التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
ذيول دخول السلاجقة إلى العراق
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 75 ــ 83
2025-09-08
76
القضاء على الدولة البويهية : يبدو أن السلطان السلجوقي طغرلبك أراد أن يقضي على الدولة البويهية الشيعية المذهب ولا يدع منافساً أو قسيماً له في الخطبة والألقاب، على الرغم من أن الملك الرحيم البويهي قبل أن يكون تابعاً له، وأن الزعيم السلجوقي أعطى الخليفة العهود والمواثيق بعدم التعرض له، فقبض عليه بعد أن اتهمه بتحريض العامة في بغداد ضده، وأرسله مقيداً إلى قلعة طبرك بالري، وظل هناك حتى توفي في عام ( 450 هـ / 1058م)(1)، وأسقط اسمه من الخطبة، وقد غضب الخليفة القائم من تصرُّف السلطان على الرغم من ترحيب الدوائر العباسية الرسمية بهذه الخطوة. وبذلك زالت الدولة البويهية الديلمية الشيعية المذهب لتأخذ مكانها الدولة السلجوقية التركية السنية المذهب.
ثورة العامة في بغداد: عندما دخل السلطان طغرلبك مع جنده إلى بغداد أظهر العامة تذمرهم نتيجة لبعض الحوادث التي أثارها جنده، كذلك أمر السلطان بمصادرة أموال الأتراك البغداديين وانتشر الجنود السلاجقة في نواحي بغداد، فنهبوا الأسواق والمنازل، وأسرفوا في ذلك (فنهبوا من الجانب الغربي من تكريت إلى النيل (2) ، ومن الشرقي إلى النهروان وأسافل الأعمال... وخُرّب السواد وأجلي أهله عنه (3) )، وارتكبوا الجرائم الكثيرة، الأمر الذي حمل الخليفة أن يُرسل إلى السلطان من يُبلغه استياءه من هذه الأفعال، وهدده بمغادرة بغداد إن استمرت (4).
والواقع أن أحداث بغداد هي نتيجة طبيعية في هذه الحال، فالجيوش السلجوقية هي جيوش أجنبية محتلة لا يتقبلها الأهالي للوهلة الأولى على الأقل.
حركة البساسيري: خرج البساسيري على طاعة الخليفة العباسي القائم وانحاز إلى الفاطميين، وظل يوالي الاتصال بهم، ويوطد علاقته معهم، فأرسل إلى المستنصر يعلن له دخوله في طاعته ويلتمس منه الإمداد السريع بالمال والخيل والسلاح لإظهار الدعوة الفاطمية في العراق، كما تبادل الرسائل مع الداعي هبة الله الشيرازي الذي كان آنذاك في القاهرة (5). أولى المستنصر رسالة البساسيري اهتماماً جدياً ووافق على التماسه على الرغم مما كانت تعانيه مصر من غلاء وأزمة اقتصادية حادة، فيما عُرف بالشدة المستنصرية.
كانت أجواء القاهرة مليئة بالمؤامرات بين أصحاب النفوذ، فانتهز الوزير أبو محمد الحسن البازوري هذه الفرصة لإبعاد الداعي هبة الله الشيرازي عن مصر لاستئثاره بنفوذ كبير عند المستنصر، فرأى أن يكون سفيره إلى البساسيري يحمل إليه الأموال والأسلحة رفض الداعي، في بادئ الأمر هذه المهمة بعد أدرك حيلة البازوري، ثم قبل بعد إلحاح منه، إلا أنه اشترط على المستنصر عدم توجيه اللوم إليه إذا فشل في أداء المهمة (6)، ويبدو أنه هاله ضخامة المهمة وهي القضاء على الخلافة العباسية، في ظل ضعف إمكانات الدولة الفاطمية.
خرج الداعي المؤيد هبة الله الشيرازي من القاهرة متوجهاً إلى بلاد الشام مع فئة قليلة من الرجال تحمل الأموال والسلاح والخلع لمقابلة البساسيري في الرحبة وتقديم ما يحمله إليه ويساعده في ثورته وكان الوزير البازوري قد طلب منه استمالة الأمراء العرب في العراق وبلاد الشام، وتجنيد ثلاثة آلاف جندي من العرب الكلبيين بالشام.
وعندما وصل المؤيد إلى دمشق في طريقه إلى الرحبة اتصل بثمال بن صالح المرداسي صاحب حلب، وطلب منه إمداده بالرجال وتأمين وصول الإمدادات الفاطمية إلى البساسيري وبعد شيء من التردد، وافق أمير حلب على استقباله في إمارته، وقابله قرب بلدة الرستن على نهر العاصي وصحبه من هناك إلى حلب وأبدى استعداده للاعتراف بحكم الفاطميين، وجدَّد البيعة للمستنصر (7).
وورد إلى المؤيد في غضون ذلك كتاب من نصر الدولة أحمد بن مروان، صاحب ميافارقين وديار بكر (8)، يُعلن فيه خلع طاعة السلاجقة والدخول في طاعة الفاطميين معتذراً عن إقامة الخطبة للسلاجقة على منابر بلاده خوفاً من بطشهم. رحب المؤيد بموقفه وطلب منه إقامة الخطبة للمستنصر على منابر بلاده (9).
وسار المؤيد وبصحبته الأمير ثمال بن صالح إلى الرحبة، وعندما اقترب منها خرج البساسيري لاستقبالهما على رأس قوة عسكرية، فالتقى بهما على بعد مرحلتين من المدينة، فرحب بوصولهما، واطمأن بإجابة المستنصر إلى طلبه، وقام المؤيد من جانبه بتوزيع الخلع الفاطمية على البساسيري، وأصحابه، ومنحهم الأموال، وأخذ البيعة منهم بالطاعة للمستنصر، وعبر الجميع عن ولائهم له (10).
بعد أن نجح المؤيد في استقطاب أمراء الشام للقضية الفاطمية، التفت إلى استقطاب أمراء العراق بهدف تكوين جهة قوية تقف في وجه السلاجقة، فكتب إلى نور الدولة دبيس بن مزيد صاحب الحلة طالباً الاجتماع به في الرحبة، وأقنعة بمساندة البساسيري، وقرأ عليه عهد المستنصر بتلقيبه الأمير سلطان ملوك العرب سيف الخلافة صفي أمير المؤمنين، وقلّده زعامة عرب العراق، ومنحه حكم ما يفتح من البلاد شرقي نهر الفرات (11).
سار البساسيري على رأس الجيش الذي أعده ومعه نور الدولة دبيس بن مزيد باتجاه الموصل، وانضمت إليه قوة عسكرية قدمت من دمشق قوامها الكلبيون فتصدى له قريش بن بدران صاحب الموصل وقُتلُمُش ابن عم السلطان طغرلبك عند سنجار في (شوال /448هـ / كانون الثاني 1057م)، ودارت بين الطرفين رحى معركة ضارية دارت الدائرة فيها على قريش بن بدران، وقتلُمُش، وجُرح الأول في المعركة ولجأ إلى نور الدولة دبيس بن مزيد حيث انحاز إلى جانب البساسيري، وسار بصحبته إلى الموصل وأقام الخطبة فيها للمستنصر الفاطمي (12).
بعد هذا النجاح السياسي والعسكري، رأى المؤيد استقطاب كبار قادة السلاجقة في بغداد لصرفهم عن تأييد العباسيين فأرسل كتاباً إلى عميد الملك الكندري وزير السلطان طغرلبك قلل فيه من شأن الخليفة العباسي ونوه بعلو شأن المستنصر الفاطمي، وبسيادته على الأراضي المقدسة في الحجاز وبما لديه من الأموال والأسلحة (13)، غير أن هذه الوسيلة لم تؤد إلى الغاية المنشودة، ذلك أن عميد الملك الكندري. كان يعمل آنذاك على مواجهة المخطط الفاطمي، فاتبع سياسة قائمة على تفريق شمل الأمراء العرب وإغرائهم ببعض الولايات حتى ينفضوا عن البساسيري. أتت هذه السياسة أكلها وأدت إلى عدول هؤلاء عن مساندة حركة البساسيري، فاضطر هذا نتيجة ذلك إلى العودة إلى الرحبة بعد انفضاض نور الدولة دبيس بن مزيد وقريش بن بدران عنه (14).
ومن جهته حاول المؤيد مواجهة سياسة عميد الملك الكندري، وظل حريصاً على التودد للأمراء العرب في العراق، فأرسل إلى الأميرين المذكورين مبدياً الرغبة في الإبقاء على مودتهم، ثم غادر الرحبة إلى حلب ولحق به البساسيري، فنزل في بالس على مقربة منها وبصحبته قريش بن بدران ونخبة من وجوه بني عقيل، ولم يقدم لنا المؤيد سبباً لهذا التحرك سوى أنه كان قد طلب من نصر الدولة أحمد بن مروان حاكم ميافارقين أن يمنحه مأوى في بلاده وعندما لم يتسلم منه أي رد، صبره وتحرك نحو حلب (15).
إن قراءة متأنية لهذه الرواية تبين لنا أن الداعي المؤيد هبة الله الشيرازي كان يحاول تجنب ذكر الحقيقة، فقد كان هدف البساسيري بغداد، وكانت الرحبة أفضل قاعدة للنجاح في مهمته حيث لم تكن بعيدة عن عاصمة الخلافة وقريبة من بادية الشام للالتجاء إليها عند الحاجة، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من القبائل البدوية القاطنة في وادي الفرات هي على استعداد لتقديم المرتزقة من المقاتلين؛ فكان ذهاب المؤيد والبساسيري إلى الدولة المروانية لطلب العون العسكري وليس الحماية (16).
في غمرة هذه الانتصارات التي حققها السلطان طغرلبك، قام البساسيري بحركات ارتدادية عدة عسكرية وسياسية من مقره في الرحبة بهدف إخراج السلاجقة من بغداد والسيطرة عليها. فعلى الصعيد العسكري، نجح في الاستيلاء على الموصل بعد أن هزم السلاجقة في سنجار، وأخذ يستعد لدخول بغداد. وعلى الصعيد السياسي انتهز فرصة خروج السلطان طغرلبك من بغداد لإخماد ثورة أخيه إبراهيم ينال؛ لدخول المدينة والسيطرة عليها ذلك أن السلطان طغرلبك واجه آنذاك مشكلة جديدة تمثلت بما قام به أخوه إبراهيم ينال من تمرد، فاستولى على بلاد الجبال، وهمذان وامتد سلطانه إلى حلوان فضلاً عن ولاية الموصل وما والاها الأعمال (17).
استغل الداعي المؤيد هذا الخلاف السلجوقي فعمل على استقطاب إبراهيم ينال، وجرى تبادل الرسائل بينهما، وطلب الأمير السجلوقي الخلع والألقاب والأموال من المستنصر الفاطمي حتى إذا ما تغلب على أخيه السلطان طغرلبك وخلفه في زعامة السلاجقة، خطب للمستنصر، وتعهد له المؤيد بتلبية طلباته وشجعه على محاربة أخيه وأنه سيكون عوناً له (18)، فغادر إبراهيم ينال الموصل إلى بلاد الجبال في عام (450 هـ / 1058م)، وأعلن العصيان على أخيه، وترك فيها حامية عسكرية قليلة العدد. وغادر المؤيد حلب متوجهاً إلى مصر بعد أن اطمأن على نجاح جهوده، كلا من البساسيري وقريش بن بدران على انتزاع الموصل من السلاجقة وشجعهما على مواصلة جهودهما في نشر نفوذ الفاطميين في مدن العراق. وفعلاً استولى البساسيري على الموصل كما أشرنا.
أدرك السلطان طغرلبك مدى الخطر الذي يُهدد سلطانة نتيجة خروج أخيه وانحيازه إلى جانب الفاطميين فقرَّر القضاء على ثورته ومن ثم العودة إلى الغرب لاجتياح بلاد الشام، ومواصلة الزحف إلى مصر، وخرج من بغداد من أجل هذه الغاية.
استغل البساسيري خروج السلطان من بغداد فزحف إليها على رأس قوة عسكرية تُقدر بأربعمائة، فارس حاملاً الرايات المستنصرية وقد كتب عليها الإمام المستنصر بالله أبو تميم معد أمير المؤمنين وسار معه قريش بن بدران العقيلي في مائتي فارس، وتمكنا من دخول المدية في (8 ذي القعدة 450هـ / 27 كانون الأول 1058م) من دون مقاومة تُذكر، واضطر الخليفة القائم إلى طلب الأمان من قريش بن بدران، فأجابه إلى طلبه وأرسله إلى حديثة عانة (19) ، وكان البساسيري يرغب في إرساله إلى مصر(20) وأرغمه، قبل مغادرته ،بغداد على كتابة عهد اعترف فيه بأنه لا حق لبني العباس ولا له في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء، ثم بعث بهذا العهد إلى القاهرة (21) ، كما أرسل ثوب الخليفة وعمامته وشباكه الذي كان يجلس فيه، الهدايا والتحف، وقد أثار وصولها إلى القاهرة موجة عارمة من الفرح، وأعد المستنصر القصر الذي بناه العزيز بالله ( 365 - 386هـ / 975 - 996م) وهو القصر الغربي الصغير ليكون مقراً للخليفة القائم إذا ما تحقق أمله في القبض عليه(22).
ودعي يوم الجمعة (13 ذو القعدة 451هـ الأول من كانون الثاني 1059م) للمستنصر الفاطمي في جامع المنصور ببغداد، وقطعت الخطبة للعباسيين، وزيد في الآذان عبارة حي على خير العمل، ثم أقيمت الخطبة للفاطميين في جميع مساجد بغداد، وكان أهل الكرخ من أوائل من دعا للمستنصر (23)، وأرسل الخليفة وهو في الأسر رسالة إلى السلطان طغرلبك يستنجد به (24).
وما جرى من اصطدام السلطان طغرلبك بأخيه إبراهيم ينال بالقرب من الري وتغلبه عليه وقتله أن ارتد إلى العراق لإعادة الأمور إلى نصابها، فطلب من البساسيري وقريش بن بدران إعادة الخطبة للخليفة القائم مقابل عدم دخوله المدينة، وأنه يقنع بذكر اسمه في الخطبة والسكة بعد الخليفة فرفض البساسيري إجابة طلبه، كما أن قريش بن بدران سعى لدى الأمير محيي الدين مهارش العقيلي صاحب الحديثة ليحول دون عودة الخليفة القائم إلى بغداد ورأى أن تحقيق هذه الغاية قد يؤدي إلى عدول السلطان طغرلبك عن دخول العراق (25).
الواقع أن نجاح الدعوة الفاطمية في بغداد لا يدل على أي قوة حقيقية كانت للفاطميين بعدما ضعفوا وتقلصت ممتلكاتهم، وأثرت عليهم الأزمات الاقتصادية المتتالية، بقدر دلالته على الدسائس والمكائد السياسية في دار الخلافة (26).
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها البساسيري في خدمة الدولة الفاطمية ومحاولته نشر النفوذ الفاطمي في بغداد، فإنه لم يتلقَّ من المستنصر ما يُشجعه على مواصلة القيام ببسط سلطانه على العراق ويبدو أن المستنصر لم يكن يملك القوة الكافية لإمداده حتى يحتفظ بما وصل إليه نفوذه، كما يبدو أن ثقته في هذا الرجل لم تكن كبيرة، والراجح أن حقد الوزير أبي الفرج محمد بن جعفر المغربي عليه، كان وراء ذلك، وكان هذا الوزير قد رحل إلى بغداد وانضم إلى البساسيري، وما لبث أن انقلب عليه، وفرَّ إلى مصر وأخذ يُحذر المستنصر من عاقبة أطماعه (27)، فخشيه المستنصر وأهمل طلباته، ولم يقم بعمل جدّي لنجدته، وتركه يواجه الموقف منفرداً أمام قوة السلطان السجلوقي وعلى الرغم من ذلك حرص البساسيري على إخلاصه للمستنصر، فتابع غاراته في بلاد العراق فاستولى على واسط والبصرة وأقام الخطبة فيهما للمستنصر(28)، إلا أنه لم يتمكن من مواجهة الجيش السلجوقي، لذلك خرج من بغداد مع جنده وقصد الكوفة، وذلك في(6 ذي القعدة 451هـ / 14كانون الأول 1059م)(29).
وعلق ابن تغري بردي (30) على موقف المستنصر من البساسيري بعد خروجه من بغداد بقوله: ولولا تخوف المستنصر من البساسيري وترك تحريضه على ما هو بصدده، لكانت دعوته تتم بالعراق زمناً طويلاً».
أعاد الأمير محيي الدين مهارش العقيلي الخليفة العباسي القائم إلى بغداد، فاستقبله السلطان طغرلبك عند وصوله إلى النهروان وبالغ في الاحتفاء به وأبدى اغتباطه بعودته، واعتذر له عن تأخره في نجدته لانشغاله في إخماد ثورة أخيه، وأبدى نيته في المضي خلف البساسيري والمسير إلى الشام، ثم إلى مصر ليعامل المستنصر معاملة تتلاءم مع أفعاله (31)، وأعيدت الدعوة للعباسيين في بغداد بعد انقطاع دام سنة.
ولم يكد الخليفة يستقر في بغداد حتى عهد السلطان طغرلبك إلى خمارتكين الطغرائي بالمسير على رأس ألفي فارس إلى الكوفة حيث يقيم البساسيري، وضم إليه طائفة من الجند بقيادة ابن منيع الخفاجي، وسار بنفسه في إثرهم، ودارت بين الطرفين رحى معركة ضارية عند الكوفة في (15 ذي الحجة 451هـ/ 22 كانون الثاني 1060م)، أسفرت عن انتصار السلاجقة ومقتل البساسيري (32)، وبذلك تمكن السلطان طغرلبك من القضاء على حركة البساسيري التي أقضت مضاجع الخلافة العباسية.
وأدرك السلاجقة مدى الخطر الذي يتهددهم نتيجة انتشار النفوذ الفاطمي، لذلك وجهوا جهودهم بعد أن قبضوا على زمام الأمور في بغداد، إلى مناهضته، وحققوا الكثير من النجاح كما الواقع أن ما قام به السلاجقة تحت زعامة السلطان طغرلبك من إنقاذ الخلافة العباسية والمذهب السني، أضفى عليه مكانة خاصة في العالم الإسلامي، واستطاع بذلك أن يُحقق للمسلمين نوعاً من الوحدة كانوا بحاجة ماسة إليها، فأضحت إيران والعراق تؤلفان وحدة كبيرة دانت بالزعامة الروحية للخليفة العباسي وبالزعامة السياسية للسلطان السلجوقي.
........................................................
(1) الراوندي: ص 169. الحسيني: ص 19. وطَبَرك: قلعة على رأس جبيل بقرب مدينة الري (طهران الحالية) على يمين القاصد إلى خراسان وعن يساره جبل الري الأعظم الحموي: جـ4 ص 16. وقارن بابن الأثير الذي يذكر قلعة سيروان جـ 8 ص 128 والسيروان: بلد بالجبل وموضع قرب الري الحموي جـ3 ص 296، 297.
(2) النيل بليدة في سواد الكوفة قرب حلة بني مزيد الحموي: جـ 5 ص 334.
(3) ابن الأثير: ج 8 ص 128 - 129.
(4) المصدر نفسه ص128.
(5) مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية: ص 158 - 160.
(6) مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية: ص 119 - 125.
(7) المصدر نفسه: ص 136، 137، 140، 141 ابن العديم الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد ابن أبي جرادة زبدة الحلب من تاريخ حلب ج1 ص 229
(8) دیار بکر بلاد كبيرة واسعة تُنسب إلى بكر بن وائل حدها ما غرَّب من دجلة إلى بلاد الجبل المطل على نصيبين إلى دجلة ومنه حصن كيفا وآمد وميافارقين الحموي جـ 2 ص 494.
(9) مذکرات داعي دعاة الدولة الفاطمية: ص 142 - 150.
(10) مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية: ص 142 - 150.
(11) المصدر نفسه: ص 160 - 165.
(12) ابن الأثير: جـ 8 ص 139، 140.
(13) مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية: 195 - 198.
(14) ابن الأثير: جـ 8 ص 142، 143.
(15) مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية: ص 213، 214.
(16) زكار سهيل إمارة حلب: ص 122
(17) ابن الأثير: جـ 8 ص 152.
(18) مذکرات داعي دعاة الدولة الفاطمية: ص 217 - 219.
(19) حديثة عانة عانة بلد مشهور بين الرقة وهيت يُعد من أعمال الجزيرة، مشرف على الفرات قرب حديثة النورة الحموي: جـ4 ص 72.
(20) ابن الجوزي: جـ 8 ص 190 - 195.
(21) ظل هذا العهد محفوظاً في القصر الفاطمي حتى استولى صلاح الدين الأيوبي على محتوياته عام 567هـ ، فأرسله إلى الخليفة العباسي المستضيء في بغداد على أثر وفاة العاضد، آخر الحكام الفاطميين في مصر.
(22) المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية جـ 2 ص 195.
(23) ابن الأثير: جـ 8 ص 154.
(24) ابن العبري: ص 104.
(25) ابن الأثير: جـ 8 ص 157، 158.
(26) سيد أيمن فؤاد الدولة الفاطمية ص 133، 134.
(27) ابن تغري بردي جمال الدين أبو المحاسن يوسف: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
ج5 ص11.
(28) ابن الأثير: جـ 8 ص 157.
(29) ابن الأثير: ص 158.
(30) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: جـه ص 11.
(31) ابن الأثير: جـ 8 ص 159.
(32) المصدر نفسه البنداري الفتح بن علي بن محمد الأصفهاني: تاريخ دولة آل سلجوق ص 191، 192، وهو اختصار كتاب نصرة الفترة وعصرة الفطرة في أخبار الدولة السلجوقية، لعماد الدين محمد بن محمد ابن حامد الأصفهاني في الكاتب الراوندي: ص 109.
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
