يعد جنوب الجزيرة العربية مهداً لأقدم حضاراتها، فعلى أرضها، وبما لها من مناخ ملائم، عاشت اقوام على امتداد طرقها التجارية وبحذى البحر من سكان المدن من قبل الميلاد بحوالي الف سنة وهو حد المعلومات التي بين ايدينا. وكان لهذه الاقوام نظام اجتماعي من المرحلة الاقطاعية تقريبا يشبه النظام الاجتماعي الذي نعرفه عن بابل القديمة، وكان هؤلاء القوم يتحدثون بلغات مختلفة ولكنها قريبة من بعضها البعض، ويمكن القول انهم كانوا يتكلمون لهجات مختلفة للغة واحدة وكأنها قبائل مختلفة من اصل واحد، وكان لهم خط مشترك من نوعية الخط الفينيقي ولكن بحروف تزيد عن الخط الفينيقي ومن حيث الشكل، وكان له صورة خاصة به، فكانوا يدونون الاحرف بالمقاطع ويرسمون عين الكلمات خطوطا تفصل بينها على شكل عمودي، وكانت الاسطر تتوالى من اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين.

وقامت على هذه الأرض دول متعددة تتفاوت صغرا وكبرا، وكانت احداها تغير على الاخرى من ان الآخر، وكان الأقوياء ... الضعفاء لتبعيتهم او يزيلونهم تماما. وفي العصر الأقدم، كانت السلطة في هذه الدول بيد الكهنة والزعماء والروحانيين الذين كان يطلق عليهم لدى بعض الشعوب اسم (مكرب) (ونطقها الصحيح غير معروف لعدم وجود الإعراب والتشكيل في خطهم) واسم (مرواد) لدى شعوب أخرى منهم. وفي عصور تالية، آلت السلطة الى الملوك، واقتصر دور الكهنة على الشئون الدينية، وكانوا من الناحية الدينية في عداد المشركين وكانت لهم آلهة متعددة وكان بعض هذه الآلهة خاصا يقوم دون غيرهم في حين كان البعض الآخر آلهة مشتركة بين مختلف القبائل، كما سنذكر تفصيلا فيما بعد. وكانت حرفة هذه الشعوب التجارة التي كان يمتهنها الجميع من ملوك ورعية وكانت لهم منها ثروات وسلطة كبيرة، كما سبقت الاشارة منذ قليل.

وردت اسماء عدة دول جنوبية في المصادر المتاحة الى الآن ومنها معين وحضرموت  وأوسان وسبأ وحمير، واستقرت كل هذه الدول في بقعة محددة من البلاد، وكانت الدول الأولى معاصرة لبعضها البعض وكانت دولتا سبأ وحمير إمبراطوريتين استوليتا على الدول المحيطة بهما. وكانت اقدم هذه الدول معين التي كانت قائمة في منطقة الجوف الجنوبية وكانت عاصمتها تسمى (قرنة) او (قرنا) وكانت تقع شمال سد مأرب، وقد ورد ذكر هؤلاء القوم باسم (المعونيين) في الكتابات اليهودية القديمة.