مرحلة الشَّباب مرحلة مهمة وخطيرة في حياة الإنسان؛ لأنها تتحكم في مصير الفرد، ومستقبل الأمم فشباب اليوم هم قادة مجتمع الغد.
يروى أن الإمام الحسن بن علي-عليهما السلام- جمع أولاده وأبناء أخيه ذات يوم، وقال لهم: « يابَنِي وبني أخي إنَّكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين»(1) .
ولعلَّ أهم القضايا التي تجعل الشاب متألقاً يمكن إجمالها بثلاث نقاط رئيسية هي:
أولاً: التحرك بوعي ومعرفة: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-عليهما السلام-: « اِكْتَسِبُوا العِلْمَ يَكْسِبْكُمُ الحَياةَ»(2)؛ فالعقل والفكر اللذان يحركان الإنسان غذاؤهما وزادهما العلم والمعرفة، وبدونهما يعيش العقل حالة من الظلمة والتخبط، وبالتالي يشعر الإنسان أيضاً بحالة من الضياع.
إنَّ العلم ينتج آفاقاً واسعة للإنسان يستطيع من خلالها أن يحدد الطريق الأفضل.
ثانياً: امتلاك الإرادة القوية: إنَّ الشَّاب والفتاة يعانيان كثيراً من ضغوط الشهوات، والإغراءات.. ولكنهما إذا قاوما كلَّ تلك الإغراءات وتحديا ضغوط الشهوات.. فهذا دليل تحقيق النجاح في أيِّ ظرفٍ كان.
إنَّ القرآن الكريم، يقص علينا جانباً من تلك الظروف الخطيرة التي عاشها نبي الله يوسف-عليه السلام- في منزل عزيز مصر.. يقول –تعالى-: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ . وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(3).
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ . وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ . وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ . فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ . يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)(4).
وهكذا طلب يوسف من الله –سبحانه-، أن يعينه على مقاومة أجواء الانحراف، واستجاب الله-تعالى- له، وتغلَّب على تلك الظروف، ولكنه تحمَّل قسوة السجن الطويل، بإرادة قوية.
ثالثاً: النهوض بالأدوار الاجتماعية: إنَّ ممارسة الدور الاجتماعي يؤدي إلى بناء الشخصية وتنمية الكفاءة والخبرة.
فنبينا الأعظم محمد –صلى الله عليه وآله- حينما أراد أن يبعث سفيراً عنه اختار مصعب ابن عمير الشَّاب المجاهد؛ ليكون سفيره على المدينة، ويهيئ يثرب؛ لتكون منطلق الإسلام، ويأتي مصعب الشَّاب في تلك الظروف الحرجة إلى المدينة، متحملاً تلك المسؤوليات الضَّخمة، وقد وفقه الله-تعالى- للنجاح في مهمته بإيمانه الصادق، وجهاده الدؤوب.
إنَّ مرحلة الشَّباب تمتاز بأنَّها أقوى وأجمل مرحلة يعيشها الإنسان، إذ هي مرحلة الظهور والتألق في مجالات الحياة إن استطاع الشَّاب والفتاة أن يعيشها بعلم، وإرادة قوية، وعمل صالح في المجتمع.
الهوامش:
1.بحار الأنوار / ج2/ ص152.
2. غرر الحكم ودرر الكلم/ 48.
3.سورة يوسف/ الآيتان: 20-22.
4.سورة يوسف/ الآيات: 23-29.







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN