المنبر الحسينيّ بين تأسيس المعصوم وأجندات الخاطفين
إذا أردنا البحث عن الهوية الأولى للمنبر الحسيني، ونستكشف ملامح التأسيس في الأيّام الأولى لواقع الطفّ وما بعدها الى يومنا هذا، فلا بدّ أن نقف وقفة تأمّل أمام تلك اللحظة المفصليّة التي قال فيها الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) للطاغية:".. يا يزيد، إئْذَنْ لي أن أصعد هذه الأعواد (أي المنبر) فأتكلّم بكلماتٍ للهِ فيهنّ رضىً ولهؤلاء الجلساء فيهن أجرٌ وثواب..".
نجد أنه ذكر الصلاح للجالسين والأجر والثواب، والصلاح في كلماتهم وسيرتهم ومواقفهم وما أرادوه فهم خلفاء الله المعصومون.
ثمّ تكلّم بخطبته فالقى خطبته المباركة التي تجمع من فضائله ومناقبه ، مالا تجمعها خطبة غيرها ، ابكى منها العيون ، واوجل منها القلوب.
هكذا وصفها من سمعها، حيث ذكر فضائلهم ومناقبهم ثمّ ابكى العيون وأوجل القلوب، وهذا لو رأيناه برؤية مدقّق لوجدنا لا يرى إلّا طلب رضا الله تعالى وحصول الأجر والثواب الذي يتحقّق ببكاء العيون ووجل القلوب، وأي وسيلة اصلاح كهذه الوسيلة التي اختارها المعصوم
ومن خلال متابعتي للذين يُصرّون على إقحام السياسة الحزبيّة أو الجدال السلطوي في خطاب المنبر الحسينيّ محاضرة او ردّة أو ركظة أو ما هو من قبيلها، أجد أنهم لم يطحسنوا مطالعة سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) جيداً، ولم يستوعبوا وظيفة المنبر كما أرادها الإمام السجاد (عليه السلام) وهو في أعظم مواجهة بعد كربلاء، فقد كان المنبر عنده منبر حق وهداية وإحياء، لا منبر تحزّب وتشظٍّ واستغلال، ووجدت أنّهم يعانون من داء ضيق الأفق المزمن.
وهنا يبرز التساؤل الذي يجب أن يُطرح اليوم: كيف يمكن للمؤمنين أن يقحموا السياسة الحزبية في المنبر الحسيني ويستبدلوا ذكر الحسين (عليه السلام) بغيره من الأهداف السياسية بعد ما فهمنا كلمة الإمام السجاد (عليه السلام) في خطبته العظيمة، التي حدّد فيها هدف المنبر الحسينيّ وأنّه منبر هداية، لا مكان للسياسة المبتذلة.
ادعوك يا عزيزي ان تنظر في اسمه المبارك فهو "منبر حسينيّ" أما يكفيك فهم هدفه من خلال اسمه يا أخي
وتدبّر ما في كامل الزيارات: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كنا عنده فذكرنا الحسين (عليه السلام)، فبكى أبو عبد الله (عليه السلام) وبكينا، قال: ثم رفع رأسه، فقال: قال الحسين (عليه السلام): انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن الا بكى - وذكر الحديث.
أيها الاخ فكّر في استبدال ذكر المعصوم بالسياسي الا تراه تحجيما للمنبر وتغيير لوجهته السامية، واختطاف له مع سبق الإصرار ولا تقل لي لا استبدل ولا اذكر؛ لأنّ الريح لا تضمن سرعتها فربما تهبّ بسرعة كبيرة كعادتها فلا تستطيع الاجيال بعدك غلق هذا الباب.
يا أصحاب العقول .. يا من تدعون الفهم والمعرفة.. هل نعي هذا التوجّه الذي يطرحه بعض الانصاف الذي لا صلة لهم بالانصاف، أم عمتنا الدنيا عن المعنى الحقيقي للمنبر الحسيني الذي يظل أبدا منبرا للدين وشؤونه، لا للصراعات السلطويّة السطحيّة
الجمهور الحسيني تبعاً للمراجع الطائفة يدعو إلى صحوة وزيادة الوعي وشحذ البصيرة، ويحذّر من محاولات اختطاف المنبر إلى وجهات لا صلة لها به، ويستنكر ما انتجه عمى السياسة والتمحض فيها واختلاط الأوراق ودوام المراوغة، وينتفض تجاه اختصار خطاب عاشوراء في أسماء متقلّبة لا ثبات لها، ومشاريع مرحليّة لا اصلاح فيها، واهداف وقتيّة لا جدوى منها، ولو دقّقنا النظر لوجدناها مخالفة للنصوص صراحة وعلناً.
لم نجد ما يريدونه من "منبر سياسيّ" قد عمل به أحد الائمّة (عليهم السّلام)، مع المندوحة لبعضهم (عليهم السّلام)، مع أنّه مرّت ظروف واحداث خطيرة عليهم وعلى شيعتهم، ولم نجد لما تلوكه بعض الألسنة اليوم أثراً ولا عيناً في خطابهم (عليهم السّلام) ولا في كتب وخطب فقهاء الطائفة من القدماء أو المعاصرين.
ولو تنزلنا عن كلّ ما ذكر آنفاً لا لنا إلّا أن نقول: إن المحظور هو جعل المنبر أداة من أدوات الحكومات والتوسع في الثانويّات على حساب الهدف الاصليّ وإلّا فذكر ما يعاني منه الناس على المنابر العامّة المؤثرة الواعية المسموعة هو من قبيل الملح للطعام بحيث لا يغير هويته، وإن أبيت كلّ ذلك فلك ان تجيل فكرك وتقلّب بصرك في المنابر التابعة للسلطة أو التابعة للجهات الطامعة فيها، لسمعت منها ما لا يناسب من له أدنى وجاهة، فكيف تريد ذلك لمنبر حجّة الله على خلقه وزين السماوات والارض
فالحذر الحذر من التساهل في الاختطاف المعاصر من أن يجد له بيننا ناصراً... الحذر الحذر من مخالفة النصوص، وإيّاكم وجعل دعامة التدين معول بين يدي من يهتف بهتافات وقتيّة وخطابات آنيّة، ليذهب بتحقيق أهدافه بعيداً عن منبر عبرة المؤمنين.
السيّد رياض الفاضليّ
لمتابعة المنشورات
https://t.me/droossreiadh







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN