تراجع قوة البويهيين
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 68 ــ 70
2025-09-07
245
اضطربت أوضاع البويهيين بعد وفاة بهاء الدولة في عام (403 هـ / 1012م)، وتراجعت قوتهم واستمرت في التراجع حتى دخول السلاجقة بغداد، ولعل مرد ذلك يعود إلى:
- تنازع أبنائه، ذلك أن البيت البويهي لم يتبنَّ قاعدة ثابتة لولاية العهد فاختلف أفراده فيما بينهم، ولم يحتفظوا بتضامنهم، ففقدوا جزءاً من حيويتهم ومن نشاطهم. فقد استأثر كل واحد من أبناء بهاء الدولة بناحية، فأقام سلطان الدولة في شيراز، وولى أخاه مشرف الدولة إمرة الأمراء في بغداد، كما ولى أخاه جلال الدولة منطقة البصرة، وأخاه أبا الفوارس كرمان (1)، فتطلع كل منهم إلى الاستقلال بما في يده وطمع بانتزاع ما بيد أخيه حتى دب الشقاق داخل الأسرة.
اعتمد البويهيون منذ عهد معز الدولة (ت 356هـ) على الأتراك، فجندوا الكثير منهم، ووصل بعضهم إلى مناصب قيادية فازدادت قوتهم وأضحوا عنصراً لا يمكن للأمراء البويهيين المتأخرين أن يستغنوا عنهم، فخصوهم بوحدات الفرسان، وشكلوا هم فرق المشاة.
كان من الطبيعي في ظل هذا الوضع أن ينشأ التنافس بين الطرفين ما سبب الكثير من المتاعب للبويهيين مثل اندلاع الثورات ونشوب الحروب الأهلية، ولم يتورع الجند الأتراك عن نهب العاصمة أحياناً، كما لم يتورعوا حتى عن نهب قصور الأمراء مطالبين بزيادة مرتباتهم وبتعويضات إضافية، في ظل ضعف الجيش البويهي.
ونظراً لعجزهم عن معالجة هذه المشكلات وتلبية حاجات جنودهم، لجأ البويهيون إلى تبني سياسة جديدة تمثلت بظهور نظام اجتماعي جديد هو نظام الإقطاع، فلجأوا إلى منحهم القرى مقابل خدماتهم. تميز هذا الإقطاع بالمرحلي، أي أنه أقطع لمدة محدودة بهدف تأمين حياة الجند ما جعل التغيير المتكرر في المستفيدين من الإقطاعة السمة البارزة، فأهمل المقطعون صيانة الأرض، فأصاب القرى الخراب وتدهور الاقتصاد وتراجعت واردات الدولة.
- اتبع البويهيون في العراق سياسة مذهبية ضيقة تقوم على دعم المذهب الشيعي ما أدى إلى إحداث الفرقة في المجتمع العراقي ونشوب القلاقل والاضطرابات والفتن والواقع أنه ساد هذا المجتمع في ذلك العصر الخصومات الطائفية والمذهبية وقد أثارها البويهيون، إذ كان الأتراك الذين استخدموهم في الجيش على المذهب السني في الوقت الذي تطرف البويهيون بشيعيتهم ما جرَّ المصائب على البلاد. ففي عام (362هـ / 973م) قامت فتنة في الكرخ (2)، فأرسل الوزير أبو الفضل العباس بن الحسن حاجبه صافي لقتال العامة وكان شديد التعصب للسنة، فأضرم النار في أماكن كثيرة فاحترق الكرخ حريقاً عظيماً»، وكثرت الفتن بين العامة في بغداد وزالت هيبة الدولة (3).
- تقلصت موارد بني بويه المالية وفرغت، خزائنهم، فاضطر جلال الدولة (416 - 435هـ / 1025 - 1044م إلى بيع ثيابه وآلاته في الأسواق، وخلت داره من حاجب وفراش وبواب، وصار أكثر الأبواب مغلقاً، وانقطع ضرب الطبل على بابه في أكثر الأحيان لانقطاع الطبالين (4)، وفي عام (423 هـ / 1032م) نهب الأتراك داره وسلبوا الكتاب وأرباب الديوان ثيابهم وطلبوا الوزير أبا إسحاق السهلي فهرب إلى حلة كمال الدولة غريب بن محمد، وقطعوا الخطبة باسمه (جلال الدولة) (5).
- تفاقمت الخلافات الأسرية داخل البيت البويهي. ففي عام (424هـ / 1033م) ظهر التنافس واضحاً بين جلال الدولة وبين ابن أخيه أبي كاليجار، كما ثار الجند على حكمه في عام (426هـ / 1035م) فنهبوا داره ودواوينه وكتبه، وغدت بغداد مسرحاً للشعب والنزاعات الأسرية والمذهبية، ولم تتمكن الخلافة من تهدئة الوضع نظراً لضعفها الظاهر. وفي عام (435هـ / 1044م) توفي جلال الدولة وخلفه ابنه أبو منصور فيروز الذي لقبه الخليفة بالملك العزيز، إلا أنه لم يتمكن من ممارسة الحكم، فقد نازعه أبو كاليجار الذي نجح في دخول بغداد بعد أن استقطب كبار القادة البويهيين، وبعد أن ثبت أقدامه في الحكم أُقيمت له الخطبة في عام (436هـ/ 1045م) (6).
- انكمش البويهيون على أنفسهم ضمن دائرة نفوذهم، وأهملوا في الوقت نفسه الاهتمام بما كان يجري من أحداث في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، فلم يشاركوا فيها، ما أتاح نشوء إمارات أخرى أخذت على عاتقها القيام بهذه المهمة، أمثال العقيليين في شمالي العراق وبعض مناطق الجزيرة الفراتية، والنميريين في حران والرها والرقة والمروانيين في ديار بكر وميافارقين وغيرهم، وقد نتج عن ذلك حدوث اصطدامات بينهم وبين هذه القوى الناشئة.
- لم يُعر البويهيون، على الصعيد الخارجي اهتماماً لتنامي القوة البيزنطية المتجددة في عهد الأسرة المقدونية، كما لم يتطلعوا إلى بلاد الشام التي شهدت، في بعض الأحيان، نزاعات حادة بين الطولونيين والأخشيديين ثم بين الخلافة العباسية والدولة الحمدانية.
لم يُشارك البويهيون في الشرق السامانيين والغزنونيين في الدفاع عن مناطق الحدود مع الهند والترك الوثنيين والراجح أن الخلافات الداخلية بين أفراد الأسرة منعتهم من الاهتمام بالشؤون الخارجية والحرص على تأدية دور فعال في العالم الإسلامي.
...................................................
(1) المصدر نفسه: جـ7 ص 590
(2) الكرخ محلة في بغداد.
(3) ابن الأثير: ج 7 ص 310، 311
(4) ابن الجوزي: جـ 7 ص 60.
(5) ابن الأثير: جـ 7 ص 752.
(6) ابن الأثير جـ 7 ص 758، 759، 768
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة