جمعتني المصادفة معها في أحد الأعراس لإحدى قريباتي, نعم إنها جارتي العزيزة (أم أوس)، تبادلت معها أطراف الحديث, وأخذت بالسؤال عن أحوالي وأحوال عائلتي, فقلت لها: الحمد لله, الكلّ يخير. كما سألتها عن أحوالها، وقلت لها: هل زوّجتي ابنك (آوس)؟
أجابت بـ آه وحسرة ألم: لا.
فقلت لها بدهشة: ولِمَ لا؟! فلقد كنت عازمة على تزويجه منذ مدة طويلة، أجابت: لقد تعبت وأصابني اليأس وأنا أبحث عن زوجة مناسبة له, أو بالأحرى عن وجود فتاة تناسب شروطه التعجيزية! وها هو قد وصل منتصف الثلاثين من عمره، وما يزال يبحث عن الفتاة التي يرسمها في مخيلته.
وأخذت جارتي العزيزة تبثّ إليّ همومها ومعاناتها مع ابنها وشروطه التي وضعها في فتاة أحلامه، التي اصر أن تكون ذات بشرة بيضاء اللون, طويلة القامة, ليست بدينة، عيونها ملونة، متعلمة وأنيقة، من عائلة ذات حسب وجاه ومال.. وإلخ من الشروط التي لانهاية لها!
لماذا هذه النظرة الضيقة للزواج؟ هل أصبحت الزوجة عبارة عن دمية جميلة يحبّذ الزوج التباهي بحسنها بين أقرانه من الشباب؟ نعم، الجمال مطلوب ولكن غير محدود في صفات خاصة دون الأخرى، فهو شيء نسبي يختلف بين شخص وآخر, وبين ثقافة مجتمع ومجتمع آخر, لكن ما متفق عليه في مختلف الأديان والمجتمعات أنّ الزواج رابط مقدّس، وهو عبارة عن مؤسسة تُبنى على المودة والرحمة لتثمر عن أولاد ناجحين يرفدون المجتمع بالعطاء والخير والرقي إلى سلّم النجاح, أليس من الأجدر البحث عن زوجة تحمل فكراً ووعياً وديناً تعين به الزوج على متطلبات الحياة المختلفة, إنّ بناء أسرة ناجحة يحتاج إلى زوجة أمينة على تكوينها، وليس كما يحاول الغرب أن يصوّروها في عيون الشباب على أنها نوع من المتاع الرخيص الذي لا قيمة له إلا بما تمتلكه من صفات الجمال التي يضعونها بحسب أهواء ما يسمونهم خبراء الجمال, وبذلك فهم يسلبون المرأة أيّ قيمة إنسانية لها, هل غفلنا عن القول المأثور (وراء كلّ رجل عظيم امرأة)؟ كم ذكر لنا التاريخ نماذج متعددة لنساء كنّ سبباً في رفد المجتمع برجال عظماء ساهموا في بناء المجتمعات وازدهارها عن طريق الدور الذي تؤديه الزوجة في حياة زوجها بالإيثار براحتها، وتغليب مصلحته على مصلحتها خدمةً لراحة أسرتها ومجتمعها، وعلينا دائما أن نضع نصب أعيننا حديث الصادق عليه السلام : "إذا تزوّج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك, فإن تزوجها لدينها رزقه الله عز وجل مالها وجمالها".(1)
لأنّ المرأة التي تمتلك عقيدة صحيحة تعين الزوج على بناء أسرة مسلمة، فكثير من النساء ملكنَ قلوب أزواجهنّ وعقولهم بالجمال الروحي الذي لديهنّ، والمرأة الذكية هي التي تمتلك أناقة المنطق في التكلم مع زوجها بحيث تُشعره بدفء العاطفة وتجعله يغفل عن كثير من تقاسيم الجمال التي لا تمتلكها.
..............................
(1) مكارم الأخلاق: ص263.







وائل الوائلي
منذ 6 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN