الرد على من استدل بآية (لا يسال عما يفعل) بجواز التكليف فوق الطاقة وصدور الظلم |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-08-2015
![]()
التاريخ: 5-07-2015
![]()
التاريخ: 20-11-2014
![]()
التاريخ: 2025-04-19
![]() |
[جوَّز بعض المسلمين على الله تعالى] أن يكلف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه، ومع ذلك يعاقبهم على تركه، وجوز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة، بحجة أنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون -أ- .
فرب أمثال هؤلاء الذين صوروه على عقيدتهم الفاسدة، ظالم، جائر، سفيه، لاعب، كاذب، مخادع يفعل القبيح، ويترك الحسن الجميل، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
________________
أ- لعل الأشاعرة استدلوا بالآية الكريمة بدعوى ظهورها في أن إرادته تعالى هي القانون والضابطة، ولذا لا مجال للسؤال عن إرادته وفعله ما يشاء ولو كان ظلما أو خلاف الحكمة بنظرنا فالضابطة هو ما يريد ويفعل، ولعله لذلك قال القرطبي: إن هذه الآية قاصمة للقدرية وغيرهم، ومراده من القدرية هم المعتزلة الذين يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، ومراده من غيرهم الإمامية.
وكيف كان فهذا الاستدلال ضعيف في غاية الضعف، لأن في الآية احتمالات أخر فلو لم تكن الآية ظاهرة في غير ما توهمه الأشاعرة فلا أقل من أنه لا دلالة لها فيما ذهب إليه الأشاعرة.
ومن الاحتمالات ما ذهب إليه جماعة من المفسرين، من أن المراد أن الله سبحانه لما كان حكيما على الاطلاق كما وصف به نفسه في مواضع من كلامه، والحكيم هو الذي لا يفعل فعلا إلا لمصلحة مرجحة، فلا جرم لم يكن معنى للسؤال عن فعله، بخلاف غيره، فإن من الممكن في حقهم أن يفعلوا الحق والباطل، وأن يقارن فعلهم المصلحة والمفسدة، فجاز في حقهم السؤال، حتى يؤاخذوا بالذم العقلي، أو العقاب المولوي، إن لم يقارن الفعل المصلحة (1) وهو المروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر - عليه السلام - حيث قال جابر: قلت له: يا بن رسول الله، وكيف لا يسأل عما يفعل؟ قال: لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمة وصوابا، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار. فمن وجد في نفسه حرجا في شئ مما قضى كفر، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد (2) ويؤيده أيضا ما روي في الأدعية المأثورة: اللهم إن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني وإن رفعتني فمن ذا الذي يضعني وإن أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك أو يسألك عن أمره وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة وانما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علوا كبيرا (3).
ومنها ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي - قدس سره - من أن الله سبحانه ملك ومالك للكل، والكل مملوكون له محضا، فله أن يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وليس لغيره ذلك، وله أن يسألهم عما يفعلون وليس لغيره أن يسألوه عما يفعل.
إلى أن قال: ومن ألطف الآيات دلالة على هذا الذي ذكرنا قوله حكاية عن عيسى بن مريم: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " (4) حيث يوجه عذابهم بأنهم مملوكون له ويوجه مغفرتهم بكونه حكيما إلى أن قال: وأنت خبير أن توجيه الآية، بالملك دون الحكمة، كما قدمناه يكشف عن اتصال الآية بما قبلها، من قوله: " فسبحان الله رب العرش عما يصفون " (5).
فالعرش كناية عن الملك، فتتصل الآيتان، ويكون قوله: " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " بالحقيقة برهانا على ملكه تعالى، كما أن ملكه وعدم مسؤوليته برهان على ربوبيته، وبرهان على مملوكيتهم، كما أن مملوكيتهم ومسؤوليتهم، برهان على عدم ربوبيتهم، فإن الفاعل الذي ليس بمسؤول عن فعله بوجه، هو الذي يملك الفعل مطلقا (6) لا محالة، والفاعل الذي هو مسؤول عن فعله هو الذي لا يملك الفعل، إلا إذا كان ذا مصلحة والمصلحة هي التي تملكه وترفع المؤاخذة عنه، ورب العالم أو جزء من أجزائه هو الذي يملك تدبيره باستقلال من ذاته أي لذاته، لا بإعطاء من غيره، فالله سبحانه هو رب العرش وغيره مربوبون له. انتهى وحاصله أنه غير مسؤول عن فعله وذلك شاهد كونه مالك للفعل على الاطلاق وهو ليس الا الرب الذي لا يفعل إلا لكمال ذاته وعليه فالفعل الصادر عن كمال ذاته لا يكون الا صوابا فلا مورد للسؤال عنه.
وقال أيضا في ضمن عبائره: ولا دلالة في لفظ الآية على التقييد بالحكمة، فكان عليهم أن يقيموا عليه دليلا (7).
وفيه أن الآية مناسبة مع الحكمة أيضا وهي تكفي، لجواز حملها عليها، ويؤيده المروي كما عرفت.
ومنها ما ذهب إليه بعض المحققين، من أن المراد من الآية الكريمة، أنه ليس لأحد حق لمؤاخذته، بل له أن يؤاخذ غيره، وذلك واضح، لأن كل موجود ليس له من الوجود إلا منه تعالى، فإذا كان كذلك فلا يكون لهم حقا عليه تعالى، وأيضا أن الله تعالى غني عن خلقه فلا يصل إليه من مخلوقه نفع، حتى ثبت لغيره حق عليه، ويسأل عنه (8) وحاصله أن السؤال فرع الحق عليه.
وحيث إنه لا حق لغيره عليه فلا مورد للسؤال عنه تعالى، هذا ويمكن أن يقال: إن السؤال لا يقطع بذلك إذ لو لم يأخذ الله تعالى حق كل ذي حق عمن ظلمه في الآخرة لكان للسؤال مجال، وأيضا لو أدخل المطيعين في النار والمسيئين في الجنة أو قدم المفضول على الفاضل لكان للسؤال مجال، مع أنه لا حق لهم عليه تعالى، فلعل المقصود مما ذكر أن الله تعالى كامل من جميع الجهات وليس فيه نقص وحاجة، وعليه فلا مجال للسؤال عن أفعاله الناشئة عن كمال ذاته فإن ما نشأ عن كمال ذاته لا قبح فيه حتى يسأل عنه، ولكنه غير مساعد مع كلماته فافهم.
ومن المعلوم أن مع هذه الاحتمالات لا مجال لدعوى ظهور الآية في مرادهم، ولو سلم دلالتها وظهورها فيما ذكروه، فليحمل على ما لا ينافي قاعدة التحسين والتقبيح، فإن الأصل عند منافاة ظواهر الآيات مع الأصول العقلية البديهية الوجدانية هو توجيهها على نحو يرفع المنافاة بينهما فلا تغفل.
هذا مضافا إلى أن المستدلين بالآية المذكورة غفلوا عن الآيات المتعددة الكثيرة، الدالة على ثبوت التحسين والتقبيح العقليين.
منها: الآيات الدالة على ارتكاز القبح والحسن في العقول، مع قطع النظر عن الأدلة الشرعية كقوله تعالى: " أفحسبتم انما خلقناكم عبثا " (9) فإنه يدل على أن العبث قبيح، وقبحه مستقر في العقول، ولذا أنكر عليهم إنكار منبه ليرجعوا إلى عقولهم، ومثله قوله تعالى: " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " (10).
ونحوه قوله تعالى: " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " (11) وهذا أيضا يدل على أن قبح ذلك مرتكز في العقول.
ومنها: الآيات الدالة على تخطئة من حكم على خلاف ما اقتضته العقول السليمة، كقوله تعالى: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " (12) فإنه لم ينكر أصل حكم العقل، بل أنكر هذا الحكم السيئ إنكار منبه ليرجعوا إلى الحكم السليم.
ومنها: الآيات الدالة على معروضية الحسن والقبح عند الناس، مع قطع النظر عن الحكم الشرعي، كقوله تعالى: " إن الله لا يأمر بالفحشاء - إلى أن قال - قل أمر ربي بالقسط " (13) فمفاد الآية أنه تعالى لا يأمر بما هو فاحشة في العقل والفطرة، ولو لم يعلم الفاحشة إلا بالنهي الشرعي، لصار معنى الآية أن الله لا يأمر بما ينهى عنه، وهذا المفاد لا يصدر عن آحاد العقلاء فضلا عن العزيز الحكيم، وهكذا في القسط، فإنه لو لم يكن المراد ما هو قسط عند العقل يصير المعنى قل أمر ربي بما أمر به، وهو بارد، كما لا يخفى (14).
_____________________
(1) راجع الميزان: ج 14 ص 292.
(2) تفسير نور الثقلين: ج 3 ص 419 وهناك رواية أخرى التي سيأتي ذكرها في ص 138 من هذه الرسالة.
(3) مفاتيح الجنان في اعمال ليلة الجمعة.
(4) المائدة: 118.
(5) الأنبياء: 22.
(6) ولعل وجه ملكيته للفعل على وجه الاطلاق هو أن أفعاله تعالى ليس لها غاية دون ذاته، هذا بخلاف غيره تعالى فإن غاية فعلهم هو المصالح وعليه فالباعث نحو الفعل في الله تعالى هو كمال ذاته لا الغير فالفعل الناشئ عن ذاته لا يكون إلا صوابا فلا مورد للسؤال عنه بخلاف غيره تعالى، فللسؤال عنهم مجال لتقيد فعلهم بالمصالح.
(7) تفسير الميزان: ج 14 ص 294 - 295.
(8) مجموعة معارف القرآن: ج 1 خداشناسى ص 233.
(9) المؤمنون: 115.
(10) القيامة: 36.
(11) ص: 28.
(12) الجاثية: 21.
(13) الأعراف: 28 - 29.
(14) راجع إحقاق الحق: ج 1 ص 348.
|
|
تحذير من "عادة" خلال تنظيف اللسان.. خطيرة على القلب
|
|
|
|
|
دراسة علمية تحذر من علاقات حب "اصطناعية" ؟!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تحذّر من خطورة الحرب الثقافية والأخلاقية التي تستهدف المجتمع الإسلاميّ
|
|
|