كلام الشيخ محي الدين بن عربي حول الإنسان الكامل
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص77-75
2025-12-18
36
يقول مُحي الدين بن عربي في كتابه «فصوص الحِكَم» في فَصِّ الآدميّ وهو يتحدّث عن حقيقة آدم وخلافته: فَهُوَ مِنَ الْعَالَمِ كَفَصِّ الْخَاتَمِ مِنَ الْخَاتَمِ الذي هُوَ مَحَلُّ النَّقْشِ والْعَلَامَةِ التي بِهَا يَخْتِمُ الْمَلِكُ على خَزَائِنِهِ؛[1] وسَمَّاهُ خَلِيفَةً مِنْ أجْلِ هَذَا: لأنهُ الْحَافِظُ خَلْقَهُ كَمَا يَحْفَظُ بِالْخَتْمِ الْخَزَائِنُ؛ فَمَا دَامَ خَتْمُ الْمَلِكِ عليهَا لا يَجْسُرُ أحَدٌ على فَتْحِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، فَاسْتَخْلَفَهُ في حِفْظِ الْعَالَمِ؛ فَلَا يَزالُ الْعَالَمُ مَحْفُوظاً مَا دَامَ فِيهِ هَذَا الإنسانُ الْكَامِلُ.[2]
وقال القيصريّ في شرح هذه الفقرة: الْحَقُّ يَحْفَظُ خَلْقَهُ بِالإنسَانِ الْكَامِلِ؛ عِنْدَ اسْتِتَارِهِ بِمَظَاهِرِ أسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ عِزَّةً؛ وكَانَ هُوَ الْحَافِظُ لَهَا قَبْلَ الاسْتِتارِ والاخْتِفَاءِ وإظْهَارِ الْخَلْقِ.
فَحِفْظُ الإنْسَانِ لَهَا بِالْخِلَافَةِ فَتُسَمَّى بِالْخَلِيفَةِ لِذَلِكَ؛ وحِفْظُهُ لِلْعَالَمِ عِبَارَةٌ عَنْ إِبْقَاءِ صُوَرِ أنْوَاعِ الْمَوْجُودَاتِ على مَا خُلِقَتْ عليهَا الْمُوجِبِ لإبْقَآءِ كَمالاتِهَا وآثَارِهَا بِاسْتِمْدَادِهِ مِنَ الْحَقِّ التَّجَلِّياتِ الذَّاتِيَّةِ؛ والرَّحْمَةَ الرَّحْمَانِيَّةَ والرَّحِيمِيَّةَ بِالأسْمَاءِ والصِّفَاتِ التي هَذِهِ الْمَوْجُوَدَاتُ صَارَتْ مَظَاهِرَهَا ومَحَلَّ اسْتِوائِهَا.
إذِ الْحَقُّ إِنَّمَا يَتَجَلَّى لِمِرْآةِ قَلْبِ هَذَا الْكَامِلِ، فَيَنْعَكِسُ الأنوارُ مِنْ قَلْبِهِ إلى الْعَالَمِ؛ فَيَكُونُ بَاقِياً بِوُصُولِ ذَلِكَ الْفَيْضِ إليها؛ فَمَا دَامَ هَذَا الإنْسَانُ الْكَامِلُ مَوْجُوداً في الْعَالَمِ؛ يَكُونُ مُحْفُوظاً بِوُجُودِهِ وتَصَرُّفِهِ في عَوَالِمِهِ الْعِلْويَّةِ والسِّفْلِيَّةِ.
فَلَا يَجْسُرُ أحَدٌ مِنْ حَقَائِقِ الْعَوَالِمِ وأرْوَاحِهَا على فَتْحِ الْخَزَائِنِ الإلَهيَّةِ والتَّصَرُّفِ فِيهَا إلّا بِإذنِ هَذَا الْكَامِلِ، لأنهُ صَاحِبُ الاسمِ الأعظَمِ الذي بِهِ يُرْبِي الْعَالَمَ كُلَّهُ.
فَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَاطِنِ إلى الظَّاهِرِ مَعْنى مِنْ مَعَانِي إلَّا بِحُكْمِهِ؛ ولَا يَدْخُلُ مِنَ الظَّاهِرِ في الْبَاطِنِ شَيْءٌ إلَّا بِأمْرِهِ، وإن كَانَ يَجْهَلُهُ عِنْدَ غَلَبَةِ الْبَشَريَّةِ عَلَيْهِ.[3]
إلى أن يقول: وقَدْ صَرَّحَ شَيْخُنَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في كِتَابِ «الْمِفْتَاحِ» أنّ مِنْ عَلَامَاتِ الْكَامِلِ أنْ يَقْدِرَ على الإحْيَاءِ والإمَاتَةَ وأمْثَالِهِمَا.[4]
[1] كانت العادة جارية في السابق أن ينقش الناس ولا سيّما الكبار والعلماء والسلاطين أسماءهم أو علاماتهم التي يختصّون بها على فصّ خاتمهم، ومتى شاءوا ختم كتاب أو سند فإنّهم يخرجونه من أيديهم ويختمون به ثمّ يرجعونه إلى مكانه؛ ولذلك عرف بالخاتم: أي: ما يُخْتَمُ بِهِ.
[2] «شرح فصوص الحكم» القيصريّ، الطبعة الحجريّة، ص 72.
[3] «شرح الفصوص» للقيصريّ 7 ص 72، 73.
[4] «شرح القيصريّ» ص 74.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة