ضرورة الاهتمام بمعارف الدين الحقيقية
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 165 ـ 167
2025-12-20
19
(أَيُّهَا النَّاسُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الْإِناءُ بِمَا فِيهِ).
يقول الإمام علي (عليه السلام): إنه سيأتي على الناس زمان يفقد فيه الإسلام محتواه وحقيقته في المجتمع، ولا يبقى منه إلا الاسم والظاهر فقط، ولذلك فهو يحذرنا من المشاركة في ظهور مثل هذه الظاهرة المؤسفة، فعلينا أن نسعى جاهدين لتقوية إيماننا، وأن نستقي معارفنا وعقائدنا الدينية من العلماء المخلصين والصادقين، وألا نتصرف وفق رغباتنا ورأينا فيما يتعلق بالتكاليف والواجبات الدينية، ويجب الا نثق بالأشخاص الذين لا حجيّة لكلماتهم ولتصرفاتهم عقلا ولا شرعا.
وكما قال أعاظم الدين: عندما تُتلى آيات الله فعلينا أن نرى أنفسنا المخاطبين بها، وأن نرى أن التحذيرات الإلهية - بما في ذلك الإنذار من عذاب الآخرة - موجهة إلينا، وسيحصل لنا كما يحصل لأولياء الله عند مراعاتهم لهذه الآداب القرآنية حيث تتدفق دموعهم ويهتز بدنهم عندما يقرأون آيات العذاب، وحيث يفرحون ويشكرون الله عندما يواجهون آيات الرحمة والبشارة بالجنة ونعيمها، كذلك حينما نقف أمام كلمات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ومن ضمنها كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) التي في هذه الخطبة، يجب علينا أن نرى أننا نحن المخاطبون بها، وبما أن هذه الكلمات عامة ومطلقة ما لم يثبت تقييدها أو تخصيصها في بعض المواطن بنحو علمي، وحيث لم تقم القرائن القطعية على تخصيصها بظروف خاصة أو بأفراد خاصين، فسوف تبقى عامة ومطلقة وستشمل جميع الأماكن والأزمان والأفراد.
إن معرفة العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ من الروايات والنصوص الدينية، يتمتع بأهمية خاصة، إلى درجة أن الفقهاء والعلماء الكبار صرفوا سنوات من أعمارهم في معرفة هذه الأمور، من خلال الجهود والمساعي الحثيثة، كي يضعوا بين أيدينا التراث الثمين من معارف أهل البيت (عليهم السلام) وفقههم. وقد نقلت قصص عجيبة حول عظمة جهودهم وجّيتهم في تعلم تلك المعارف الأصيلة، ومن جملة ذلك ما نقل عن المرحوم صاحب الجواهر (رحمه الله) الذي يعد واحدا من أركان الفقه والفقاهة، وجميع الفقهاء جلسوا على مائدته واستفادوا من ذخيرة علمه الكبيرة، حيث كتب في أحد المواطن من كتابه النفيس: الليلة توفي ولدي شاباً وارتحل عن الدنيا، ومن المقرر أن تبقى جنازته في المنزل إلى الصباح، وأن تجري مراسم تغسيله وتكفينه وتشييعه ودفنه في الصباح، وأردت أن أقدم له خدمة عظيمة وأن أهديه أعظم ثواب وهدية، وقد فكرت في نفسي، وتوصلت إلى هذه النتيجة، وهي أن أعظم عمل وأكثر الأعمال قيمة هو الكتابة في كتاب الجواهر، ولذا بقيت عند رأسه من الليل إلى الصباح أكتب في مبحث من مباحث الجواهر، وأهديت ثواب ذلك إلى روحه الطاهرة.
لذلك من المناسب أن يتعلم الناس معارف الدين وأحكامه من العلماء الحقيقيين، الذين استنبطوه مع الإخلاص والحذر والاحتياط الشديد من خلال الابتعاد عن الهوى والهوس والمصالح الشخصية، والا يذهبوا إلى أولئك الذين لا يتمتعون بالتقوى أو إلى الأسرى لوساوس الشيطان، وأطلقوا على أنفسهم اسم العالم بالظاهر فقط.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة