خمسة إشكالات على خطبة أبي بكر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص268-271
2025-10-26
31
الإشكالات الخمسة على خطبة أبي بكر:
الاشكال الاوّل: قوله: (وَلَسْتُ بِخيركُمْ)؛ حيث يجب أن يُقال له: فلما ذا تصدّيتَ للخلافة ولم تتخلّ عنها لخير الناس ومولى الموالي مع كلّ تلك النصوص الصريحة من صاحب الشريعة على أفضليته؟ ولما ذا أردت أن تكون إماماً لمن هو أفضل منك وأعلم؟ وكيف رضيت ان تدعو أمير المؤمنين الناموس الأكبر الالهيّ وكنز الاسرار ومعارف الحق ونفس الرسول لاتّباعك؟ وكيف أردت أن تأخذ بيعته لك وأن تجعله يسلم لأمرك ونهيك دون قيد أو شرط؟ وبأيّ معارف وفضائل أخلاقيّة أردتَ ايصال المؤمنين إلى المطلوب؟ وعلى أي ملكوت كنت مسيطراً ومهيمناً؟
الاشكال الثاني: قولك (فَإن أحسَنْتُ فَأعِينُوني! وإن أسأتُ فَقَوّمُوني!)
وبناءً على هذا فانّك حين جعلتَ بأيدينا ميزان صحّة أو بُطلان عملك، وخيرتنا في الجرح والتعديل، فقد كنّا نحن إمامك لا أنت إمامنا!
وبغضّ النظر عن ذلك، فمن أين لنا أن نميّز الصحيح من السقيم؟ لو ميّزناه من عندنا لكنّا إذن لا نحتاج إلى خليفة، وإن توجّب ان يُفهمنا ايّاه إمامُ الحق لوجب علينا اتّباع ذلك الامام، ولوجب عليك أن تسلم أنت الأخر لأمره.[1]
الاشكال الثالث: قولك: (لَعَلَّكُمْ سَتُكَلّفُوني مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يُطِيقُ).
بلى، انّ مثل هذه التكاليف ستأتي حتماً، ولكن من أجلسك مكان رسول الله لتحتار في النهوض بأعباء عمل ومهمة رسول الله؟ أو لم تسمع طوال المدّة المديدة رسولَ الله يقول كراراً- لا مرةً أو مرّتين- عَلي يَقْضِي دَيْني؟ أو لم تسلّم يوم غدير خم على أمير المؤمنين بتحيّة الولاية؟! فبأيّ مجوّز جلستَ مكان رسول الله أنتَ العاجز عن تحمّل أعباء مسؤوليته وعمله، وسلبتَ الحق المسلم لمقام الخلافة والوصاية؟!
الإشكال الرابع: قولك: (أطِيعُوني مَا أطَعْتُ اللهَ، وإذَا عَصَيْتُ اللهَ ورَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لي عَليكُمْ).
فبناءً على ذلك فقد صرتَ أنت أيضاً رديفاً لنا لا رئيساً علينا، فلما ذا نطيعك إذن؟ تعال أنت فأطعنا! وبأيّ قاعدة وسُنّة الهيّة صارت طاعتُك واجبةً علينا؟ وإضافة إلى ما تقدّم، فاننا نحتاج في معالم ديننا إلى معلم ومربّ نتعلم منه ما هي طاعة الله ورسوله، وما هي مخالفة الله ورسوله، فمن أين لنا أن نعلم أنّ عملك هذا طاعة، وعملك ذاك معصية؟ الّا ان يدلّنا معلم القرآن والعارف برسول الله، والمحيط بنواميس الأحكام والشرائع، فيفصل الطاعة عن المعصية! ولو فرضنا انّنا شئنا تقويمك عند معصيتك، فهو ستتقوّم يا ترى؟ فأنت الذي تأبى التخلي عن الخلافة، ستقف عند مخالفتك لأمر الله والرسول وتصرّ على موقفك، ومهما شاءت الأمّة تقويمك فانّك ستقاوم أكثر، إذ ان نفس هذا التصدّي لمقام الخلافة يمثّل زيغك وانحرافك.
ألم يؤاخذك أمير المؤمنين لتقويمك ويوبخّك على مبادرتك الخفيّة السريعة وجثمان رسول الله بعدُ لم يُدفن؟ ألم يتحدّث أمير المؤمنين في المسجد عن فضائله ومقامه؟ أ لم تبيّن الصديقة الطاهرة في خطبتها المبينة تلك موارد انحرافك؟ ألم تقل (سلامُ الله عليها): "يَا أبَا بَكْرٍ مَا أسْرَعَ مَا أغَرْتم عَلَى أهلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ"؟ ألم يبين لك بنو هاشم وأصحاب الله الكرام الذين تخلّفوا عن بيعتك مواضع خطأك؟ فلما ذا لم ترتدع ولم تستقم؟ ولو أرادوا الإصرار على هذا الأمر لسُفكت الدماء ونُهبت الأموال واستُبيحت الاعراض والنواميس.
ألم يخالف عثمانُ علناً أمرَ رسول الله؟ فَلِمَ لم يرعوِ حين اعترض عليه المسلمون ونبهوه على ذلك؟ ولما ذا أصرّ على أفعاله؟ لقد قال له المسلمون: إمّا أن تتنحّى عن الخلافة أو تسير على سُنّة رسول الله! لكنّه لم يرضَ بأحد الأمرين، ثم قاومهم واستنصر بمعاوية وجيش الشام للوقوف في وجه المسلمين.
وأنّى له أن يستقيم ويرعوي مَنْ أمسك بزمام الأمور بيده وأبى عن التنازل عن مقامه وشخصيّته؟ أ وهل استقام معاوية؟ أ وهل استقام خلفاء بني أميّة وبني العبّاس؟
لقد سفكوا دم كلّ من أراد أن يذكّرهم أو حتى أن ينصحهم، ولقد قتل مخالفو سُنّة رسول الله هؤلاء في وضح النهار ابنَ بنت رسول الله وأهل بيته بشفاهٍ ظمأى عند شاطئ النهر؟
الإشكال الخامس: فاحذرْ يا أبا بكر! ما ذا تقول في خطبتك التي ألقيتها؟ لقد فتحت بكلماتك باباً لخلفاء الجور لجميع هذه الاعتداءات.
فأنت تقول خامساً: (وَإنَّ لي شَيْطَاناً يَعْتَرِيني، فَإذَا أتَاني فَاجْتَنبُوني).
ليتك لم تتفوّه بهذا الكلام! إنّ الإمام الذي يعترف بنفسه بوجود شيطان يتسلّط عليه هو إمام الشياطين لا إمام المؤمنين!
انّ امام المؤمنين هو الذي أفنى الشيطان وأهلكه: "اعزُبِي عَني يَا دُنيا، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثًا! "وهو الذي يقدّم نفسه في قاطعيّة كالجبل الراسخ فيقول: يا أفراد البشر، تعالوا إلى فأنا وليّ الله، أنا من عباد الله المخلَصين، أنا الذي نزلت آية التطهير فينا، أنا صاحب مقام العصمة، أنا صاحب مقام (سلوني قبل أن تفقدوني)، أنا باب مدينة العلم، وأنا حامل عبء الرسالة وقاضي ديْن رسول الله، أنا صاحب السيطرة على ملكوت وحقائق الأشياء.
ثم يعطي آلاف النماذج الواضحة البينة: أنا نفس رسول الله، أنا وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة، أنا الوصيّ والوزير والوارث لأسرار النبوّة.
هذا هو مقام الإمام، ذلك الذي لا يتحسّر عند الموت فيقول: الويل لي! وددتُ انّي لم أفعل الثلاث التي فعلتها!
[1] والسياسة) نظير هذه الخطبة بتفصيل أكثر، وقد أوردناها في المجلّد الثاني من هذا الكتاب وكذلك أوردناها في الدرس 18 من هذا الكتاب، وأوردها كذلك القاضي عبد الجبار في (المغني) وابن تيمية في (منهاج السنّة)، ومحبّ الدين الطبري في (الرياض النظرة) والسيوطي في (تاريخ الخلفاء) وابن حجر في (الصواعق المحرقة) وابن ابي الحديد في (شرح نهج البلاغة).
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة