المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8890 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الانفال وأحكامها  
  
202   11:43 صباحاً   التاريخ: 2025-03-08
المؤلف : ابن ادريس الحلي
الكتاب أو المصدر : السرائر
الجزء والصفحة : ج 1 ص 497 – 504
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / المسائل الفقهية / الخمس / مسائل في احكام الخمس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-30 623
التاريخ: 27-11-2016 1396
التاريخ: 21-9-2016 1312
التاريخ: 2024-11-04 1022

الأنفال هي جمع نفل ، ونفل يقال بسكون الفاء وفتحها ، وهو الزيادة ، وهي كل أرض خربة باد أهلها ، إذا كانت قد جرى عليها ملك أحد ، وكل أرض ميتة خربة لم يجر عليها ملك لأحد ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، الإيجاف : السير السريع ، أو أسلمها أهلها طوعا بغير قتال ، ورؤوس الجبال ، وبطون الأودية ، والآجام التي ليست في أملاك المسلمين ، بل التي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض ، والمعادن التي في بطون الأودية ، التي هي ملكه ، وكذلك رءوس الجبال ، فأمّا ما كان من ذلك في أرض المسلمين ، ويد مسلم عليه ، فلا يستحقه عليه‌ السلام ، بل ذلك في الأرض المفتتحة عنوة ، والمعادن التي في بطون الأودية مما هي له ، والأرضون الموات التي لا أرباب لها ، وصوافي الملوك وقطائعهم التي كانت في أيديهم ، لا على وجه الغصب ، وميراث من لا وارث له ومن الغنائم قبل أن تقسّم ، الجارية الرائعة الحسناء ، والفرس الجواد ـ وقال بعض أصحابنا في كتاب له : الفرس الفاره ، وأهل اللغة يأبون هذا ، ويقولون : إنّ الفرس لا يقال له فاره ، بل يقال فرس جواد ، وحمار فاره ـ والثوب المرتفع ، وما أشبه ذلك ، من الدرع الحصينة ، والسيف القاطع ، مما لا نظير له ، من رقيق ، أو متاع ، ما لم يجحف بالغانمين.

وإذا قاتل قوم أهل حرب بغير أمر الإمام ، فغنموا ، كانت الغنيمة خاصّة للإمام ، دون غيره ، فجميع ما ذكرناه ، كان للنبي عليه‌ السلام خاصّة ، وهو لمن قام مقامه من الأئمة ، في كل عصر ، لأجل المقام لا وراثة ، فلا يجوز لأحد التصرّف في شي‌ء من ذلك ، إلا بإذنه ، فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير اذنه ، كان غاصبا ، وما يحصل منه من الفوائد والنماء للإمام ، دون غيره.

ومتى تصرّف في شي‌ء منه بأمر الإمام وبإباحته ، أو بضمانه ، وقبالته ، كان عليه أن يؤدّي ما يصالحه الإمام عليه ، من نصف ، أو ثلث ، أو ما تقرر بينهما ، والباقي له ، وكل منهما تجب عليه الزكاة ، إذا بلغت حصته النصاب.

هذا إذا كان في حال ظهور الإمام ، وانبساط يده ، فأمّا في حال الغيبة وزمانها واستتاره عليه ‌السلام ، من أعدائه ، خوفا على نفسه ، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم ، مما يتعلق بالأخماس وغيرها ، مما لا بدّ لهم ، من المناكح ، والمتاجر ـ والمراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم عليهم‌ السلام ويتجر في ذلك ، ولا يتوهم متوهم ، أنّه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا ، لا يخرج منه الخمس ، فليحصّل ما قلناه ، فربما اشتبه ـ والمساكن ، فأمّا ما عدا الثلاثة الأشياء ، فلا يجوز التصرف فيه على حال.

وما يستحقونه من الأخماس ، في الكنوز ، والمعادن ، والأرباح ، والمكاسب ، والزراعات ، الفاضلة عن مئونة السنة ، وغير ذلك في حال الغيبة ، فقد اختلفت أقوال الشيعة الإمامية في ذلك ، وليس فيه نص معيّن ، فقال بعضهم : إنّه جار في حال الاستتار ، مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر والمساكن ، وهذا لا يجوز العمل عليه ، ولا يلتفت إليه ، ولا يعرج عليه ، لأنّه ضد الدليل ، ونقيض الاحتياط ، وأصول المذهب ، وتصرّف في مال الغير ، بغير اذن قاطع.

وقال قوم : إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا ، فإذا حضرته الوفاة ، وصى به إلى من يثق بديانته ، من إخوانه ، ليسلم إلى صاحب الأمر ، إذا ظهر ، ويوصى به ، كما وصّي إليه إلى أن يصل إلى صاحبه عليه ‌السلام وقال قوم : يجب دفنه ، لأنّ الأرضين تخرج ما فيها ، عند قيام القائم ، مهدي الأنام عليه ‌السلام ، واعتمد في ذلك على خبر واحد.

قال محمّد بن إدريس رحمه ‌الله : والأولى عندي الوصية به ، والوديعة ، ولا يجوز دفنه ، لأنّه لا دليل عليه.

وقال قوم : يجب أن يقسّم الخمس ، ستة أقسام ، فثلاثة أقسام للإمام ، يدفن أو يودع من يوثق بأمانته ، والثلاثة الأقسام الأخر ، تفرّق على مستحقيها ، من أيتام بني هاشم ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، لأنّهم المستحقون لها ، وهم ظاهرون ، وعلى هذا يجب أن يكون العمل والاعتماد والفتيا ، لأنّ مستحقها ظاهر ، وانّما المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر ، فهو مثل الزكاة ، في أنّه يجوز تفرقتها ، وإن كان الذي يجبي الصدقات ويتولّاها ليس بظاهر ، فأمّا القول الأول فلا يجوز العمل به على حال.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌ الله : هذا الذي اخترناه ، وحقّقناه ، وأفتينا به ، هو الذي يقتضيه الدين ، وأصول المذهب ، وأدلة العقول ، وأدلة الفقه ، وأدلة الاحتياط ، وإليه يذهب ويعوّل عليه ، جميع محققي أصحابنا المصنّفين ، المحصّلين ، الباحثين ، عن مأخذ الشريعة ، وجهابذة الأدلة ، ونقّاد الآثار ، فانّ جميعهم يذكرون في باب الأنفال هذه المقالة ، ويعتمدون على القول الأخير الذي ارتضيناه ، بغير خلاف بينهم ، ويقولون ما حكيناه. ويذكرون ما شرحناه ، ويصرّحون بأنّه ليس فيه نص معيّن ، فلو كان الخبران الضعيفان صحيحين ، ما كانوا يقولون ليس فيه نص معيّن.

وشيخنا المفيد ، يقول : وإنّما اختلفوا في ذلك ، لعدم ما يلجأ إليه من صريح المقال ، وما سطرناه واخترناه ، مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌ الله واختياره في مبسوطة (1) ، وهذا الكتاب ، اللهم آخر ما صنّفه في الفقه ، فإنّه بعد النهاية ، والتهذيب ، والاستبصار ، والجمل والعقود ، ومسائل الخلاف ، وإن كان في جميع كتبه هذا اختياره ، وفتواه ، واعتقاده ، مع اختلاف عباراته في كتبه ، وتصنيفاته ، وإن كان المعنى واحدا ، وقد أفتى فتيا صريحة ، في جواب المسائل الحائريات ، فقال له السائل : وعن رجل وجد كنزا ، لم يجد من يستحق الخمس منه ، ولا من يحمله إليه ، ما يصنع به؟ فقال : الجواب ، الخمس نصفه لصاحب الزمان ، يدفنه أو يودعه عند من يثق به ، ويأمره بأن يوصي بذلك إلى أن يصل إلى مستحقه ، والنصف الآخر يقسمه في يتامى آل الرسول ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، فإنّهم موجودون ، وإن خاف من ذلك ، أودع الخمس كلّه ، أو دفنه هذا أخر فتياه رحمه ‌الله ، فلو كان يرى أنّ حقّ صاحب الزمان ، يجوز صرفه إلى بني هاشم ، في حال الغيبة ، لما أفتى بما ذكرناه عنه.

والسيد المرتضى رضي ‌الله‌ عنه أفتى في المسائل الموصليات الثانية الفقهية ، وهي المسألة الثلاثون فقال : والخمس ستة أسهم ، ثلاثة منها للإمام القائم بخلافة الرسول ، وهي سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم الإمام ، والثلاثة الباقية ، ليتامى آل الرسول ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، خاصة ، دون الخلق أجمعين.

وتحقيق هذه المسألة ، انّ إخراج الخمس واجب ، في جميع الغنائم ، والمكاسب ، وكل ما استفيد بالحرب وما استخرج أيضا من المعادن ، والغوص ، والكنوز ، وما فضل من أرباح التجارات ، والزراعات ، والصناعات ، عن المئونة والكفاية ، وقسمة هذا الخمس ، وتمييز أهله ، هو أن يقسّم على ستّة سهام ، ثلاثة منها للإمام القائم مقام الرسول عليهما‌ السلام وهي سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذي القربى ، لأنّ إضافة الله تعالى ذلك إلى نفسه ، هي في المعنى للرسول عليه ‌السلام ، إنّما أضافها إلى ـ نفسه ، تفخيما لشأن الرسول ، وتعظيما ، كإضافة طاعة الرسول عليه‌ السلام إليه تعالى ، وكما أضاف رضاه عليه‌ السلام وأذاه إليه ، جلّت عظمته.

والسهم الثاني المذكور المضاف إلى الرسول عليه‌ السلام ، له بصريح الكلام ، وهذان السهمان معا للرسول عليه‌ السلام في حياته ، ولخليفته القائم مقامه بعده.

فأمّا المضاف إلى ذي القربى ، فإنّما عنى به ولي الأمر من بعده ، لأنّه القريب إليه ، الخصيص به.

والثلاثة أسهم الباقية ، ليتامى آل محمّد عليهم‌ السلام ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، وهم بنو هاشم خاصة ، دون غيرهم.

وإذا غنم المسلمون شيئا من دار الكفر ، بالسيف ، قسمه الإمام على خمسة أسهم ، فجعل أربعة منها بين من قاتل عليه ، وجعل السهم الخامس على ستة أسهم ، وهي التي قدّمنا بيانها ، ثلاثة منها ، له عليه‌

السلام ، وثلاثة للثلاثة الأصناف من أهله ، من أيتامهم ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، والحجة في ذلك إجماع الفرقة المحقة عليه ، وعملهم به.

فإن قيل : هذا تخصيص لعموم الكتاب ، لأنّ الله تعالى يقول ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (2) فأطلق ، وعمّ ، وأنتم جعلتم المراد بذي القربى واحدا ، ثمّ قال ( وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) وهذا عموم ، فكيف خصّصتموه ببني هاشم خاصّة؟.

فالجواب عن ذلك ، أنّ العموم قد يخصّ بالدليل القاطع ، وإذا كانت الفرقة المحقة ، قد أجمعت على الحكم الذي ذكرناه خصّصنا بإجماعهم ، الذي هو غير محتمل الظاهر المحتمل ، على أنّه لا خلاف بين الأمّة ، في تخصيص هذه الظواهر ، لأنّ إطلاق قوله تعالى : « ذي القربى » يقتضي عمومه ، قرابة النبي عليه‌ السلام ، وغيره ، فإذا خصّ به قرابة النبيّ عليه‌ السلام ، فقد عدل عن الظاهر ، وكذلك إطلاق لفظة اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل تقتضي دخول من كان بهذه الصفة ، من مسلم ، وذمي ، وغني ، وفقير ، ولا خلاف في أنّ عموم ذلك ، غير مراد ، وأنّه مخصوص على كل حال (3) هذا آخر كلام السيد المرتضى لا زيادة فيه ولا نقصان.

قال محمّد بن إدريس : فهل ترى أرشدك الله ، خللا في كلام السيد ، أو أنّه أعطى مال ابن الحسن لغيره ، أو تمّم لشركائه عليه‌ السلام من سهمه ، إذا نقص سهمهم عن كفايتهم ، بل قسّمه على ما قسمه الله سبحانه ، وأعطى كل ذي حقّ حقّه ، ولم يلتفت إلى خبر شاذ ، وقول سخيف ، ومذهب ضعيف ، وإلى هذا القول ذهب رحمه‌ الله في كتابه كتاب الانتصار (4).

وأمّا شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه‌ الله ، فقد قال في مقنعته : وقد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك ، عند الغيبة ، وذهب كل فريق منهم إلى مقال ، فمنهم من يسقط فرض إخراجه لغيبة الإمام ، وما تقدّم من الرخص فيه ، من الاخبار ، وبعضهم يوجب كنزه ، ويتأوّل خبرا (5) ورد أنّ الأرض تظهر كنوزها ، عند ظهور القائم ، مهدي الأنام عليه‌ السلام ، وأنّه عليه‌ السلام إذا قام ، دلّه الله سبحانه على الكنوز ، فيأخذها من كل مكان ، وبعضهم يرى صلة الذرية به ، وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب ، ولست أدفع قرب هذا القول من الصواب ، وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر عليه‌ السلام ، فإن خشي إدراك المنية قبل ظهوره ، وصّى به إلى من يثق به ، في عقله وديانته ، ليسلمه إلى الإمام عليه‌ السلام ، إن أدرك قيامه ، وإلا وصّى به إلى من يقوم مقامه ، في الثقة والديانة ، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه‌ السلام. وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأنّ الخمس حقّ واجب ، لغائب لم يرسم قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إليه ، فوجب حفظه عليه ، إلى وقت إيابه ، أو التمكن من إيصاله إليه ، أو وجود من انتقل بالحق إليه ، وجرى أيضا مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند عدمه سقوطها ، ولا يحل التصرف فيها ، على حسب التصرف في الأملاك ، ويجب حفظها بالنفس ، والوصيّة بها إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها ، من أهل الزكاة من الأصناف ، وإن ذهب ذاهب إلى صنع ما وصفناه ، في شطر الخمس الذي هو حق خالص للإمام عليه ‌السلام ، وجعل الشطر الآخر في يتامى آل الرسول عليهم‌ السلام ، وأبناء سبيلهم ، ومساكينهم ، على ما جاء في القرآن ، لم تبعد إصابته الحقّ في ذلك ، بل كان على صواب ، وانّما اختلف أصحابنا في هذا الباب ، لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ ، وانّما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة ، مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر ، من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك ، إلا بإذن المالك ، وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق (6) هذا آخر قول شيخنا المفيد رحمه‌ الله في مقنعته.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌ الله : وهذا الشيخ المفيد جليل القدر ، مقتدى بأقواله ، وفتاويه ، انتهت رئاسة الشيعة الإمامية في عصره وزمانه إليه ، على ما حكاه شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌ الله عنه ، وهو صاحب النظر الثاقب ، والمناظرات في الإمامة ، والمقالات المستخرجة التي لم تسبق إليها ، فانظر أرشدك الله تعالى إلى قوله : (وانّما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه فيه من صريح الألفاظ) فلو كان فيه نص صريح ، وأخبار متواترة ، ما جاز له أن يقول ذلك. ثم قال : (وإنّما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة ، ثم قال : مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر من لزوم الأصول ، في حظر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك) مقصوده ، أنّ الله تعالى لا يكلّفنا شيئا إلا وينصب عليه الأدلة ، وإلا يكون تكليفا لما لا يطاق ، وتعالى الله عن ذلك ، فلما عدمت النصوص ، والخطاب من جهة الشارع ، كان لنا أدلة العقول منارا وعلما ، على المسألة ، نهتدي بها إليها ، على ما مضى شرحه في باب قسمة الغنائم والأخماس ، فقد أشبعنا القول في ذلك ، وحققناه وقلنا : إذا عدم أدلة الكتاب ، والأخبار المتواترة ، والإجماع في المسألة الشرعية ، كان فرضنا وتكليفنا فيها ، العمل بما يقتضيه العقل ، لأنّها تكون مبقاة عليه بغير خلاف من محصّل ، ولو اقتصر في المسألة على دليل الاحتياط ، لكفى ، فكيف والأدلة العقلية ، والسمعية قائمة عليها؟

ثم قال الشيخ المفيد ، في جواب المسائل التي سأله عنها محمّد بن محمّد بن الرملي وهي مشهورة : سؤال : وعن رجل وجد كنزا ، ثم لم يجد من يستحق الخمس منه ، ولا من يحمل إليه ، ما يصنع به ، وليس له في بلده الذي هو فيه ، أهل يدفع إليه ، ما يصنع به؟ جواب : يصرف نصف الخمس ، ليتامى آل محمّد عليهم ‌السلام ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، ويجوز النصف الآخر ، لولي الأمر عليه‌ السلام ، فإن أدركه ، سلّمه إليه ، وإن لم يدركه ، وصّى به له ، وجعله عند ثقة ، يوصله إليه ، فإن لم يجده الموصى إليه ، وصّى به إلى من جعله يقوم مقامه ، في ذلك ، وإذا لم يجد في بلده من يتامى آل محمد عليهم‌ السلام ، ومساكينهم ، وأبناء سبيلهم ، أحدا نفذه إلى بلد يكون فيه ، ليصل إليهم منه ، فانظر إلى فتوى هذا الشيخ رحمه‌ الله.

_________________

(1) المبسوط : كتاب الزكاة ، في ذكر الأنفال وما يستحقها ، ص 264 .

(2) الأنفال : 41 .

(3) المجموعة الاولى من رسائل الشريف ، ص 8 ـ 226. راجعها.
(4)
الانتصار : كتاب الزكاة ، في بيان أواخر مسائل الكتاب.

(5) الإرشاد للمفيد رحمه‌ الله فصل في سيرته عليه‌ السلام عند قيامه.

(6) المقنعة : كتاب الخمس ، باب الزيادات في باب الأنفال ص 287.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.