في بيان ما ورد في اللحم والسمن واللبن
المؤلف:
الشيخ عبد الله المامقاني
المصدر:
مرآة الكمال
الجزء والصفحة:
ج1/ ص201-208
2025-05-15
1140
يستحب اختيار اللحم على جميع الآدام ، فإنه سيد طعام الدنيا والآخرة[1] ، وسيد آدام الجنة[2] ، وورد انه ليس منها مضغة تقع في المعدة إلّا أنبتت مكانها شفاء وأخرجت من مكانها داء[3]. ولا بأس بكثرة حبّ اللحم ، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل البيت عليهم السّلام كانوا يحبّونه[4] - ويكثرون أكله .
وما ورد من بغض النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم له مفسر في كلمات أهل بيته عليهم السّلام بلحوم الناس ، المكنى بها عن الغيبة[5]. ولا بأس بإدمان اللحم كل يوم وليلة لإدمان الأئمة عليهم السّلام إياه[6]. وما ورد من المنع منه إلّا في كل ثلاثة أيام مرة محمول على التقية[7]. وورد إن من ترك اللحم أياما فسد عقله ، ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه ، ومن ساء خلقه يؤذن في أذنه[8]. ويستحب له أكله ولو بالقرض[9].
ويكره أكل لحم الفحل الذي اغتلم وهاج من شدة شهوة النكاح ، لنهي أمير المؤمنين عليه السّلام عنه[10]. ويكره قطع اللحم عند أكله بالسكين ، لنهي النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عنه[11]. ويكره نهك العظام فإن للجن فيها نصيبا ، فإذا فعل ذلك ذهب من البيت ما هو خير من ذلك[12].
ويستحب اختيار الذراع والكتف على ساير أعضاء الذبيحة ، ويكره اختيار الورك[13]. ويستحب أكل الثريد من ماء اللحّم المطبوخ[14] ، والكباب وهو اللحّم المشوّي بالنّار أقوى منه ، وورد انّه يذهب بالحمى[15]. ويستحب أكل الرأس من الشاة إذا طبخ ، فإنه أبعد من الأذى[16] ، وأكل الهريسة التي تطبخ من الحنطة واللحم ، فإنها تقوّي الظهر والباه ، وتنشط للعبادة أربعين يوما ، وهي المائدة التي نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم[17]. ويكره أكل العريض - وهو اللحم النّي[18] غير المغير بالنّار والشمس - وكذا القديد - وهو اللحم يقّد ويذر عليه الملح ويجفف في الظل من دون طبخ - فإنه لحم سوء ، وإنه يسترخي في المعدة ويهيج كل داء ، ولا ينفع من شيء بل يضره ، ويهزل البدن ولا يدخل جوفا إلّا أفسده[19].
ويستحب اختيار لحم الضأن على لحم الماعز وغيره[20] ، ولحم البقر بالسلق ، فإنه يذهب بالبياض[21] ، ويكره لحم البقر وحده فإنه داء ولبنه دواء ، وسمنه شفاء[22]. وورد في شحمه أنه يخرج مثله من الداء[23].
ويكره اختيار لحم الدجاج على الطير . ويستحب اختيار الفراخ القريبة من الطيران[24].
ويستحب لحم القباج[25] فإنه يقوي الساقين ، ويطرد الحمى طردا[26] ، ولحم الدراج فإنه يقتل الغيظ[27] ، ولحم الحبارى فإنه جيد للبواسير ووجع الظهر ، وهو مما يعين على كثرة الجماع[28]. ولحم القطا ، فإنه مبارك ، وينفع مشويه اليرقان[29] ولحم السمك مع التمر أو العسل ، وشرب الماء بعد ذلك[30] ، ويكره أكله من دونهما[31] ، وأكل الطري منه إلّا على أثر الحجامة فيؤكل كبابا[32].
ويكره ادمان أكل السمك والاكثار منه فإنه يذيب الجسد ، ويكثر البلغم ، ويغلظ النفس ، ويبلي الجسد ، ويذيب شحم العين ، ويورث السل[33]. ومن اجتمع به الدم والصفراء وخاف من الحجامة هيجان الصفراء ، ومن تأخيرها اضرار الدم ، يحتجم ويأكل على أثر الحجامة سمكا طريا كبابا بماء وملح ، فإنه يكون في عافية إن شاء اللّه تعالى[34].
ويكره لحم الهدهد ولا يحرم[35] ، وكذا الخطاف على الأظهر[36]. والفاختة والقبرة والصرد والصوام والشقراق[37]. ومقتضى ما ورد في وجه كراهة الخطاف كراهة أكل كل ما سكن الدار من الطيور ، وهو قول الصادق عليه السّلام في الخطاف إنه كره أكله لأنه استجار بك وأوى إلى منزلك ، وكل طير يستجير بك فاجره[38]. ومن هنا ظهر وجه ما في الأذهان من التجنب عن أكل حمام الاعتاب المقدسة ، واللّه العالم .
ويستحب الاتيان للعيال بالفاكهة أو اللحم يوم الجمعة ليفرحوا بالجمعة[39].
ويستحب أكل السمن وخصوصا من البقرة ، وهو في الصيف خير منه في الشتاء[40]. ويكره أكله بالليل لمن تجاوز عمره خمسين سنة[41].
ويستحب أكل الزيت والادهان به فإنه شجرة مباركة سبحت بالقدس مرتين ، ومن أكله وأدهن به لم يقر به الشيطان أربعين يوما ، وهو أدام المصطفين ، وطعام الأتقياء[42].
ويستحب شرب اللبن - يعني الحليب - فإنه ينبت اللحم ويشد العظم[43] ، وخصوصا لبن الشاة السوداء ، والبقرة الحمراء[44] ، وورد إنه شفاء من كل داء إلّا الموت ، وإنه ينبت اللحم ويشد العظم[45] ، وإن أكل اللحم باللبن مرق الأنبياء ، ويشد الجسم ، وفيه القوة والبركة[46]. واكل اللبن مع العسل يزيد ماء الظهر ، وينفع من تغير عليه ماء الظهر[47] ، وورد إن لبن البقرة يدبغ المعدة ، ويكثر شحم الكليتين ، ويشهي الطعام[48]. ومن أراد أكل الماست وخاف ضرره فليصب عليه الهاضوم وهو النانخواه[49]. ويستحب أكل الجبن بالعشاء مطلقا ، وبالغداة مع الجوز[50]. وورد إن كل منهما منفردا داء لا دواء فيه . فإذا اجتمعا زال ذلك[51]. وإن أكل الجبن بالعشى يزيد في ماء الظهر[52]. وإن اللقمة من الجبن تعذبّ الفم ، وتطيب النكهة ، وإن من أكله رأس الشهر أوشك ان لا تردّ له حاجة[53].
ويستحب اتخاذ شاة أو نعجة أو بقرة حلوب في المنزل[54] ، وقد ورد إن أفضل ما يتخذه الرجل في منزله لعياله الشاة ، فمن كان في منزله شاة قدست عليه الملائكة كل يوم مرة ، ومن كانت عنده شاتان قدست عليه الملائكة كل يوم مرتين ، وكذلك في الثلاث تقول : بورك فيكم[55].
ويلحق بالمقام : سنن الذبح
وهي تحديد الشفرة ، وسرعة القطع ، واستقبال الذابح نفسه[56] ، وان لا يحرك الذبيحة ، ولا يجرها قبل خروج روحها ، وان تساق إلى الذبح برفق ، وتضجع برفق ، وان يعرض عليها الماء قبل الذبح ، وان يعبر السكين ذهابا وإيابا بقوة وتحامل[57]. ويكره ان يذبح بيده ما ربّاه من النعم[58].
ويستحب في ذبح الغنم أن تربط يداه ورجل واحدة ، وتطلق الأخرى ، ويمسك صوفه أو شعره حتى يبرد . وفي البقر إن تعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه .
وفي الإبل ان تربط يداه ما بين الخف إلى الركبة وتطلق رجلاه ، وفي الطير ان يرسل بعد الذبح[59].
ويكره الذبح ليلا إلّا مع الضرورة ، ونهارا يوم الجمعة إلى الزوال[60]. وأما نخع الذبيحة - وهو ابلاغ السكين إلى أن يتجاوز منتهى الذبح فيصيب النخاع - فمكروه إلّا بعد موتها على الأظهر[61] ، وكذا ذبح حيوان وحيوان آخر ينظر إليه[62].
[1] الكافي : 6 / 308 باب فضل اللحم حديث 1 .
[2] الكافي : 6 / 308 باب فضل اللحم حديث 3 .
[3] وسائل الشيعة: 17 / 15 باب استحباب اختيار اللحم على جميع الادام حديث 26.
[4] الفقيه : 3 / 221 باب 96 حديث 1025 ، بسنده وقيل للصادق جعفر بن محمد عليه السّلام : بلغنا ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى ليبغض البيت اللحم ، واللحم السمين ، فقال عليه السّلام : انّا لنأكل اللحم ونحبّه ، وانّما عني عليه السّلام البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة ، وعنى باللحم السمين المتبختر المختال في مشيته .
[5] الكافي : 6 / 308 باب فضل اللحم حديث 5 ، بسنده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : انّا نروي عندنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال : انّ اللّه تبارك وتعالى يبغض البيت اللحم ، فقال عليه السّلام : كذبوا انّما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : البيت الذي يغتابون فيه الناس ويأكلون لحومهم ، وقد كان أبي عليه السّلام لحما . ولقد مات يوم مات وفي كمّ امّ ولده ثلاثون درهما للحمّ .
[6] المحاسن : 460 باب 54 اللحم حديث 408 ، وفيه قوله عليه السّلام : لا بأس بإدمانه .
[7] مستدرك وسائل الشيعة : 3 / 106 باب 15 حديث 1 و 2 ، ولم أجد رواية بأكل اللحم كل ثلاثة أيام ، نعم ان رويت عنهم رواية بذلك فهي محمولة على التقيّة لان العامّة رووا ذلك .
[8] الكافي : 6 / 309 باب ان من لم يأكل اللحم أربعين يوما تغيّر خلقه حديث 1 .
[9] الكافي : 6 / 309 باب ان من لم يأكل اللحم أربعين يوما تغير خلقه حديث 3 ، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من اتى عليه أربعون يوما ولم يأكل اللحم فليستقرض على اللّه عزّ وجلّ وليأكله .
[10] الكافي : 6 / 259 باب في لحم الفحل عند اغتلامه حديث 1 .
[11] المحاسن : 471 باب 59 حديث 465 .
[12] الكافي : 6 / 322 باب نهك العظام حديث 1 .
[13] الكافي : 6 / 315 باب فضل الذراع على ساير الأعضاء حديث 3 .
[14] الكافي : 6 / 317 باب الثريد حديث 5 .
[15] الكافي : 6 / 319 باب الشواء والكباب حديث 4 .
[16] الكافي : 6 / 319 باب الشواء والكباب والرؤوس حديث 5 .
[17] الكافي : 6 / 319 باب الهريسة حديث 1 . وصفحه 320 حديث 3 و 4 .
[18] النّي - مهموز - يطلق على كل شيء شأنه ان يطبح ولم يطبخ . [ منه ( قدس سره ) ] .
[19] الكافي : 6 / 314 باب القديد حديث 4 و 5 و 7 .
[20] الكافي : 6 / 310 باب فضل لحم الضأن على المعز حديث 1 .
[21] الكافي : 6 / 310 باب لحم البقر وشحومها حديث 1 و 2 .
[22] الكافي : 6 / 311 باب لحم البقر وشحومها حديث 3 .
[23] الكافي : 6 / 311 باب لحم البقر وشحومها حديث 4 .
[24] الكافي : 6 / 312 باب لحوم الطير حديث 2 .
[25] كپك ( [ منه ( قدس سره ) ] . كذا يقال له في الفارسية .
[26] الكافي : 6 / 312 باب لحوم الطير حديث 4 .
[27] المحاسن : 475 باب 65 لحوم الحمام والدراج حديث 478 ، والكافي : 6 / 312 باب لحوم الطير حديث 3 .
[28] الكافي : 6 / 313 باب لحوم الطير حديث 6 .
[29] الكافي : 6 / 212 باب لحوم الطير حديث 5 .
[30] الكافي : 6 / 323 باب السمك حديث 1 ، وصفحة 324 باب السمك حديث 10.
[31] الكافي : 6 / 324 باب السمك حديث 9 .
[32] الكافي : 6 / 324 باب السمك حديث 10 .
[33] المحاسن : 476 باب 66 حديث 482 و 488 و 489 .
[34] الكافي : 6 / 324 باب السمك حديث 10 .
[35] المشهور عند فقهائنا قدس اللّه اسرارهم الحكم بكراهة اكل لحم الهدهد ، واستفيد الحكم من جملة من النصوص الدّالة على كراهة قتله ، وقد ذكر الهدهد في جملة من الطيور التي ثبت كراهة اكل لحمها ، وهناك قول بالحرمة .
[36] الحكم بالكراهة هو المشهور بين المتأخرين ، وان كان من المتقدمين من يقول بحرمة اكله، والجزم بالكراهة - بعد ملاحظة النصوص وسياقها - لا يخلو من قوّة ، خصوصا بعد ملاحظة موثق عمّار ، وتعليل الامام عليه السّلام للكراهة بأنه : استجار بك ، أو انه : لا يؤذي.
[37] أنواع من الطيور ، حكم الفقهاء بكراهتها ، راجع مناهج المتقين : 433 .
[38] المختلف : 2 / 127 ، بسنده عن الصادق عليه السّلام إلى أن قال : لأنه استجار بك واوى في منزلك يستجير بك فاجره .
[39] الكافي : 6 / 299 باب نوادر حديث 19 ، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : اطرفوا أهاليكم في كلّ جمعة بشيء من الفاكهة أو اللّحم حتى يفرحوا بالجمعة .
[40] الكافي : 6 / 335 باب السمن حديث 2 ، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام : السمن دواء وهو في الصيف خير منه في الشتاء ، وما دخل جوفا مثله .
[41] الكافي : 6 / 335 باب السمن حديث 4 .
[42] الكافي : 6 / 331 باب الزيت والزيتون حديث 1 و 2 و 4 ، وصفحة 332 حديث 6 .
[43] الكافي : 6 / 336 باب الألبان حديث 7 .
[44] الكافي : 6 / 336 باب الألبان حديث 2 .
[45] الكافي : 6 / 336 باب الألبان حديث 7 .
[46] الكافي : 6 / 316 باب الطبيخ حديث 1 و 4 ، والمحاسن : 467 باب 55 حديث 439 .
[47] الكافي : 6 / 337 باب الألبان حديث 8 .
[48] الكافي : 6 / 337 باب ألبان البقر حديث 2 .
[49] الكافي : 6 / 338 باب الماست حديث 1 . أقول : الماست : هو اللبن الرائب .
[50] الكافي : 6 / 340 باب الجبن حديث 3 ، وباب الجبن والجوز حديث 2 .
[51] الكافي : 6 / 340 باب الجبن والجوز حديث 3 .
[52] الكافي : 6 / 340 باب الجبن حديث 3 ذيله .
[53] الدروع الواقية نقل عنها المجلسي رضوان اللّه عليه في البحار : 14 / 65 طبعة كمباني .
[54] مستدرك وسائل الشيعة : 3 / 101 باب 97 حديث 3 .
[55] الكافي : 6 / 544 باب الغنم حديث 6 .
[56] مستدرك وسائل الشيعة : 3 / 65 باب 2 حديث 2 ، عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال : إذا أردت ان تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة ؛ احدّ الشفرة ، واستقبل القبلة ، ولا تنخعها حتى تموت .
[57] مناهج المتقين : 429 في الذباحة .
[58] وسائل الشيعة : 16 / 308 باب 40 حديث 1 و 2 .
[59] الكافي : 6 / 229 باب صفة الذبح والنحر حديث 4 .
[60] الكافي : 6 / 236 باب الأوقات التي يكره فيها الذبح حديث 1 و 3 .
[61] الفقيه : 3 / 211 باب 96 حديث 979 .
[62] الكافي : 6 / 229 باب صفة الذبح والنحر حديث 7 .
الاكثر قراءة في أخلاقيات عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة