المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8897 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



اجتماع الامر والنهي  
  
893   10:48 صباحاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : حسين البروجردي الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأصول
الجزء والصفحة : ص.225
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 1289
التاريخ: 25-8-2016 985
التاريخ: 26-8-2016 1165
التاريخ: 26-8-2016 1501

...ان مفاد الامر هو البعث نحو وجود الطبيعة المحبوبة، ومفاد النهي هو الزجر عن وجود الطبيعة المبغوضة، والامر يحتاج في تحققه إلى ثلاثة اشياء : الطالب ، والمطلوب ، والمطلوب منه ، كما ان النهي ايضا يتقوم بثلاث اضافات:

اضافة إلى الزاجر، واضافة إلى الطبيعة المزجور عنها، واضافة ثالثة إلى المكلف المزجور. (إذا عرفت هذا فنقول):

من الواضحات عند العقل والعقلاء انه يمتنع ان يصدر عن المولى الواحد بالنسبة إلى المكلف الواحد بعث وزجر حال كونهما متعلقين بطبيعة واحدة في زمان واحد، فهذا حكم يصدقه العقل بعدم تصور اطرافه ولكن لا من جهة كونه تكليفا بالمحال الذى يجوزه الاشعري، بداهة انهما تكليفان لا تكليف واحد متعلق بأمر محال، بل الوجه في ذلك انه يمتنع ان ينقدح في نفس المولى الارادة والكراهة مع متعلقتين بطبيعة واحدة بالنسبة إلى شخص واحد في زمان واحد.

وبالجملة من المحالات تحقق البعث والزجر معا بعد كون كل واحد من المكلف والمكلف به وزمان الامتثال واحدا، (نعم) ان تعدد واحدة من هذه الجهات الاربع ارتفع الاستحالة، وما ذكرناه من الكبريات المتسالم عليها بين جميع العقلاء.

(إذا تبين ذلك فنقول): ان النزاع في مسألة الاجتماع يرجع إلى ان المتنازع فيه من صغريات هذه الكبرى ام لا.

(بيان ذلك) ان الاصوليين اختلفوا في انه إذا كان هناك حيثيتان مختلفتان اشتركتا في بعض المصاديق مثلا (كما هو المتيقن من محل النزاع) فهل يجوزان يزجر المولى عن واحدة منهما بإطلاقها ويبعث نحو الاخرى كذلك أو لا يجوز بل يشترط في تحقق البعث والزجر كون المتعلقين متباينين؟

(فالاجتماعي) يمنع كون هذا الفرض من صغريات الكبرى السابقة من جهة كون البعث متعلقا بحيثية سوى الحيثية التي تعلق بها الزجر، (والامتناعي) قائل بكونه من صغرياتها من جهة ان العبد وان كان يقدر على التفريق بين الحيثيتين ولكن مقتضى اطلاقهما جواز جمعهما في فرد واحد ايضا وحينئذ فيلزم من تعلق البعث بأحديهما والزجر بالأخرى اجتماع البعث والزجر في شيء واحد بالنسبة إلى هذا الفرد اي المجمع، والمفروض ان كلا من المكلف والمكلف والزمان ايضا واحد فيصير المقام من صغريات الكبرى المتقدمة، وعلي هذا فيجب على المولى في مقام البعث والزجر لحاظ الحيثيتين المتصادقتين بنحو لا تتصادقان ولو في فرد ما.

(والحاصل) ان النزاع بين الفريقين يرجع إلى ان هذا الفرض من صغريات تلك الكبرى ام لا، فالاجتماعي ينكر كونه منها من جهة اختلاف الحيثيتين، والامتناعي قائل بكونه منها من جهة اشتراك الحيثيتين في المصداق، هذا.

وكان القدماء يسمون الاجتماع في صورة توجه الامر والنهي  إلى مكلف واحد حال كونهما صادرين عن مولى واحد ومتعلقين بحيثية واحدة) بالاجتماع الآمري، والاجتماع في صورة تعلقهما بحيثيتين متصادقتين بالاجتماع المأموري، والوجه في التسميتين واضح.

(ثم اعلم) ان الاصوليين قد أطنبوا الكلام في هذه المسألة وذكروا لها مقدمات عديدة، وكانوا يشرحون بنحو التفصيل كل واحد من الالفاظ المذكورة في عنوان المسألة فكانوا يذكرون معنى الجواز والاجتماع والعنوان والواحد واقسام الوحدة ونحو ذلك.

(وشيخنا الاستاذ المحقق الخراساني قدس سره ) ايضا ذكر في المقام مقدمات فلنشر إلى بعضها (قال قدس سره ) في المقدمة الاولى (ما حاصله):

ان المراد بالواحد في عنوان المسألة ليس هو الواحد الشخصي فقط، بل اعم منه ومن الواحد النوعي والجنسي، فان الصلاة في الدار المغصوبة عنوان كلى ينطبق عليه عنوانان تعلق بأحدهما الامر وبالأخر النهي  فيجرى فيها النزاع ايضا (انتهى).

(وفيما ذكره نظر) فان ضم عنوان كلى إلى عنوان آخر لا يوجب الوحدة، إذ المهيات والعناوين بأسرها متباينة بالعزلة، فمفهوم الصلاة يباين مفهوم الغصب وان ضممنا احدهما إلى الاخر، وما هو الجامع للشتات عبارة عن حقيقة الوجود التي هي عين التشخص والوحدة (وقال قدس سره ) في المقدمة السابعة ما حاصله:

انه قد يتوهم ان النزاع في المسألة يبتنى على القول بتعلق الاحكام بالطبائع واما على القول بتعلقها بالأفراد فلا يتمشى النزاع بل لابد عليه من اختيار الامتناع ضرورة استلزام القول بالاجتماع تعلق الحكمين بواحد شخصي، (وقد يتوهم ايضا) ان القول بالجواز يبتنى على القول بتعلق الاحكام بالطبائع، والقول بالامتناع يبتنى على القول بتعلقها بالأفراد فالقولان في هذه المسألة يبتنيان على القولين في تلك المسألة.

(وانت خبير) بفساد كلا التوهمين فان تعدد الوجه ان كان مجديا في رفع الغائلة فيجدى ولو على القول بتعلق الاحكام بالأفراد، وان لم يكن مجديا فلا يجدى ولو قيل بتعلقها بالطبائع، والوجه في ذلك انه وان قلنا بتعلقها بالأفراد ولكن الفرد الموجود في الخارج الموجه بالوجهين يكون مجمعا للفردين فيمكن كونه مأمورا به بما هو فرد للصلاة مثلا ومنهيا عنه بما هو فرد للغصب (انتهى). (1)

(اقول):وفيه ايضا نظر، إذ المراد بتعلق الحكم بالفرد صيرورة كل واحد من وجودات الطبيعة بخصوصياته المفردة وعوارضه المشخصة متعلقا للحكم، والفرد بهذا المعنى (الذى ذكرناه تبعا له) امر وحداني فلا يعقل تعلق الامر والنهي  به معا لكونه من مصاديق ما بينا في صدر المبحث استحالته، فالنزاع في المسألة انما هو على القول بتعلق الاحكام بالطبائع.

(وقال قدس سره) في المقدمة الثامنة ما حاصله: ان المعتبر في المسألة كون كل من متعلقي الايجاب والتحريم واجدا للملاك حتى في مورد التصادق ليصير المسألة من اقسام التزاحم.

(اقول): وفيه ايضا نظر، إذ البحث في المسألة انما هو في انه هل يمكن عقلا تعلق البعث والزجر بحيثيتين متصادقتين أو لا يمكن بل يجب لحاظهما بنحو لا يبقى لاحديهما اصطكاك مع الاخرى، فمورد البحث هو الامكان لا الوقوع، ولا يعتبر الملاك في الامكان بل يعتبر في الوقوع من الحكيم وفي ثمرة المسألة، بمعنى ان المولى الحكيم لا يصدر عنه ولا يقع منه البعث والزجر المتعلقان بالحيثيتين المتصادقتين الا إذا كانتا واجدتين للملاك حتى في مورد التصادق، وحصول الثمرة بين القول بالجواز والقول بالامتناع ايضا انما هو فيما إذ كان مورد التصادق واجدا للملاكين فتدبر، هذا وكان الانسب جعل المقدمة الثامنة والتاسعة والعاشرة من تنبيهات المسألة لارتباطها بثمرة المسألة وسنشير إليها في آخر المبحث.

ثم انه لما استدل القائلون بالامتناع بان تعلق الامر والنهي  بما يكون مصداقا للحيثيتين يوجب اجتماع الضدين، واجاب عنه المجوزون (تارة) بأن المجمع له حيثيتان تعلق بإحديهما الامر وبالأخرى النهي  فلم يجتمع الضدان، (واخرى) بان هذ الاستدلال يتم بناء على اصالة الوجود، واما بناء على اصالة المهية فلا يتم، إذ الوجود في المجمع وان كان واحدا ولكن المتعلق للأمر والنهي  (اعني الماهيتين) مختلفان، (صار المحقق الخراساني) بصدد تشييد اركان الامتناع بنحو لا يرد عليه اشكال، ومهد لبيان مرامه اربع مقدمات، ذكر في الاولى مسألة تضاد الاحكام بعد وصولها إلى مرتبة الفعلية، وجعله من الواضحات، (وفي الثانية) ان متعلق الحكم عبارة عن فعل المكلف وما يصدر عنه في الخارج اعني المعنونات لا العناوين والاسماء، (وفي الثالثة) ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون كما ان مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية تصدق على ذات الباري (تعالى) مع انحفاظ وحدته وبساطته، وكأن ما ذكره في هذه المقدمة انما هو لدفع ما يمكن ان يقال: ان المجمع باعتبار كونه ذا عنوانين يكون متحيثا بحيثيتين انضماميتين تقييديتين احديهما متعلق للأمر والاخرى للنهي  فلا يلزم اجتماع الضدين، فدفعه هو (قدس سره) بان تعدد العنوان لا يوجب كون المعنون متحيثا بحيثيتين انضماميتين.

(وذكر في المقدمة الرابعة) ان الوجود الواحد لا يتصور له مهيتان مستقلتان، بل الواحد وجودا واحد مهية وان كانت العناوين الصادقة عليه لا تعد ولا تحصى كثرة، (ثم استنتج) من هذه المقدمات امتناع الاجتماع، بدعى (بدعوى) ان المجمع حيث كان واحدا بحسب المهية والوجود كان تعلق الامر والنهي  به معا محال للزوم اجتماع الضدين في موضوع واحد ولو كان تعلقهما به بعنوانين لما عرفت من ان فعل المكلف بحقيقته متعلق للحكم لا بعنوانه واسمه (انتهى كلامه).

(اقول): تضاد الاحكام من الامور المشهورة بينهم، وملاحظة كلماتهم تشهد بكونه من المسلمات عندهم، ولذلك ترى المجوزين يحومون حول تكثير متعلق الامر والنهي  حتى يرتفع به غائلة التضاد، والمانعون قد جعلوا تمام همهم مصروفا في اثبات توحيد المتعلق بالنسبة إلى المجمع حتى يلزم فيه اجتماع الضدين (وبالجملة) تضاد الاحكام الخمسة من المسلمات عندهم. ولكن التحقيق خلافه فان الوجوب والحرمة وغيرهما من الاحكام ليست من العوارض العارضة لفعل المكلف (بالفتح) بل هي بحسب الحقيقة من عواض المكلف (بالكسر) لقيامه به قياما صدوريا، غاية الامر ان لها نحو اضافة ايضا إلى المتعلق ولكن ليس كل اضافة مساوقا للعروض.

(توضيح ذلك) انك قد عرفت سابقا ان كلا من البعث والزجر يتقوم بثلاث اضافات ولا يعقل تحققهما بدونها: اضافة إلى المكلف (بالكسر)، واضافة إلى المكلف (بالفتح)، واضافة ثالثة إلى المكلف به (اعني الفعل)، فباعتبار اضافتهما إلى المكلف (بالكسر) يحمل عليه الآمر والناهي والباعث والزاجر وامثال هذه العناوين المنتزعة عنه باعتبار صدور البعث أو الزجر عنه، وباعتبار اضافتهما إلى المكلف (بالفتح) يحمل عليه المأمور والمبعوث أو المنهي  والمزجور، وباعتبار اضافتهما إلى المكلف به يحمل عليه الواجب والمأمور به أو الحرام والمنهي  عنه ونحو ذلك، وانحاء هذه الاضافات مختلفة، فان اضافتهما إلى المكلف (بالكسر) انما هي بصدورهما عنه وقيامهما به قيام العرض بمعروضه كسائر الافعال القائمة بفواعلها، واما اضافتهما إلى المكلف (بالفتح) وإلى المكلف به فليست من هذا القبيل لعدم كونهما مما يعرض عليهما خارجا وعدم كونهما موضوعين لهما، بداهة ان العرض الواحد ليس له الا موضوع واحد، فإضافة البعث أو الزجر إلى المكلف به مثلا وان كانت مصححة لانتزاع مفهوم الواجب أو الحرام عنه، ولكنه ليس من جهة كون الوجوب أو الحرمة عرضا للمكلف به، إذ ليس المصحح لانتزاع العناوين منحصرا في العروض، الا ترى ان العلم الذى هو من الصفات النفسانية، له نحو اضافة إلى المعلوم بالعرض الذى هو امر خارجي مع انه ليس من عوارضه بالبداهة، إذ المعلوم، بالعرض قد يكون امرا مستقبلا معدوما حين العلم، ولا يصح قيام الموجود بالمعدوم، فالبعث والزجر ايضا مثل العلم في ان لهما ايضا نحو اضافة إلى فعل المكلف وباعتبارها ينتزع عنه العناوين ولكنهما ليسا من عوارضه، كيف! ولو كانا من عوارضه لم يعقل تحقق العصيان ابدا، فانه متوقف على ثبوت البعث والزجر، ولو كان البعث والزجر من عوارض الفعل الخارجي توقف تحققهما على ثبوت الفعل في الخارج ولو في ظرفه (لو سلم كفاية ذلك في تحقق العروض) وحينئذ فكيف يعقل العصيان إذ وجود المأمور به امتثال للأمر لا عصيان، فمن هنا يعلم انهما ليسا من عوارض الفعل بل من عوارض المكلف (بالكسر) وقد صدرا عنه متوجهين إلى الجميع حتى العصاة، غاية الامران لهما نحو اضافة إلى الفعل الخارجي ايضا، اضافة العلم إلى المعلوم بالعرض (2).

(فتخلص مما ذكرنا) انه لا يكون الوجوب ولا الحرمة عرضا للمتعلق حتى يلزم بالنسبة إلى المجمع اجتماع الضدين، إذ التضاد انما يكون بين الامور الحقيقية، وما يكون في ناحية المتعلق هو صرف الاضافة دون العروض، والعروض انما يكون في ناحية المكلف (بالكسر) فيجب صرف النظر عن ناحية المتعلق والرجوع إلى ناحية المكلف (بالكسر) التي هي ناحية وجود البعث والزجر وناحية تحققهما وعروضهما، وبعد الرجوع إلى هذه الناحية نرى بالوجدان ان اصل البعث والزجر ليسا بضدين بل قد يكونان متلازمين كما في الامر بالشيء مع النهي  عن ضده، فلا محالة يكون التضاد (على فرض تحققه) بين نوع خاص من البعث ونوع خاص من الزجر، والقدر المسلم منه هو صورة كون كل من المكلف والمكلف والحيثية المكلف بها وزمان الامتثال واحدا لما عرفت من بداهة استحالة ذلك، واما في غير هذه الصورة كما إذا كان هنا حيثيتان متصادقتان في بعض الافراد تعلق بإحديهما البعث وبالأخرى الزجر فلا نسلم امتناع صدورهما عن المكلف وقيامهما به، وعلى القائل بالامتناع ان يثبت امتناع ان ينقدح في نفس المولى ارادة البعث بالنسبة إلى حيثية، وارادة الزجر بالنسبة إلى حيثية اخرى متصادقة مع الاولى في بعض الافراد، وانى له بأثبات ذلك (والحاصل) ان مفروض الكلام في مبحث الاجتماع هو ما إذا كان هنا حيثيتان متصادقتان يمكن في مقام الايجاد تفكيكهما ايضا، (فالاجتماعي) يقول: انه يمكن ان يصدر عن المولى بعث متعلق بإحديهما وزجر متعلق بالأخرى، إذ لا يلزم منه محذور في جانب المولى، والعبد ايضا قادر على امتثالهما.

(والامتناعي) يدعى امتناع ذلك فعليه ان يثبت وجه الامتناع في ناحيه المولى كما في صورة وحدة الحيثية حيث اثبتنا فيه امتناع ان ينقدح في نفسه ارادة البعث والزجر معا بالنسبة إليها، واما ناحية المتعلق فلا يلزم فيها محذور اصلا، إذ المحذور المتوهم فيها هو التضاد، وقد عرفت ان الاحكام ليست من عوارض متعلقاتها حتى يلزم في ناحيتها التضاد، بل هي من عوارض المكلف بالكسر لقيامها به قياما صدوريا، وبعد قطع النظر عن ناحية المتعلق والرجوع إلى ناحية المولى وجهة إنتسابها إليه يظهر لنا الفرق الواضح بين صدور البعث والزجر عنه مع متعلقين بحيثية واحدة وبين صدورهما عنه متعلقين بحيثيتين يمكن تفكيكهما خارجا وان امكن تصادقهما ايضا، والعقل يحكم باستحالة الاول بالبداهة ولا يرى وجها لامتناع الثاني.

(فان قلت): المجمع من حيث كونه مصداقا للحيثية المأمور بها متعلق للأمر، ومن حيث كونه مصداقا للحيثية المنهي  عنها متعلق للنهي  فيلزم على القول بالجواز كونه بوحدته متعلقا للأمر والنهي  معا وهذا عين ما سلمت استحالته (اعني توجه البعث والزجر معا مع وحدة المكلف والمكلف والمكلف به وزمان الامتثال.)

(قلت): الامر انما يكون لتحريك الداعي نحو ايجاد متعلقه والنهي  لتحريك الداعي نحو تركه والإنزجار عنه فلا يعقل تعلقهما بالوجود الخارجي بل الخارجية موجبة لسقوطهما من جهة حصول الامتثال أو العصيان، (ولو سلم) فلا نسلم كون الوجود الخارجي بشرا شره مبعوثا إليه ومزجورا عنه، بل المبعوث إليه نفس الحيثية الصلاتية مثلا، والمزجور عنه نفس الحيثية الغصبية من دون ان يكون للبعث سراية إلى متعلق الزجر أو بالعكس. والسر في ذلك ان الامر والنهي  تابعان للإرادة والكراهة التابعتين للحب والبغض التابعين لأدراك المصلحة والمفسدة، فمتعلق الحب مثلا نفس الحيثية التي ادرك العقل مصلحتها، ومتعلق الارادة وكذا البعث نفس الحيثية المحبوبة، ولا سراية لهما إلى الحيثية المبغوضة ولا إلى سائر الحيثيات المتحدة مع ما تعلق به الحب واشتمل على المصلحة، كيف! والحيثيات المتحدة معها لا دخالة لها في الغرض الداعي إلى الامر فيلزم من اسراء البعث والوجوب إليها الجزاف الذى لا يرتكبه الموالى المجازية فضلا عن مولى الموالى جل جلاله، هذا حال الامر، وكذلك الكلام في طرف النهي  فان المتعلق للزجر والكراهة والبغض نفس الحيثية التي ادرك مفسدته.

(وبعبارة اخرى) الامر انما يكون للتسبب به إلى ايجاد ذي المصلحة، والنهي  انما يكون للتسبب به إلى ترك ذي المفسدة فلا يعقل تعلقهما بغير ما اشتمل على المصلحة أو المفسدة من الحيثيات المتحدة معه.

(فان قلت): كيف لا يسرى البعث مثلا إلى الحيثيات المفردة مع ان مقتضى اطلاق المتعلق سرايته إليها، إذ ليس معنى اطلاقه الا كون جميع افراده موردا للحكم، والفرد ليس الا عبارة عن مجموع الحيثيات المتحدة في الوجود.

(قلت): لا نسلم ان معنى الاطلاق ما ذكرت بل معنى اطلاق المتعلق هو كون نفس حيثية الطبيعة تمام المتعلق من دون ان يكون لتقيدها بشيء من القيود دخالة في المطلوبية، وليس معناه دخالة العناوين المتحدة مع الحيثية المأمور بها في المطلوبية بحيث تصير هي ايضا متعلقة للحكم، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث المطلق والمقيد.

(وقد تحصل) من جميع ما ذكرنا انه يمكن ان يصدر عن المولى الواحد بالنسبة إلى عبد واحد بعث وزجر متعلقين بحيثيتين متصادقتين يمكن تفكيكهما في مقام الامتثال، من دون ان يتوقف ذلك على لحاظهما بنحو تصيران متباينتين، ولا يلزم من ذلك اجتماع الضدين بالنسبة إلى المجمع لما عرفت من ان البعث والزجر ليسا من عوارض المكلف به بل المكلف بالكسر.

(ونظير هذا المعنى) تعلق العلم والجهل معا بالحيثيتين المتصادقتين فانه ايضا ممكن ولا يلزم منه محذور اجتماع الضدين، مثال ذلك ما إذا تعلق العلم بمجيء عالم غد والجهل بمجيء عادل فاتفق مجيئ عالم عادل، فوجود هذا المجيء من حيث انه مجيء العالم معلوم ومن حيث انه مجيء العادل مجهول، ومن المعلوم ان المعلومية والمجهولية ليست الا كالمحبوبية والمبغوضية والوجوب والحرمة، فلو كان اجتماع عنواني الواجب والحرام في مجمع الحيثيتين موجبا لاجتماع الضدين كان اجتماع عنواني المعلومية والمجهولية في مجيء العالم العادل ايضا كذلك فتدبر (3)

(ثم انك) إذا راجعت الوجدان رأيت جواز الاجتماع من ابده البديهيات، فإذا أمرت عبدك بخياطة ثوبك ونهيته عن التصرف في فضاء دار الغير فخاط العبد ثوبك في فضاء الغير فهل يكون لك ان تقول له: انت لا تستحق الاجرة لعدم اتيانك بما امرتك؟ ولو قلت هذا فهل لا تكون مذموما عند العقلاء؟ لا والله بل تراه ممتثلا من جهة الخياطة وعاصيا من جهة التصرف في فضاء الغير ويكون هذا العبد عند العقلاء مستحقا لأجر العبودية والاطاعة وعقاب التمرد والعصيان.

وينبغي التنبيه على امور :

(الاول) لو فرضنا حصول الشك في المسألة فلا وجه لترتيب آثار الامتناع وتقييد اطلاقات متعلقات الاوامر أو النواهي الواردة في الشريعة بنحو يصير الحيثيتان متباينتين، فان التقييد خلاف الاصل فلا يصار إليه الا بدليل ملزم.

(الثاني) لا فرق في جواز الاجتماع بين التعبديات والتوصليات بمعنى انه لا يجب على المولى في مقام البعث والزجر لحاظ الحيثيتين بنحو تصيران متباينتين.

(نعم) في التعبديات كلام آخر وهو ان قصد القربة لما كان معتبر فيها، اما من جهة دخالته في انطباق العنوان المأمور به على الاجزاء المأتى بها، أو من جهة دخالته في حصول الغرض الباعث على الامر، امكن ان يقال ببطلان المجمع إذا كان عبادة وان قلنا بالجواز، من جهة انه وجود واحد اتى به العبد مبغوضا ومتمردا به وخارجا بإتيانه من رسوم العبودية، فلا يصلح لان يتقرب به إلى ساحة المولى إذ المبعد لا يكون مقربا.

(فان قلت) فكيف تعلق الامر به مع كونه مبغوضا.

(قلت) قد عرفت سابق ان متعلق الامر ليس هو الوجود الخارجي.

(وتفصيل ذلك) ان مقام تعلق الامر غير مقام الامتثال، فان المولى حين ارادة البعث أو الزجر لا ينظر إلى الوجود الخاص بل يتوجه إلى نفس الحيثية الواجدة للمصلحة فيبعث نحوه. ويتوجه إلى نفس الحيثية الواجدة للمفسدة فيزجر عنها من دون ان يسرى البعث أو الزجر إلى الخصوصيات المفردة وسائر الحيثيات المتحدة مع المتعلق، ففي مقام تعلق الامر والنهي  لا اصطكاك لواحد منهما مع الاخر وان كانت الحيثيتان متصادقتين، إذ الخصوصيات الفردية ليست ملحوظة حين الامر والنهي  لعدم دخالتها في الغرض الباعث اليهما، ومعه يكون لحاظها جزافا كما مر، وهذا بخلاف مقام الامتثال الذى هو مقام اسقاط الامر والنهي ، فان ما يريده العبد ويتوجه إليه حين الامتثال هو الوجود الخاص الذى هو امر وحداني فان كان هذا الوجود مبغوضا للمولى ومتمردا به لما امكن قصد التقرب به إلى ساحة المولى.

(وبعبارة اخرى) مقام الارادة التشريعية غير مقام الارادة التكوينية الحاصلة للعبد إذ المتعلق لها في الاولى عبارة عن نفس الحيثية الواجدة للمصلحة، بخلاف الثانية فان المتعلق لها ليس الا الوجود الخاص الذى هو امر وحداني جزئي، وبعد وقوعه مبغوضا من جهة كونه مصداقا للحيثية المنهي  عنها لا يصلح لان يتقرب به، ويشترط في العبادة مضافا إلى قصد القربة ان يكون المأتى به صالحا لان يتقرب به، وكونه مبعدا يرفع هذه الصلاحية.

(ولأجل ذلك) حكم الاصحاب ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة، ولا يكشف حكمهم بالبطلان عن كونهم قائلين بالامتناع. لما عرفت من ان القول بالجواز في مقام توجيه الامر والنهي  (كما هو الحق) لا يستلزم القول بالصحة في مقام الامتثال إذا كان المأمور به امرا عباديا بل المختار هنا البطلان وان كان المختار في المسألة الاصولية هو الجواز. وليس في كلمات القدماء من اصحابنا اختيار الامتناع في المسألة الاصولية، بل الموجود في كتبهم ليس الا الفتوى ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة من جهة وقوعها مبغوضة فراجع كلام الشيخ في العدة وكذا السيد وامثالهما.

(ومما ذكرنا ظهر) ان نسبة الامتناع إلى المشهور من جهة افتائهم ببطلان الصلاة في المسألة الفقهية في غير محلها.

(التنبيه الثالث) قد اتضح بما ذكر فساد ما ذكره شيخنا الاستاذ المحقق الخراساني (طاب ثراه) في المقدمة العاشرة: من صحة الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالجواز.

(قال قدس سره ما حاصله): انه لا ريب في حصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الامر على القول بالجواز ولو في العبادات، وكذلك على القول بالامتناع وتقديم جانب الامر واما عليه وتقديم جانب النهي  ففي التوصليات يسقط الامر من جهة حصول الغرض بإتيان المجمع ايضا، واما في التعبديات فلا يسقط الامر بإتيانه مع الالتفات إلى الحرمة أو الجهل بها عن تقصير، واما مع الجهل بها قصور فيسقط ايضا بإتيانه إذا أتى به على وجه القربة من جهة اشتماله على المصلحة (انتهى).

(اقول): اما ما ذكره من صحة المجمع ولو كان عبادة على القول بالجواز فقد عرفت فساده، (ونزيدك هنا) ان دخالة قصد القربة في حصول الغرض بحسب مقام الثبوت على نحوين: (الاول) ان يكون المأمور به والمحصل للغرض في باب الصلاة مثلا عنوانا بسيط منطبقا على الاجزاء ويكون لفظ الصلاة اسما لهذا الامر البسيط الانتزاعي، غاية الامر انه يشترط في انطباق هذا العنوان البسيط على هذه الامور (التي أولها التكبير وآخره التسليم) ان يؤتى بها بداع قربى، فعلى هذا لا يكون نفس هذه الامور ولا قصد القربة بمأمور بها بل الامر تعلق بنفس العنوان البسيط، ومجموع هذه الامور منطبق له ومنشأ لانتزاعه، وقصد القربة مقدمة وجودية لتحققه من جهة دخالته في انطباق هذا العنوان على هذه الامور.

(الثاني) ان يكون المأمور به عبارة عن نفس الامور المتكثرة (التي اولها التكبير وآخرها التسليم) ويكون قصد القربة ايضا مأخوذا في المأمور به جزء أو قيدا.

(إذا عرفت هذا فنقول): ان كان دخالة قصد القربة في المأمور به على النحو الاول فلا يتصور (ولو على القول بالجواز) مجمع للعنوانين، إذ الفرد الذى هو مصداق للغصب مثلا بعد كونه مبعدا عن ساحة المولى لا يمكن ان يتقرب به إليه فلا ينطبق عليه عنوان المأمور به ولا يصير من مصاديقه، إذ الفرض دخالة قصد القربة وصلاحيته للتقرب به في صيرورته من مصاديقه وانطباق عنوانه عليه.

(واما إذا كان) دخالته على النحو الثاني: بان كان المأمور به عبارة عن نفس الحركات والاقوال، وكان قصد القربة ايضا جزءا أو شرط شرعيا فتصوير المجمع للعنوانين وان كان بمكان من الامكان الا ان صحته ووقوعه عبادة مشكل ولو على القول بالجواز، لما عرفت من عدم صلاحية المبعد لان يتقرب به فافهم.

(واما ما ذكره) من حصول الامتثال بإتيان المجمع بناء على القول بالامتناع وتقديم جانب الامر، (ففيه) ان تقديم جانب الامر غير جائز وان كانت المصلحة الباعثة على الامر اقوى من المفسدة الباعثة على النهي ، بل الواجب على القول بالامتناع تقديم جانب النهي  مطلقا بالنسبة إلى المجمع.

(والسر) في ذلك ان مقتضى الامر بطبيعة حصول الامتثال بإتيان فرد منها أي فرد كان وهذا بخلاف النهي ، فان امتثاله انما هو بترك جميع افراد الطبيعة لما مر من انحلاله إلى نواه متعددة بعدد ما يتصور لمتعلقه من الافراد، وذلك من جهة ان الامر انما هو لتحصيل المصلحة الموجودة في متعلقه فبأصل حصول المتعلق ولو في ضمن فرد ما يحصل الغرض، والنهي  انما يكون للزجر عن متعلقه من جهة اشتماله على المفسدة، والإنزجار عن الطبيعة المشتملة على المفسدة لا يتحقق الا بالإنزجار عن جميع افرادها، وعلى هذا فإذا تعلق الامر بحيثية مشتملة على المصلحة وتعلق النهي  بحيثية مشتملة على المفسدة، وكانت الحيثيتان متصادقتين في بعض الافراد فعلى القول بالجواز لا تقيد في واحدة من الحيثيتين، بل هما باقيتان على اطلاقهم بلا محذور في البين. غاية الامر انه يجب على العبد في مقام الامتثال تفكيك الحيثيتين، وانه ان اتى بالمجمع مع كونه عباديا يقع باطلا كما عرفت، وعلى القول بالامتناع لابد من تقييد احدى الحيثيتين في مقام الجعل بنحو تصيران متباينتين، ولكن التقييد يجب ان يكون في جانب الامر مطلقا، إذ المصلحة الباعثة على الامر وان كانت اقوى من المفسدة الباعثة على النهي  ولكنها تحصل بإتيان فرد ما، بخلاف المفسدة فان التحرز منها انما يتحقق بالتحرز من جميع الافراد المشتملة عليها، فيمكن الجمع بين الغرضين، بالنهي عن جميع الافراد المشتملة على المفسدة، والامر بالطبيعة المشتملة على المصلحة مقيدة بعدم اجتماعها مع الطبيعة المنهي  عنها.

(وبالجملة) بعد امكان الجمع بين احراز المصلحة القوية والفرار من المفسدة الملزمة (وان كانت أضعف منها) يجب ذلك بتخصيص الامر بالأفراد التي لا تزاحم فيها، فلا وجه اصلا لترجيح جانب الامر في مجمع العنوانين، بل يتعين دائما ترجيح جانب النهي  وان كانت المفسدة الموجودة فيه اضعف بالنسبة إلى مصلحته.

(التنبيه الرابع) قد تبين لك من جميع ما ذكرناه أنه لا تزاحم بين الامر والنهي  (المتعلقين بحيثيتين بينهما عموم من وجه) في ناحية المولى اعني ناحية تصور الحيثيتين، ففي هذه الناحية يتصور المولى احديهما فيرى اشتمالها على المصلحة وقدرة العبد على ايجادها فيأمر بها، ويتصور الاخرى فيرى اشتمالها على المفسدة فيزجر عنها من دون ان يلاحظ سائر الحيثيات المتحدة مع المتعلق لعدم دخالته في الغرض الباعث على الامر أو النهي ، فالتزاحم ليس في ناحية المولى وفي مقام الجعل وانما التزاحم في مقام الامتثال ومقام انشعاب كل من الحيثيتين بالشعب المختلفة.

(هذا كله) إذا كان بين الحيثيتين عموم من وجه، وكذلك الحال إذا كان بينهما عموم مطلق وكان النهي  متعلقا بالأخص، والكلام فيه عين الكلام في سابقه.

(بل قد تبين) مما ذكرنا في التنبيه الثالث رجوع الاول إلى الثاني ايضا، إذ الصلاة والغصب مثلا وان كان بينهما عموم من وجه وقد تعلق بأحدهما الامر وبالأخر النهي ، ولكن الامر لا ينحل إلى اوامر متعددة إذ المطلوب في جانبه نفس وجود الطبيعة وهو يتحقق بإيجاد فرد ما، واما النهي  فينحل إلى نواه متعددة بعدد ما يفرض للطبيعة من الوجودات لما عرفت وجهه، فمجمع عنواني الصلاة والغصب كأنه تفرد بنهي مستقل ولكنه لم يتفرد بأمر مستقل بل الامر تعلق بأصل الحيثية الصلوتية الجامعة بينه وبين غيره، وعلي هذا فيجب ان يلاحظ النسبة بين هذا الفرد بخصوصه وبين طبيعة الصلاة، ومعلوم ان النسبة بينهما عموم مطلق، فالنسبة بين متعلق الامر ومتعلق النهي  دائما عموم مطلق ويكون الاعم مورد للأمر والاخص موردا للنهي  فتدبر.

(التنبيه الخامس) جميع ما ذكرنا كان في صوره اختلاف الحيثيتين بحسب المفهوم سواء كان بينهما عموم مطلق أو من وجه.

(واما إذا كان) هنا حيثية واحدة وكانت هذه الحيثية بنفسها مشتملة على المصلحة وباعتبار اجتماعها مع حيثية اخرى مشتملة على المفسدة، لا بنحو يكون المفسدة للحيثية المنضمة فقط، بل بان يكون المفسدة لمجموع الحيثيتين بحيث يكون كل منهما جزء من الموضوع، فهل يمكن ان يأمر المولى بالحيثية الاولى بلا تقييد وينهي  عن هذه الحيثية مقيدة بالحيثية الاخرى أو لا يمكن؟ (فيه وجهان) (مثال ذلك) ما إذا فرض كون الخياطة بنفسها ذات مصلحة، والخياطة بقيد وقوعها في دار زيد ذات مفسدة، لا بأن يكون المفسدة للكون في دار زيد، بل بأن يكون المفسدة في اجتماعهما بحيث لا يكون نفس الكون في دار زيد بوحدتها ولا نفس الخياطة بانفرادها مشتملة على المفسدة، فبين الحيثية الواجدة للمصلحة وما يشتمل على المفسدة لا محالة عموم مطلق، (فيقع الكلام) في انه هل يمكن للمولى في هذا المثال ان يأمر بالخياطة بنحو الاطلاق وينهي  عن الخياطة المقيدة أو يجب عليه في مقام التشريع تقييد متعلق الامر بعدم كونه في دار زيد؟ (وبعبارة اخرى) نزاع الاجتماع والامتناع هل يجرى في هذا الموارد ايضا أو يختص بما إذا كانت هنا حيثيتان متغايرتان بحسب المفهوم كالصلاة والغصب؟ (الظاهر) جريان النزاع في هذه الصورة ايضا، والحق فيه ايضا الجواز. إذ المفروض ان المشتمل على المصلحة في المثال هو نفس الخياطة لا الخياطة المقيدة بعدم كونها في دار زيد، فتقييدها في مقام الامر بها بهذا القيد العدمي جزاف فان الحكيم لا يأمر الا بنفس الحيثية المشتملة على المصلحة. (لا يقال): ان العنوان الواحد إذا كان مشتملا على المصلحة من جهة، وعلى المفسدة من جهة اخرى كان اللازم متابعة الحكم لاقواهما، والمفروض (فيما نحن فيه) ان الخياطة حين اجتماعها مع عنوان الكون في دار زيد تصير مشتملة على المفسدة، وقد فرض اشتمالها على المصلحة أيضا، فيجب ملاحظة الاقوى أو مراعاة جانب المفسدة حينئذ وتخصيص الوجوب بصورة اشتمالها على المصلحة فقط .

(فانه يقال): نفس حيثية الخياطة دائما موضوعة للمصلحة، وما هو الموضوع للمفسدة ليس نفس حيثيتها بل بانضمام الحيثية الاخرى فافهم.

(فذلكة) قد ظهر لك من مطاوي ما ذكرناه ان صدور الامر والنهي  معا عن مولى واحد متوجهين إلى عبد واحد متعلقين بحيثية واحدة مع وحدة زمان الامتثال محال، ولكن لا من جهة كون ذلك تكليفا بالمحال، إذ مجموع الامر والنهي  ليس بتكليف واحد حتى يصدق عليه التكليف بالمحال، بل من جهة ان صدورهما عن المولى يوجب اجتماع الضدين (اعني البعث والزجر والارادة والكراهة) في موضوع واحد (اعني به شخص المولى)، فانه الموضوع الذى يتقوم به التكليف ويقوم به قياما صدوريا، وقد مر ان مطلق الارادة ومطلق الكراهة لا تضاد بينهما، وانما يكونان ضدين مع فرض وحدة المكلف والمكلف به وزمان الامتثال.

(ومثل هذه الصورة) في الاستحالة صدور الامر والنهي  معا عن المولى الواحد بالنسبة إلى عبد واحد حال كونهما متعلقين بحيثيتين متساويتين بحسب الصدق، أو بحسب الوجود: بان لم تصدقا على وجود واحد ولكن تلازمتا في مقام التحقق.

(وكذلك) يستحيل صدورهم عنه مع تعلق الامر بالأخص المطلق والنهي  بالأعم بحسب الصدق، أو بحسب الوجود، ففي هذه الصور الخمس يستحيل صدور الامر والنهي  معا عن المولى لاستحالة انقداح الارادة والكراهة معا في نفسه.

(واما) تعلق الامر والنهي  بالحيثيتين اللتين بينهما عموم من وجه، أو عموم مطلق بحسب الصدق، أو بحسب الوجود بشرط تعلق الامر بالأعم، وكذلك تعلق الامر بحيثية بنحو الاطلاق والنهي  بهذه الحيثية مقيدة بحيثية اخرى فلا مانع عنه، ولا يستحيل صدور هذا النحو من البعث والزجر عن المولى، فمجموع الصور عشرة، خمسة منها مستحيلة، وخمسة منها ممكنة.

(هذا كله) فيما إذا كان الامر والنهي  الزاميين.

(ومثله) في صور الاستحالة وصور الامكان صورة كون الامر ندبيا والنهي  تحريميا، وكذلك صورة كون الامر وجوبيا أو ندبيا مع كون النهي  تنزيهيا موجبا لكراهة متعلقه، (نعم) بين كون النهي  تحريميا وبين كونه تنزيهيا فرق من جهة اخرى وهو صحة المجمع في التنزيهي إذا كان الامر عباديا على القول بالجواز (بيان ذلك) انك قد عرفت في النواهي التحريمية ان الظاهر بطلان المجمع للعنوانين إذا كان متعلق الامر عباديا مأخوذا فيه قصد القربة ولو قلنا بالجواز، من جهة ان الوجود الواحد بعد كونه مبعدا عن ساحة المولى لا يصلح لان يتقرب به، فحينئذ نقول ان ما ذكر كان في النواهي التحريمية.

واما التنزيهية فهي وان اوجبت حزازة في متعلقاتها ولكن المأتى به لا يصير مصداقا للتمرد والعصيان فبعد كونه واجد للمصلحة وكونه مصداقا للمأمور به على القول بالجواز لا مانع من وقوعه عبادة للمولى ومقربا إلى ساحته.

____________

(1) لا يخفى ان القائل بتعلق الحكم بالفرد لا يريد تعلقه بعنوان الفردية وبمفهومها، بل بما هو فرد بالحمل الشائع الصناعي، وعلي هذا فكونه فردا لهذا وفردا لذاك لا يوجب تعنونه بعنوانين تعلق بأحدهما الامر وبالأخر النهي .

(2) يمكن ان يقال: ان الحكم وان كان لا بد في تحققه من اضافة ما إلى المكلف به، ولكن المراد بذلك هو المكلف به بوجوده الذهني لا الخارجي فان خارجيته موجبة لسقوط الحكم كما سيصرح به، فبيان نحو تعلقه بالموجود الخارجي اجنبي عما نحن فيه من بيان مقومات الحكم.

(3) والحاصل ان وزان ما هو المتعلق بحسب الحقيقة للإرادة والبعث أو الكراهة والزجر وزان المعلوم بالذات، ووزان مصداق المتعلق ووجوده الخارجي وزان المعلوم بالعرض، وفي الاول لا يتوجه اشكال اصلا إذ المتعلق بالذات هو نفس الحيثية الملحوظة والفرض ان الحيثية المتعلقة للبعث غير الحيثية المتعلقة للزجر، وفي الثاني ايضا ل اشكال فان اضافة البعث والزجر أو العلم والجهل إلى الخارج ليست بنحو العروض بل هي نحو اضافة تعتبر بتبع تعلق هذه الامور بالمتعلق بالذات (فان قلت): فرق بين باب العلم والجهل وبين ما نحن فيه، فان البعث والزجر انما يصدران عن المولى بداعي انبعاث العبد وانزجاره، فإذا اطلع المولى على كون الحيثيتين متصادقتين فكيف يعقل ان ينقدح في نفسه الارادة والكراهة بالنسبة اليهما باطلاقهما، فعلى هذا يجب عليه تقييد متعلق الامر ليجمع بين الغرضين  (قلت): بعد كون المشتمل على المصلحة عبارة عن نفس الحيثية الصلوتية مثلا يصير تقييدها جزافا إذ الفرض عدم دخالة القيد في المصلحة. (وبالجملة) ليس للبعث أو الزجر التخطي عن دائرة ما اشتمل على المصلحة أو المفسدة نعم ان لم يكن ايجاد المحبوب مقدورا للعبد لم يكن للمولى الامر به ولكن الفرض كونه مقدورا لوجود المندوحة.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.