Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
بين قدسية المنبر وضجيج الخطاب قراءة نقدية في ظاهرة الشيخ مصطفى الأنصاري

منذ 4 اسابيع
في 2025/10/21م
عدد المشاهدات :500
بين قدسية المنبر وضجيج الخطاب
قراءة نقدية في ظاهرة الشيخ مصطفى الأنصاري
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
21/10/2025

منذ فجر التاريخ، كان المنبر الحسيني صوتَ الوعي في وجه الضجيج، ومنارةَ الهدى في زمن التيه. فهو ليس خشبةً يُرتقى عليها، بل مقامٌ تُرتقى به الأرواح، ومحرابٌ للكلمة الصادقة التي تهدي ولا تُضل، وتُصلح ولا تُحرّض. غير أنّ هذا المقام السامي بدأ في السنوات الأخيرة يشهد تحوّلاتٍ لافتة، إذ تسلّل إلى بعض منابره خطابٌ يعلو فيه الصوت بينما يَغيب عنه الوعي، وتختلط فيه حرارة العاطفة ببرودة الفهم.
إنّ هذا المقال ليس سجالًا شخصيًا، بل محاولة لإعادة ضبط البوصلة التي قد تنحرف حين يُستبدل صوتُ الحسين عليه السلام بضجيجٍ يعلو من فوق منبره، وحين تتحوّل قدسية المكان إلى غطاءٍ لتسويق الفكر أو السياسة أو الإعجاب بالرموز على حساب المبدأ.
فجأة، وبدون مقدماتٍ واضحة، بدأ نجم الشيخ مصطفى الأنصاري ـ خطيب المنبر الحسيني ـ يصعد بسرعة لافتة. كان صعوده مفاجئًا حتى لمن يتابع الوسط المنبري عن قرب، إذ لم يسبقه تمهيد علمي أو إرهاصات تشير إلى تميزٍ نوعي في الأداء أو الطرح، بل بدا وكأنّ الموجة حملته من حيث لا يدري. أثار ذلك في داخلي جملةً من علامات الاستفهام، غير أنني آثرت الصمت أول الأمر، مفضّلًا أن أحتفظ بملاحظاتي إلى حين تتضح الصورة.
لكن ما إن شاع اسمه وبدأت المقاطع المصوّرة تتداول على نطاق واسع، حتى اندلعت حملة إعلامية كبيرة ضده بسبب مقولةٍ أوردها في إحدى محاضراته. في ذلك الوقت وجدت أنّ تلك الحملة غير مبرّرة، إذ غلب عليها الانفعال وسوء الفهم، فكتبت مقالًا في صحيفة صوت العراق، حمل عنوان حين تُهاجم القيم: قراءة في موقف الشيخ مصطفى الأنصاري من الوطنية. دافعت فيه عن حقه في إبداء الرأي، وانتقدت طريقة الهجوم عليه، معتبرًا أنّ الموقف لا يستحق كل تلك الضجة. كانت تلك مقاربةً مهنية لحادثة محددة، لم تتجاوز حدودها إلى تقييم شامل للرجل.
غير أن المتابعة اللاحقة لأطروحات الشيخ، بتمعّنٍ ودقّة، جعلتني أراجع موقفي. فقد بدا واضحًا أن الرجل اتخذ منحًى لا ينسجم مع تقاليد المنبر الحسيني، لا في لغته ولا في مضمونه. من الملاحظات التي سجّلتها عليه هي الإفراط في استخدام ألفاظٍ لا تليق بالمقام الذي يجلس عليه؛ فالمنبر الحسيني ليس ساحة خطابٍ شعبي أو منبرًا سياسيًا، بل هو مقامٌ مقدّسٌ يرتقي عليه الخطيب ليهدي العقول ويرقّق القلوب. الكلمة على المنبر ليست وسيلة جذبٍ جماهيري، بل مسؤولية أخلاقية وثقافية؛ والمنبر الذي صعده الكبار كالدكتور الوائلي وأمثاله كان منبر تربيةٍ وإحياءٍ للضمير، لا مجالًا للتجريح أو التهكم. تمنيت لو أن الشيخ الأنصاري توقّف طويلًا أمام تجارب هؤلاء العظام، ليتعلم كيف تكون البلاغة خادمةً للفكر لا سيفًا على الذوق.
ثم تتابعت الملاحظات، وبدأ يتكشف ميله الصريح لجهةٍ سياسية أو فكرية معينة، والدفاع عنها دفاعًا مطلقًا، حتى غدت كل خطبةٍ من خطبه تتضمن تمجيدًا لتلك الجهة وتبريرًا لمواقفها، في ظاهرةٍ غريبة على المنبر الحسيني الذي وُجد ليكون صوت المظلومين لا صوت الساسة. إنّ حرية الرأي مكفولة، بل مطلوبة، لكن ما يُؤخذ على الشيخ ليس رأيه بحد ذاته، بل توظيفه لمنبر الإمام الحسين عليه السلام في معركةٍ لا تليق بمقام المنبر. حين يتحوّل منبر الحسين إلى وسيلة دفاع عن جهةٍ بعينها، فإنّه يفقد قدسيته ويتحوّل إلى أداة تبريرٍ بدلاً من أن يكون أداة إصلاح.
لقد بدا في خطابه وكأنه يمنح تلك الجهة عصمةً ضمنية، وإن لم يتلفّظ بها، في مشهدٍ يشبه ما يفعله التيار السلفي حين يرفع بعض الصحابة إلى مرتبة العصمة دون أن يقولها صراحة. وهذا من أخطر أشكال الانحراف الخطابي: أن يتسلل التعصب إلى المنبر باسم الولاء.
غير أنّ كل تلك المؤشرات لم تكن كافية لتكوين حكمٍ قاطع عليه، حتى شاهدت له مقابلةً متلفزة وقفتُ أمامها طويلًا. ففي تلك المقابلة رفع الشيخ مصطفى الأنصاري محيي الدين ابن عربي إلى منزلةٍ وصفها بأنها تأتي بعد منزلة الأئمة المعصومين. وحين أراد أن يسند رأيه، استشهد بمصادر تنتمي إلى الجهة الفكرية ذاتها التي يروّج لها دائمًا، دون أن يعرض للرأي المقابل أو يفتح باب المقارنة بين المدارس والمناهج. هنا بالذات، شعرتُ أنّ الخطاب لم يعد اجتهادًا فرديًا بل مشروعًا أيديولوجيًا يسعى لتمرير رؤية معينة من خلال المنبر الحسيني.
إنّ الباحث الجاد لا يقيّد نفسه بمصادر من طرف واحد، بل يُلزم نفسه بالانفتاح على جميع الاتجاهات ـ حتى المتطرفة منها ـ ليتكوّن عنده وعيٌ متوازن، ويترك للمتلقي حرية الانحياز لما يراه أقرب إلى الحقيقة. أما أن يُغلق العقل على مدرسةٍ بعينها، ويعتبرها هي التي تحتكر الحقيقة وما عداها باطل، فذلك ليس بحثًا علميًا بل تعصّبٌ فكري في ثوب المعرفة. هذه المبالغة في تمجيد ابن عربي تكشف عن خللٍ في الوعي الديني المعاصر، وعن نزعةٍ إعلامية تميل إلى تأليه الرموز بدل قراءتها قراءة نقدية تاريخية.
يا شيخنا الكريم، لو أنك رجعت إلى نصوص ابن عربي نفسها ـ لا إلى ما يُنقل عنه ـ وفتحت الفتوحات المكية مثلًا، لوقفت على ما قاله في الباب الثالث والسبعين، حيث يذكر مكاشفةً يرى فيها بعض الشيعة ويسميهم صراحةً بـ"الروافض"، ويصفهم على هيئة خنازير وكلاب بزعم أنّها صورتهم الباطنية. حاول بعض المدافعين تأويل هذا النص على أنه "كشف رمزي"، لكن يبقى ـ مهما كان التأويل ـ إساءةً صريحةً لجماعةٍ من المسلمين، لا يمكن تبريرها لا بالعرفان ولا بالرمز.
فكيف يُرفع من قال بهذا الكلام إلى مرتبةٍ تلي الأئمة المعصومين الذين هم أصل التوحيد والعدل والرحمة
أليس هذا تناقضًا صارخًا بين القول والفعل
أليس في هذا إهانةٌ لجوهر الولاء الذي يفرض على الخطيب أن يكون صوتًا للحقيقة لا للمجاز
إنّ التقديس المفرط لابن عربي لا ينبع من فحصٍ معرفيٍّ دقيق، بل من انبهارٍ وجدانيٍّ غير منضبط، جعل كثيرين يرون فيه ما لم يكن فيه. فالرجل الذي دعا إلى وحدة الوجود واتساع الرحمة الإلهية لم يتّسع صدره لرؤية المذهب الشيعي إلا من خلال صورٍ تنطوي على الإقصاء. فكيف نمنح بعد الأئمة مكانةً لمن ضيّق على أتباعهم وكيف نؤمن بوحدة الوجود على لسان من لم يعرف وحدة الأمة
إنّ ما يطرحه الشيخ الأنصاري لا يبدو مجرد خطأ عابر في التقدير، بل هو بوابة خطابية تُعيد تدوير رموز التصوف على حساب العقيدة الإمامية. ولعلّ وراء هذا التوجه نزعة فكرية تهدف إلى تمييع الفوارق العقدية بين المذاهب تحت شعار "التقريب"، لكنه تقريبٌ وهميّ يقوم على إذابة الثوابت لا احترامها.
فالحديث عن ابن عربي بعد الأئمة ليس قولًا بريئًا، بل خطوة في مشروعٍ يُراد منه نقل العصمة من النص إلى التجربة، ومن الإمام إلى الشيخ، ومن الوحي إلى الكشف. إنّها محاولة ناعمة لإزاحة المرجعية المعصومة لصالح مرجعية العرفان الذاتي، وهذا ما لا يمكن القبول به لا دينيًا ولا معرفيًا.
إنّ المنبر الحسيني لم يُخلق ليكون صدى لأصواتٍ عابرة، بل خُلِق ليبقى صدى لصرخة الحسين عليه السلام في وجه الظلم والجهل والانحراف. وكلّ خطيبٍ يعتلي هذا المنبر إنما يحمل أمانة التاريخ وضمير الأمة، فلا يجوز له أن يُدخل المنبر في دهاليز السياسة أو أن يلوّنه بأهواء الفِرَق والمذاهب. فحين يُصبح المنبر ساحةَ دفاعٍ عن الأشخاص بدل أن يكون منبرًا للحق، نفقد جوهر الرسالة التي خرج الحسين من أجلها.
إنّ أخطر ما يواجه الخطاب الديني اليوم هو هذا الاختلاط بين التقديس والتسويق، بين الوعي والضجيج، حيث تُرفع رموز لاختلافها لا لعلمها، ويُساق الجمهور بعاطفةٍ لا بعقل.
إننا بحاجةٍ إلى مراجعةٍ شجاعة تُعيد للمنبر مكانته الفكرية، وتُميّز بين من يُحسن القول ومن يُتقن الهدى، بين من يتحدث عن الحسين ومن يتحدث باسم الحسين.
فقدسية المنبر ليست في من يجلس عليه، بل في صدق الكلمة التي تُقال عليه، وفي الوعي الذي تبعثه تلك الكلمة في القلوب والعقول. ومن هنا، فإنّ كل منبرٍ لا يورث وعياً ولا يُقيم عدلاً، إنما هو ضجيجٌ عالٍ في حضرة الصمت الحسيني العظيم.
حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ 15 ساعة
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ 15 ساعة
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
منذ 15 ساعة
2025/11/16
في عالم سريع الإيقاع يزداد فيه الضغط والعمل والسهر أصبحت مشروبات الطاقة جزءاً من...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )