عن الرَّيان بن شبيب قال دخلت على الرِّضا -عليه السلام- في أوَّل يوم من المحرَّم، فقال لي: يا بن شبيب أصائم أنت؟ فقلت: لا. فقال إنَّ هذا اليوم هو الذي دعا فيه زكريا -عليه السلام- ربَّه -عزَّ وجل-، فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ). فاستجاب الله له وأمر ملائكته فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا)، فمن صام هذا اليوم، ثمَّ دعا الله -عز وجل- استجاب كما استجاب لزكريا -عليه السلام-"(1).
كلُّ موسم عبادي يعيشه الإنسان في حياته يحتاج إلى تهيئة وإعداد، فمثلاً عندما تريد أن تصوم شهر رمضان المبارك فإنَّ ذلك يحتاج إلى إعداد سابق فيستحب للإنسان قبل شهر رمضان أن يصوم بعض الأيَّام ولو بمقدار ثلاثة أيَّام على الأقل، فضلاً على أن يصوم شهر شعبان بتمامه أو شهر رجب الأصب، فموسم العبادة يحتاج إلى تهيئة، واستعداد.
وواحد من هذه المواسم العبادية المهمَّة التي يعيشها الانسان في حياته موسم عاشوراء، والإمام الرضا -صلوات الله عليه- بيَّن في هذا الحديث الشريف أنَّ الاعداد للتفاعل مع موسم عاشوراء يتوقف على عدة عناصر، وأولى تلك المقدمات الصيام.
وحينما نرجع إلى فتاوى الفقهاء العدول السابقين والمتأخرين نجدهم يقولون باستحباب صيام اليوم الأوَّل من أيام عاشوراء تبعاً لهذه الرواية الشريفة، ولعلَّ الغرض من الصيام في أوَّل يوم من أيام عاشوراء التهيئة الروحية؛ لأنَّ الصيام له مكاسب مهمة يحتاجها الإنسان في أيام عاشوراء، ومن هذه المكاسب تعميق روح الإخلاص في نفس الإنسان، فقد ورد في خطبة الصِّديقة الزهراء -صلوات الله وسلامه عليها-: " وفرض... الصيام تثبيتاً للإخلاص"(2).
فالإنسان في الموسم العبادي أشد ما يحتاج إليه الإخلاص؛ لأن قيمة كلِّ عمل بمقدار الإخلاص فيه. فالبذل، والعطاء، والخدمة الحسينية، والبكاء، كلُّها أعمال تزداد قيمتها بالإخلاص، والأمر الذي يساعد على ذلك الصيام؛ لذلك الإمام الرضا–عليه السلام- أوصى به في أوَّل يوم من أيام عاشوراء، وصار هذا مستنداً للفقهاء.
كما أنَّ إيجاد حالة الانتصار، والخشوع، والخضوع، ورقة القلب مرهونة بالصيام في بعض حالاتها، فقلب الإنسان بمجرد أن يبتعد عن المواسم العبادية، وبمجرد أن ينقطع عن الدمعة، وعن مجالس الإمام الحسين–عليه السلام- يتحول إلى قطعة قاسية، وحينما يصل إلى موسم عاشوراء بذلك القلب يخسر الكثير من الفضائل التي يستفيدها من خلال الدمعة، والصرخة، وغيرها من الشعائر الحسينية، ولذلك فإنَّ مكسباً آخر من مكاسب الصيام ترقيق القلب، ولذلك ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم محمد-صلى الله عليه وآله-: " قال تعالى الصوم لي، وأنا أجزي به، والصوم يميت مراد النفس، وشهوة الطمع، وفيه صفاء القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظاهر والباطن، والشكر على النعم، والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التضرع والخشوع والبكاء، وجل الالتجاء إلى الله تعالى، وسبب انكسار الهمة، وتخفيف السيئات، وتضعيف الحسنات "(3).
هناك ترابط بين عمليه الصيام، وبين عملية رقة القلب، وحتَّى يغتنم الإنسان عطاء عاشوراء، ويفوز بنفحات عاشوراء يحتاج إلى الدَّمعة ؛ لذلك الإمام الرضا -عليه السلام- يأمر بالصيام في أوَّل يوم من أيام عاشوراء حتى يفوز بهذا المكسب، وإيجاد حالة الانكسار التي تعطي قيمة للقلب.
الهوامش:
1. مسند الامام الرضا –عليه السلام-/ ص2/ ص37.
2. بحار الأنوار / ج 6 / ص 107.
3. مصباح الشريعة المنسوب للصادق -عليه السلام-/ ص58.







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN