الزهد من جوهر الدين الحنيف و منذ عصر الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) تتألق أسماء زهاد كثيرين، زهدوا في متاع الحياة الدنيا، مؤثرين عليه ما عند اللّه من متاع الآخرة، مع وصلهم زهدهم بالعمل و الكسب، حتى لا يعيشوا عالة على المجتمع. و تلقانا-على مر التأريخ- طوائف من هؤلاء الزهاد، و كثيرون منهم استحال زهدهم-على ألسنتهم-إلى مواعظ و أشعار كثيرة. و شركهم في أشعارهم الزاهدة كثيرون من علماء التفسير و الفقه و الحديث النبوي و علماء العربية، فضلا عن الشعراء الذين طالما حانت منهم التفاتات إلى مصيرهم و ما ينتظرهم من الموت. و من أجل ذلك كله أصبح الزهد غرضا كبيرا من أغراض الشعر العربي في كل عصر و فيكل بلد عربي، و تلقانا منه سيول كثيرة في الأندلس، و لن نستطيع أن نعرض منها إلا شيئا يسيرا و خاصة ما جاء على ألسنة الزهاد الحقيقيين الذين قصروا حياتهم-أو شطرا كبيرا منها-على النسك و العبادة. و أول من نذكره من هؤلاء الزهاد أبو وهب (1)عبد الرحمن العباسي القرطبي المتوفى سنة ٣44 لعهد عبد الرحمن الناصر، و يقول ابن بشكوال: كان منقطع القرين في الزهد و الورع، و يذكر ابن سعيد أنه كان لا يكلم-و لا يجالس-أحدا، و كان أكثر دهره مفكرا وجهه على ركبته، و من شعره:
أنا في حالتي-التي قد تراني إن تأملت-أحسن الناس حالا
منزلي حيث شئت من مستقرّ ال أرض أسقى من المياه زلالا (2)
ليس لي كسوة أخاف عليها من مغير و لا ترى لي مالا
أجعل الساعد اليمين وسادي ثم أثنى-إذا انقلبت-الشّمالا
و هو لا يملك منزلا يقيه البرد و ينام فيه ليلا و لا ثوبا غير الثوب الذى يستر جسده و لا مالا يكنزه، و يرى نفسه بذلك أسعد الناس لأنه لا يملك شيئا يخاف عليه من مغير أو ناهب، و حسبه جرعات من ماء عذب، و إذا نام اتخذ يمينه و ساده، فإن تعب ثنى الشمال و سادا. و يقول ابن سعيد: كان إذا أصبح و نظر إلى استيلاء النور على الظلمة رفع يديه إلى السماء قائلا: اللهم إنك أمرتنا بالدعاء إذا أسفرنا (3)، فاستجب لنا كما وعدتنا، اللهم لا تسلّط علينا في هذا اليوم من لا يراقب رضاك و لا سخطك، اللهم لا تشغلنا فيه بغيرك، اللهم لا تجعل رزقنا فيه على يد سواك، اللهم امح من قلوبنا الطمع في هذه الفانية كما محوت بهذا النور هذه الظلمة، اللهم إنا لا نعرف غيرك فنسأله، يا أرحم الراحمين، يا غياث من لا غياث له(4).
إعداد / إحسان عدنان مخيف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر في أبي وهب و ترجمته و شعره المغرب ١/5٨ و التكملة ص ٧١٨ و النفح ٣/٢٠٧،٢٢6.
(2) زلالا: عذبا.
(3) أسفرنا: أصبحنا.
(4) عصر الدول و الإمارات ،الأندلس/ شوقي ضيف ، ص :347-353 .







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN