المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الإنسان الواحد مع تعدد الملكات  
  
265   10:52 صباحاً   التاريخ: 2025-03-09
المؤلف : د. بلال نعيم
الكتاب أو المصدر : التربية والتعليم في القران الكريم
الجزء والصفحة : ص 59 ــ 62
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الروحية والدينية /

من خصوصيات النظرة القرآنية إلى الإنسان والتي تنعكس حكماً في تربيته وتعليمه أن هذا الإنسان واحد وإن تعددت ملكاته (العقل، النفس، الجسد)، وكذلك هو واحد وإن تعددت حواسه التي عن طريقها يحصل العلم والمعرفة: (من فقد حساً فقد علماً)، (السمع، البصر ...)، فالله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، أي كان الانسان الواحد عنه مسؤولا (عن كل ذلك مسؤولاً).

والمسؤولية هنا تعني رعاية الحق وحسن الاستخدام وأداء وظيفة الطاعة والشكر على النعمة وعلى الهبة وغير ذلك، لكن على الصعيد التربوي فهم هذه الوحدة في الملكات والتفاعل بينها يؤدي إلى وضع منهج أو مخطط تربوي شمولي يلحظ هذا التفاعل وهذا الاندكاك؛ فالإنسان ليس مصنفاً من عدة جوارير، وليس خزانة من عدة طبقات، وليس كياناً مجزأ، إنما تتداخل الملكات فلا فواصل بينها ولا حدود، فعندما نريد أن نربي هذا الإنسان يجب أن نأخذه كلاً لا يتجزأ، في نفس الوقت الذي يجب ان نلحظ فيه كل الملكات وحالتها وخصوصياتها، فلا يستطيع أحد، بحسب هذه النظرة، أن يدخل علماً إلى عقل الطفل إذا كان مريضاً جسدياً، أو يعاني من اضطرابات نفسية، كما لا يستطيع من يعاني من مشاكل نفسية، أن يقوم بوظائف جسدية صحيحة وسليمة. فالصحة الجسدية والنفسية والعقلية مطلوبة كمقدمة للقيام بأي وظيفة تربوية، كما أن المفاهيم العلمية والمعرفية ليست منفصلة عن آثارها التربوية والعاطفية ولا يمكن الكسر والانكسار في هذا الموضوع، فالمعلم إذا كان يدرّس مادة علمية لا يمكنه أن يعطي الأمثلة التي يريد كيف يشاء حتى لو كانت صادقة على المستوى التطبيقي، ومدرّس الآداب لا يمكنه أن يعطي الأمثلة التي تخالف المرتكزات العلمية، ولا يمكن لأي مدرس أن يعزل نفسه عن خصوصيات الطباع المتشكلة في المرحلة العمرية المحددة.

إذاً وحدة الإنسان مع تعدد الملكات تفرض نفسها على ساحة التربية والتعليم، وهي مقدمة ضرورية لفهم الإنسان الذي هو محور عملية التربية والتعليم؛ لأنه بعد فهمه يمكن لكل معلم، أياً تكن المادة التي يدرسها، أن يشكل حيزاً إيجابياً منسجماً مع بقية الأساتذة والمعلمين من أجل صناعة تلك اللوحة الجميلة في نفس الإنسان من دون أن تكون خطوط كل مادة متباينة ومتخالفة مع خطوط المواد الأخرى، بما ينتج منه تعقيدات واضطرابات، بل إن كل مادة يجب أن تترك بصماتها المتجانسة مع المواد الأخرى لتشكل بمجموعها الألوان الجميلة في داخل اللوحة المتجانسة الجميلة.

وأهمية هذه النظرة الوجودية إلى الإنسان في أن التكامل لا يحصل مع التشتت والترقي والتسامي لا يتم مع التفرق في الملكات. فلا بد من جمع الملكات وضبطها وتوحيدها ورصها وتوجيهها في اتجاه قبلة واحدة، كمقدمة ضرورية لحصول التكامل الذي هو الناتج الطبيعي للتربية الصحيحة، فلو كانت الملكات تتجه في اتجاهات مختلفة فإمكانية حصول التكامل أمر في غاية الصعوبة.

من هنا، كان لا بد من إبعاد وطرد كل المؤثرات التي تجعل الإنسان مصروف الذهن أو متوتراً نفسياً أو متعباً قبل البدء في عملية التعليم أو التربية، لأن ذلك بمثابة تهيئة المناخ المناسب لذلك. وذلك بمثابة الأذان والإقامة قبل الدخول في الصلاة حيث الحاجة إلى رص الملكات في صف واحد تجاه قبلة واحدة قبل الانطلاق في الصلاة المعراجية: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} [عبس: 26]، أي هيأناها للزراعة.

فقبل عملية الزرع للبذار لا بد من شق الأرض ثم الزرع ثم السقاية، وبعد ذلك نبدأ برؤية الشطء الذي يتم إخراجه وبعد ذلك المؤازرة والاستغلاظ والاستواء على السوق. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.