جزاء الاعتماد على النفس والحرمان من الهداية الإلهية
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 162 ــ 165
2025-12-17
24
إن أبغض الناس وأسوأهم عند الله هم الأشخاص الذين يقمعون وجدانهم وعقلهم، ويدوسون على الأوامر الإلهية تحت أرجلهم، ونتيجة لذلك فإن الله قد حرمهم من عنايته وهدايته، وبما أنهم يعتمدون على أفكار وآراء فارغة، فقد وكلهم إلى أنفسهم وعلامة عدم مبالاة الله وعدم اهتمامه بشخص كهذا، هو أن يُخرجه من الطريق الصحيح الذي ينال الإنسان فيه قرب الله، ويجعله يخطو في مسير الحياة المليء بالتعرجات دون دليل أو مرشد من الطبيعي أن يهلك الشخص المحروم من إرشاد حملة العلوم الإلهية ومفسري الوحي والقادة المعصومين وألا يُطلعوه على زوايا الدين والقوانين وعلى تعاليم الشريعة.
إننا في حاجة إلى مساعدة الله ومعونته في جميع مراحل حياتنا وشؤونها، وإذا حرمنا من عنايته ومساعداته وهدايته، فستفشل بالتأكيد، إذ من دون الهداية الإلهية ليس بمستطاعنا الوصول إلى الغاية المنشودة، ومن يحرم من هذه الهداية، فسوف يبتلى بالانحراف عن الحق، وسيبتلى بالضلال، ولا يستطيع أحد أن يجد بنفسه طريق الحق والسعادة وهداية عبيد الله، حتى الأنبياء منهم، إنما تكون من قبل الله مع فارق واحد. وهو أن الله يهدي الأنبياء بنفسه بلا واسطة، أما هداية الناس فمن خلال الوحي والأنبياء وخلفائهم الذين تربوا في مدرستهم.
فالكلام الذي لا يستند إلى كلام الله أو النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فاقد للاعتبار والحجية، ولكن بالطبع قد يكون الاستناد إلى الله والأئمة المعصومين (عليهم السلام) قطعيا في بعض الأحيان، وذلك حينما يكون الكلام المسند قطعي السند والدلالة، وأحيانا أخرى يكون ظنيا، وذلك إذا كان السند أو الدلالة أو كلاهما غير قطعي، فيجب على طلاب الهداية ونيل الحق والسعادة أن يبقوا على ارتباط مع أولئك الذين لديهم أنس بكلام الله وكلمات أولياء الله، والذين قضوا حياتهم في فهمها ومعرفتها، فعليهم أن يتعلموا منهم المعلومات والمعارف الصحيحة ليكونوا في مأمن من آفات العلم، فيتجهوا في الاتجاه الصحيح، قال (عليه السلام): (إن دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا عَمِلَ، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الْآخِرَةِ كَسِلَ، كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ مَا وَنى فِيهِ سَاقِطٌ عَنْهُ).
إن الشخص الذي وكله الله إلى نفسه، لن يكون له أي إرشاد موثوق به وسيمشي خلف شخص هو بنفسه ضال، أو سيثق بفكره ورأيه الفاقدين لكل اعتبار وعلامة ضلاله هو أنه إذا دعي إلى التجارة والمصالح الدنيوية، فإنه يستجيب للدعوة ويصرف طاقته في التجارة والتكسب والأعمال الدنيوية من أجل تحقيق الثروة والإمكانات التي تتحقق من خلالها. وبالطبع، الشيطان لا يتركه بحاله، بل سيقوم بإغرائه من خلال وسوسته كي يحقق مصالحه ورغباته الدنيوية بكل طريقة حتى الطرق غير المشروعة، وعلى العكس من ذلك، حينما يدعى هذا الإنسان الضال والغافل إلى التجارة الأخروية والسعي لها، فإنه يتكاسل ويقصر ويرفض السعي إلى الثروة ورأس المال الأخروي الأبدي.
وقد استعمل الإمام في كلامه التعبيرين القرآنيين (حرث الدنيا) و(حرث الأخيرة)، وبذلك يلفت نظرنا إلى هذه الحقيقة، وهي أن الدنيا مزرعة أو مكان للتجارة، وإذا ما اعتبرنا الدنيا أصيلة، وجعلنا هدفنا مجرد الوصول إليها، وكان كل جهدنا منصبا على اكتسابها، فلن تحصد إلا المتاع القليل والحقير ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة لاكتساب الكمالات والمقامات المعنوية واستجلاب الرضا الإلهي، فسوف نحقق ثروة أخروية أبدية غير متناهية، وسنكتسب رضوان الله، قال الله (عز وجل) عن ذلك ما يلي: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20].
يقول الإمام (عليه السلام): إنهم يوجبون على أنفسهم الأمور التي لم يكلفهم الله بها شرعا، والتي كثيرا ما لا يكون فيها نفع لهم بها، فيجدون في طلبها مثلا: يسأل طالب المدرسة أو طالب الجامعة الأسئلة التي لا يستفيد من معرفة إجابتها، ويسلي نفسه بقراءة الكتب التي ليس لها اية منفعة مادية أو أخروية، لكنه يتكاسل عن تعلم الأصول الاعتقادية والتكاليف والواجبات الدينية، وكذلك عن أداء التكاليف الدينية من قبيل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهداية الآخرين كما لو أن هذه الأمور ليست واجبة عليه.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة