كان الزمان صباحا حيث الجو الصافي والعصافير المزقزقة ، اما المكان فهو حديقة العلم والمعرفة الدراسية ، قال لي من كان معي : ان بلدي يعيش المحن والآهات منذ زمان طويل ، لعلنا نرد له يوما ما جزءا من جميله الينا ، واتمنى ان يكون لي ما استطيع به تضميد جراحاته واقوم ببنائه واسعى لرقيه ، قلت له : نعم ان غدا لِناظره لقريب ، وما علينا في هذه المرحلة سوى التفكير والتركيز حول مثابرتنا العلمية وتفوقنا ، بارك لنا الاستاذ الواقف عند منصة التدريس احلامنا ، وشجعنا عليها ، وحث الاخرين على الاقتداء بذلك ، وبينما كاد الحديث ان ينقضي واذا بصوت كان بعيدا ببعد آمالنا يقول :
انا سأنجح واحقق ما اريد بواسطتي ورشوتي لا بدراستي ... ، في وقتها ضحك الجميع وضحكنا ، وفي قلبي تعوذت من كوني على هذه الشاكلة من التفكير ، حيث انه يضرب كل القيم والمبادئ في المساواة وتكافؤ الفرص .
ولو دققنا النظر لوجدنا ان هذا النمط من التفكير اتخذه البعض دستورا لحياته في اغلب تعاملاته وافعاله ، حتى انتشر كالنار في الهشيم في مجتمعنا الذي يكاد لا يخلوا يوميا من آلاف ( الواسطات والمحسوبيات بغير حق ) ، وان كان بمستويات متفاوتة بين شخص وآخر وبين موقف آخر .
ونتيجة لقيام الكثير منا بمعايشة هذا الداء الى حد الاشباع - حتى عند افران الخبز واماكن بيع الدواء فضلا عن غيرها - فقد اعتبرناه شيئا عاديا بعد ان اصبح جزءا من حياتنا اليومية .
ولهذا الداء عدة اسباب ينبع منها ، لعل من ابرزها :
- الاستهانة واللامبالاة في النظرة والتعامل مع هذا الذنب العظيم الذي جعله الرسول صلى الله عليه واله مادة لهلاك الامم والحضارات في قوله : « أيّها الناسُ إنَّما هلك الَّذين من قبلكُم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضَّعيف أقاموا عليه الحدَّ » [ كتاب مسلم 5 : 114] .
- تنصلنا عن مبادئنا واخلاقنا وديننا الداعي الى المساواة وتكافؤ الفرص , قال النبيّ الأكرم صلَّى اللّه عليه و آله وسلَّم: «الناس سواسيّة كأسنان المشط» [من لا يحظره الفقيه 4:272] .
- عدم تطبيق قاعدة الراجح والمرجوح في مسارها الصحيح ، حيث ان العِرف والصداقة والقرابة امور لا توجب الترجيح والتفضيل هنا بل يكون التفضيل والترجيح بسبب العلم والعمل والتقوى والفن والابداع و...
لذا فلابد من دق ناقوس الخطر في اعماق كل نفس تؤمن باقل مبادئ الانسانية لتتنصل من هذا الداء الغريب ، فمجتمعنا مظلوم ، والنفوس متعبة ، والايادي مجلت من تصرفات النفعيين ، فيجب الكف الكف عن هذه العادة السيئة والداء العظيم والا فالندم حليفنا ، ولات حين مندم في انقاذ الوطن الذي حبه من الايمان .







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN