ان العلاقة بين الآباء والأبناء من العلاقات الأسرية التي تتسم بقدر ليس بالقليل من التعقيد، فان العلاقة بين الاباء والابناء كالعلاقة بين الأزواج والزوجات، والعلاقة بين الإخوة والأخوات، وذلك نظراً لقوة التماس الحاصلة بين كل من الاباء والابناء ، وبسبب عيشهم في دائرة محصورة ومشتركة في البيت، فان ردود فعل الآباء نحو الأبناء لا تكون دائما ايجابية، فان بعض ردود الافعال من الاباء تؤدي إلى إشعال فتيل التوتر وتحويل الوسط الأسري الذي يعيش فيه الاب والابن إلى ساحة معركة يكون فيها الآباء الطرف الاقوى وكذلك الطرف الذي يبسط سيطرته في الساحة، ويصدر عنها الأبناء ردود أفعال تتراوح بين الخضوع المرضي والتمرد بالمقاومة وكلها أجواء لا تخدم أهداف تكوين أسرة سليمة.
فان الذي يميز علاقة الوالد بابنه في هذه العلاقة : أن حقه الوالد على ولده يرتفع ليصل إلى حدود حق الله سبحانه وتعالى في الثبات والرسوخ والتقدير، وهو أمر يجعل الوالد – مهما كان سيئاً – في مرتبة من الاحترام لا تمكّن ولا تعطي الحق للولد بان يخوض غمار خصومة متكافئة مع والده، بل يجب أن يبقى مطاطئاً رأسه ومتسامحاً مع أبيه وطالباً لرضاه ومتقرباً منه ومطيعا لأبيه.
فان سوء الفهم لهذه الميزة التي يمتاز بها الاباء هو الذي قوّى قدرة الوالد على الاستبداد بولده، وأطاح بأغلب حقوق الولد التي هي من حقه على أبيه، وذلك نجد الكثير من الناس (ومنهم الآباء) يحرصون كل الحرص على امتيازاتهم وحقوقهم وخصوصياتهم أكثر من حرصهم على حق الآخرين (الابناء وغيرهم) وعندما نقرأ الوصية التي وردت في الحديث الشريف: "أحب لأخيك ما تحب لنفسك..." وكأنّ هذا الحديث بعيد عن الآباء ومستثنون منه في علاقتهم بأبنائهم، وكلما الابن اكثر طاعة لوالده كلما اشتد الآباء في تسلطهم وتجاوزهم على حقوق أبنائهم.
فإن هذا الحق والشأن الذي أُعطي للوالد على ولده هو تكريم وشرف لهذا الرجل وفي نفس الوقت فإنّه أيضاً مسؤولية وفتنة، فإن الوالد عندما أُعطي أمانة رعاية وتربية هذا الابن رعاية جيدة تليق به وتربية صالحة ،فإنه أصبح مسؤولاً أمام الله سبحانه وتعالى وأمام الناس عن حسن تعهده وصونه لهذه الأمانة، فان الوالد اذا اهمل هذه الأمانة وفرط في حفظها وصونها ،فإنّه يستحق اللوم والعقاب عند لجوئه الوالد إلى أنانيته والمبالغة في الاهتمام بنفسه على حساب ابنه وسعادته، فمن المؤسف أن تكون المصالح والحقوق الخاصة والامتيازات التي يحرص عليها الاب ،سبباً في استبداد الآباء بالأبناء وتضييع واهمال حقوقهم التي هي من حق الابناء على الاباء لمجرد أنهم أبناء، كذلك فإنّه من المؤسف أن يكون ذلك أحد أهم الأسباب في تمرد الأبناء على الآباء وتجاوز حقوقهم.
فإن اهم المظاهر التي تؤدي إلى التوتر بين الآباء والأبناء:-
1- مطالبة الاباء من أبنائهم بالكمال أثناء إنجازهم لواجبات قد تفوق قدراتهم العقلية، وان الآباء يتخذون هذا الموقف من خلال حرصهم على تفوق الطفل وسرعة نضجه... فمثلا الطفل لا ينال رضا والديه إلا بإحرازه وبحصوله على نتائج متميزة في المدرسة.
2- يعتبر بعض الآباء ان اللعب هو سبب رئيسي في إهمال أبنائهم وعدم السيطرة عليهم أو ضعف قدرتهم على التركيز وإهمال الدروس المدرسية وكذلك عدم الرغبة في العمل والمثابرة، بينما يعتبر ميل الأطفال إلى اللعب في الواقع وسيلة مهمة للتعلم تعتمد عليها رياض الأطفال الحديثة في مناهجها التربوية، وهو ما أكدت عليه أبحاث علمية توصلت إلى أن المعلمين الذين يعتمدون على وسائل لعب في تمرير الدروس يحققون نتائج تعلم جيدة، ويحبذ أن يشارك الآباء أبنائهم لعبهم.
3- يحرص الآباء على بناء مستقبل زاهر لأبنائهم لكن بعض الاباء هم من يقررون ويضعون خطة ما يجب أن يسير عليها الأبناء في مشوار التعليم وصولاً إلى العمل.... ودوافعهم من ذلك كثيرة، فبعض الآباء قد حُرِموا من الحصول على تعليم عال بسبب ظروف اجتماعية أو مادية قاهرة ومن هنا بعد تنبع الرغبة في رؤية صورة الأحلام المجهضة تتحقق على يد الأبناء.
4- مقارنة الطفل بالآخرين وتذكيره الدائم بنقاط ضعفه، واحتقار إمكانياته... كل ذلك يضعف من قدرته على حل المشاكل. 5- تداول عبارات مثل "عيب، أنت عار على الأسرة، أنت فاشل لا تصلح لشيء، إن لم تحصل على أعلى درجة في الامتحان لن تكون ابني".
6- المبالغة في التوجيه ومراقبة الطفل وإعطائه الأوامر في كل كبيرة وصغيرة، فكثير من الآباء لا يدركون انتقال أبنائهم إلى مرحلة المراهقة بالرغم من أنهم يستشعرون ذلك من خلال عبارات مثل " ابني أصبح لا يطيعني بعد بلوغه الثانية عشر".
7- المبالغة في العقاب، فقد يكون الخطأ نتيجة عدم نضج الطفل وعدم إدراكه نتيجة تصرفاته.... لذا فالعقاب يجب أن يكون بعيدا عن الانفعالات الشديدة أو حب الانتقام.
ماهي السبل التي تؤدي إلى الخروج من هذا التوتر بين الآباء والأبناء:-
1- إدراك أن مقارنة الأطفال بالآخرين، وإظهار الجزع والقلق و اللهفة حول صحتهم وحياتهم قد تتسبب في توليد عقد الذنب والخوف وعدم الطمأنينة لدى الطفل.
2- تبسيط مشكلات الآباء الاجتماعية والاقتصادية أمام الأبناء وأن لا يبالغوا في تهويل المشاكل السياسية والحربية التي يمر بها العالم و التي تدخل للبيت عبر الفضائيات.
3- عدم المبالغة في مظاهر القلق والانفعال.
4- استشارة أخصائيين نفسيين واجتماعيين كلما استدعت الحاجة.
5- إتاحة الفرصة للأبناء أن يعبروا عن مشاعرهم وطموحاتهم وذلك بتشجيع الحوار وخلق أجواءه المناسبة.
6- يجب على كل أفراد الأسرة إبداء اهتمام خاص ببعضهم البعض.
7- التعاون والتشارك فيما بينهم أثناء مواجهة الأسرة لصعوبات، وهذا لا يعني منح الأطفال إمكانية الاستقلالية واثبات الشخصية
إعداد : علي الزبيدي







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN