عندما تَعرِف النُّفُسُ قِيمَتَهَا وَقَدرَهَا، وتعترف بضعفها وتقصيرها، فان ذلك تواضع لربها، وتطمئن لِخَالِقِهَا ورازقها، وتعترف بنعمته عليها وتنسب اليه الفضل وحده لا شريك له ، فان النفس لا يمكن لها ان تغفل عن النعم التي انعمها الله سبحانه وتعالى عليها ، وان لا تجحد بكل ما انعم عليها من النعم، فان نعمة الهداية للإسلام، وإعمار القلوب بالأيمان ،والتوفيق للعمل الصالح والعطاء والاحسان.
فان كل عمل يقوم به عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره ، وانزجر لنهيه ، فلنفسه عمل ذلك العمل الصالح ، وطلب خلاصه من عذاب الله ، وأطاع ربه لا لغير ذلك ؛ لأنه لا ينفع ذلك العمل الصالح غيره ، والله سبحانه وتعالى غني عن عمل كل عامل.
ومن أساء عمله في الدنيا بمعصيته لله سبحانه وتعالى فيها ، وخلافه فيها أمره ونهيه ، فانه على نفسه جنى ؛ لأنه أوبقها بذلك ، وأكسبها بالمعصية سخط الله سبحانه وتعالى ، ولم يضر أحدا سوى نفسه.
وحين يرى بعض الناس في نفسه فضلا لعمل صالح فعله ،او يصيبه الغرور بإحسان قدمه او جهدا بذله، يأتي الرد العادل من الله سبحانه وتعالى يَأتي - حَيثُ قَالَ: ﴿ مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ ﴾(1) وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثُمَّ إِلى رَبِّكُم تُرجَعُونَ ﴾(2) وَقَالَ - عَزَّ من قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنْ أَحسَنتُم أَحسَنتُم لأَنفُسِكُم وَإِنْ أَسَأتُم فَلَهَا ﴾(3)ومعنى ذلك ان هدايتكم فإنها لنفسكم ، ونفع احسانكم عائد لكم، وبركة طاعتكم حالة عليكم قبل غيركم، ،فان الله سبحانه وتعالى يفتح لكم بها ابواب الخيرات ، ويضاعف لكم بها الاجور والحسنات ، ثم يدخلكم بسببها الجنات التي وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنون المحسنين والمطيعين له ويرفع لكم الدرجات، فان المؤمنين هناك معترفون بفضل ربهم: ﴿ الحَمدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَد جَاءَت رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلكُمُ الجَنَّةُ أُورِثتُمُوهَا بما كُنتُم تَعمَلُونَ ﴾(4).
وَأَمَّا حال المقصر والمسيء والضال ،فإنما ضلاله على نفسه ،واساءاته راجعة عليه، حَيثُ تسد في وجهه ابواب الخير ويسلب التوفيق ،وتغلق دونه ابواب السبيل والرشاد والسداد ، وتمحق عنه بركة ماله وعمره الذي قضاه بالمعصية والتكبر، ويحبط عمله ولا يجزى الا بسيئاته.
إنها قاعدة تجعل كل انسان مسؤولا عن كل عمل يقوم به ، وتزيد الانسان العاقل حرصا على اتقان عمله الذي يقوم به ، لأنه يعلم ان الجزاء ثمرة طبيعية لذلك العمل الذي عمله ،وان الانسان وحده الذي يتحمل نتائج أي تفريط وتقصير، فان شاء احسن عمله وما يقوم به فانه يرزق حسن العاقبة، فان شاء اساء عمله فتوجه اللوم عليه.
ايها الناس اتقوا الله سبحانه وتعالى حق تقاته وسارعوا الى مغفرة ومرضاة من عند الله ،واحذروا المن على الله بما تعملون او استكثار ما تقدمونه فان الله سبحانه وتعالى غني عنكم وانتم اليه محتاجون – حيث قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنيُّ الحَمِيدُ. إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ. وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ. وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِنْ تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلى حِملِهَا لا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ ﴾(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة فصلت - الآية 46 .
2- سورة الجاثية - الآية 15 .
3- سورة الإسراء - الآية 7 .
4- سورة الأعراف - الآية 43.
5- سورة فاطر - الآية 15.







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN