أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-2-2016
![]()
التاريخ: 26-4-2017
![]()
التاريخ: 12-2-2016
![]()
التاريخ: 30-4-2017
![]() |
بدءاً أشارت معظم دساتير العراق إلى مبدأ المساواة بين المواطنين دون تمييز بينهم ، وان حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة أو أشارت إلى ضمان الحقوق المدنية والسياسية . ففي القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 أشار ذلك القانون الى ان " لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون وان اختلفوا في القومية والدين واللغة "(1). وان " للعراقيين حرية إبداء الرأي والنشر والاجتماع …… "(2). وان " الإسلام دين الدولة …… وتضمن لجميع سكان البلاد حرية الاعتقاد وحرية القيام بشعائر العبادة وفقاً لعاداتهم ما لم تكن مخلة بالأمن والنظام وما لم تكن تنافي الآداب العامة "(3). وجاء فيه أيضاً " ان العراقيين متساوون بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية …… لا تمييز بينهم …… واليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة …… ولا يولى الأجانب هذه الوظائف …… "(4). وفي دستور 1958 فقد أشار إلى ان " المواطنين سواسية أمام القانونُ …… ولا يجوز التمييز بينهم بسبب …… أو العقيدة "(5). وان حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون(6). وفي دستور 29 نيسان 1964 المؤقت الذي جاء فيه ان " العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بينهم …… أو أي سبب آخر …… "(7). وان " حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة لكل إنسان حق التعبير عن رأيه …… "(8). وفي دستور 1968 فقد جاء فيه ان " العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات …… ولا تمييز بينهم …… "(9). وان " حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة …… "(10)، وان الدولة " تضمن تكافؤ الفرص لجميع العراقيين "(11). وفي دستور1970 أشار إلى ان " المواطنين سواسية أمام القانون دون تفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين " ، وان " تكافؤ الفرص لجميع المواطنين مضمون في حدود القانون "(12). وان الدستور يكفل " حرية الرأي …… وتأسيس الأحزاب السياسية …… "(13). ، وان الدولة " تكفل حرية البحث العلمي …… "(14). ثم صدر قانون إدارة الدولة المؤقت للعراق بدل دستور 1970 الذي عطلته السلطة السياسية على راس الدولة بعد الغزو الامريكي اذ جاء فيه ان " للعراقي الحق بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وممارسـة شعائـرها ويحرم الإكراه بشأنها ". وكذلك للعراقي الحق في حرية التنظيم في جمعيات واحزاب ويكون ذلك مصوناً(15). هذه النصوص الدستورية والقانونية أشارت جميعها إلى تأكيد أهمية المساواة بين العراقيين في التمتع بالحقوق والواجبات … وتأكيد أهمية حرية الرأي وحرية البحث العلمي .
وفي التنظيم التشريعي الخاص بالموظفين العموميين ، فلم يشر قانون الخدمة المدنية العراقي المرقم 24 لسنة 1960 ضمن شروط الالتحاق بالوظيفة العامة ما يشير إلى منع اعتناق رأي سياسي أو مذهب معين أو ضرورة اعتناق رأي سياسي معين ، وبالتالي فان مساواة المواطنين العراقيين في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية تعطي الحق لمرشحي الوظائف العامة أو الموظفين في الجهاز الإداري في اعتناق الرأي السياسي الذي يؤمن به وهذا من الناحية الدستورية والتشريعية ، ففي العهد الملكي الذي استمر إلى سنة 1958 كانت هناك حياة سياسية خصبة متمثلة بالتعددية الحزبية ، وان لم تكن ذات فاعلية . وفي العهود الجمهورية واستحواذ حزب سياسي على مقاليد السلطة تم تسييس الجهاز الإداري واصبح العراق من الدول ذات الحزب الواحد (القائد) سابقاً يومئ بضرورة اعتناق الفكر السياسي والأيديولوجية ضمن خطة تَحَزّبْ موظفي الدولة . وتحصين الوظيفة العامة باعتبارها مشاركة في إدارة السلطة. وما شهده الجهاز الإداري في صدر 1968 من تطهير للجهاز الحكومي انصب على موظفي الجهاز الإداري معتنقي الآراء والأفكار السياسية المخالفة للفكر السياسي للحزب الحاكم (حزب البعث العربي الاشتراكي) إبان تلك الفترة الزمنية التي مرت على العراق حيث تم فصل العديد من الموظفين في الجهاز الإداري العراقي بغير الطريق التأديبي الذي نص عليه القانون من دون أي ضمانات مخالفاً لما جاء في الدستور وانتهاكاً لمبدأ المساواة بين المواطنين العراقيين دون تمييز بينهم بسبب …… أو الرأي السياسي ومنتهكين حرية الرأي والتعبير ، ومخالفين النصوص الدستورية التي تحتل الهرم القانوني للدولة وعدم اتباع التدرج القانوني . وفي الوقت الذي كنا نعد فيه هذه الأطروحة وحدوث التغييرات السياسية الكبيرة التي حصلت في العراق واحتلاله من قبل القوات الأمريكية فقد أصدرت سلطة ما يسمى بالائتلاف الدولي المؤقت قراراً يقضي باجتثاث واستبعاد الكوادر المتقدمة البعثية من دوائر الدولة وما أشبه ما يحصل اليوم بالأمس القريب من انتهاك لحرية الرأي والتعبير المنصوص عليهما في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية التي تؤكد على حرية الرأي والتعبير وضمان الحريات المدنية والسياسية والتي أدرجت في صلب الوثائق الدستورية للدول وموافقة الدول على هذا الاعلان والمواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بهذا الامر دون التطرق الى مدى شرعية ما اتخذته سلطة الاحتلال آنذاك فالحديث في هذا المجال يتعلق فقط بحرية الرأي والانضمام للاحزاب السياسية واعتناق الآراء السياسية ضمن المشروعية القانونية التي كان يتمتع بها هؤلاء الموظفون في الدولة .
فكانت الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة ضمن تسييس الإدارة دون معقب لاعمالها منتهكه الحقوق الدستورية والاتفاقيات والإعلانات الدولية التي أكدت حقوق وحرية المواطن في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومن ضمن هذه الحقوق والحريات حرية اعتناق الآراء السياسية للمواطنين وبما ان الموظفين هم أصلاً وقبل كل شيء مواطنو الدولة وان صفتهم الجديدة تفرض عليهم بعض القيود في احترام للوظيفة أثناء أداء عملهم فان حريتهم في اعتناق الآراء السياسية يجب ان لا تكون مخالفة للقانون والنظام العام والآداب وضمن العادات التي سرى عليها المجتمع العراقي . ومن دون ان تكون له مظاهر خارجية تهدد الوحدة الوطنية وسلامة البلد أو إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو الإقليمية أو القومية بين أبناء البلد الواحد .
فالاستبعاد لأسباب سياسية من الوظيفة العامة في العراق كان يتم بصورة نادرة ويتم عند تحول أو تغيير في السلطة الحاكمة . فكانت تتم العملية وكأنها آخذة بثأر من فكر نظام سياسي معين لمصلحة تيارات سياسية أخرى جديدة ولكننا نقول ان التعددية الحزبية في البلد تنشط الحياة السياسية في ذلك البلد . وممارسة الرقابة المباشرة وغير المباشرة في أنشطة أجهزة الدولة ولكن يستتبع في هذه العملية ضرورة تمتع الموظف العام أثناء أداء عمله بالحياد الوظيفي ضمن نطاق عملية ودون ان تكون للآراء التي يعتنقها أثر على مختلف المواطنين الذين يكونون محل احتكاك بالوظيفة العامة الحكومية . وبالتالي فان الاستبعاد للأسباب السياسية يكون غير مشروع إذا كان في بلد يتمتع بالتعددية الحزبية لان ذلك سيكون خرقاً لمبدأ دستوري هو المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة فالأفراد في الوقت الحاضر في مجتمع متقارب الأفكار انتشرت فيه الاتجاهات والآراء السياسية والأفكار الإصلاحية يساعد على ذلك تقدم وسائل الإعلام والاتصال مما جعل من الأفراد والشعوب كأنهم يعيشون في قرية صغيرة يتأثرون بالآراء والأفكار السياسية التي تجوب المجتمع العراقي فاصبح هناك ثمة ارتباط وثيق بين الإدارة والسياسة بحيث لا يمكن تحصين الإدارة من عدوى السياسة لان ترابط الهيئات يجعلها تؤثر في بعضها وتتأثر ببعضها البعض مما يصعب إبعاد رجل الإدارة عن السياسة.
في الولايات المتحدة الأمريكية
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من اكثر الدول التي عانت من تدخل السياسة في الحياة الإدارية فقد كان نظام الغنائم الحزبي هو السائد الذي يأتي بأنصار الحزب الفائز وتوليهم للوظائف دون ضابط أو كفاية أو جدارة(45)، وبقيام الثورة الأمريكية تحطم الاحتكار الوظيفي ووضع قادة الثورة بعض الضوابط لمنع ظهوره مرة أخرى . وحرصت بعض دساتير الولايات على النص صراحة على اتباع طريقة الانتخاب في الاختيار لشغل الوظائف العامة ، فعمل الرئيس جورج واشنطن على وضع شروط للتعيين في الوظائف العامة تقوم على الجدارة والإخلاص للولايات المتحدة دون النظر إلى الانتماء الحزبي مع تفضيل رجال الثورة إذا توافرت فيهم هذه الشروط . وقد سار الرئيس جون ادمز على نهج سياسة الغنائم حيث سمح للنفوذ الشخصي والسياسي ان يؤثر فيه في التعيينات وخاصة عند قرب انتهاء فترة رئاسته وتولي الحزب الجمهوري الرئاسة بعده ، فأراد ان يضمن لرجال حزبه السيطرة على وظائف القضاة فقام بتعيين بعض الاتحاديين في القضاء في نهاية ليل 3 مارس 1803 فيما عرف بتعيينات منتصف الليل وكانت هذه التعيينات موضوع نـزاع قضائي أمـام المحاكم العليـا عرفت باسم قضية ( مالبوري ضد ماديسون ) واستمر هذا الصراع على الوظيفة العامة متماشياً مع الصراع الحزبي واصبح من سمات الإدارة الأمريكية . واعتنق الأمريكيون نظام تأقيت الوظائف تحت تأثير فكرة الغنائم واخذ هذا مظهرا قانونياً في عهد الرئيس (جاكسون) عندما صدر قانون السنوات الأربع 1820 ، فاصبح من الجائز فصل كل موظف قضى في الخدمة أربع سنوات(46). ويبرر الأمريكيون نظام تأقيت الوظائف بأنه تتويج للديمقراطية التي يقدسونها ولا بد من الخضوع لاتجاهات الرأي العام وممثلي الشعب . وان تكون الوظيفة العامة سهلة مرنة وشديدة الاستجابة للإرادة الشعبية مما يجعلها تعتمد على نتائج الانتخابات ويعتبر استجابة لفكرة المساواة التي شغف بها الأمريكيون فليس لأي فرد في الدولة الحق في تولي الوظيفة العامة دون سواه(47). ولقد ترتب على هذه السياسة فساد الحياة الإدارية لإخلالها بمبدأ الحياد الوظيفي وتحولت الوظيفة العامة إلى خدمة أنصار الحزب الفائز . لذلك كان من أهم مظاهر الإصلاح الإداري هو فصل السياسة عن الإدارة ومحاولة تخليصها من نظام الاسلاب الذي افسد الحياة الإدارية . ويرجع البعض ذلك أيضاً إلى كراهية الأمريكيين أنفسهم لفكرة تأقيت الوظيفة العامة لتأثرهم بما جرى عليه في أوربا من احتكار طبقي وعائلي لوظائف الدولة . وهذا بدوره يرجع إلى الأوضاع الاجتماعية ونظم الحكم الاستبدادية التي كانت تسود أوربا وقتئذٍ(48). ثم صدر قانون بندلتون (Pendalton act) في عام 1883 كأول تشريع للخدمة المدنية ومنذ ذلك الوقت اصبح على الأمريكيين من الموظفين المدنيين الاشتغال بأوجه النشاط السياسي وان تتوافر فيهم المرونة التي تمكنهم من العمل بولاء وإخلاص للحكومة القائمة . ثم صدر قانون (Tlatct act ) عام 1939 الذي كان هدفه الحد من تأثير النشاط الضار بالعاملين في الجهاز الإداري وتورطهم في العمليات الانتخابية لمصلحة أحد المرشحين ولا يعني هذا الحرمان من حق التصويت ، فالموظف باعتباره مواطناً يتمتع بالأهلية السياسية ومباشرة حقه في الانتخابات والانضمام إلى الأحزاب السياسية(49) . فيحضر على الموظف العام في أمريكا بموجب قانون Tlatct act الترشيح لمنصب سياسي فيدرالي أو على مستوى الولاية . ويمنع عليه الدعاية الانتخابية لمصلحة أو صفة حزب سياسي معين أو العمل في حزب سياسي ، أو الخدمة كمندوب مفوض في المؤتمرات الحزبية وتوزيع التماسات لحساب أحد الأحزاب أو المساهمة في جمع التبرعات لحساب مرشحي الأحزاب. أما الأنشطة السياسية التي يجوز للموظف الأمريكي مباشرتها طبقاً لهذا القانون فهي : التسجيل والتصويت في أية انتخابات أياً كان نوعها والانضمام إلى حزب أو منظمة سياسية أو التبرع الشخصي لأحد مرشحي الأحزاب أو للحزب نفسه أو المساهمة في نشاطات غير حزبية أو التعبير عن الرأي في كل المسائل والموضوعات السياسية وفيما يتعلق بالمرشحين السياسيين أو حضور الاجتماعات السياسية والانضمام إلى الحركات السياسية ولكن دون الاشتراك في قيادتها(50). ولكن على الرغم من تحييد الوظيفة العامة إلا ان التعيين فيها يكون بترشيح سياسي لذلك فان وظائف التوجيه والوظائف الرئيسية يكون التعيين فيها من نصيب الحكومة تعين فيها من تشاء من المواطنين ممن تعتقد انهم اقدر على تنفيذ وتفهم سياستها ويوازي هذا الجزء عشر الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية(51). يتضح لنا مما سبق ذكره عند مقارنتنا لمدى حرية اعتناق الموظف العام للحريات والآراء والمعتقدات السياسية ومنها الانضمام إلى الأحزاب السياسية واعتناق وتبني آراء سياسية متمثلة بحرية الفكر والتعبير والرأي بكل الوسائل المتاحة فالمشاركة في الحياة السياسية سمة لديمقراطية نظام الحكم . وإذا كان من حق المواطن ممارسة هذه الحريات التي تخولها دساتير وقوانين الدول فمن الطبيعي القول ان من حق الموظف بصفته مواطناً ممارسة هذه الحريات ورود هذه الحريات في إعلانات ومواثيق واتفاقيات دولية ومصادقة الدول عليها يعتبر التزاماً على هذه الدول بتوفير هذه الحقوق وحرية ممارستها . ومن ثم استعارة هذه الحقوق والحريات من تلك المصادر التي ذكرناها وإدراجها وتدوينها في صلب الوثيقة الدستورية للبلد تصبح من الطبيعي حقاً للمواطن ممارسة هذه الحرية والموظف كما ذكرنا سابقاً هو مواطن قبل كل شيء . إذ من الطبيعي ان يكون له دور مؤكد وفعال في ممارسة هذه الحقوق والحريات السياسية فتنص معظم الدساتير ومنها العراقية على كفالة حرية الرأي والتعبير وتأسيس الأحزاب السياسية ضمن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون في التمتع بالحقوق والواجبات على قدم المساواة .ولكن الواقع العملي الفعلي الذي رأيناه نجد انه في بعض البلاد وفي بعض الأنظمة السياسية ان الاعتبارات السياسية تؤدي دوراً مهماً في عملية انتقاء موظفي الجهاز الإداري للدولة وهذا ما يجري في البلدان التي تحرم حزباً سياسياً معيناً لان منع حزب سياسي يعني بشكل طبيعي ان الذين ينتسبون إليه سراً يحظر عليهم العمل في أجهزة الدولة والإدارة العامة لها ، مثلما هو حاصل في بعض البلدان الغربية كما بينا سابقاً ، من حرمان معتنقي الفكر أو الحزب الشيوعي من التوظف أو العمل في أجهزة إدارتها . بينما نجد في بعض الأنظمة الاشتراكية بعد مرحلة الثورة في مرحلة البناء الاشتراكي على الأقل تحرم على أعضاء الطبقات البرجوازية القديمة التي كانت مسيطرة على مقدرات هذه البلاد من الوصول إلى الوظيفة العامة . وهناك دول منعت موظفيها من اعتناق الأفكار والآراء السياسية بحجة ضمان حسن سير المرافق الإدارية العامة على احسن وجه . كما نجد دولاً عملت على تسييس الإدارة وفرضت عملياً دون النص الصريح قانوناً على اعتناق الفكر السياسي للدولة ذات الحزب الواحد وألا يكون عرضة للمضايقة والمراقبة أو التأخير المتعمد في عملية التحري والبحث عن سيرته لدى الأجهزة الأمنية إذ تعتمد الإدارة على ما يرد من تقارير صادرة عن الأجهزة الأمنية المختصة وبالتالي تكون المتحكمة أصلاً في قبول أو رفض من يتقدم للوظيفة العامة وتعول الإدارة عليها بصورة كلية .ولكن نقول ان محاربة الأفكار السياسية التي لا تتفق تماماً مع النظام السياسي الذي تتبناه الدولة وبالتالي منع الأشخاص الذين يدافعون عن هذه الأفكار من العمل والتوظف يعتبر منهجاً خطيراً على السياسة العامة للوظيفة العامة . لذلك نقول انه يجب ان تكون الآراء السياسية واعتناقها حرة إلى الحد الذي لا يتعارض مع الدستور والنظام العام والآداب أو منافية لعادات وتقاليد المجتمع أو مهددة لسلامة وأمن البلد ولاسيما إذا كان من الممكن مراقبة ظهورها إلى حيز الواقع وقد يكون من الصعوبة التمييز ووضع الحدود الواضحة بين الآراء نفسها وبين وضعها موضع التنفيذ فان مراقبة القضاء قد تكون فعالة وضرورية حتى ولو كان يبدو هذا صعباً . لان تدخل القضاء يكون دائماً في وقت متأخر وقد كان المشرع الفرنسي موفقاً إلى درجة كبيرة في هذا الصدد في مجال اعتناق الموظف العام للآراء السياسية ولاحظنا كيف انه لا يوجد ما يدل على الفكر السياسي للموظف في إضبارته الشخصية والأحكام القضائية الشهيرة التي أوردها مجلس الدولة في هذا الشان ويضار أو يزعج أحداً بسبب الأفكار السياسية في أثناء ممارسته للعمل بشرط التحفظ وعدم التجريح بالدولة . والتزام الموظف العام بالحياد الوظيفي في أثناء ممارسته للعمل في الإدارة العامة بالدولة . أما التغيرات السياسية التي قد تحدث في الدولة نتيجة تغير النظام السياسي سواء كان نتيجة الانتخابات كما حصل في بريطانيا وأمريكا اللتين كانتا تتبعان (نظام الغنائم) أو نتيجة ثورة أو انقلاب وبالتالي تطهير أجهزة الدولة من معتنقي فكر سياسي كان سائداً . نقول ان هذا يعد خروجاً عن مبدأ دستوري وعالمي إلا وهو مبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة وخرقاً دستورياً لحرية الفكر والعقيدة التي يحملها الموظف والتي كفلت الدساتير وضمنت ممارستها بكل حرية . وهذه الخروقات تهدم بناء الدولة القانوني وبالتالي يكون عملها غير مشروع وكل تصرفاتها تكون باطلة يمكن ان يكون الاستبعاد نتيجة اعتناق الأفكار والآراء السياسية في الوظائف القيادية والسياسية العليا القيادية فهذه نستطيع ان نقول أنها تمثل السلطة السياسية للدولة ويجب ان يكون متقلدها موالياً للسلطة وبالتالي اعتناق ما يخالف النهج السياسي للسلطة فإنها تستطيع ان تستبعده من الجهاز الإداري الحكومي للدولة دون الوظائف البسيطة في السلم الإداري لهذه الوظائف ويجب عدم التعويل على تقارير الأجهزة الأمنية بدرجة كبيرة بل يجب الأخذ بما يقرره القضاء في هذا المجال أي مجموعة الوقائع المادية والقانونية الثابتة إذ كثيراً ما تقوم الأجهزة الأمنية بحرمان العديد من الأفراد لمجرد انتمائه أو اعتناقه لآراء سياسية مخالفة للنهج السياسي الذي تنتهجه الدولة .لذلك فاننا نناشد المشرع العراقي ان يحذو حذو نظيره الفرنسي ويسارع إلى إيراد نص يضمن للموظف هذا الحق الأصيل في حرية الفكر والرأي والتعبير إلى الحد الذي لا يتعارض مع المصلحة العامة التي لا يجوز الاحتجاج بها دوماً . وان تكون تحت رقابة القضاء الإداري في الملاءمة والتقدير في ظل المد الديمقراطي . وذلك بهدف صيانة حريات الموظفين بحيث يمتنع على الإدارة الإشارة إلى الآراء السياسية للموظف العام وعند الإشارة إلى ذلك يعتبر سوء نية من قبل الإدارة وان نص على هذا الحق في صلب الوثيقة الدستورية كأعلى وثيقة سياسية في الدولة وتنظيم تشريعي يصدر بذلك . فقد كانت الإدارة تقصي كل من يخالفها في الرأي أو يعتنق رأياً مخالفاً لها فقد كان لرأي المرشح واتجاهاته السياسية اعتبار ،وإذ كانت الإدارة تطلب موافقة الجهات الأمنية على الترشيح للوظائف العامة ولم تقصره على تولي الوظائف العليا في الدولة بل حتى أنها كانت تطلب ذلك في أدنى الدرجات الوظيفية في السلم الإداري التي كانت كثيراً ما ترفض هذه الجهات تعيين أشخاص لمجرد الشبه أو ان أحد أقارب المتقدم أو المرشح للوظيفة إذا كان يعتنق فكراً سياسياً أو دينياً معيناً وخصوصاً التيارات الإسلامية وامتد المنع إلى أقارب المرشح للوظيفة وكان في ذلك إهدار صارخ لحرية الرأي واعتداء خطير على حرية الفكر والاعتقاد وخرقاً لمبدأ المساواة وحق تولي الوظائف العامة التي قررها الدستور .
________________________
1-المادة 6 من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 .
2- المادة 12 من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 .
3- المادة 13 من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 .
4- المادة 18 من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 .
5- المادة 9 من دستور العراق لسنة 1958 .
6- المادة 10 من دستور العراق لسنة 1958 .
7- المادة 19 من دستور 29 نيسان لسنة 1964 العراقي .
8- المادة 29 من دستور 29 نيسان لسنة 1964 العراقي .
9- المادة 21 من دستور 1968 العراقي السابق .
10- المادة 31 من دستور 1968 العراقي السابق .
11- المادة 10 من دستور 1968 العراقي السابق .
12-المادة 19/1و2 من دستور 1970 العراقي .
13- المادة 26 من دستور 1970 العراقي .
14- المادة 27 من دستور 1970 العراقي .
15- المادة 13/ج ، و من قانون ادارة الدولو المؤقت.
16- د. محمود حامد الجمل / مصدر سابق ، ص789 وما بعدها .
17- د. فاروق عبد البر / دور مجلس الدولة المصري في حماية حريات الموظف العام ، 1998 ، ص422 .
18- المصدر السابق نفسه ، ص422-423 .
19- المادة 40 من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 .
20- المادة 47 من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 .
21- انظر المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 47 لسنة 1978 وبنفس المعنى يراجع د. عبد الحميد محمد عبد القادر ، مصدر سابق ، ص85.
22- انظر حكم المحكمة الإدارية العليا في 5/11/1960 طعن رقم 643 ، مجموعة س 6 رقم 11 ، ص72 ، وفي 3/3/1962 مجموعة س 7 رقم 45 ، ص415.
23- للمزيد حول هذا الموضوع يراجع
- د. محمد محمد بدران / الوظيفة العامة ، جـ 2 ، دار النهضة العربية ، مصر ، 1990 ، ص105-106.
- د. محمد حسنين عبد العال / الوظيفة العامة ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1974 ، ص60 وما بعدها.
- د. فتحي فكري / مبادئ الوظيفة العامة ، دار النهضة العربية ، مصر ، 1994 ، ص210 وما بعدها .
- د. فاروق حسنين الزيات / حرية الرأي لدى الموظف العام ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، ص111.
- د. مجدي مدحت النهري / قيود ممارسة الموظف العام للحقوق والحريات السياسية ، مكتبة الجلاء الحديثة ، المنصورة ، 2001 ، ص265-266.
- د. فاروق عبد البر / دور مجلس الدولة المصري في حماية حريات الموظف العام ، 1998 ، ص168 وما بعدها.
24- المصدر السابق نفسه ، ص174.
25- المادة 29 من الإعلان لحقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر في 1789.
26-المادة 10 من الإعلان لحقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر في 1789.
27- المادة 11 من الإعلان لحقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر في 1789.
28- المادة 11 من الإعلان لحقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الصادر في 1789.
29- المادة 13 من قانون الوظيفة العامة الفرنسي لسنة 1959.
30-المادة 6/3 من قانون الخدمة المدنية الفرنسي المرقم 93-834 لسنة 1983.
31- المادة 18 من قانون الخدمة المدنية الفرنسي المرقم 93-834 لسنة 1983. وللمزيد من الشرح يراجع
Arlette Heymann-Doat, Libertes publiques et droit de lhamme, b edition, 2000, p234.
32- V.Silvera : Lafonction publique – p.240.
و د. محمود عاطف البنا / مصدر سابق ، ص181.
و د. علي خطار شطناوي / مصدر سابق ، ص47.
33- D.G. Lavroff Dimitrie : Le system politiques , Francais de La V republique Dalloz , 1979,p.378.
34- للمزيد حول هذا الموضوع يراجع
د. علي عبد الفتاح محمد خليل / مصدر سابق ، ص234 وما بعدها. وكذلك
J. Walline : Lesconcours de recutement de la fonction publique. Paris 1957. No. P.285.
و د. محمد حامد الجمل / مصدر سابق ، ص 787 . ود. محمد حسين عبدالعال / مصدر سابق ، ص595 وما بعدها.
35- لغرض الاطلاع على المزيد يراجع
د. محمد حسين عبد العال / مصدر سابق ، ص602 وما بعدها .
د. احمد حافظ نجم / السلطة التقديرية للإدارة ودعاوى الانحراف بالسلطة في الأحكام الحديثة لمجلس الدولة الفرنسي 1970-1980 ، مجلة العلوم الإدارية ، ع2 ديسمبر 1983 ، ص72 وما بعدها.
36- المادة 13 من قانون الوظيفة العامة الفرنسي . أمر 4 فبراير 1959.
37- C.E. 28 Sept. 1988 “Merlenghi” A.J.D.A.Mars 1988.p.197.
ذكره الدكتور علي عبدالفتاح محمد خليل / المصدر السابق ، ص237.
38- د. علي عبدالفتاح محمد خليل / مصدر سابق ، ص238.
39- د. محمود عاطف البنا / مصدر سابق ، ص182. وللمزيد يراجع
د. محمد حسين عبدالعال / مصدر سابق ، ص593 وما بعدها.
40- د. محمد حامد الجمل / مصدر سابق ، ص786 .
41- المصدر السابق نفسه ، ص642 .
42-Kodylis (v) : Le Principe de neutralite dans La Fonction Publique ,1993 ,p.200
43-Jean Philippe Bross “Les appeoaches theoriques de La Fonction Publique en Grand Bertange … P, U, F, Paris , 1975 ,P.27.
أشار إليه الدكتور علي عبد الفتاح محمد خليل / المصدر السابق ، ص179 .
44- د. عزيزة الشريف / مبدأ الحياد الوظيفي ، بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية ، العدد الأول ، 1982 ، ص 16 .
45- د. حمدي أمين عبد الهادي / الإدارة العامة المقارنة أساليب البحث وتطبيقها ، جـ1، ط1 ، مطبعة المعرف ، بغداد ، العراق ، بلا سنة نشر ، ص103 .
46- د. حمدي أمين عبد الهادي / نظرية الكفاية في الوظيفة العامة ، ط1 ، 1966 ، دار الفكر العربي ، مصر ، ص288 وما بعدها . وكذلك د. حمدي أمين عبد الهادي / الإدارة العامة المقارنة ، جـ1 ، ط1 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، ص105 وما بعدها .
ود. علي عبد الفتاح محمد خليل / مصدر سابق ، ص181 .
47-Martain Lo Marque “ La Fonction Publique Federal aux-1 Etats unis (travaux et memories de la Faculte de droit et de Science Politique ) Paris ,11, 1977 , P.8 .
أشار إلى هذا المصدر د. علي عبد الفتاح محمد خليل / مصدر سابق ، ص182 .
48- جلال الدين احمد قاسم وعبد الحليم مرسي طه / الملامح الرئيسية لنظام الخدمة المدنية الفدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية ، المنظمة العلمية للعلوم الإدارية ، مركز البحوث الإدارية ، عدد فبراير ، 1972 ، ص15 وما بعدها .
49- د. ربيع فتح الباب / دروس في الإدارة العامة ، العنصر البشري ، 1987 ، ص207 وما بعدها .
ود. علي عبد الفتاح محمد خليل / مصدر سابق ، ص 183 .
50- د. علي عبدالفتاح محمد خليل / مصدر سابق ، ص184.
51- د. سليمان الطماوي / مبادئ علم الإدارة العامة ، دار الفكر العربي ، 1987 ، ص471 .
|
|
للعاملين في الليل.. حيلة صحية تجنبكم خطر هذا النوع من العمل
|
|
|
|
|
"ناسا" تحتفي برائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|