ، [ كما إذا اغتسل جبيرة ثم ارتفع عذره ][18].
ومنها : من مات جنبا قبل تغسيله غسل الميت[19].
ومنها : غسل الجنب لمعاودة الجماع[20].
ومنها : الغسل عند الإفاقة من الجنون[21].
ولم يثبت عندي استحباب شيء منها ، نعم لا بأس بالإتيان بالغسل لاحتمال المطلوبيّة ، ولكن لا يترتب عليه أثر الغسل الصحيح ، فلا يغني عن الوضوء ، حتى على المختار من اغناء كل غسل عن الوضوء ، بل الأحوط عدم ترك الوضوء بقصد القربة مع جميع الأغسال المسنونة ، بل الاحتياط به لا يترك ، سيما فيما لم يكن مستنده في غاية القوة ، كغسل الجمعة مثلا[22].
[1] الكافي : 3 / 40 باب أنواع الغسل حديث 1 . اتفق الفقهاء على استحبابه ، بل نقل عليه الاجماع ، وانه من دين الإمامية ، فلا ريب في أصل الاستحباب ، وما وقع في بعض الأخبار من لفظ الوجوب فإنما هو لبيان تأكّد الاستحباب ، كما وقع مثله كثيرا ، ولأنه لو كان واجبا لكان صحة الاحرام متوقفا عليه ، لعدم احتمال الوجوب النفسي ، فلا بد من الوجوب الغيري ، ولم يقل أحد من الفقهاء رضوان اللّه عليهم يتوقّف صحة الاحرام على الغسل ، فلا مجال - بعد التأمل - من القول بالوجوب ، كما ولا مجال لانكار الاستحباب بعد ما ذكر من أنه من دين الإمامية ومن الاتفاق والاجماع المؤيد بالروايات المتظافرة .
[2] ادعي عليه تارة بشهرة الأصحاب وأخرى بإجماعهم على ذلك ، وبالأخبار الكثيرة الواردة في المقام ، مثل قوله عليه السّلام : في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال عليه السّلام : الغسل عند لقاء كل امام . وبالأحاديث الواردة في بيان الأغسال المسنونة ، كما في كامل الزيارات : 15 باب 3 حديث 1 ، والكافي : 4 / 550 باب دخول المدينة وزيارة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وجلّ كتب المزار .
[3] الكافي : 3 / 40 باب أنواع الغسل حديث 1 و 2 . وقد ادعى الاجماع على استحباب الغسل ، والاطلاق في الحديث يقتضي استحباب الغسل لمطلق دخول الحرم ، لا لخصوص دخول البلد ، كما وقد ادعي الاجماع على استحباب الغسل لدخول المسجد الحرام ، والقول بالوجوب شاذ لا يلتفت إليه .
[4] الكافي : 4 / 461 باب الغدو إلى عرفات وحدودها حديث 3 ، وصفحه : 462 حديث 4 عن الحلبي وصحيحة معاوية بن عمار . وقد أفتى الفقهاء استنادا إلى الصحيحة باستحباب الغسل للوقوف بعرفات ، والجمع بين الظهرين بعد الغسل ، وادّعى عليه الاجماع ونفي الخلاف ، هذا في ما يرجع إلى الغسل للوقوف بعرفات ، واما استحباب الغسل للذبح والنحر والحلق فقد أفتى به الفقهاء ، راجع الجواهر : 19 / 13 ، ومناهج المتقين : 30 ، والقسم الثاني ما سنّ للعمل والظاهر استنادهم في الحكم برواية زرارة في باب الجنابة في إجزاء الغسل الواحد عن الأسباب المتعدّدة ، قال : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة ، والحجامة ، وعرفه ، والنحر ، والحلق ، والذبح ، والزيارة ، وإذا اجتمعت عليك حقوق اجزأها عنك غسل واحد الكافي : 3 / 41 باب ما يجزي الغسل منه إذا اجتمع .
[5] الاستبصار : 1 / 453 باب 283 باب من فاتته صلاة الكسوف حديث 4 . عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل ان يصلي ، فليغتسل من غد وليقض الصلاة ، وان لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل .
[6] اتفق فقهاؤنا على مشروعيّة الغسل للتوبة ، وادعى جماعة الاتفاق عليه ، وعن العلامة رحمه اللّه في المنتهى الاجماع عليه ، لكن اختلفوا في اختصاص الغسل بالمحرمات الكبيرة ، أو ان الحكم اعمّ ، والذي صرح به المتأخرون هو التعميم ، ودليلهم روايات ، منها : رواية مسعد بن زياد التي رواها الشيخ الطوسي رحمه اللّه في التهذيب : 1 / 116 حديث 304 عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان رجلا جاء اليه فقال له : انّ لي جيرانا ولهم جوار يتغّنين ويضربن بالعود ، فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا منّي لهنّ ، فقال له عليه السّلام : لا تفعل ، فقال واللّه ما هو شيء آتيه برجلي انما هو سماع اسمعه باذني ، فقال الصادق عليه السّلام : يا للّه ! أنت أما سمعت اللّه يقول : « ان السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا » ؟ فقال الرجل : كأنّي لم اسمع بهذه الآية من كتاب اللّه عزّ وجلّ من عربيّ ولا عجميّ ، لا جرم اني قد تركتها ، وانّي استغفر اللّه تعالى ، فقال له الصادق عليه السّلام : قم فاغتسل ، وصلّ ما بدا لك ، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم ، ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك ، استغفر اللّه واسأله التوبة من كل ما يكره ، فإنه لا يكره الّا القبيح ، والقبيح دعه لأهله ، فان لكل أهلا . أقول : ووجه القوّة التي ذكرها شيخي الوالد قدس اللّه روحه الطاهرة هو عموم الحكم في الحديث لمن أذنب ذنبا ، وخصوصيّة المورد لا توجب تقييد الحكم .
[7] لا خلاف في مشروعيّة الغسل لطلب الحاجة من اللّه سبحانه وتعالى ، لكن هل يختصّ بصلاة الحاجة أم لا ، محلّ نقاش ، والذي عليه جلّ الأصحاب هو الاختصاص ، وادعى على ذلك الاجماع ، وانه عمل الأصحاب ، والذي عليه رواية عبد الرحيم القصير المرويّة في الكافي : 3 / 476 باب صلاة الحوائج حديث 1 ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت : جعلت فداك اني اخترعت دعاء ، قال : دعني من اختراعك ، إذا نزل بك امر فافزع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، قلت : كيف اصنع ؟ قال : تغتسل وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة . . .
[8] ذكر الفقهاء رضوان اللّه عليهم من الأغسال المسنونة غسل صلاة الاستسقاء ، وادعّى في الغنية الاجماع عليه ، والأصل فيه موثقة سماعة المروية في التهذيب : 1 / 104 باب 5 حديث 270 والموسوعات الفقهية .
[9] لا خلاف فيه والأصل فيه صحيح زرارة المروي في الوسائل : 2 / 958 باب 21 حديث 1 والكافي : 3 / 40 حديث 2 عن سماعة.
[10] أفتى الفقهاء قدس اللّه أرواحهم الطاهرة بالاستحباب ، والأصل فيه ما روى في مكارم الأخلاق : 384 عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال : إذا طلبت بمظلمة فلا تدع على صاحبك ، فإن الرجل يكون مظلوما ، فلا يزال يدعو حتى يكون ظالما ، ولكن إذا ظلمت فاغتسل وصل ركعتين في موضع لا يحجبك عن السماء ثم قل : اللهم . . . إلى آخر الدعاء .
[11] ذكر الفقهاء ذلك ، والأصل فيه رواية الطبرسي في مكارم الأخلاق : 392 .
[12] مناهج المتقين : 30 .
[13] أمان الأخطار : 33 الفصل السادس إلى أن قال : فمن ذلك أنه روي انّ الانسان يستحب له إذا أراد السفر ان يغتسل ويقول عند الغسل : « بسم اللّه وباللّه ولا حول ولا قوّة الّا باللّه وعلى ملّة رسول اللّه والصادقين عن اللّه صلوات اللّه عليهم أجمعين ، اللهم طهر قلبي ، واشرح به صدري ، ونوّر به قبري ، اللهم اجعله لي نورا وطهورا وحرزا وشفاء من كل داء وآفة وعاهة وسوء وممّا أخاف واحذر ، وطهر قلبي وجوارحي وعظامي ودمي وشعري وبشري ومخّي وعصبي وما اقلّت الأرض ، اللهم اجعله لي شاهدا يوم حاجتي وفقري وفاقتي إليك يا رب العالمين انك على كل شيء قدير » وما ورد في استحباب الغسل لزيارة النبي والأئمة صلوات اللّه وسلامه عليهم كثيرة ، فقد تضمنت كتب المزار ذلك ، وثبت استحبابه بأسانيد صحيحة لا نقاش فيها ، الّا ان الغسل لمجرد السفر فيه تأمّل ، لعدم العثور على رواية صحيحة متقنة ، وما ذكرناه عن أمان الاخطار لا يكفي في اثبات الاستحباب ، نعم لا بأس بالغسل برجاء المطلوبية ، واللّه العالم .
[14] جواهر الكلام كتاب الطهارة باب الأغسال المسنونة آخر الباب : 5 / 68 فراجع.
[15] الفقيه : 1 / 45 باب 18 الأغسال حديث 175 ، وانظر كتاب جواهر الكلام كتاب الطهارة آخر باب الأغسال المسنونة . ولا يخفى عليك ان التفصيل الذي ذكره المؤلف قدس سره هو نتيجة البحث والتدقيق في أقوال الفقهاء وآرائهم واختلاف نظرهم ، والمتيقّن من المجموع هو استحباب الغسل لرؤية المصلوب المسلم إذا قصد الرؤية ، وكان صلبه عن ظلم ، لا بقصد شرعيّ ، وأمّا في ما سوى هذا المورد ، فالأصل عدم الاستحباب ، راجع تفصيل الكلام في مناهج المتقين : 30 كتاب الطهارة باب الأغسال المسنونة .
[16] أقول الظاهر أن الغسل هنا بفتح الغين لا بالضم ، فيكون خارجا عن محلّ البحث ، فراجع وتدبر .
[17] مناهج المتقين / 30 القسم الثاني ما سنّ للعمل .
[18] مناهج المتقين / 30 القسم الثاني ما سنّ للعمل .
[20] مناهج المتقين / 30 .
[21] مناهج المتقين / 30 .
[22] لا يخفى انه وقع الكلام والنقض والابرام في أنه هل يجزي كل غسل عن الوضوء ، أم انه مختصّ بغسل الجنابة ، فاستدلّ كل فريق بدليل ، لكن هذا بعد الفراغ عن مشروعيّة الغسل ووروده ، اما عند الشك في ذلك ، فلا ينبغي التوقف بالحكم بعدم الاجزاء ، والمسألة تستحق البحث والتدقيق والنظر والتحقيق ، اعرضنا عنها لئلا نخرج عن موضوع الكتاب .
الاكثر قراءة في أخلاقيات عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة