احذر صغائر الذنوب وارغب في صغائر الخير
المؤلف:
الحارث بن أسد المحاسبي
المصدر:
آداب النفوس
الجزء والصفحة:
ص 170 ـ 172
2025-06-29
742
واحذر ما يكره الله من عملك ونيّتك، وسرّك وعلانيتك، في الصغير كما تحذره في الكبير، وإنّ كلّ شيء يفسد عليك مثقال ذرّة قدّمته لله يفسد عليك مائة ألف دينار، والدنيا كلّها مثل ما أفسد عليك مثقال ذرة فسادًا سواء لا فضل بينهما.
ثم هكذا في سائر الأعمال يأتي الفساد على كثرتها كما يأتي على قلّتها سواء.
وارغب في الصغير من الخير كما ترغب في الكبير رغبة واحدة؛ لأنّه يقبل القليل من العبد كما يقبل الكثير قبولاً واحدًا سواء، وهكذا في سائر الأعمال.
وكفى بقبول الله الصغير من عبده لعبده فوزًا مع أنَّ أعمال بني آدم كلّها صغارًا إلّا ما قبل الله منها، فإذا قبل منها شيئًا صار عظيمًا وإن كان قبل ذلك صغيرًا.
واعلم أنّ صغارها أسلم من كبارها في الرياء والإعجاب والامتنان فانتبه لذلك ولا تغفل عنه.
واعلم أنّ لك في عملك إرادة وأملاً فانظر إرادتك في أعمالك كلّها، كإرادة أهل الشكر والرضا، وأملك فيه كأوّل المسرفين على أنفسهم فليس شيء أحب إلى أهل الرضا من شيء يرضى الله به ولا شيء أحبّ إلى أهل الشكر من شيء يشكرون الله عليه ولا شيء أولى بأهل الإسراف على أنفسهم من شيء يرجون به عفو الله.
وأعلم أنّي لست من قلّة العمل أخاف عليك وعلى مثلك ولكن أخاف عليك من قلّة المعرفة وضعف الإرادة.
لا أجدني أخاف عليك وعلى مثلك من قلّة التطوّع ولست أخاف من الورع ألّا تنظر فيه كما ينظر غيرك أو لا تترك شهوات أحلّها الله لك توثر بها عليك غيرك.
إلّا أنّي أخاف عليك: أن تنازع في أمر يكرهه الله ولا ينفعك، قد خفي عن النّاس وهو عند الله ظاهر، فيفسد عليك جميع ما أردت، أو ترى أنّ لك فضلاً على غيرك فيحبط ذلك جميع ما كنت فيه.
وأخاف عليك ألّا تقوم بصيانها كما قمت بعلمها، فيهدم ذلك جميع ما كنت فيه، وما بنيت عليه، أو لا تؤدّي ما يجب عليك من الشكر فيها، فيلزمك من الذمّ في كفران النعم أكثر ممّا رجوت من الحمد فيها، أو تكون تدلّ على الله (عزّ وجلّ) بعملك فيسقطك ذلك من عين الله.
أو تمنّ به على أحد أو تؤذي بسببه أحدًا فقد علمت ما قال الله (عزّ وجلّ) في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264].
وربّما يعزم على العلم الذي أراده فلا يجده كما وجده بغير عزم عليه.
الاكثر قراءة في إضاءات أخلاقية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة