تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
ما الواقع ؟ (عندما تفكك الفيزياء البصرية التراكب الموجي)
المؤلف:
ستيفن هوكينج - ليونارد ملودينوو
المصدر:
التصميم العظيم - إجابات جديدة على أسئلة الكون الكبرى
الجزء والصفحة:
ص49
2025-07-31
91
حظر مجلس مدينة مونزا بإيطاليا منذ عدة سنوات على مالكي الحيوانات الأليفة الاحتفاظ بالسمكة الذهبية goldfish في أحواض السمك الكروية. وقد فسر مسئول الإجراءات تلك الضوابط جزئيا بقوله: "إنَّه لشيء وحشي الاحتفاظ بالسمكة في حوض سمك مقوس الجوانب، فعندما ستحدق السمكة في الخارج ستتكون لديها صورة مشوّهة عن الواقع. لكن كيف يتسنّى لنا معرفة أننا نمتلك صورة حقيقية وغير مُشوَّهة عن الواقع؟ ولماذا لا نكون نحن أنفسنا داخل بعض أحواض السمك الكبيرة وبالتالي تكون رؤيتنا نحن مُشوَّهةً في عين ضخمة أخرى؟ إنَّ صورة السمكة الذهبية عن الواقع تختلف عن صورتنا، لكن هل يمكننا التأكد من أنها أقل واقعية؟
إن رؤية السمكة الذهبية لا تشبه رؤيتنا، لكنَّه لا يزال باستطاعتها صياغة القوانين العلمية التي تحكم حركة الأشياء التي تلاحظها خارج حوض السمك الخاص بها. فمثلا بسبب هذا التشوه، فإنَّ الجسم المُتحرِّكَ بحرية والذي نلاحظ أنه يسير في . خط مستقیم، ستراه السمكة الذهبية يتحرَّك في مسار منحن. ومع ذلك، فإن السمكة الذهبية تستطيع صياغة القوانين العلمية من إطار مرجعيتها المُشوَّه ذلك، والذي يُعتبر حقيقيًّا دائمًا، كما يُمكنها من التنبؤ بحركة الأشياء خارج حوض السمك. قد تكون قوانين السمكة الذهبية أكثر تعقيدا من القوانين الموجودة في إطارنا مرجعيتنا لأن البساطة مسألة تذوق. وإذا صاغت السمكة الذهبية نظريةً كتلك، فإنَّ علينا التسليم برؤية السمكة الذهبية كصورة صالحة للواقع.
والمثال الشهير للصور المختلفة عن الواقع، هو النموذج الذي قدمه بطليموس Ptolemy (58- 165) حوالي 150 عام بعد الميلاد، لوصف حركة الأجسام السماوية. فقد أصدر بطليموس عمله في رسالة مكونة من ثلاثةَ عشرَ كتابًا عُرفت بعنوانها العربي عادةً، المجسطي (Almagest (o. ويبدأ المجسطي بشرح أسباب التفكير في أنَّ الأرض كروية وأنَّها لا تتحرّك، وكونها متموضعة في مركز الكون، وصغيرة بشكل تافه مقارنةً باتّساع السماوات. حتّى مع وجود نموذج أريسطر خس Aristarchus الذي تكون فيه الشمس في المركز -helio centric، فقد تمسك معظم المتعلمين اليونانيين بتلك الأفكار منذ عهد أرسطو على الأقل، والذي اعتقد لأسباب غامضة أنَّ الأرض يجب أن تكون في مركز الكون. ففي نموذج بطليموس تقف الأرض ساكنةً في المركز وتدور حولها الكواكب والنجوم في مدارات معقدة تشمل أفلاك التدوير epicycles، كعَجَلات فوق عجلات.
يبدو هذا النموذج واقعيًا لأننا لا نشعر بأنَّ الأرض تتحرك تحت أقدامنا (إلا في حالات الزلازل أو في لحظات الهلع). وقد قام التعليم
الكون البطليموسي: حسب رؤية بطليموس، نحن كنا نعيش في مركز الكون الأوربي فيما بعد على المصادر اليونانية التي جرى تجاوزها. وهكذا أصبحت أفكار أرسطو وبطليموس أساسًا للكثير من الفكر الغربي.
وتم اعتماد نموذج بطليموس عن الكون من قبل الكنيسة الكاثوليكية وصار مذهبًا رسميًّا لأربعة عشر قرنًا. إلى أن جاء عام 1543، حيث وضع كوبرنيكوس Copernicus في كتابه عن ثورات الكرات السماوية" (De revolutionibus (orhium coelestim نموذجا بديلًا، وقد صدر الكتاب في العام الذي تُوفِّي فيه (مع أنَّه قد عمل على نظريته تلك لعدة عقود).
لقد قام كوبرنيكوس، مثل أريسطر خوس الذي جاء مبكرًا بحوالي سبعة عشر قرنًا، بوصف العالم الذي تستقر فيه الشمس والكواكب التي تدور حولها في مدارات دائرية. ومع أنَّ الفكرة لم تكن جديدة، إلَّا أنَّ إحياءها قد قوبل بمعارضة غاضبة. فالنموذج الذي قدمه كوبرنيكوس جاء ليناقض الكتاب المقدَّس الذي تم تفسيره على أنَّ الكواكب كلها تدور حول الأرض، مع أن الكتاب المُقدَّس لم ينص على ذلك صراحة، وفي الواقع، كان الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة في وقت كتابة الكتاب المُقدَّس. وقد أدَّى نموذج كوبرنيكوس لنقاش صاحب حول إذا ما كانت الأرض مستقرَّة، وهو الأمر الذي استدعى النهاية محاكمة جاليليو بتهمة التجديف في عام 1633 لدفاعه عن نموذج كوبرنيكوس لاعتقاده بأن المرء يمكنه التمسك والدفاع بقدر استطاعته عن الرأي، بعد أن يتضح ويتبيَّن تناقضه مع الكتاب . المُقدَّس". لقد أدين جاليليو، وحددت إقامته الجبرية في منزله طيلة حياته، كما أجبر على إنكار رأيه علانية. وقد قيل إنَّه قد غمغم بصوت هامس: "لكنَّها لا تزال تدور" Eppur si muove أثناء خروجه من المحاكمة. وفقط في عام 1992 اعترفت الكنيسة الكاثوليكية في النهاية أنه "كان من الخطأ إدانة جاليليو.
لذا فأيهما هو الحقيقي، نظام بطليموس أم نظام كوبرنيكوس؟ مع أنه ليس من غير الشائع القول بأنَّ كوبرنيكوس قد أثبت خطأ بطليموس، إلا أنَّ ذلك غير حقيقي. وكما في حالة رؤيتنا الطبيعية في مقابل رؤية السمكة الذهبية، يمكن للمرء استخدام أي صورة من الصورتين كنموذج للكون، وبالنسبة لملاحظاتنا عن السماوات، فيمكن تفسيرها بإرجاعها لاستقرار الأرض أو الشمس. وبالرغم من دوره في الجدل الفلسفي حول طبيعة كوننا، إلا أن ميزة نظام كوبرنيكوس ببساطة هي أن معادلات الحركة فيه كانت أبسط بكثير في الإطار المرجعي الذي تكون فيه الشمس مستقرة.
هناك نوع مختلف من الواقع البديل كما يحدث في فيلم الخيال العلمي: المصفوفة The Matrix ففيه يعيش الجنس البشري بلا دراية في واقع مُقَلَّدٍ غير حقيقي، تم خلقه من قبل كمبيوترات ذكية للحفاظ عليهم قانعين ومسالمين بينما تمتص تلك الكمبيوترات طاقاتهم البيولوجية مهما كانت. قد لا يُمثل هذا الأمر دهشة كبيرة، إذ إنَّ كثيرًا من الناس قد يفضّلون تمضية وقتهم في واقع مقلد على شبكة الإنترنت كحياة ثانية. فكيف لنا أن نعرف أننا لسنا شخصيات في كمبيوتر يُنتج الأوبرا الصابونية soap opera؟ لأننا إذا كنا نعيش في عالم صناعي متخيّل، فلن يكون للأحداث بالضرورة أي منطق أو تماسك ولن تخضع لأي قانون وربَّما تجد الكائنات الفضائية المسيطرة أنَّ مشاهدة تفاعلاتنا عملية مُسلية أو مثيرة جدا، كأن ينقسم القمر الكامل إلى نصفين مثلا، أو تتولّد لدى كل شخص في العالم يقوم بعمل رجيم، رغبة شرهة لالتهام شطيرة موز بالكريمة. لكن إذا افترضت الكائنات الفضائية قوانين متسقة، فلن يكون هناك بد من القول بأنَّ هناك واقعا آخر وراء هذا الواقع الزائف. وسيكون من السهل تسمية العالم الذي تعيش فيه تلك الكائنات الفضائية "بالعالم الحقيقي" وتسمية العالم الاصطناعي بالعالم المزيف". لكن، كما في حالتنا، لو أنَّ الكائنات الموجودة في العالم الزائف لم تستطع الحملقة في كونها من الخارج، فلن يوجد لديها سبب للشك في صورتها الخاصة عن الواقع. وهو ما يعتبر نسخة حديثة من فكرة أننا جميعا محض خيالات في حلم شخص آخر.
تؤدي بنا تلك الأمثلةُ إلى استخلاص سيكون مهما في هذا الكتاب: وهو أنه لا وجود لمفهوم "صورة أو نظرية" مستقلة عن الواقع. وبدلًا من ذلك سنتبنى وجهة النظر التي سندعوها بالواقعية المعتمدة على النموذج model-dependent realism وهي فكرة مفادها أنَّ النظرية الفيزيائية أو الصورة المُتكوّنة عن العالم ما هي إلا نموذج (ذو طبيعة رياضية عموما) مع مجموعة الأحكام التي تصل مواد هذا النموذج بالرصد، الأمر الذي يوفر لنا إطارا لتفسير العلم الحديث.
لقد تجادل الفلاسفة بداية من أفلاطون وما بعده وعلى مر السنين حول طبيعة الواقع. فالعلم الكلاسيكي يقوم على الاعتقاد بوجود عالم خارجي حقيقي تكون خصائصه مُحدَّدة ومستقلة عن الملاحظ الذي يدركها. ووفقًا لهذا العلم الكلاسيكي، فإنَّه توجد أشياء معينةٌ ذات خصائص فيزيائية مثل السرعة والكتلة، ويكون لها قيم مُحدَّدة جيدا. وفي هذه الرؤية، فإن نظرياتنا هي عبارة عن محاولات لوصف تلك الأشياء وخصائصها، كما تستجيب قياساتنا وإدراكنا لهذا. وكل من الملاحظ والملاحظ، هما جزءان من عالم له وجود موضوعي، وأي تمييز بينهما ليس له أي أثر ذي معنى. وبكلمات أخرى، إذا رأيت قطيعا من الحمير الوحشية يتقاتل من أجل موضع في مرأب السيارات، فلان هناك قطيعا من الحمير الوحشية يتفائل حقيقة من أجل موضع في مرأب السيارات. وكل الملاحظين الآخرين الذين ينظرون سوف يقيسون الخصائص نفسها، وسيكون للقطيع تلك الخصائص سواء لاحظها أي شخص أم لا. ويُسمى هذا الاعتقاد في الفلسفة بالواقعية. أن الواقعية تعتبر وجهة نظر مغرية، كما سنرى فيما بعد، مع إلا أن ما نعرفه عن الفيزياء المعاصرة يجعل من الصعب على المرء الدفاع عنها. فعلى سبيل المثال، وفقًا لمبادئ ميكانيكا الكم، التي تعتبر وصفا دقيقًا للطبيعة، فإنَّ الجسم ليس له موضع مُحدَّد ولا سرعة محددة حتّى يتم قياس هاتين الكميتين بواسطة ملاحظ. وبالتالي فليس صحيحًا القول إن القياس يُعطي نتائج معيَّنة لأنَّ الكمية المقاسة تكون لها تلك القيمة في وقت القياس. ففي الواقع، في بعض الحالات فإنَّ الأشياء الفردية لن يكون لها وجود مستقلّ حتّى، لكنها تتواجد فقط كجزء ضمن مجموع أكبر. وإذا ثبت صحة النظرية المُسماة بالمبدأ الهولوجرامي holographic principle، فقد نكون نحن وعالمنا رباعي الأبعاد ظلال على حدود زمكان أكبر خماسي الأبعاد. وفي تلك الحالة، سيكون وضعنا في الكون مشابها لوضع السمكة الذهبية. و غالبا يجادل الواقعيون المُتشدّدون بأن دليل تمثيل النظريات العلمية للواقع يكمن في نجاحها، لكن يمكن للنظريات المختلفة أن صف الظاهرة نفسها انطلاقا من أطر مفاهيمية متفاوتة. وفي الواقع، إن العديد من النظريات العلمية التي ثبت صحتها، تم استبدالها فيما ... بنظريات أخرى تساويها في النجاح وتقوم على مفاهيم للواقع جديدة كليا.
وعادةً ما يُسمَّى هؤلاء الذين لا يقبلون الواقعية باللاواقعيين -anti realist. ويفترض اللاواقعيون تمييزا بين المعرفة التجريبية والمعرفة النظرية. ويجادلون تحديدًا بأنَّ الملاحظة والتجربة لهما معنى، لكنَّ النظريات ليست سوى أدوات مفيدة لكنَّها لا تجسد أية حقائق تكمن في الظاهرة التي يجري ملاحظتها. وقد أراد بعض اللاواقعيين قصر العلم على الأشياء التي يمكن ملاحظتها. ولهذا السبب رفض العديد منهم في القرن التاسع عشر فكرة الذرّات على أساس أننا لن نتمكن من رؤية أي منها أبدًا. حتَّى إنَّ جورج بيركلي George Berkeley (1685 - 1753) قد ذهب لأبعد من ذلك عندما قال: "لا يوجد أي شيء سوى العقل وأفكاره". وعندما أرسل أحد الأشخاص ملاحظة إلى صديقه مؤلف القواميس الإنجليزي د. صامويل جونسون Samuel Johnson Dr.(1790 - 1784) يُبدي فيها عدم إمكانية دحض ادعاء بير كلي، يقال إنَّ جونسون قد سار باتجاه صخرة كبيرة ثم ركلها معلنا: "أنا أدحضها هكذا". بالطبع فإنَّ الألم الذي أحس به الدكتور جونسون في قدمه كان أيضًا فكرة داخل عقله، وبالتالي فهو لم يدحض فعليا فكرة بيركلي. لكن فعلته قد أوضحت نظرة الفيلسوف ديفيد هيوم -David Hume (1711 - 1776) ، الذي كتب "بالرغم من عدم وجود أسباب عقلانية تدعونا للاعتقاد في الواقع الموضوعي، إلَّا أَنَّنا أيضًا لا نمتلك خيارا سوى التصرف على أنه حقيقة".
والواقعية المعتمدة على النموذج تنهي هذا الجدل والنقاش الدائرين بين مدارس التفكير الواقعية واللاواقعية.
فبحسب الواقعية المُعتمدة على النموذج، لا جدوى من السؤال عما إذا كان النموذج حقيقيًّا أم لا إن كان يتوافق مع الملاحظة. فلو أنَّ هناك نموذجين يتوافق كل منهما مع الملاحظة، مثلنا نحن وصورة السمكة الذهبية، فلن يستطيع أحد القول بأنَّ أحد النموذجين حقيقي أكثر من الآخر. ويمكن أن يستخدم المرء أيا من النموذجين الذي واه الأكثر ملائمة للحالة موضع الاعتبار. فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص داخل حوض السمك، فإنَّ تصور السمكة الذهبية سيكون مفيدا. لكن بالنسبة لهؤلاء الموجودين خارج حوض السمك، فسيكون عملا أخرق تماما لو قاموا من مجرة بعيدة بوصف الأحداث في إطار حوض السمك على الأرض، خاصة وأن حوض السمك سيتحرك مع حركة الأرض وهي تدور حول الشمس أو وهي تلف على محورها.
نحن نقوم بعمل نماذج في العلم، لكننا نقوم بعملها في الحياة اليومية أيضًا، فالواقعية المعتمدة على النموذج لا تنطبق فقط على النماذج العلمية، لكن أيضًا على النماذج الذهنية الواعية وغير الواعية، التي نقوم بخلقها جميعًا لفهم عالم الحياة اليومية وتفسيره. ولا توجد طريقة لإزالة الملاحظ - الذي هو نحن - من عملية إدراكنا للعالم الذي يتم خلقه من خلال معالجتنا الحسية ومن الطريقة التي نفكر ونعلل بها. إن إدراكنا ـ ومن ثم ملاحظاتنا التي تقوم عليها نظرياتنا ليس مباشرًا، لكنَّه يتشكل بالأحرى بنوع العدسة، بالبنية التفسيرية لأدمغتنا البشرية.
إن الواقعية المعتمدة على النموذج تتوافق مع طريقة إدراكنا للأشياء. ففي الإبصار مثلا، يستقبل دماغ المرء سلسلة من الإشارات من خلال العصب البصري. لا تشكل تلك الإشارات نوع الصورة التي تستقبلها في التليفزيون. فهناك بقعة عمياء عند اتصال العصب البصري بالشبكية، وبالتالي فإنَّ جزءًا من مجال الرؤية الذي يتّسم بوضوح الرؤية جدا، هو فقط المنطقة الضيقة بمقدار حوالي درجة واحدة من الزاوية البصرية حول مركز الشبكية، مثل عرض إبهامك عند مقارنته بطول ذراعك. وهكذا، فالبيانات الخام التي يتم إرسالها للدماغ تكون مثل صورة مشوّشة وبها ثقب في منتصفها. لكن لحسن الحظ، فإنَّ الدماغ البشري يقوم بمعالجة تلك البيانات، ويقوم بتركيب المدخلات الآتية من كلتا العينين ويملأ الفجوات بافتراض تشابه الخصائص البصرية للمواضع المتجاورة وإمكانية استيفائها. والأكثر من ذلك، أنه يقرأ ترتيبين من البيانات ثنائية الأبعاد من الشبكية ويخلق منهما الانطباع بالفضاء ثلاثي الأبعاد. فالدماغ، بحسب كلماتنا، يبني صورة أو نموذجًا عقليا للواقع.
إن الدماغ بارع جدا في بناء النماذج، بحيث لو ارتدى الناس نظارات تجعل الصورة مقلوبةً في أعينهم، فإنَّ أدمغتهم، ستغير النموذج بعد وقت قليل، وبالتالي سيرون مرَّة أخرى الأشياء بالطريقة الصحيحة. وإذا أزيلت النظارات: بعد ذلك، فإنهم سيرون العالم مقلوبا لبرهة من الزمن، ثم يتكيّفون مرة أخرى. ويوضح هذا أنَّ ما نعنيه عندما يقول شخص: "أنا أرى كرسيا" بأنه يستخدم وحسب الضوء المُشتّت بواسطة الكرسي لبناء صورة أو نموذج ذهني عن الكرسي. وإذا كان النموذج مقلوبًا، فمن حسن الحظ أنَّ دماغ المرء سوف يُصححه قبل أن يحاول الجلوس على الكرسي.
المشكلة الأخرى التي تحلها الواقعية المعتمدة على النموذج، أو على الأقل تتجنَّبها، هي معنى الوجود. فكيف لي أن أعرف أنَّ المنضدة ما زالت موجودة إذا خرجت من الغرفة، ولم أعد أستطيع رؤيتها؟ ماذا يعني القول إنَّ الأشياء التي لا نستطيع رؤيتها كالإلكترونات الكواركات - التي يُقال إنَّها تُكون البروتون والنيوترون –موجودة؟ يمكن للمرء أن يمتلك نموذجا للمنضدة تختفي فيه المنضدة عندما أغادر الغرفة وتُعاود الظهور في الموضع نفسه عندما أعود، لكن هذا سيكون عملا أخرق، فماذا لو حدث شيء عندما أكون في الخارج، مثل سقوط السقف؟ وكيف يمكنني في نموذج اختفاء المنضدة - عندما أغادر الغرفة. أن أعلل حقيقة أنه في المرة القادمة التي أدخل فيها، فإنَّ المنضدة ستعاود الظهور وهي مكسورة تحت حطام السقف؟ وهكذا، فالنموذج الذي تبقى فيه المنضدة ولا تختفي هو أكثر بساطة ويتوافق مع الملاحظة. وهذا كل من يحتاجه المرء. في حالة الجسيمات ما دون الذرية التي لا نستطيع رؤيتها، فإن الإلكترونات تعتبر نموذجا مفيدًا إذ إنَّها تُفسر بعض الملاحظات، مثل المسارات في غرف السحاب والبقع الضوئية على أنبوبة التليفزيون، . مثل ظواهر أخرى عديدة يقال إن الإلكترون قد اكتشف في عام 1897 بمعرفة الفيزيائي الإنجليزي ج. ج. طومسون J. J. J.Theonmsonفي مختبر كافينديش Cavenlish بجامعة كامبريدج. حيث كان يقوم بتجارب على التيارات الكهربائية داخل أنابيب زجاجية مفرغة، وهي الظاهرة التي تُعرف بأشعة الكاثود cathode rays. وقد قادته تجاربه إلى استخلاص أنَّ الأشعة الغامضة، مكوّنة من كريات دقيقة جدا بمثابة مكونات مادية للذرّات، والتي كان يُعتقد حينئذ أنَّها الوحدة الأساسية غير المرئية للمادة. لم ير طومسون الإلكترون، ولم يكن افتراضه العلمي مباشرًا ولا جرى توضيحه بطريقة تجريبية غير قابلة للشك. لكن هذا النموذج قد أثبت أنه حاسم في المجال التطبيقي من العلوم الأساسية للهندسة. واليوم يؤمن كل علماء الفيزياء بوجو الإلكترونات، حتى لو لم يستطيعوا رؤيتها.
أشعة الكاثود: لا تستطيع أن نرى الإلكترونات المفردة، لكن يمكننا رؤية التأثيرات التي تنتجها
الكواركات quarks، التي لا نستطيع أن نراها أيضًا، هي نموذج لتفسير خصائص البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة ومع أنه يُقال إنَّ البروتونات والنيوترونات مصنوعة من كواركات، فإننا لن نلاحظ الكوارك أبدا لأنَّ قوَّة الدمج بين الكواركات تتزايد مع كل محاولة لفصلها، وبالتالي فإنَّ الكواركات الحُرَّة المعزولة لا يمكنه أن توجد أبدا في الطبيعة. وبدلا من ذلك، فإنَّها دائما ما تكون في مجموعات من ثلاث بروتونات ونيوترونات)، أو في أزواج من الكواركات والكواركات المضادّة (باي) ميزونات) pi mesons، وهي تتعرف كما لو أنَّها مرتبطة بشريط مطاطي.
لقد كانت مسألة إن كان هناك معنّى للقول بوجود حقيقي للكواركات، إذا كنا غير قادرين على عزل واحد منها أبدا، مسألة خلافية طيلة السنوات التي تلت افتراض نموذج الكوارك لأول مرة. كانت الفكرة أن هناك جزيئات معينةً مصنوعة من تراكيب مختلفة من عدد قليل من الجسيمات أصغر من ما دون النووية، بافتراض توفر المبدأ المنظم الذي يُقدّم تفسيرًا بسيطا وجذابا لخصائصها. لكن بالرغم من أن الفيزيائيين قد اعتادوا على قبول الجسيمات التي يستدل على أَنَّ وجودها من الصور الإحصائية للبيانات التي تخص تشتت الجسيمات الأخرى، إلَّا أنَّ فكرة إرجاع الواقع إلى جسيم غير قابل للملاحظة من حيث المبدأ، كانت أمرًا صعبًا على العديد من الفيزيائيين. إلَّا أنَّه و على مدار السنين، فكلما أدى نموذج الكوارك لتنبؤات صحيحة أكثر و أكثر، خفتت تلك المعارضة من الممكن طبعا أنَّ بعض الكائنات الفضائية ذات السبعةَ عشرَ ذراعًا وبعيون تحت حمراء ولديها عادة نفخ رغاوى متخثرة من آذانها، سوف تقوم بالملاحظات التجريبية نفسها التي نقوم بها، لكنهم سيصفونها من دون الكواركات. ومع ذلك، فحسب الواقعية المعتمدة على النموذج، فإنَّ الكواركات توجد في النموذج المُتوافق مع ملاحظاتنا عن كيفية سلوك الجسيمات ما دون النووية.
يمكن للواقعية المعتمدة على النموذج أن تمدنا بإطار لمناقشة أسئلة مثل: إذا كان العالم مخلوقًا منذ زمن محدد، فماذا حدث قبل ذلك؟ لم يجب القديس أوغسطين St. Augustine (354 - 430) الفيلسوف المسيحي المبكر، بأنَّ الله كان يُعد الجحيم في هذا الزمن لمن يسألون تلك الأسئلة. بل أجاب بأنَّ الزمن كان خاصية للعالم الذي خلقه الله، فالزمن لم يكن موجودًا قبل الخلق، وكان يُعتقد بأنَّ هذا الزمن ليس بهذا القدم هذا أحد النماذج المُحتملة، وهؤلاء الذين يفضلونه سيتمسكون بالتفسير الوارد بسفر التكوين باعتباره صحيحًا حرفيا، حتّى بالرغم من أن العالم يحتوي على حفريات وأدلة أخرى تجعله يبدو أقدم من ذلك بكثير،( هل وضعت تلك الحفريات هناك على سبيل المزاح معنا؟). يمكن أن يكون لدى المرء نموذج ختلف يستمر فيه الزمن بالعودة 13.7 مليار سنة حتى الانفجار الكبير، نموذج يفسر معظم ملاحظاتنا الحالية، متضمنةً كل الأدلة التاريخية والجيولوجية، وهو أفضل تصوّر نمتلكه عما جرى في الماضي. هذا النموذج الثاني يمكن أن يفسِّر الحفريات والسجلات الإشعاعية وحقيقة أننا نستقبل الضوء من المجرَّات التي تبعد عنا بملايين السنين الضوئية، ولذلك فإنَّ هذا النموذج، نظرية الانفجار الكبير، يُعد أكثر فائدة من النموذج الأول. إلَّا أنَّه لا يزال غير ممكن قول إِنَّ أَيَّا من النموذجين أكثر واقعية من الآخر.
بعض الناس يدعمون النموذج الذي يرجع فيه الزمن حتّى لأبعد من الانفجار الكبير. وليس واضحًا للآن إذا ما كان النموذج الذي بستمر فيه الزمن بالرجوع قبل الانفجار الكبير، هو الأفضل لتفسير الملاحظات الحالية، لأنه يبدو أن قوانين تطور الكون ربَّما تتحطّم عند الانفجار الكبير. فإذا كان الأمر كذلك، فلن يكون هناك معنى لخلق نموذج يتضمن الزمن قبل الانفجار الكبير ، لأن ما سيكون موجودًا ، عندئذ، لن تكون له أية تبعات ملحوظة بالنسبة للوقت الحاضر،
لذلك سنكون ملتصقين بفكرة أن الانفجار الكبير كان لحظة خلق العالم.
يُعد النموذج جيدًا إذا كان:
1. أنيقًا
2. يحتوي على عدد قليل من العناصر التعسفية أو القابلة للتعديل
3. يتفق مع جميع الملاحظات الموجودة ويشرحها
4. يقدم تنبؤات مفصلة حول الملاحظات المستقبلية التي يمكن أن تدحض النموذج أو تبطله إذا لم يتم إثباتها.
على سبيل المثال، نظرية أرسطو القائلة بأن العالم مكون من أربعة عناصر، وهي الأرض والهواء والنار والماء، وأن الأشياء تصرفت لتحقيق أهدافها, كان الغرض أنيقًا ولم يتضمن عناصر قابلة للتعديل. لكنها في حالات عديدة لم تقم بتنبؤات مضبوطة، وعندما فعلت ذلك لم تكن التنبؤات متوافقة دائما. الملاحظة. كان أحد مع هذه التنبؤات أن الأجسام الأثقل يجب أن تسقط أسرع لأن غايتها هي السقوط. ويبدو أنه لم يكن أحد ليفكر في أهمية اختبار هذا حتَّى مجيء جاليليو، الذي تقول الرواية إنه قد اختبر ذلك بإسقاط أوزان من برج بيزا المائل. قد تكون هذه الرواية مشكوكا في صحتها، لكننا تعرف أنه قام بدحرجة أوزان مختلفة على سطح مائل، ولاحظ أنها جميعا كانت تتسارع بالمعدل نفسه، بعكس تنبؤ أرسطو.
تعتبر المعايير السابقة ذاتية بشكل واضح. فالروعة مثلا، ليست شيئًا يمكن قياسه بسهولة، لكن يتم تقدير قيمتها بشكل كبير من قبل العلماء، لأن قوانين الطبيعة معنية اقتصاديا بضغط العديد من! الخاصة في صيغة بسيطة واحدة. وتعود الروعة إلى شكل النظرية، لكنها قريبة الصلة بنقص العناصر القابلة للتعديل، لأن النظرية التي تزدحم بالعناصر الملفقة ليست رائعة تماما. وبحسب إعادة صياغة مقولة آينشتاين فإنَّه "يجب أن تكون النظرية غير معقدة قدر الإمكان، لكن ليس إلى حد التفاهة". لقد أضاف بطليموس أفلاك تدوير إلى المدارات الدائرية للأجسام السماوية، حتى يتمكن نموذجه من وصف حركتها بدقة. فيمكن جعل النموذج أكثر دقة بإضافة أفلاك تدوير إلى أفلاك تدوير، أو حتّى إلى أفلاك تدوير إضافية. ومع أن إضافة التعقيد قد يجعل النموذج أكثر دقة، إلَّا أنَّ العلماء ينظرون إلى النموذج الذي يتم قصره على التوافق مع مجموعة معيَّنة من الملاحظات على أ نموذج غير مريح، واعتباره ليس أكثر من فهرس للبيانات، أكثر من كونه نظرية يُتوقع منها تجسيد أي مبدأ مفيد.
سنرى في (الفصل الخامس) كيف أنَّ العديد من الناس ينظرون إلى "النموذج القياسي" الذي يصف التفاعلات البينية لجسيمات الطبيعة الأولية، على أنه غير رائع، وهو نموذج أكثر نجاحًا بكثير من أفلاك تدوير بطليموس، حيث يتنبأ بوجود العديد من الجسيمات الجديدة قبل أن تتم ملاحظتها. كما يصف محصلة العديد من التجارب على مدى عدة عقود بدقة بالغة. لكنه يتضمن العديد من المعايير القابلة اللتعديل، والتي يجب تثبيت قيمها حتى تكون متوافقة مع الملاحظات، بدلا من أن تكون محددة بالنظرية نفسها.
بالنسبة للنقطة الرابعة، فإنَّ العلماء يتأثرون دائما عندما تثبت سخة التنبؤات الجديدة المذهلة ومن ناحية أخرى عندما يوجد حيب في النظام، فإنَّ ردّ الفعل الشائع هو القول بأن التجربة كانت خطأ. وإذا لم يثبت أن هذا هو الحال، فإن الناس لا تتخلّى في الغالب عن النموذج، لكن بدلا من ذلك يحاولون الحفاظ عليه من خلال تعديله. وعلى الرغم من أن علماء الفيزياء في الواقع يتمسكون في محاولاتهم لإنقاذ النظريات التي يعجبون بها، فإن الميل لتعديل النظرية يتضاءل تدريجيا لدرجة أن التبديلات تصبح اصطناعية ومزعجة، وبالتالي "غير أنيقة".
إذا أصبحت التعديلات المطلوبة، لكي يتم التوافق مع الملاحظات الجديدة، تعديلات مُفرطة في الزخرفة، فَإِنَّ ذلك يُعد مُؤشِّرًا على الحاجة إلى نموذج جديد وأحد الأمثلة على نموذج قديم كان قد أخلى مكانه بتأثير قيمة الملاحظات الجديدة كانت فكرة الكون الساكن. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، كان معظم الفيزيائيين يعتقدون أن الكون إستاتيكي، أو أن حجمه لا يتغير. وفي عام 1929، نشر إدوين هابل Edwin Hubble ملاحظاته التي أوضحت أن الكون يتمدد، لكنَّ هابل لم يلاحظ مباشرة أنَّ الكون يتمدد. بل كان يلاحظ ضوء المنبعث من المجرات وكان هذا الضوء يحمل بصمة مميّزةً طيفا، بحسب تكوين كلّ مجرّة، ويتغيَّر بمقدار معلوم إذا كانت مجرة تتحرك بالنسبة لنا. وهكذا، استطاع هابل بتحليل أطياف مجرات البعيدة أن يُحدّد سرعاتها. وقد توقع أن يجد عددًا كبيرًا من مجرات التي تتحرك مبتعد عنا، بقدر عدد المجرات التي تقترب منا إِلَّا أَنَّه وجد أَنَّ كلَّ المجرات تقريبا تتحرك مبتعدة عنا، وكانت مجرات الأبعد تتحرك بسرعة أكبر. وقد استخلص هابل أن الكون يتمدد لكن العلماء الآخرين حاولوا التمسك بالنموذج السابق، سعوا إلى تفسير ملاحظاته ضمن سياق الكون الساكن. فعلى سبيل مثال، اقترح الفيزيائي فريتز زويكي من معهد كاليفورنيا تكنلوجيا لأسباب غير معروفة حتى الآن أن الضوء يفقد طاقة ببطء اثنا سيرة لمسافات بعيدة وهذا النقص في الطاقة قد يناظر التغير في طيف الضوء، ويمائل ما اقترحه زويكي الملاحظات قدمها هابل ولعدة عقود بعد هابل استمر عدد من العلماء بالتمسك بنظرية الحالة الساكنه. لكن النموذج الأكثر طبيعية كان الانفجار الكبير ... وهكذا. فمع كل نظرية أو نموذج، كانت تتغير مفاهيمنا عن الواقع وعن العناصر الأساسية المكونة للكون. فلنتذكر نظرية الضوء مثلا، حيث اعتقد نيوتن أنَّ الضوء مكوّن من جسيمات أو دريات صغيرة. وهو ما يفسِّرُ لماذا يسافر الضوء في خطوط مستقيمة، كما اعتاد نيوتن أيضًا على تفسير لماذا ينثني أو ينكسر الضوء عند مروره من وسط إلى آخر، مثل المرور من الهواء إلى الزجاج أو من الهواء إلى الماء.
مع ذلك، لم يمكن استخدام نظرية الكريات تلك لتفسير الظاهرة التي لاحظها نيوتن نفسه، والتي تُعرف بحلقات نيوتن. فإذا وضعت عدسة على قرص عاكس مستو وسلطت عليها ضوء من لون واحد كضوء الصوديوم، وقمتَ بالنظر من أعلى إلى أسفل، فسترى سلسلة من الحلقات المضيئة والمعتمة يكون مركزها نقطة لمس العدسة للسطح العاكس. قد يكون من الصعب تفسير ذلك بالنظرية الجسيمية للضوء، لكن يمكن تفسيره بالنظرية الموجية.
الانكسار : استطاع نموذج نيوتن للضوء أن يفسر لماذا ينثني الضوء عند مروره من وسط إلى آخر، لكنه لم يستطع تفسير ظاهرة أخرى نسميها الآن حلقات نيوتن وتكون النتيجة موجة أكبر، وهو ما يسمّى "تداخل بناء". في تلك الحالة يقال إن الموجتين متزامنتان in. phase. من ناحية أخرى، عندما تتقابل موجتان فقد تتلاشى قمم موجة مع قيعان الموجة الثانية، وفي مثل تلك الحالة فإنَّ الموجتين تُلغيان إحداهما الأخرى ويقال عنها موجتان غيرُمتزامنتين out of phase، وفي تلك الحالة يُسمى هذا تداخل هدّام.
وفي حلقات نيوتن، فإنَّ الحلقات الساطعة تكون متموضعةً على مسافات من المركز، حيث التمييز بين العدسة والقرص العاكس، ويتضح أنَّ الموجة المنعكسة من العدسة تختلف عن الموجة المنعكسة من القرص بأطوال موجيَّة ذات أعداد صحيحة "لا تتجزأ" (1، 2، 3،....) مما يولّد تداخلا بناءً. والطول الموجي هو المسافة بين قمة موجة واحدة والقاع الذي يليها من ناحية أخرى، فإن الحلقات المعتمة تتموضع على مسافات من المركز، حيث يتضح التمييز بين الموجتين المنعكستين بأطوال موجيّة ذات أعداد كسرية ((½ , 1½ , 2½ , … ممَّا يُسبب تداخلا هدّامًا، فالموجة المنعكسة من العدسة تلغي الموجة المنعكسة من القرص.
في القرن التاسع عشر، اتَّخذ هذا على أنه تأكيد للنظرية الموجية للضوء، وأوضح أن النظرية الجسيمية كانت خطأ. إِلَّا أَنَّ آينشتاين قد أوضح مُبكرًا في القرن العشرين، أنَّ التأثير الكهروضوئي (المستخدم حاليًا في التليفزيون وفي الكاميرات الرقمية) يمكن تفسيره بجسيم أو بكمية الضوء التي تضرب الذرّة وتُحرّر الإكترون. وبالتالي فإنَّ الضّوء يتصرف كجسيم وكموجة.
ربما يكون مفهوم الموجات قد دخل إلى تفكير البشر لأنهم كانوا يشاهدون المحيط أو بركة المياه بعد إلقاء حجر فيها، في الواقع إذا كنت قد ألقيت من قبل حجرين في بركة، فربما تكون قد شاهدت حدوث التداخل كما في الصورة التي في الأعلى. وقد لوحظ أنَّ السوائل الأخرى تتصرّف بالطريقة نفسها، ربما باستثناء النبيذ إن كان لديك كمية كبيرة منه. إن فكرة الجسيمات كانت مألوفة من الصخور والحصى والرمال. لكنّ تلك الثنائية موجة جسيم - فكرة أن الشيء يمكن وصفه إما كجسيم أو كموجة - هي غريبة عن تجربتنا اليومية المعاشة مثل فكرة شُرب كمية كبيرة من الرمل.
التداخل: مثل البشر، عندما تتقابل الموجات فإنَّها تميل إما لتعزيز أو تقليل كل منهما للأخرى تداخل البركة: مفهوم التداخل يتضح في الحياة اليومية في كتل المياه من البرك إلى المحيطات
ثنائية كتلك - مثل الحالة التي تصف فيها نظريتان مختلفتان تماما الظاهرة نفسها بدقة - تتسق مع الواقعية المعتمدة على النموذج. فكل نظرية يمكنها أن تصف وتفسّر خصائص معينة، ولا يمكن القول إنَّ أي نظرية أفضل أو أكثر واقعية من الأخرى. وبالنظر في القوانين التي تحكم الكون، فما يمكننا قوله إنه لا يوجد نموذج رياضي أو نظرية يمكنها أن تصف كلَّ وجه من أوجه الكون. وبدلا من ذلك، كما أشرت في مُستهَل هذا الفصل، يبدو أنَّ هناك شبكة من النظريات تسمى النظرية - إم . وكلّ نظرية في شبكة النظرية ـ "إم" تبرع في وصف الظاهرة في نطاق معيّن وحيثما تتداخل نطاقات النظريات المختلفة في الشبكة، فإنّها تتوافق، لذلك يمكن أن يُقال إنّها أجزاء من النظرية نفسها. لكن لا يمكن لنظرية واحدة في الشبكة أن تصف كل وجه من أوجه الكون - كلَّ قوى الطبيعة، وكلَّ الجسيمات التي تشعر بتلك القوى، وإطار المكان والزمان الذي تنتمي إليه جميعا. ومع. أن هذا الوضع لا يحقق حلم الفيزيائيين بنظرية موحدة منفردة، إلا أنه مقبول ضمن إطار الواقعية المعتمدة على النموذج.
سوف نناقش الثنائية والنظرية - "إم" بشكل أعمق في (الفصل الخامس)، لكن قبل ذلك سنتقل إلى المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه نظريتنا الحديثة عن الطبيعة نظرية الكم، وبشكل خاص مدخل إلى نظرية كم تسمى التواريخ البديلة في تلك الرؤية، فإنّ الكون ليس له وجود أو تاريخ واحد فقط، لكن بدلا من ذلك هناك نسخ محتملة جدا من الكون موجودة بشكل متزامن فيما نسميه تطابق التراكب الكمي. قد يبدو هذا مفرطا في الخيال مثل النظرية التي تختفي فيها المنضدة عندما نغادر الغرفة، لكن في هذه الحالة فإن هذه النظرية قد اجتازت كل اختبار تجريبي خضعت له.
الاكثر قراءة في الضوء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
