في المشهد الذي جمع عمالقة الشرق، من موسكو إلى بكين، ونيودلهي إلى بيونغ يانغ، برزت صورةٌ تحمل في طياتها روح تاريخٍ نضاليّ مشرق. حضور ابنة الرئيس الإيراني لم يكن بروتوكولياً عابراً، بل كان إعلاناً صامتاً بقوة الرمز، واستحضاراً لجوهر القوة النسوية المؤمنة التي شكلت عبر العصور درع الأمة وسيفها المُصلت.
لقد أرادت إيران أن تقول للعالم إنها جزءٌ أصيل من نسيج التكتل الشرقي الصاعد، لا تذوب في الآخر ولا تنفصل عن هويتها، تماماً كما لم تذِبْ في الماضي تحت ضغوط الاستكبار الغربي. وهذا الحضور كان تجسيداً لروح "لا شرقية ولا غربية" التي أرساها الإمام الخميني (رض)، لكنه أيضاً استحضارٌ لنساء الإسلام العظيمات اللواتي حملن الرسالة ودافعن عن الحق ولم يخشين في الله لومة لائم.
فالعباءة السوداء التي ارتدتها ابنة الرئيس الإيراني لم تكن مجرد زيٍ محتشم، بل كانت رايةً ترمز إلى عفة وشرف المرأة المسلمة التي تسير على خطى سيدات الإسلام القويات: من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) التي وقفت بشجاعةٍ تدافع عن حقّ أهل البيت وتُطالب بالمظلومية وتُظهر قوة الإيمان في مواجهة الباطل، إلى السيدة زينب (ع) صاحبة الموقف التاريخي في كربلاء وبعدها، التي حطّمت بصلابتها وجرأة كلمتها جبروت يزيد وأفكار الانحراف، وروّجت لمبادئ الإسلام الأصيل في أقسى لحظات الظلم والاستبداد.
وهذا الروح نفسه تجسّد في العصر الحديث بشخصيات مثل السيدة بنت الهدى، الأخت الروحية والفكرية للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره، التي وقفت بثبات إلى جانب أخيها في مواجهة نظام البعث الفاشي، مُظهرةً نمطاً نادراً من الشجاعة الفكرية والالتزام الديني، لتكون مثالاً للمرأة المجاهدة العالمة التي لا تُفرّط بعفتها ولا بشرفها ولا برسالتها.
ولكأنما العباءة الزينبية التي نراها اليوم هي نفسها عباءة المقاومة والعفة التي انتقلت عبر الأجيال، من أمهات المؤمنين إلى أمهات المجاهدين في جنوب العراق، تلك المرأة الطاهرة التي أنجبت رجالاً أشداءً تحلوا بالإيمان والإباء، فلبّوا نداء المرجعية ليتأسس الحشد الشعبي، مدافعين عن الأرض والعرض والدين.
هكذا يكون الرمز وهكذا تكون الرسالة المرأة في عالمنا الشرقي الإسلامي ليست صورةً زائفة، بل هي الأمُّ المربية، والأخت المقاتلة، والبنت الثائرة، والمفكرة المقاومة. هي من تحمل عباءة الشرف والعهد، وتصنع من القيم سلاحاً، ومن الإرث الثقافي والديني قوةً ناعمةً تخترق العالم وتُغيّر موازين القوى.
فحضورها في منصة النصر الصيني كان أكثر من بروتوكول؛ كان برهاناً على أن الهوية الأصيلة والالتزام القيمي هما أقوى أسلحة الدبلوماسية وأعمقها تأثيراً. هي رسالة إلى العالم إن المرأة المسلمة المحافظة هي المرأة القوية الحرة، التي ترفع راية الحق ولا تنحني للضغوط، وتصنع التاريخ ولا تنتظره.