الحكم الشرعي على الظاهر والباطن وهو على وجوه
المؤلف:
د. السيد مرتضى جمال الدين
المصدر:
فقه القرآن الميسر
الجزء والصفحة:
ص40 -41
2023-09-03
1931
لم يكن البحث في فقه الظاهر والباطن وفي فقه الوجوه معتادا مع ان نصوصه متوافرة حد الاستفاضة فالظاهر والباطن يمثل الاصل والفرع، الفريضة والطاعة، وفقه الوجوه يمثل السعة في اختيار الوجه الايسر للمكلف من باب التخيير واكثر التعارضات في الروايات الفقهية هي اختلاف وجوه لا اختلاف حكم وهذا اصل قرآني.
فقه الظاهر والباطن
الاصل القرآني لفقه الظاهر والباطن هو هذه الاية
{قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُون} [الأعراف: 33.]
بصائر الدرجات وتفسير العياشي: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْداً صَالِحاً (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى {إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} فَقَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ، فَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ فِي الْكِتَابِ هُوَ الظَّاهِرُ وَ الْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ وَجَمِيعُ مَا أَحَلَّ مِنَ الْكِتَابِ وَ هُوَ الظَّاهِرُ وَ الْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْحَقِّ[1].
فالاصل هو الباطن= المعرفة
والفرع هو الظاهر= الطاعة
شرح الظاهر والباطن
دعائم الاسلام: عن الامام الصادق ع في قوله تعالى {قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ} وَ قَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ} فَظَاهِرُ الْحَرَامِ وَ بَاطِنُهُ حَرَامٌ كُلُّهُ، وَ ظَاهِرُ الْحَلَالِ وَ بَاطِنُهُ حَلَالٌ كُلُّهُ، وَ إِنَّمَا جُعِلَ الظَّاهِرُ دَلِيلًا عَلَى الْبَاطِنِ وَ الْبَاطِنُ دَلِيلًا عَلَى الظَّاهِرِ يُؤَكِّدُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ يَشُدُّهُ وَ يُقَوِّيهِ وَ يُؤَيِّدُهُ فَمَا كَانَ مَذْمُوماً فِي الظَّاهِرِ فَبَاطِنُهُ مَذْمُومٌ، وَ مَا كَانَ مَمْدُوحاً فِي الظَّاهِرِ فَبَاطِنُهُ مَمْدُوحٌ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) وَ اعْلَمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَمِعُوا مَا لَمْ يَقِفُوا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَ لَمْ يَعْرِفُوا حُدُودَهُ فَوَضَعُوا حُدُودَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مُقَايَسَةً بِرَأْيِهِمْ وَ مُنْتَهَى عُقُولِهِمْ وَ لَمْ يَضَعُوهَا عَلَى حُدُودِ مَا أُمِرُوا بِهِ تَكْذِيباً وَ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَ عَلَى رَسُولِهِ وَ جُرْأَةً عَلَى الْمَعَاصِي وَ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيّاً يَدْعُو إِلَى مَعْرِفَةٍ لَيْسَ مَعَهَا طَاعَةٌ وَ إِنَّمَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَمَلَ مِنَ الْعِبَادِ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَنْ جَاءَ بِهَا مِنْ عِنْدِهِ وَ دَعَاهُمْ إِلَيْهِ فَأَوَّلُ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ وَ الْإِقْرَارُ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَ مَعْرِفَةُ الرَّسُولِ الَّذِي بَلَّغَ عَنْهُ وَ قَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْوَصِيِّ (عليه السلام) ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ الرُّسُلِ الَّذِينَ افْتَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَ زَمَانٍ عَلَى أَهْلِهِ وَالْإِيمَانَ وَالتَّصْدِيقَ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ وَ الْأَئِمَّةِ وَ آخِرِهِمْ، ثُمَّ الْعَمَلُ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى الْعِبَادِ مِنَ الطَّاعَاتِ ظَاهِراً وَبَاطِناً.
وَ اجْتِنَابُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِمْ ظَاهِرَهُ وَ بَاطِنَهُ وَ إِنَّمَا حَرَّمَ الظَّاهِرَ بِالْبَاطِنِ وَ الْبَاطِنَ بِالظَّاهِرِ مَعاً جَمِيعاً وَالْأَصْلَ وَ الْفَرْعَ فَبَاطِنُ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَظَاهِرِهِ وَ لَا يَسَعُ تَحْلِيلُ أَحَدِهِمَا وَ لَا يَجُوزُ وَ لَا يَحِلُّ إِبَاحَةُ شَيْءٍ مِنْهُ وَ كَذَلِكَ الطَّاعَاتُ مَفْرُوضٌ عَلَى الْعِبَادِ إِقَامَتُهَا ظَاهِرُهَا وَ بَاطِنُهَا لَا يُجْزِي إِقَامَةُ ظَاهِرٍ مِنْهَا دُونَ بَاطِنٍ وَ لَا بَاطِنٍ دُونَ ظَاهِرٍ وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ الظَّاهِرِ مَعَ تَرْكِ صَلَاةِ الْبَاطِنِ وَ لَا صَلَاةُ الْبَاطِنِ مَعَ تَرْكِ صَلَاةِ الظَّاهِرِ وَ كَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَ الصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُوَ جَمِيعُ فَرَائِضِ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ وَ حُرُمَاتُهُ وَ شَعَائِرُهُ.
فاذا عرفنا ان الصلاة والزكاة والصيام والحج في الظاهر هي هذه الفرائض المعروفة، فمن هو الباطن من ذلك ؟
وَ يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنْتُمُ الصَّلَاةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنْتُمُ الزَّكَاةُ وَ أَنْتُمُ الصِّيَامُ وَ أَنْتُمُ الْحَجُّ؟
فَقَالَ يَا دَاوُدُ: نَحْنُ الصَّلَاةُ فِيكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ نَحْنُ الزَّكَاةُ وَ نَحْنُ الصِّيَامُ وَ نَحْنُ الْحَجُّ وَ نَحْنُ الشَّهْرُ الْحَرَامُ وَ نَحْنُ الْبَلَدُ الْحَرَامُ وَ نَحْنُ كَعْبَةُ اللَّهِ وَ نَحْنُ قِبْلَةُ اللَّهِ وَ نَحْنُ وَجْهُ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) البقرة: 115 وَ نَحْنُ الْآيَاتُ وَ نَحْنُ الْبَيِّنَاتُ.
وَ عَدُوُّنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ {الْفَحْشاءُ وَ الْمُنْكَرُ وَ الْبَغْيُ} وَ {الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ} {وَالْأَصْنامُ وَ الْأَوْثانُ} {وَ الْجِبْتُ وَ الطَّاغُوتُ} {وَالْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ} يَا دَاوُدُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا فَأَكْرَمَ خَلْقَنَا وَ فَضَّلَنَا وَجَعَلَنَا أُمَنَاءَهُ وَ حَفَظَتَهُ وَ خُزَّانَهُ عَلَى مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ لَنَا أَضْدَاداً وَ أَعْدَاءً فَسَمَّانَا فِي كِتَابِهِ وَكَنَّى عَنْ أَسْمَائِنَا بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ وَ أَحَبِّهَا إِلَيْهِ تَكْنِيَةً عَنِ الْعَدُوِّ وَ سَمَّى أَضْدَادَنَا وَ أَعْدَاءَنَا فِي كِتَابِهِ وَ كَنَّى عَنْ أَسْمَائِهِمْ وَ ضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثَالَ فِي كِتَابِهِ فِي أَبْغَضِ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ وَ إِلَى عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ[2]
الكافي: وَ يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَيْضاً عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ نَحْنُ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ وَ مِنْ فُرُوعِنَا كُلُّ بِرٍّ وَ مِنَ الْبِرِّ التَّوْحِيدُ وَ الصَّلَاةُ وَ الصِّيَامُ وَ كَظْمُ الْغَيْظِ وَ الْعَفْوُ عَنِ الْمُسِيءِ وَ رَحْمَةُ الْفَقِيرِ وَ تَعَاهُدُ الْجَارِ وَالْإِقْرَارُ بِالْفَضْلِ لِأَهْلِهِ وَ عَدُوُّنَا أَصْلُ كُلِّ شَرٍّ وَ مِنْ فُرُوعِهِمْ كُلُّ قَبِيحٍ وَ فَاحِشَةٍ فَمِنْهُمُ الْكَذِبُ وَ النَّمِيمَةُ وَ الْبُخْلُ وَالْقَطِيعَةُ وَ أَكْلُ الرِّبَا وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقِّهِ وَ تَعَدِّي الْحُدُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رُكُوبُ الْفَوَاحِشِ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ مِنَ الزِّنَاءِ وَ السَّرِقَةِ وَ كُلُّ مَا وَافَقَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبِيحِ وَ كَذَبَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَعَنَا وَ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْعِ غَيْرِنَا[3].
1/{وَ اسْتَعينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ} الظاهر: الصبر الصوم والصلاة /والباطن: محمد وعلي
2/{وَ أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ} اقيموا الصلاة المكتوبة / ايضا اقيموا الصلاة على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الذين علي سيدهم وفاطمة
3/ {وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميق}
من هو المؤذن- في الظاهر ابرهيم الخليل /وفي الباطن الاتيان للنبي في زمانه وعلي هو المؤذن
4/ الزكاة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) محمد زكاهُ ربه، وعلي زكاة محمد وعلي يزكي المؤمنين أي طهرها بالولاية.
[1] بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلى الله عليهم، ج1، ص: 34،ح2، تفسير العياشي، ج2، ص: 16،ح36
[2] تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، ص: 22
[3] الكافي (ط - الإسلامية)، ج8، ص: 242
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة