Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
في فلسفة الألم: كيف تُعيد الجراح تشكيل الإنسان

منذ 16 ساعة
في 2025/12/19م
عدد المشاهدات :59
في فلسفة الألم: كيف تُعيد الجراح تشكيل الإنسان
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
14/12/2025
الألم ليس مجرد وخزة في الجسد، ولا انكسارًا عابرًا في الروح، بل هو التجربة التي تكشف للإنسان وجهه الحقيقي، وتضعه أمام حدوده، وتمنحه—على قسوته—فرصة نادرة لفهم ذاته. فالحياة لا تُقاس بما تُعطيه من أفراح، بل بما تُنزله من جراح تُعيد ترتيب وعينا، وتُعلّمنا كيف نرى العالم بأعين أكثر نضجًا. ولهذا كان الألم، في جوهره، أحد أكثر التجارب الإنسانية تأثيرًا، إذ يجمع بين البيولوجي والنفسي والاجتماعي والروحي في نسيج واحد، ويمنح الإنسان القدرة على التحوّل حين يظن أنه لم يعد قادرًا على شيء.
من الناحية الجسدية، يأتي الألم كإشارة إنذار، كصيحة من الأعماق تقول إن في الجسد خللًا يجب إصلاحه. وفي هذا المستوى يبدو الألم مفيدًا، لأنه يحمي الإنسان من الخطر ويمنعه من الاستمرار في طريق الهلاك. لكن ما إن ينتقل الألم من الجسد إلى الروح حتى يتخذ شكلًا آخر، أشدّ تعقيدًا وأبعد أثرًا. فالألم النفسي لا يظهر بجرح واضح، ولا بدم ينزف من موضع محدد، لكنه يتسلل بصمت إلى عالم الإنسان الداخلي، يربك نومه، ويقلق أفكاره، ويضعف صلابته، ويأكل المعنى من الداخل قبل أن يفتك بالجسد. ولهذا كان هذا النوع من الألم أشد قسوة، لأنه يصيب الإنسان في مركز توازنه لا في أطرافه.
ولا يمكن فصل الألم عن السياق الاجتماعي الذي يُعاش فيه. فالمجتمع لا يكتفي بتوزيع الأدوار والفرص، بل يشارك أيضًا في صناعة الألم أو تخفيفه. في البيئات التي تُجرِّم البوح، يتحول الألم إلى عبء مضاعف؛ ألم المعاناة وألم الكتمان، ويُجبر الأفراد على ارتداء أقنعة الصمود فيما هم يتآكلون من الداخل. أما في المجتمعات التي تعترف بالهشاشة الإنسانية، فإن الألم يتحول إلى لغة مشتركة، وإلى جسر للتعاطف لا إلى سبب للعزلة. ولهذا نرى في المجتمعات المنهكة سياسيًا واقتصاديًا كيف يغدو الألم عادة يومية، وكيف يهبط سقف الأحلام حتى تصبح النجاة بحد ذاتها إنجازًا، ويتحوّل الألم إلى جزء من الهوية الجمعية، يُورَّث كما تُورَّث الخيبات.
وعلى المستوى السياسي، لا يعود الألم مجرد نتيجة عرضية للواقع، بل يتحول أحيانًا إلى أداة إدارة وسيطرة. فثمة أنظمة لا تحكم الناس إلا عبر خوفهم، ولا تضمن ولاءهم إلا بإدامة حرمانهم ووجعهم المستمر. في مثل هذه الحالات يُستثمر الألم لا لمعالجته، بل لإبقائه حيًّا، لأنه الضامن لبقاء السلطة. ومع ذلك، فإن التاريخ الحديث يُظهر أن الألم ذاته يمكن أن ينقلب على صانعيه؛ فالألم المتراكم في صدور المظلومين قد يتحول إلى وعي جماعي، وإلى شرارة تحرر. فالأحداث التي شهدتها غزة، من حصارٍ طويل ومعاناة مستمرة، أو القضية الفلسطينية بأكملها التي تحمل وجع شعبٍ يرزح تحت الاحتلال والتهجير، تبيّن كيف يصبح الألم قوة مقاومة ورافعة للوعي السياسي والاجتماعي. وكذلك احتلال العراق وما ترتب عليه من خسائر وأوجاع يومية للمواطنين، أفرز حركة احتجاجية وصحوة مجتمعية على القهر السياسي والفساد المستشري. وما من ثورة أو حركة تغيير إلا وكانت وليدة وجعٍ طال كتمانه، حتى انفجر، لا بحثًا عن الفوضى، بل عن الكرامة والحق، مؤكدًا أن الألم السياسي، حين يُستوعب ويُحوّل، يصبح شرارة للوعي والتحرر لا مجرد حالة قهرية سلبية.
وفي الرؤية القرآنية، لا يُفهم الألم بوصفه عقوبة عمياء أو شرًا خالصًا، بل بوصفه ابتلاءً يدخل ضمن سنن الوجود. فالقرآن لا يعد الإنسان بحياة خالية من الألم، بل يضعه أمام حقيقة الاختبار، ويمنحه أدوات الفهم والصبر. الألم هنا ليس خارج المعنى، بل في قلبه؛ امتحان يكشف صدق الإنسان، ويُعيد ترتيب علاقته بنفسه وبربه وبالعالم. يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَمْحُوْهَا وَلَمْ نَكْتُبْ لَهَا أَجَلًا﴾ [الإنسان: 4]، فيُذكّر الإنسان بأن كل معاناة محدودة ومقنّنة بحكمة ربانية. ويشير القرآن كذلك إلى أن الابتلاء وسيلة للتميز بين الصادق والكاذب، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155]، مؤكّدًا أن الألم جزء من الاختبار وليس نهاية المطاف. وحين يقول النص الإلهي: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 6]، فهو لا يقدّم وعدًا مؤجلًا بزوال الألم فحسب، بل يؤكد أن الألم ذاته يحمل في داخله إمكانية الانفراج، وأن العسر ليس طريقًا مسدودًا، بل مرحلة من مراحل التكوين. والقرآن يربط الصبر بالثواب والفهم العميق للألم، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: 42]، مشيرًا إلى أن الصبر على الألم يفتح أبواب القوة الداخلية، ويحوّل المعاناة إلى معرفة وفهم للحياة والخلق.
وفي مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، يأخذ الألم بعدًا أخلاقيًا أعمق. فهو ليس قيمة تُطلب لذاتها، ولا حالة يُمجّدها العقل، بل تجربة تُدار بالوعي والصبر. فقد قال الإمام علي عليه السلام : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد»، مشيرًا إلى أن الصبر هو الذي يربط الإنسان بعقله وروحه، وأن الألم بلا صبر يصبح فوضى داخلية تحطم النفس. وأيضًا قال: «لا يرى الجاهل إلا الاستراحة، ولا يرى العاقل إلا في المشقة راحة»، وهي حكمة تؤكد أن قيمة الحياة ليست في الغياب التام للألم، بل في قدرتنا على مواجهته بعقل ووعي. وقد ورد عنه أيضًا: «ما عُبد الله إلا بالمشقّة، وما نال العبد العلا إلا بالتعب»، فيؤكد أن الألم تجربة تؤسس للنضج الأخلاقي والمعرفي، وأن مواجهة المشقات بوعي تُهذّب النفس وتقوّي العزيمة. ولهذا، يرى الإمام أن الراحة الحقيقية لا تكمن في غياب المشقة، بل في القدرة على احتمالها دون الانهيار، لأن العاقل لا يبحث عن طريق بلا تعب، بل عن معنى يمنحه القدرة على مواصلة السير.
ومع الأئمة الأطهار عليهم السلام، يبلغ الألم ذروته الأخلاقية حين يتحول إلى موقف. ففي تجربة الإمام الحسين بن علي عليهم السلام، لم يكن الألم قدرًا مفروضًا، بل اختيارًا واعيًا في مواجهة الظلم. لم يُطلب الألم لذاته، ولم يُحتفَ بالجرح بوصفه غاية، بل قُبل الألم ثمنًا لرفض المساومة على الحق، وتحول إلى رسالة خالدة للوعي الأخلاقي والإنساني. وهنا يتحول الألم من حالة سلبية إلى شهادة أخلاقية، ومن معاناة شخصية إلى ذاكرة جمعية، لا تمجيدًا للوجع، بل إدانة دائمة للظلم.
ولا يقتصر هذا الفهم على كربلاء فحسب؛ فالإمام موسى الكاظم عليه السلام عاش ألمًا طويلًا ومظلومية صامتة، إذ حُبس ظلماً في سجن هارون الرشيد، وجابه القهر بصبر وعزيمة، محتفظًا بمبادئه دون انحناء. لقد كان سجنه تجربة أليمة جسديًا وروحيًا، لكنها رسّخت معنى الصبر الأخلاقي والتحمل من أجل الحق والعدل. فالألم في وعي الأئمة الأطهار ليس انكسارًا، بل إعلانًا بأن الإنسان قادر على اختيار موقفه حتى في أقسى الظروف، وأن التمسك بالحق أعظم من الحياة المريحة، وأن المعاناة في سبيل المبادئ هي شهادة على قيمة الإنسان وكرامته.
ومع كل هذه الأبعاد، يبقى الألم الشخصي هو الأكثر غموضًا، لأنه لا يُقاس ولا يُقارَن. فما ينهك إنسانًا قد يمرّ على غيره مرورًا عابرًا، وما يبدو بسيطًا في عين الآخرين قد يكون عاصفة في داخل صاحبه. الألم شخصي لأنه يرتبط بتاريخ الفرد، وهشاشته، وذاكرته، وتجاربه السابقة. هناك من يحوّله إلى طاقة نضج، وهناك من يتركه يتحول إلى سجن داخلي. غير أن المؤكد أن الألم، حين يُستوعب بدل أن يُدفن، يصبح معلمًا صامتًا يكشف للإنسان ما لم يكن يراه في نفسه، ويُسقط الأقنعة، ويعيد ترتيب الأولويات.
ومع ذلك، لا يجوز تزيين كل ألم أو تبريره. فثمة آلام مدمّرة لا تصنع وعيًا ولا تفتح أفقًا، بل تطفئ الإنسان من الداخل؛ آلام ناتجة عن قهر وظلم وبُنى مختلة. وهذه لا ينبغي أن تُلبس ثوب الحكمة أو القدر، لأنها ليست اختبارًا فرديًا بقدر ما هي خلل جماعي. فالإنسان لا خُلق ليعاني، ولا يُبنى الوعي على الجراح وحدها، بل على العدل أيضًا. ومن الشجاعة أن يعترف الإنسان بألمه، لا ليغرق فيه، بل ليبحث عن معنى يتجاوزه، وعن واقع يقلّل من تكراره.
وللألم وجه آخر حين يتحول إلى حنين. فالفقد يترك فراغًا لا يُملأ، والذكريات الجميلة تخلّف وجعًا ناعمًا لا نعرف هل نرفضه أم نتمسك به. هذا الألم، رغم رقّته، يكشف قدرة الإنسان على الحب، لأن الوجع لا يسكن إلا حيث كان الجمال. وهكذا تصبح الذاكرة ساحة ألم ووفاء في آنٍ واحد.
وفي النهاية، لا يمكن للإنسان أن يعيش بلا ألم، ولا أن يفهم ذاته دون أن يمرّ بتجارب تترك أثرها عليه. قد يهرب، وقد يتظاهر بالقوة، لكن الألم يظل مرافقًا له كما ترافق الظلال الأجساد. غير أن الخيار يبقى قائمًا: إما أن يُحمل الألم كعبء يشلّ الخطوات، أو كدرس يفتح بابًا إلى نضج أعمق. وها هنا تذكير إلهي لطيف بأن العسر ليس نهاية الطريق، بل مرحلة يمر بها الإنسان ليعيد ترتيب قلبه وروحه، وأن القدرة على الجبر، ولو ببطء، هي إحدى أعظم وجوه القوة الإنسانية.
الضجيج المصنوع: صناعة التفاهة لصرف الأنظار عن النار
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
في زمنٍ تتداخلُ فيه الأصوات حتى تغدو الحقيقةُ همسًا خافتًا في سوقٍ صاخب، تشهدُ خباتُ أربيل معاركَ تتقاذف شررها على رؤوس الأهالي، بينما تتراصفُ قنواتُ الفتنة على خطٍّ واحد: خطُّ التعمية، والتضليل، وصناعة الغبار في وجه الشمس. كأنّ مهمتها الكبرى ليست نقل ما يجري، بل دفنُه تحت ركامٍ من الأخبار المتهافتة... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...


منذ 5 ايام
2025/12/14
لو جلست يومًا على شاطئ البحر لساعة أو ساعتين ستلاحظ أن الماء لا يبقى على حاله....
منذ 5 ايام
2025/12/14
سلسلة مفاهيم في الفيزياء (ج82): فيزياء الوجود الكامل: من ميكانيكا الكم إلى التصور...
منذ 1 اسبوع
2025/12/10
تعد نزلات البرد من أكثر المشاكل الصحية شيوعاً ورغم بساطتها في أغلب الأحيان فإنها...