اودع الله الانسان بعدين مهمين في تكوينه هما البعد الفكري والروحي ، وجعل داء الاول الجهل ودواءه العلم ، وداء الثاني القلق ودواءه الاطمئنان ، وبقدر التمكن من الدواء ، والتوقي من الداء ، تتكون شخصية الانسان المتباينة باختلاف افراد النوع.
وبتباين ما ذكر تظهر لنا ثلاث انواع من الشخصيات ، اثنان منهما سلبيه وواحدة ايجابية ، اما السلبيتان فهما :
الشخصية الاتكالية والشخصية المعتمدة على الذات ؛ لان الاولى لا تمكن الذات ولا حتى المجتمع من الاستفادة من نتاجها ان كان ، والثانية تعتمد فقط على الذات التي نعلم جيدا بمحدوديتها وضعفها عن صغار البلايا فضلا عن الخطوب الجسام ، فتفشل بعد مدة ولا تستطيع الصمود .
وبعد ما ذكر تبقى لنا الشخصية الايجابية التي تجمع بين عدة مزايا منها :
- الاعتماد على الذات بقدر ما يتطلبه الامر ، والاتكال على الاخرين لنفس العلة ، وبيان ذلك :
انه لما كان الانسان له قدرة فكرية وعضلية ، فعليه ان لا يهملهما ويتكل على الاخرين في كل حياته ، قال تعالى في الحث على العمل المصحوب بالرقابة : {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] ، ونقرأ في الحديث عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «أربعةٌ لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللّهم اُرزقنى، فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟. ورجلٌ كانت له امرأة فدعا عليها، فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالإقتصاد؟ ألم آمرك بالإصلاح؟ ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة، فيقال له: ألم آمرك بالشهادة؟! (1) ، وبنفس الوقت على الانسان ان لا يحمل نفسه ما لا يطاق ويعتمد عليها بشكل مطلق ، فبعض الاعمال كالأمن والخدمات لا يمكن ان ننعم بها بمعزل عن الاخرين قال تعالى : {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا } [الزخرف: 32] من التسخير لا الاستهزاء ، وقال تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] , فالمُستهجن هو الاتكالية المطلقة او الاعتماد على الذات المطلق ، لا النسبية او النسبي.
- التواصل الاجتماعي والابداع الاقتصادي ، وبيان ذلك : ان الاتكالية المطلقة تجعل الفرد بعد فترة من الزمن مريضا اجتماعيا وكسولا اقتصاديا ، والاعتماد على الذات المطلق يجعل الفرد بعد حين منقطع اجتماعيا وعاجز اقتصاديا والا لم يكن كذلك .
- التوكل على الذات الالهية بشكل مطلق مع طلب العون والتسديد في اعماله ، وهذا ما يميز الشخصية الاسلامية عن غيرها ، وقد تحدث القران عن اهمية التوكل في عدة نصوص منها قوله تعالى : {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [آل عمران: 122] , {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [آل عمران: 159] .
فالنتيجة المتحصلة هي ان الشخصية السوية ينبغي ان تكون مزيجا من الاتكال والاعتماد على الذات ، وعلى كل ذي شان ان يسعى لهذا المزيج الرائع ، اي الوصول الى الشخصية التوكلية وهي الشخصية الايجابية الثالثة .
________
1- أصول الكافي، المجلد الثّاني، باب من لا يستجاب له دعوة الحديث رقم (2).







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN