أقرأ أيضاً
التاريخ: 2025-02-10
![]()
التاريخ: 2024-05-23
![]()
التاريخ: 2024-02-22
![]()
التاريخ: 2024-06-11
![]() |
لم تكن الهزيمة التي لحقت باللوبيين في العام الخامس على يد «رعمسيس الثالث» في آخر حرب نشبت بين «لوبيا» و«مصر»، بل جاءت على أعقابها حرب أخرى في السنة الحادية عشرة من عهد هذا الفرعون، ولم يكن الموقد لنارها هذه المرة هم اللوبيون وحدهم بل كان العامل الأكبر في إشعالها قوم «المشوش» الذين نزحوا من شمال أفريقيا يطلبون العيش الناعم في أرض مصر التي عرفوا خيراتها منذ زمن طويل يرجع إلى عهد «رعمسيس الثاني «.
وتدل شواهد الأحوال على أن أمير المشوش المسمى «مشاشار» بن «كبر» قد أفلح في عقد حلف مع بعض قبائل من اللوبيين لم يذكر اسمها في المتون وقام بغارة جبارة على الأراضي المصرية، فانقضوا أولًا على أهالي «تحنو» وهم أهالي لوبيا الأصليون القاطنون في صحراء غربي الدلتا مباشرة، وبعد إخضاعهم تمامًا قاموا بحملتهم على الديار المصرية، ولذلك يقول المتن المصري:
وكان رئيس المشوش سابقًا قد أتى مهاجرًا ومعه أهله، وانقضوا على بلاد «تحنو» الذين أصبحوا رمادًا، فقد خربت مدنهم وأصبحت قفرًا، ولم يعد لبذرتهم وجود.
والمقصود «بالتحنو» هنا كما يقول «هولشر «هم اللوبيون كما جاء في السطر السادس والأربعين من المتن الكبير:
لقد تسبب اللوبيون في ارتباكنا وارتباكهم؛ لأننا أصغينا إلى نصيحتهم.
وبذلك نسبوا الهزيمة التي حاقت بهم في حروبهم مع مصر إلى هؤلاء القوم من اللوبيين. وقد كان غرضهم الأول هو أن يتخذوا البلاد المصرية وطنًا لهم.
والواقع أن «المشوش» وأنصارهم قد أخذوا يزحفون على البلاد المصرية حتى ضواحي «منف»، وتدل الغنائم التي حصل عليها «رعمسيس الثالث» على أن هؤلاء لم يكونوا من الأقوام الهمج، بل كانوا مسلحين بأحسن الأسلحة ومجهزين بأمتن العدد، فقد كانت سيوفهم عظيمة يبلغ طول الواحد منها أربع أذرع وثلاث أذرع، وكانوا كذلك مسلحين بالأقواس والعربات والكنانات والخيل والحمير لحمل الأثقال، ولذلك نجد أن «رعمسيس الثالث» أخذ يستعد لمنازلتهم، فنشاهده في أحد المناظر يتأهب للمسير مع جنوده من المصريين والأجانب عند سماع بوق إعلان الحرب. ثم سار بجيشه لمقابلة العدو في موقعة دارت رحاها في اليوم … عشر من الشهر الرابع من فصل الحصاد «مري» في المكان الواقع بين الحصن المسمى «حوت شعت» (جبل الرمل) والبلدة المسماة «رعمسيس الثالث»، وقد خلف لنا «رعمسيس الثالث» على جدران معبد مدينة «هابو» القصيدة التي دونها بعد هذه الحرب احتفالًا بالنصر الذي أحرزه على العدو، وقد دُونت بعد نشوب الموقعة بنحو ستة أشهر، وتؤرخ باليوم الثامن من الشهر الثاني من فصل الزرع — الثامن من أمشير.
والظاهر أنها أُرِّخت خطأ بالسنة الحادية عشرة، وبذلك يمكن اعتبارها قصيدة كُتبت بمناسبة الاحتفال بالنصر الذي أحرزه «رعمسيس «، وليس في استطاعتنا تحديد موقع المكانين اللذين حدثت فيهما — أو بينهما — الحرب على «المشوش» بصفة قاطعة الآن على الأقل.
وقد وصل إلينا وصف مكان هذه الموقعة في متنين صغيرين في النقوش التي على جدران المعبد، جاء في الأول:
المجزرة التي أجراها جلالته بين الأعداء الذين جاءوا من أرض «المشوش» إلى مصر مبتدئين ببلدة «رعمسيس الثالث» التي تقع على جبل «وب تا» (بداية الأرض) إلى قرية «حوت شعت» (قرية الرمل) موقعا مذبحة طولها ثمانية «إتر» (نحو عشرة أميال).
وجاء في المتن الثاني:
المجزرة التي أجراها جلالته بين الأعداء من بلاد «المشوش» الذين هاجموا مصر من قرية «حوت شعت» حتى مدينة «وسرماعت مري آمون» التي تقع على جبل «وب تا» موقعا مذبحة طولها ثمانية «إتر» (نحو عشرة أميال).
وأول ما يُلاحظ في هذين المتنين أنه استعمل في اسم المدينة المسماة باسمه، اسمه في الأولى ولقبه في الثانية. على أنه لا يوجد في التسامح والحرية التي استُعملت في هذه التسمية ما يدعونا إلى توحيد هذه المدينة المزدوجة الاسم بالمدينة المسماة «بروسرماعت رع مري آمون» التي جاء ذكرها في «ورقة هاريس «، ويُحتمل أن في تغيير الاسم في هذين المتنين ما يدعو إلى الظن بأن الموقعة لم تقع في أحد البلدين، بل وقعت في البقعة التي بينهما. ولم تحدثنا المتون بشيء عن اقتفاء أثر العدو من أحد الحصنين إلى الآخر. والمحتمل جدًّا (1) أن المصريين قد حصروا الغزاة بين هذين البلدين وأصلوهم بسهامهم وابلًا من المقذوفات كلما أرادوا الارتداد من حصنٍ إلى آخر. هذا فضلًا عن قتال الجيش للعدو في البقعة التي تقع بين هذين المكانين، ولا بد أن العدو في نهاية الأمر قد اضطر إلى التسليم. ونرى في الصور التي تركها لنا «رعمسيس الثالث» اقتفاءه أثر العدو في عربته يساعده في هجومه المشاة والخيالة، كما نشاهد الجنود المصريين في الحصنين السالفي الذكر يرسلون وابلًا من السهام على «المشوش». وقد حدد «جاردنر» موقعهما في غربي الدلتا. وقد اشترك «رعمسيس الثالث» في هذه الموقعة على الرغم من أن ابنه كان هو القائد الأعلى للجيش، إذ نشاهده يسوق الأسرى بنفسه، كما نراه ينزل من عربته، ويكبل لوبيين ويجرهما خلفه، وفي نهاية الموقعة يستعرض «رعمسيس» صفوف الأسرى ويخاطب الرئيس الأعلى للجيش ويحدثه عن رأيه في الأعداء المقهورين، كما نشاهده في منظر آخر يستعرض الأسرى والغنائم، معًا يقدمهم له ولي العهد والوزيران. ويُلاحَظ أن القواد المصريين قد أجبروا الأسرى على حمل الغنائم وتقديمها.
وقد كان عدد القتلى نحو 2175، وكانوا يُحصون إما بعدد الأيدي المقطوعة أو بعدد أعضاء الإكثار المبتورة، كما كانت العادة في الحروب المصرية. أما عدد الأسرى فقد بلغ 2052 نفسًا من بينهم رئيس «المشوش» نفسه «مشاشار»، ومن بينهم النساء والعذارى والأطفال أيضًا. أما الغنائم فكانت كثيرة، وتشمل أسلحة وعربات كما ذُكر ذلك من قبل.
أما الماشية فكان عددها عظيمًا جدًّا بلغ 4272 رأسًا، وتشمل ثيرانًا، وأبقارًا من مختلف الأنواع والأعمار، وماعزًا وغنمًا. وقد أهدى الفرعون الجزء الأعظم منها للإله «آمون» الذي آزره في ساحة القتال، وقد بلغ ما قدمه له من الحيوان حوالي الثلثين مما يدل على عظم شأن «آمون» وكهنته.
وبعد هذا النصر المبين في ساحة القتال نشاهد الفرعون «رعمسيس الثالث» عائدًا من ساحة المعركة يسوق صفوف الأسرى، وقد استقبله الكهنة يحملون طاقات الأزهار، ويحيون الفرعون بآيات المديح والثناء على ذلك الانتصار الباهر، وبعد ذلك نشاهد الفرعون يقدم الأسرى للإلهين «آمون» و«موت» ليكونوا عبيدًا لهما في معبديهما وضياعهما.
ومما تجدر ملاحظته هنا أن المتون المصرية يُفهم مما جاء فيها من تعداد الأسرى والأطفال والنساء والماشية والحيوانات المنزلية، أن أهل المشوش كانوا يقصدون بغزوتهم هذه هجرة شاملة لسكنى مصر.
ولم يَحِنْ الوقت بعد لأن نحدد القوى الاقتصادية وغيرها، التي كانت تنطوي عليها غزوة «المشوش» لبلاد مصر، غير أنه من المؤكد أنها كانت ذات علاقة بعدم الاستقرار في كل أنحاء البلاد الواقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط في هذا الوقت، وبخاصة موجات الغزو التي كان أقوام البحر يقومون بها من جهة، وتحطيم دولة «خيتا» وحصار «طروادة» ومحاولة اللوبيين فيما سبق استيطان مصر من جهة أخرى.
وخلاصة القول أن نتيجة هذه الهجمة العنيفة التي قام بها «كبر» وابنه «مشاشار» الهزيمة الساحقة، وقد أتى «كبر» يرجو الفرعون العفو عن ابنه، وكان الجواب على هذا الرجاء القبض عليه، ثم قتله هو بسيف الفرعون وأسر جيشه. وهكذا كانت نهاية هذه الحرب الضروس في صالح المصريين لوقت ما؛ إذ سنرى بعد أن هؤلاء «المشوش» أنفسهم وسيعودون كرة أخرى لفتح مصر وتكوين دولة فيها.
......................................
1- راجع ما كتبه «شادل» في هذا الموضوع ( Schaedel, Die Listen des Grossen Papyrus Harris pp. 17–20).
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|