أكبر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص156-158
2025-12-11
41
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "مَا أنْزَلَ اللهُ آيَةً في الْقُرآنِ فِيهَا {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلّا وعَلِيّ رَأسُهَا وأمِيرُهَا وشَريفُهَا. فَلَقَدْ عاتَبَ اللهُ أصْحَابَ مُحَمَّدٍ في الْقُرْآنِ، ومَا ذَكَرَ عَلِيّاً إلّا بِخَيْرٍ"[1]. ومثل هذه الآيات جميعها فأنّ واحدها الأكمل هو أمير المؤمنين عليه السلام. ونجد الإمام عند ما وجّه إليه ذلك السائل سؤالًا عن منزلته وموقعه في القرآن، أجابه بهذه الآية واصفاً نفسه بصفة: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ}.
يتبيّن من هنا جيّداً أنّ عنوان شَاهِدٌ عنوان عظيم الشأن ورفيع الدرجة للغاية. ولعلّ أيّ درجة ومنزلة لا تضاهية أبداً. حتى قوله تعالى: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ}[2]، وقوله: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[3]، وقوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ}[4]، وما تلاها من قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}[5]، فهذه كلّها نزلت في عليّ عليه السلام وتبيّن أعظم مقام ودرجة للإمام، بَيدَ أنّها لا تصل إلى الدرجة التي تبيّنها الآية: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} من حيث الأهميّة.
وتوضيح ذلك أنّ «شَاهِدٌ» مع أنّها تعني الشخص المؤدّي للشهادة بَيدَ أنّ أداء الشهادة بدون تحمّلها أمر غير معقول. أي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تحمّل جميع المراتب والدرجات والمعارف والكمالات والخصوصيّات الموجودة في البيّنة التي هي نور النبوّة أو البصيرة الإلهيّة المطلقة، وبكلمة بديلة، هو عِدل وقرين تلك الخاصّة الإلهيّة التي منّ الله بها على نبيّه الأكرم.
ولذلك جُعلت شهادة الإمام في هذه الآية بمستوى نور النبوّة أو البصيرة الإلهيّة المطلقة، وجُعل الإمام بمستوى صاحب البيّنة، وهو رسول الله. والشاهد على هذا المعنى روايات نقلها الشيعة والسنّة عن نبيّهم الكريم، إذ قال: خلق الله نوري ونور عليّ من عالم واحد. وقال أيضاً: عليّ مِنِّي كَنَفْسِي[6]. وقال كذلك: أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارونَ مِنْ موسى إلّا أنّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي[7]. أي: أنّ عليّاً كسائر الأنبياء من كلّ الجهات، حتى في ملكاتهم وحالاتهم ومعارفهم وبصيرتهم الإلهيّة ونور النبوّة الذي منّ الله به عليهم، إلّا أنّه لم يُعْطَ النبوّة، لأنّها ختمت بسيّد الأنبياء محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فلا نبيّ بعده.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وَأنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ والذِّراعِ مِنَ الْعَضُدِ"[8].
على أيّ حال، لمّا كانت الشهادة تعني الحضور، والشاهد هو الحاضر، فأنّ قوله: {وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ} يدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو من النبيّ نفسه كانت البيّنة والنور الإلهيّ دائماً مشهودين عنده، وكان واقفاً وحاضراً ومُسَيْطِراً عليها باستمرار. وهذه الآية كالآية التي مرّ ذكرها: {قُلْ كَفي بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}[9].
[1] «ذخائر العقبي» ص 89 عن أحمد بن حنبل في «المناقب». وروى أبو نعيم الإصفهانيّ في «حلية الأولياء» ج 1، ص 64 عن موسى بن عثمان الحضرميّ بسنده عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "ما أنزل اللهُ آية فيها {يَا أيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إلّا وعَلِيّ رأسُهَا وأميرُها".
[2] الآية 56، من السورة 5: المائدة.
[3] الآية 68، من السورة 5: المائدة.
[4] الآية 4، من السورة 5: المائدة.
[6] «ينابيع المودّة» ص 53، الباب السابع.
[7] هذا الحديث من الأحاديث المتواترة التي نقلها الفريقان بأسنادهم الكثيرة عن رسول الله عند توجّهه إلى غزوة تبوك. وهو مذكور في أغلب المجاميع الشيعيّة والسنيّة. عند توجّهه إلى غزوة تبوك. وهو مذكور في أغلب المجاميع الشيعيّة والسنيّة.
[8] «نهج البلاغة» ج 2، ص 73، ضمن رسالته إلى عثمان بن حُنيف.
[9] الآية 43، من السورة 13: الرعد.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة