نظرا لأهمية السؤال كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية في بريطانيا فتخصص الساعة الأولى من كل جلسة من جلسات مجلس العموم البريطاني للأسئلة والأجوبة(1). حيث تعد تلك الاسئلة من أهم الأدوات التي تستخدمها المعارضة وكذلك حزب الأغلبية البرلمانية على حد سواء (2). وتقديم الاسئلة البرلمانية في بريطانيا يخضع لمجموعة من الإجراءات البرلمانية التي استقر عليها العمل في البرلمان البريطاني وكما يلي :-
أولا : الشروط المطلوبة لتقديم الاسئلة البرلمانية :- يشترط في السؤال البرلماني المقدم من قبل أي عضو من اعضاء البرلمان البريطاني إلى الحكومة ككل أو احد الوزراء نوعين من الشروط . وهما : الشروط الموضوعية والشروط الشكلية .
1- الشروط الموضوعية : وتتمثل تلك الشروط بما يأتي :-
أ- يجب أن يكون السؤال الموجه مما يدخل ضمن اختصاصات الحكومة أو احد الوزراء :- حيث أن من أهم شروط السؤال البرلماني إن يتعلق بشأن من الشؤون التي تدخل في اختصاص الحكومة أو اختصاصات احد الوزراء سواء كانت السياسية أو الادارية(3). حيث إن هناك موضوعات لا يجوز سؤال الحكومة أو الوزراء عنها ومن بين تلك الموضوعات ، الاختصاصات التي يمارسها الملك منفردا عن الحكومة لا يمكن إن تكون محلا لأي سؤال برلماني ، كما تمنع الأعراف الدستورية البريطانية توجيه الأسئلة التي تتعلق بالأسرة الحاكمة والسيادة ، وغيرها من الأمور كحق العفو الخاص ومنح الرحمة للمحكومين بالإعدام(4). كذلك تخرج أعمال السلطة القضائية عن نطاق أعمال الرقابة البرلمانية بما فيها حق السؤال البرلماني استنادا لمبدأ الفصل بين السلطات(5).
ب - يجب أن لا يؤدي السؤال إلى الاضرار بالمصالح العليا للبلاد :- حيث إن الغرض من الاسئلة الموجهة للحكومة أو احد الوزراء هو الحصول على المعلومات لا غير ، ومن حق الحكومة إن لا تجيب عن بعض الاسئلة التي تمثل مساسا بالصالح العام كتلك التي تهدد سرية الحياة الدبلوماسية أو الأسرار العسكرية أو غيرها(6).
ج – يجب إن يكون السؤال موجزا ومقصورا على الامور المراد الاستفهام عنها :- ودون أي تعليق وألا يكون له صفة شخصية وهذا الشرط مستفاد من التقاليد والقواعد الدستورية العرفية البريطانية(7).
د- تحديد الشخص الموجه اليه السؤال :- فالسؤال يوجه إلى الوزير الاول اذا كان موضوعه متعلقا بمجمل عمل الحكومة ، أو إلى احد الوزراء اذا كان موضوعه متعلقا بالشؤون الخاصة بوزارته(8). ومنذ عام 1961 أصبح بالإمكان توجيه الاسئلة مباشرة الى الوزير الاول ، وتوجه اليه فقط الاسئلة المتعلقة بسياسة الحكومة العامة لأنه لا يتولى اية حقيبة وزارية وزعيم المعارضة هو من يوجهها اليه في الغالب(9). ولكن الصعوبة تظهر عندما يكون السؤال يتعلق باختصاص أكثر من وزير، ففي هذه الحالة لا يوجد مانع يحول دون تقديم العضو لسؤاله لأكثر من وزير في نفس الوقت أو الى الوزير الاول إلى جانب احد الوزراء لاسيما وإن أعمال الحكومة أصبحت متداخلة ، وتسمى هذه الأسئلة كما بينا بالأسئلة المتشابكة "Cross Cutting questions" .
2- الشروط الشكلية: وهذه الشروط تتمثل بما يأتي :-
أ- يجب إن يكون السؤال مكتوبا :- وهذا الشرط مطلوب سواء كان السؤال مكتوبا أو شفويا . لكي يكون واضحا ويفهم الغرض منه وهذا الشرط يخص الاسئلة الأصلية فقط حيث تقدم خلال الساعة الاولى بعد انعقاد المجلس في الأيام من الاثنين الى الخميس بعد الأعمال الخاصة ، ماعدا الاسئلة التي تكون في نظر رئيس المجلس ذات طبيعة مستعجلة والتي تنظم أما مسألة ذات أهمية عامة أو لترتيب الأعمال ، وهذا ما نصت عليه المواد (22,21 ) من النظام الداخلي لمجلس العموم(10). وأيضا الاسئلة التبعية فهي وليدة اللحظة ومن ثم فلا يشترط إن تكون مكتوبة . ولكن بعد عام 2003 وبناء على توصية من لجنة الإجراءات في مجلس العموم أصبحت الاسئلة تقدم الكترونيا من خلال شبكة الكترونية أمنة داخل المجلس ، بداية كانت الاسئلة المودعة بهذه الطريقة قليلة ولكنها ما لبثت إن ارتفعت بعد ذلك حيث بلغت نسبة الاسئلة المسجلة الكترونيا (2,78٪) في الدورة البرلمانية (2010- 2012)(11).
ب- يجب إن لا يتضمن السؤال عبارات غير لائقة :- فلا يجوز إن يتضمن السؤال عبارات تسيء للحكومة أو احد الوزراء ، لان الغرض من السؤال هو الاستفهام والاستيضاح وليس التهجم على الحكومة أو الوزير ، وقد جرى العرف في بريطانيا على رفض الاسئلة التي تتضمن مساسا بالآداب البرلمانية أو تحتوي تعنيفا أو تشتمل على عبارات نابية أو ألفاظ غير لائقة(12).
ج - السؤال يجب إن يكون موجها من عضو واحد إلى الوزير الاول أو احد الوزراء :- ومعنى ذلك إن عددا من اعضاء مجلس العموم لا يجوز لهم إن يوجهوا سؤالا واحدا إلى الوزير الاول أو احد الوزراء ، وذلك لان السؤال لا يؤدي إلى أثارة مناقشة عامة في موضوع السؤال ، وأنما يقتصر على أثارة حوار محدود ما بين العضو السائل والشخص المسؤول(13). فالأمر المحظور بموجب هذا الشرط هو الاتحاد العضوي في ذات السؤال لا الاتحاد الموضوعي فيه ، فلا يجوز إن يتقدم عضوان في المجلس بسؤالين متماثلين إلى احد الوزراء للاستفسار عن موضوع واحد(14). ويمكن للشخص الموجه اليه السؤال إن يوحد الاسئلة المتشابهة ويرد عليها بجواب واحد(15).
د- عدم تكرار السؤال :- فالسؤال الذي يطرح من قبل احد الاعضاء وتتم الاجابة عليه بشكل كامل لا يمكن إعادة طرحه مرة أخرى في ذات الجلسة ، وإن حصل ذلك جاز للوزير المختص رفض الاجابة أو تقديم أية معلومات تطلب منه الا بعد انقضاء مدة ثلاثة أشهر(16).
هـ - إن يكون السؤال ضمن العدد المسموح به :- فالأصل إن العضو حر في توجيه ما يشاء من الاسئلة ، ولكن قد يقيد هذا الحق نظرا لضيق الوقت وكثرة الاسئلة ، حيث لا يجوز للعضو إن يتقدم بأكثر من خمسة أسئلة مكتوبة في الجلسة الواحدة ، اذا كان السائل يطالب بإجابة شفوية فإن عددها يخضع لتقدير رئيس المجلس وهذا ما نصت عليه المادة (b/4/22 و5/22) من النظام الداخلي(17).
ثانيا : قبول السؤال وتبليغه إلى الشخص الموجه اليه :- بعد التأكد من توافر الشروط المذكورة يقوم رئيس مجلس العموم " Speaker" بتبليغ السؤال الى الشخص الموجه سواء كان الوزير الاول أو احد الوزراء والجلسة المحددة لنظره . ويجب على العضو السائل تحديد نوع الاجابة المطلوبة على سؤاله ، فاذا كان السؤال مكتوبا فيجب على ذلك العضو إن يحدد في ورقة السؤال التاريخ المحدد للإجابة بحيث يلتزم الشخص الموجه اليه السؤال بأرسال الاجابة في ذلك التاريخ ، واذا كان السؤال شفويا فيجب على الشخص الموجه اليه السؤال الاجابة في اليوم التالي لتقديمه ، وهذا ما نصت عليه المادة (3/22 و5/22) من النظام الداخلي لمجلس العموم ، وتخصص الساعة الاولى من كل جلسة عدا يوم الجمعة لأسئلة الوقت " time questions " ، حيث يدعو رئيس المجلس العضو السائل للوقوف وتحديد رقم سؤاله والشخص الموجه اليه السؤال ويجلس ثم يقف الشخص الموجه اليه السؤال ليقوم بالرد على السؤال الموجه اليه(18). والأسئلة لا توجه من قبل الاقلية المعارضة فحسب وإنما توجه أيضا من قبل اعضاء حزب الأغلبية البرلمانية في مجلس العموم(19). وتنشر كافة الاجابات عن الاسئلة في التقرير الرسمي الذي يصدره المجلس يوميا والمسمى هانسارد "Hansard " والذي يكون متاحا للاطلاع عليه في اليوم التالي مباشرة (20).
ثالثا: انتهاء السؤال البرلماني وسقوطه :- ينتهي السؤال البرلماني ويسقط وفقا لما يلي :-
1- الاجابة والتعقيب :- ينتهي السؤال بالإجابة عليه وذلك في حالة اقتناع العضو السائل بإجابة الشخص الموجه اليه السؤال وقد تكون تلك الاجابة ناقصة أو غامضة ، فلا يقتنع بها العضو السائل مما يدفعه إلى التعقيب على تلك الاجابة . ويمكن لعضو مجلس اللوردات إن يطرح أكثر من سؤال أضافي دون أي تقييد من رئيس المجلس بعكس رئيس مجلس العموم الذي يستطيع إيقاف طرح هذه الاسئلة للمحافظة على الوقت الخاص بالأسئلة من ناحية ، ولمنع الاسترسال في طرح أسئلة قد تبدو عقيمة من ناحية ثانية(21). واذا لم يؤدي السؤال ولا التعقيب من تحقيق الغرض منه بمعرفة الحقائق أو رفض المسؤول الاجابة فيستطيع العضو السائل استخدام وسيلة أخرى تمكنه من الحصول على الحقيقة تسمى الاقتراح بالتأجيل " motion for adjournment " ، ويتم استخدام تلك الوسيلة عندما يستنفذ السؤال أغراضه بحيث لا يصبح امام العضو السائل ألا استخدام تلك الوسيلة ، التي تسمح بمناقشة الأمور المتعلقة بموضوع السؤال لمدة نصف ساعة(22).
2- سقوط السؤال البرلماني :- يسقط السؤال البرلماني بأحدى الحالات الاتية(23):-
أ- اذا تنازل عنه العضو السائل أو اذا انتهت عضويته . وأما غيابه عن حضور الجلسة المحددة للإجابة فلا يؤدي إلى سقوط السؤال . اذ يقوم رئيس المجلس بإرجاء نظر السؤال لنهاية الجلسة فإن استمر غيابه ولم يقدمه نائبا عنه من الاعضاء كان لرئيس المجلس تأجيله الى جلسة تالية .
ب- اذا تخلى من وجه اليه السؤال عن منصبه . وأما في حالة غيابه عن حضور الجلسة المحددة للإجابة وليس هناك من ينوب عنه بالإجابة فتؤجل الاجابة إلى جلسة تالية .
3- رفض المسؤول الاجابة عن السؤال الموجه اليه :- في الأصل لا يوجد أجبار على الشخص الموجه اليه السؤال بالإجابة عنه اذا كان لهذا الرفض ما يبرره كأن يكون السبب هو مقتضيات المصلحة العامة أو السرية أو عدم الاختصاص أو سبق الاجابة ، ولكن اذا لم يكن للرفض ما يبرره فإن ذلك سيؤثر في المركز السياسي للمسؤول من خلال عدة وسائل ، منها إمكانية تحويل السؤال المكتوب الى سؤال شفوي(24). أو قيام العضو السائل في هذه الحالة باللجوء إلى الاقتراح بالتأجيل"motion for adjournment " ، فضلا عن تحريك الرأي العام ضد هذا المسؤول من خلال نشر ذلك الرفض في التقرير اليومي الصادر عن المجلس هانسارد" Hansard "(25).
_____________
1- Maurice Duverger : Institutions Politiques et Droit Constitutionnel , presses Universitaires de France , paris , 1963 , p.160 .
2- يسمى زعيم المعارضة في المجلس " زعيم معارضة صاحب الجلالة " ويتقاضى راتبا من خزانة الدولة ويتزعم ما يسمى " بحكومة الظل " التي يؤلفها حزب الأقلية المعارض لمراقبة أعمال الحكومة المشكلة من حزب الاغلبية . د. محمد المجذوب ، القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان (واهم النظم الدستورية والسياسية في العالم) ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2002 ، ص 144.
3- د. مدحت يوسف غنايم ، وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في النظام البرلماني ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2011 ، ص 169.
4- O . Hood Philips : op.cit , pp.198 - 199.
5- S . C . Hawtrey And H . M . Barclay: op.cit , p.179.
6- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 138.
7- 2- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983، ص 51.
8- د. موريس دوفرجيه ، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري (الأنظمة السياسية الكبرى) ، ترجمة د. جورج سعد ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2014 ، ص 117.
9- د. عصام سليمان ، الأنظمة البرلمانية بين النظرية والتطبيق (دراسة مقارنة) ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2010، ص 96.
10- Standing Order of the House of Commons , public Business 2013, ordered by the House of Commons to be printed 19 December 2013,published by the authority Order of the House of Commons , London , the stationary office , 2013 , p.30.
11- Mark Sand ford : parliamentary – questions , op.cit , p.13.
12- د. سيدني بايلي ، الديمقراطية البرلمانية الانجليزية ، ترجمة فارق يوسف احمد ، مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ، 1970 ، ص 104.
13- Michel Ameller : op.cit , p.161.
14- د. نواف كنعان ، السؤال البرلماني (دراسة مقارنة وتطبيقية على المجلس الوطني الاتحادي الاماراتي) ، مجلة كلية القانون ، جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية ، المجلد(6) ، العدد (1) ، 2009، ص 57.
15- 2- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 50.
16- د. حامد حمود الخالدي ، الدور الرقابي للبرلمان في المجال المالي في النظام الدستوري الانجليزي والمصري والكويتي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2009 ، ص 84.
17- Standing Order of the House of Commons , op.cit , pp . 30-31.
18- Barry Jones : op.cit , p. 6.
19- د. زين بدر فراج ، السؤال كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ، ص 173 وما بعدها ، وكذلك . د. محمد طي ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، منشورات زين الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2013 ، ص 372.
20- لمزيد من التفاصيل حول هذا التقرير ينظر الموقع الالكتروني للبرلمان البريطاني : http://www.parliament.uk/business/publications/hansard/commons.
21- 2- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983، ص34.
22- د. سليمان الطماوي ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1988 ، ص 589 وما بعدها ، وكذلك . د. زين بدر فراج ، السؤال كوسيلة من وسائل الرقابة البرلمانية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ، ص 254 وما بعدها.
23- أيهاب زكي سلام ، مصدر سابق ، ص 61. وكذلك د. مدحت يوسف غنايم ، وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في النظام البرلماني ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2011 ، ص 226 وما بعدها .
24- د. زين بدر فراج ، مصدر سابق ، ص 135.
25- د. هشام جمال الدين عرفة ، ضمانات اعضاء المجالس النيابية (دراسة مقارنة) ، دون دار ومكان نشر ، 2008 ، ص 349 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة