حسن الهاشمي
قبل الخوض في تناول الموضوع لابد من معرفة معنى الصلاة والكفر، ليتبين لنا حدود الكفر وماهية نوعه لاسيما ذلك الذي يخرج عن الملة ويستوجب الغضب الإلهي قبل بلوغ التوبة والانابة الى الله تعالى، فنقول ان معنى الصلاة لغةً: الدعاء، ومنه قوله تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) التوبة: 103. واصطلاحًا (شرعًا): عبادة مخصوصة ذات أقوال وأفعال تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم، فرضها الله على المسلمين خمس مرات في اليوم، وهي عمود الدين.
أما الكفر لغةً: الستر والتغطية، ومنه سُميّ الزراع "كفّارًا" لأنهم يغطّون البذور، واصطلاحا: إنكار ما هو من ضروريات الدين، كإنكار الأصول كالتوحيد أو انكار الفروع كالصلاة.
أنواع الكفر (في الفقه):
1. الكفر الجحودي: إنكار ما ثبت بالدليل القاطع، مع العلم به.
2. الكفر الإعراضي: ترك الالتفات أو الاهتمام بالدين مع معرفته.
3. الكفر النفاقي: إظهار الإسلام وإبطان الكفر.
4. الكفر العملي: بعض العلماء يعد ترك بعض الفرائض كفرا عمليا لا يُخرج من الإسلام.
أي كفر من هذه الأقسام يشمل تارك الصلاة وكيف يكون ترك بعض الفراض كفرا عمليا وهل يشمل هذا الكفر المتهاون بالصلاة أو ينحصر بالجحود بها هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عليها فنقول: ترك الصلاة في الإسلام يُعد من أعظم الذنوب، وقد اختلف العلماء في حكم من يتركها عمداً، وهل يُعتبر كافرا أو فاسقا، لا يُحكم بكفر تارك الصلاة إذا كان مقراً بوجوبها، لكنه يُعد فاسقا وعاصيا لله تعالى، أما من جحد وجوبها وأنكر أنها فريضة، فهو يُعتبر كافرا، لأنه أنكر ما هو من الضروريات، عن الإمام الصادق (ع): (إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة) من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج ١ - ص ٢٠٦. الاستخفاف هنا يُفهم على أنه التهاون المتكرر أو الترك المتعمد، وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): (أول ما ينظر في عمل العبد في يوم القيامة في صلاته، فإن قبلت نظر في غيرها، وإن لم تقبل لم ينظر في عمله بشئ) بحار الانوار للمجلسي: ١٠ / ٣٦٩ / ٢٢.
ترك الصلاة مع الإقرار بوجوبها تعد معصية كبرى، لا تُخرج عن الإسلام، أما جحد وجوبها يعد كفرا وخروجا عن الدين، اذ إنّ الروايات الواردة عن النبي الأكرم وأهل بيته عليهم السلام تشير إلى كفر تارك الصلاة، روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: (من ترك الصلاة متعمِّداً فقد كفر) بحار الأنوار للمجلسي، ج30، ص673. وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: (تارك الفريضة كافر) وسائل الشيعة للحر العاملي، ج4، ص59.
وقد أوجز العلماء معنى ترك الصلاة من خلال تصنيفه إلى قسمين:
الأول: ترك الصلاة المستلزم للكفر، وذلك بأن يكون تركه للصلاة في حال كونه منكرا لوجوبها، فيكون تركها ملازما للكفر لأنّ الله تعالى نصّ على وجوبها في القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) النساء:103. فإذاً التارك للصلاة والمنكر لوجوبها يلزم من إنكاره لوجوبها الإنكار للرسالة وبالتالي الإنكار للقرآن والواجبات الشرعية المنصوصة، وهذا يوجب الكفر.
الثاني: ترك الصلاة من دون إنكار لوجوبها، وهذا يُعد ذنباً من الذنوب الكبيرة، ولكنه لا يستلزم الكفر، فالبعض من الناس يترك الصلاة، وإذا سُئل عن ذلك يقول: إنَّ الصلاة واجبة إلا أنني لا أريد أن أصلي، والبعض من هؤلاء يطرح شبهات، ترتبط بالصلاة، فمثلاً يقول: إنّ الله تعالى غني عن العالمين وليس بحاجة للصلاة التي أصليّها، وهذه الشبهة ناشئة من توهم أنّ الله تعالى عندما يوجب علينا الواجبات أو ينهانا عن المحرمات فهو محتاج إلينا وهذه مغالطة وتصور خاطئ، لأنّ الله تعالى غني مطلق: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر:15. وأيضاً الله تبارك وتعالى مستغنٍ بشكل كامل عن عبادة الناس، قال تعالى: (وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) النساء:131.
ترك الصلاة عمداً هو من الكبائر المنصوصة، وحيث إنّ الصلاة في الإسلام من الأحكام الواجبة والضرورية، فإنّ تارك الصَّلاة مع إنكار وجوبها يُعدّ كافراً، وخارجاً من دين الإسلام، أمّا إذا لم يكن منكراً لوجوبها، وكان مؤمناً ومعتقداً بأنّها من الواجبات الشرعية التي حكم بها الله تعالى، ولكن تركه لها إنّما هو عن كسل وإهمال، فإنّ مثل هذا الشخص يُعدّ فاسقاً، والأخبار الواردة في كفر تارك الصلاة ناظرة للصورة الأولى دون الثانية.
فالله تعالى غني مطلق لا يحتاج إلى عبادة العبد، ولكنَّ العبد لابد أن يسير على وفق نظام يُشرِّعه المولى والخالق والمدبر لهذا الكون والمخلوقات بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، فالحاجة للعبد وليس لله، فعندما يصلي الإنسان لله تعالى فهو يحقق حاجاته الفطرية في التزوّد من الجانب المعنوي، وقد أثبت العلم الحديث في الدراسات المعمقة الدراسات النفسية وغيرها أنَّ الإنسان محتاج ومفطور على العبادة في تركيبته، وهذا يعني أنّ الجانب العبادي جزء لا يتجزأ من تركيبة الإنسان.
وسرّ هذا التشديد في الحكم على تارك الصلاة، أنّ ارتكاب المحرّمات ينشأ غالباً من غلبة الشهوة على الإنسان، ودفعها إيّاه نحو المعصية، كما هو في الزِّنا، أو من سيطرة الغضب عليه، فتدفعه نحو الذنوب العظام والقذف والقتل وغيرها من الموبقات، أما ترك واجب كالصلاة، فإنّه لا تتدخّل الشهوة ولا الغضب إطلاقا في دفعه نحو ترك الصلاة، بل الأمر منحصر في استخفاف الإنسان بحكم الله، واستحقاره للأوامر الدينية، فلهذا السبب دخل ترك الصلاة في عنوان الكفر بالله.
فالاستخفاف بالدين واضحٌ في ترك الصلاة، وأظهر من غيره، فإنّ تارك الزكاة والحج مثلاً، قد ينشأ تركه أحياناً من الحِرص على المال، وترك الصوم يمكن أن ينشأ من شهوة البطن، أمّا في ترك الصلاة فلا يوجد دافع لذلك سوى الاستخفاف بالدين، قال الله تعالى: (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) المائدة: 58.
النداء إلى الصلاة: إشارة إلى الأذان الذي يُرفع لدعوة الناس إلى الصلاة، اتخذوها هزوًا ولعبًا: يُقصد به أن بعض أهل الكتاب (خصوصا اليهود والنصارى والمنافقون) كانوا يسخرون من الأذان والصلاة الإسلامية، ويستهزئون بها، وهذا الاستهزاء ليس مجرد إنكار، بل نوع من الاستخفاف بالشعائر.
"ذٰلِكَ بأنهم قومٌ لا يعقلون": أي أن السخرية من المقدّسات دليل على نقص في العقل والدين، لا فقط في الإيمان، فالآية تُدين كل استخفاف بالشعائر الدينية كالأذان والصلاة، وتربط ذلك بضعف التعقّل والإيمان الحقيقي، وهي تحذير من جعل الدين محل ترفيه أو استهزاء.
أولئك الذين يتخذون من الصلاة مادة للسخرية والاستهزاء واللعب واسقاط الفرض من دون أن يتخذونها معراجا للروح وصقلا للذات ومنهاجا للحياة في السيرة والسلوك والبر والاحسان وترك المنكر والعدوان كما شرعها الله تعالى لذلك، كمن يترك الطريق المعبد الخال من المطبات والأدغال وينتهج الطرق الوعرة الخطرة المحفوفة بالمخاطر والمهالك، وكل من يرى هكذا سلوك شائن يصف صاحبه بالخبل وفقدان الوعي والعقل والذاكرة، فأين الذي يتهاون في صلاته ويستخف بها من الذي يتخذها قربانا للواحد المنّان ومن البديهي إن الذي يحكّم عقله في الاستفادة القصوى من الصلاة يحصل على ثمرات لا يمكن أن يحصل عليها المستخف بصلاته، كمن يرعى الفسائل والاشجار سقيا وحرثا وتواصلا، فإنه سوف يرفل في ظلالها الوارفة ويستمتع من ثمارها الحلوة، بخلاف من يهملها ويهجرها فإنه لا يحصد منها سوى القفر واليبس والآفات والحشرات.