لا يمكن فهم تطور علم المناخ المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية إلا من خلال فروعه العديدة. فقد ظهرت على الساحة العلمية كتابات مناخية يمكن تصنيفها ضمن مسارات محددة في فروع المناخ المختلفة وطرق معالجتها والمقاييس التي تدرس بها .

يتضح من الشكل أن المناخ بفروعه المختلفة يتراوح بين الشكلي والتحليل البسيط للمعلومات إلى التطبيقي ومحاولة الاستفادة من نتائج الدراسات إلى تحليل الظواهر المعقدة في المناخ. وان طرائق معالجة المعلومات يتراوح بين الوصفي التقليدي إلى التحليل الشمولي الذي يعتمد الخرائط الطقسية أساسا للعمل إلى استخدام الإحصاء والرياضيات في الكشف عن العلاقات بين العناصر والظواهر أو إيجاد قانون عام لها . ويُدرس المناخ ضمن ثلاثة مقاييس الأول تفصيلي، حيث يبحث عن التفاصيل الدقيقة ضمن منطقة صغيرة كأن تكون حقلاً أو مدينة أو غابة . والثاني متوسط، حيث يمكن أن يدرس إقليماً جغرافياً أو منطقة محددة تصل حدودها إلى قارة. والثالث عام، ويشمل الكرة الأرضية أو جزءاً كبيراً منها وكل الغلاف الغازي أو معظمه.

إن السبب في هذا التشعب في الدراسات المناخية يعود إلى أنه يمكن طرح أسئلة مختلفة عن الظاهرة الواحدة، وبذلك نحتاج إلى أساليب متعددة للإجابة عنها . فإذا أخذنا مثلا مناخ العراق، فيمكن طرح أسئلة مختلفة عنه. حيث يمكن طرح الأسئلة الآتية: ما هي مميزات المناخ في العراق؟ ما هي مسببات هذا المناخ ؟ هل مناخ العراق متغير؟ هل هناك اختلافات واضحة في المناخ بين مناطق العراق؟ كيف يمكن للمناخ أن يؤثر في الإنتاج الزراعي؟ هل يتطلب أنشاء المباني والمشاريع ضمن مناخ العراق تدابير خاصة ؟ هذه أمثلة عن العديد من الأسئلة التي يمكن أن تطرح . لذلك فهناك فروعاً مختلفة من المناخ هي المسئولة عن الإجابة على هذه الأسئلة. وبذلك أصبحت الحاجة ملحة إلى تعدد فروع المناخ وهذا استعراض لفروع المناخ الرئيسية وأساليب بحثها والمقاييس التي تبحث بها:

1. المناخ التشكيلي Climatography : يهتم بتحضير المعلومات الأساسية عن المناخ من أرقام وأشكال بيانية وخرائط توزيع من اجل تهيئة المعلومات الأساسية لوصف المناخ. فيمكن استخدام هذه المعلومات لوصف مناخ إقليم Regional Climatology أو دولة أو منطقة معينة.

كما يمكن استخدامه للتصنيف المناخي Climatic Classification.  ويمكن استخدام معلوماته الأساسية لأي فرع من فروع المناخ الأخرى. فهو يهتم بوصف المعلومات أكثر من إعطاء سبب لها . فخرائط توزيع الحرارة والضغط والأمطار والأشكال البيانية لتوزيع عنصر مناخي زمانياً هي أمثلة عن المناخ التشكيلي.

2. المناخ الطبيعي Physical Climatology يدرس فيزياء الغلاف الغازي مثل تبادل الطاقة والمكونات الفيزيائية للعناصر واستحداث معلومات رقمية من عناصر المناخ للمساعدة في دراسته فأسباب الاختلاف الزماني والمكاني للعناصر المناخية هـي مـن صــلـب المنـاخ الطبيعي.

3. المناخ الحركي Dynamic Climatology ويدرس قانون الحركة ضمن الغلاف الغازي وتبادل الطاقة الذي يسبب . هذه الحركة. فهو يدرس مراكز الضغط الجوي المختلفة وتوزيعها والجبهات الهوائية وحركة الهواء ومسبباتها. وتشمل الدراسة الجزء الأكبر من الأرض والغلاف الغازي ويعتبر المناخ الشمولي Synoptic Climatology احد فروعه الأساسية.

4. المناخ التطبيقي Applied Climatology : وهو الاستخدام العملي للمعلومات المناخية ومحاولة تطبيقها على مشاكل معينة ضمن موضوع معين مثل الزراعة والغابات والسياحة والصناعة والبناء وراحة الإنسان وغيرها . أي أنه محاولة إيجاد العلاقة بين المناخ وجوانب الحياة المختلفة أو المظاهر الطبيعية مثل أشكال سطح الأرض والتربة والنبات الطبيعي.

5. مناخ الماضي Paleo Climatology : هو فرع جديد من فروع المناخ يبحث في نوع المناخ الذي كان سائدا على الكرة الأرضية منذ وجودها ولحد ظهور التسجيلات المناخية. ويعتمد وسائل مختلفة عن الفروع الأخرى للمناخ. فهذا الفرع من المناخ يبحث عن دلائل لها صفة مناخية مثل بقايا النباتات القديمة المتحجرة أو أشكال سطح الأرض أو التربة أو اختلاف مستويات سطح البحر وغيرها من الوسائل التي ترشدنا إلى نوع المناخ الذي كان سائداً في الماضي.

ولابد من الإشارة إلى أن كل فرع من فروع المناخ السابقة تتضمن فروعاً ثانوية أخرى تبعا لطريقة البحث أو للمقياس المتبع في البحث. فالمناخ وكما هو واضح له طرق بحث متعددة وهي:

1. طريقة البحث الوصفية Descriptive : وهي من أقدم الطرق المستخدمة في المناخ، وهي عبارة عن عملية تحويل الأرقام إلى وصف عام للمناخ فيه الكثير من الإجمال والتعميم.

2. طريقة البحث الرياضية Mathematical وهي من الطرق الحديثة : التي تعمل على استخدام المعطيات الرقمية للظاهرة للخروج بقانون عام يحكم الظاهرة أو ظهورها .

3. طريقة البحث الإحصائية Statistical وهي من الطرق الحديثة كذلك والتي تبحث عن العلاقات الداخلية بين العناصر والعلاقات الخارجية بين العناصر والظواهر المختلفة وهي تحاول إعطاء تفسير لحدوث الظاهرة من خلال علاقاتها.

4. طريقة البحث الشمولية Synoptic وهي الطريقة التي تستخدم المعطيات الطقسية وخاصة توزيع الضغط الجوي والمظاهر الجوية لتفسير سلوك ظاهرة جوية أو عنصر مناخي. وتعمل على ربط هذه الظواهر أو العناصر بما يحدث في طبقات الجو العليا . وهي من اعقد طرق البحث لان متطلباتها كثيرة.

أن جميع هذه الفروع وطرائقها المختلفة يمكن أن تدرس على مقاييس مختلفة. ولكن يجب الانتباه إلى أن بعض الفروع لا يمكن دراستها ضمن مقياس معين. فالمقياس التفصيلي Micro يهتم بالدراسة التفصيلية لمنطقة صغيرة جداً أو صغيرة ولا تتجاوز حدود مدينة أو غابة. وهذا النوع من الدراسات مطلوب في الدراسات التطبيقية. فبناء منزل أو رطوبة التربة أو معرفة مدى نجاح الإنتاج الزراعي أو الاستعانة بالمناخ لخدمة النشاط الصناعي وغيرها من المجالات التطبيقية تتطلب هذا النوع من المقاييس في البحث. أما بقية فروع المناخ فمن الصعب دراستها على هذا المقياس. أما المقياس المتوسط الحجم Meso، فهو الذي يهتم بمنطقة تتراوح مساحتها بين عدة كيلومترات إلى إقليم مناخي. وعلى العموم تكون التفاصيل فيه اقل، لذلك يحل التعميم مكان التفصيل. يمكن استخدام هذا المقياس للدراسات الحركية والطبيعية والوصفية، كما يمكن استخدامه في المناخ التطبيقي. أما المقياس الكبير Macro فيشمل الكرة الأرضية أو الغلاف الغازي أو اقل منهما بقليل أو هما معا. يستخدم هذا المقياس ضمن الدراسات الحركية الشمولية والطبيعية. وقبل اختتام هذا المبحث لابد من الإشارة إلى أن فترة السبعينيات ولحد ألان تشهد تنامي المحاولات الجادة لإيجاد نماذج مناخية Climatic Model تحاكي المناخ السائد على مستوى منطقة أو على مستوى العالم. أن التقدم الهائل في سرعة الحاسوب وما قدمته الأقمار الصناعية من معلومات شجع الباحثين على الاستمرار بمحاولات بناء نماذج في الحاسبات تحاكي بعض أو كل مناخ منطقة معينة أو العالم. وبالرغم من أن العمل في هذه النماذج يتطلب جهداً ومالاً كثيرين، فان النتائج التي تم الحصول عليها من هذه النماذج ولحد ألان تعتبر مشجعة، وأضافت إلى المعرفة المناخية الكثير. فعلى مستوى المنظومات الصغيرة، ساهمت هذه النماذج في حل عدد من الألغاز التي كانت تحيط بالمنخفضات الجوية والكتل الهوائية والأعاصير المدارية. وعلى مستوى العالم فقد استطاعت بعض هذه النماذج من تأشير العلاقة المتبادلة بين بعض الظواهر المناخية وفي مناطق متفرقة أو متباعدة.

أن الكثير من التركيز في الوقت الحاضر ينصب على اكتشاف العلاقة المعقدة بين اليابس والماء، بالإضافة إلى تأثير ما يعرف بغازات البيوت الزجاجية Green House Gases على الغلاف الغازي، ومحاولة اكتشاف مناخ الماضي لعدد من المناطق. حيث أن هناك إحساس قوي لدى الباحثين بان هذا الاتجاه سيساعد على تقدم وتطور التنبؤ بالمناخ.